يجمع بين الفلسفة والشعر والقصة، صدرت له مجموعة قصصية سنة 1998 بعنوان:”حين يكون الحزن وحده” ولم يفكر بعدها في إصدار آخر رغم نصوصه الكثيرة والمتعددة، يتميز بالمزاجية والتقلب في الكتابة، يحظى بالاحترام والتقدير من طرف تلاميذه والمحيطين به في الوسط الثقافي والإبداعي، من أجل التقرب أكثر من القاص وأستاذ الفلسفة عبد السلام الجباري الذي كنت يوما تلميذة في أحد فصوله كان الحوار التالي......... سؤال لا بد منه، من هو عبد السلام الجباري؟ كباقي أفراد جيلي الملعونين بدأت بحفظ القران وعندما تقدمت في العمر نسيت نصف ما حفظت، رغم السنوات العديدة التي قضيتها في الكتاب وربما هذا موضوع يشترك فيه معي عدد من الناس، وتحت ضغوط معينة سمح لي والدي بالانتقال إلى المدرسة العصرية وهكذا بدأت المسيرة إلى أن وصلت إلى المرحلة الثانوية، وعندما اكتشفت زيف الظروف التي كنت أعيشها سافرت إلى خارج المغرب لإتمام دراستي، عدت إلى المغرب لأمارس التدريس فعينت في مدينة وجدة كمدرس لمادة الفلسفة والفكر الإسلامي. ما معنى أن تكون مدرسا للفلسفة؟ أن تكون مغامرا لأن الظروف التاريخية التي عاشها المغرب كانت ظروفا صعبة تتطلب منا أن نشتغل بحيطة وحذر، وقد زاد من تأزيم الفلسفة بعض المشرفين التربويين الذين لم تكن لهم حاسة النقد وقدرة استيعاب الأسئلة الفلسفية الحقيقية، وهذا ما دفعني إلى الاهتمام بالأدب وبالخصوص كتابة القصة القصيرة ويمكن أن أقول إنني وجدت ذاتي في القصة. أما عن طفولتي فكانت طفولة عادية، ذلك أنني أحيانا أشعر بالفرح وأحيانا أشعر بالحزن وهذا ما حاولت أن أترجمه في بعض كتاباتي الأدبية. كيف ومتى جئت إلى عالم الإبداع؟ جئت إلى عالم الإبداع من الإبداع نفسه، فطفولتي التي قضيتها في القصر الكبير كانت تجعلني أنخرط في الكثير من الفضاءات، كنت أشاهد الإسبانيين واليهود والمغاربة وكنت أتمنى أن أصبح إما رساما أو موسيقيا فالقصر الكبير باعتبارها مدينة شمالية كانت تدفع بالكثير من الشباب إلى أن يصبحوا شعراء أو مبدعين، إنها مدينة قديمة وطبيعتها كانت طبيعة خلابة وهي مدينة تاريخية أنجبت خصوصا في الستينيات والسبعينيات مبدعين كبارا كمحمد الخمار الكنوني وعبد السلام عامر وغيرهما من المبدعين. في القصر الكبير، وفي الشمال عموما، كان هناك تنافس كبير بين أفراد جيلي في الكتابة والإبداع. وربما هذا يعود إلى تلك الفضاءات التي كانت متوفرة في الشمال كالمعهد الموسيقي ومدرسة الفنون الجميلة بتطوان إلى غير ذلك من المؤسسات الثقافية. أصيلة مدينة صغيرة إلا أنها حافلة بالأنشطة الثقافية فما هي طبيعة العمل الجمعوي والأدبي بهذه المدينة؟ عند مجيئي إلى مدينة أصيلة مُدَرّساً بثانوية وادي الذهب محملا بمجموعة من الرغبات والأسئلة، حاولت الانخراط في المجال الثقافي، وبهذه المناسبة أقول بأنني كنت أعطي الأسبقية لما هو ثقافي على ما هو سياسي، إلا أنني لاحظت أن الكثير كان يعطي الأسبقية للسياسي على حساب الثقافي، وهذا شيء جعلني أنكمش وأنطوي على نفسي وأترك شأن الثقافة لغيري، أتذكر أنني عندما كنت في مكناس كانت لدي صداقات وعلاقات ثقافية حيث كنت أجد التشجيع من بعض الزملاء ومن بعض الجمعيات، وحتى لا أبتعد عن الموضوع أقول إنني استفدت من الأنشطة الثقافية التي كانت مدينة أصيلة مسرحا لها، وقد ساهمت بدوري فيما بعد، في الكثير من الأنشطة والمحاضرات والندوات والقراءات، إلا أن السؤال الحقيقي الذي يجب طرحه أين وصلت هذه الأنشطة الثقافية الآن أمام هذه التناقضات التي أصبح الفضاء الثقافي لا يتسع لها. ما هي طبيعة المقاهي في أصيلة؟ وهل هناك خصوصية ثقافية تميزها عن المقاهي الأخرى؟ في تقديري، إن المقهى كفضاء يساهم بقسط كبير في تقدم المجتمع أو تأخره والكثير من النصوص ذات الإشعاع الكبير كتبت في فضاء المقاهي باعتبارها فضاء يوفر الراحة النفسية ويخلق علاقات متنوعة ومتشابكة مع الآخرين، ففي عواصم العالم الكبيرة، ونذكر هنا باريس التي سبق لي أن زرت بها بعض المقاهي، هناك المقهى باعتبارها مدرسة توجد بها طقوس تسمح بالحوار وبالكتابة وبالحب وبالنكتة وبالتحرش السياسي وبالتحرش الجنسي إلى غير ذلك، والذي يستطيع أن يتكيف مع فضاء المقهى يستطيع أن يفهم الحياة فهما جيدا، فالحياة داخل المقهى ليست هي الحياة خارج المقهى، ذلك أن الحياة داخل المقهى تتميز بالصخب وبالحرية أحيانا، أما خارج المقهى فالحياة التزام وخوف ونظام . قبل الحديث عن خصوصية المقاهي في أصيلة يمكن أن أقول إن المقاهي في المغرب عموما يجمعها مشترك واحد النميمة وهدر الوقت، لكن بفضل انتشار الوعي أصبحت المقهى ترقى إلى مستوى المقهى في مدن أخرى مثل: باريس وغير باريس من العواصم والمدن الكبيرة في كل مدينة توجد مقاهي يؤمّها المثقفون. في أصيلة هناك بعض المقاهي تسمح بممارسة الفعل الثقافي لكن المشكل أين هم المثقفون ؟ هناك علاقة وطيدة بين المبدع والمقهى، إلى أي درجة مازالت هذه العلاقة قائمة خلال الفترة الراهنة؟ وهل هناك علاقة خاصة بين المقهى والمبدع عبد السلام الجباري؟ حقيقة، لن أكون مبالغا إذا قلت لك ليست لدي علاقة بالمقهى أكثر مما لدي علاقة بالحانة، وهناك فرق بين المقهى والمقهى/ الحانة ففي الحانة / المقهى هناك شروط وعلاقات خاصة أما في حالة المقهى / الحانة فهناك أمر آخر، إن الإبداع في تقديري ارتبط بالحالة الثانية خصوصا في مرحلة الستينيات والسبعينيات وباقي المراحل اللاحقة. إلى أي درجة تحضر المقهى في نصوصك الإبداعية؟ وهل سبق وجربت جنون الكتابة بهذا المكان؟ كل نصوصي الإبداعية إما كتبتها في بيتي المتواضع وإما كتبتها في مقاهي وفي مدن مختلفة وعندما كتبت “حين يكون الحزن وحده” كنت أستحضر بدرجة كبيرة قد تكون هي الطاغية أو الحاضرة في الكتاب، الحوارات التي كانت تدور في المقاهي مثل نص:” آية الله الهاشمي” أو مثل نص : “سوسو” أو ” سفر داخل الماء”. ماذا تمثل لك: القصة، الطفولة، الفلسفة؟ القصة: تمثل بالنسبة إلي العلاج الحقيقي لأمراضي النفسية. الطفولة: تمثل لي الحب، العذاب، الإحباط، الأحلام المغتصبة والفرح الذي كنت أجري وراءه والذي لازلت أجري وراءه. الفلسفة: هي السعادة هي المسؤولية هي التسامح، لكن في المغرب الفلسفة هي الكراهية هي الحقد وهي نصْبْ عليا نصب عليك والله يعفو على الجميع. كيف تتصور مقهى ثقافيا نموذجيا؟ سؤال يحتاج إلى صفحات، فالمقهى الثقافي النموذجي لا يمكن أن يوجد في ظروفنا الراهنة فرواد المقاهي في المغرب كلهم من السماسرة والنرجسيين وبعض رجال الأعمال، وفي تقديري إن المقهى الثقافي يعني المكان الذي يتعلم فيه الإنسان احترام الإنسان وبدون احترام الإنسان تصبح كل الفضاءات بما فيها فضاء المقهى لا معنى له. أجرى الحوار: فاطمة الزهراء المرابط