تحل بنا الذكرى الواحد و الستون "للنكبة". نكبة 15 ماي 1948 ، تاريخ احتلال فلسطين و قيام دولة الكيان الصهيوني الغاصب.واحد و ستون عاما من الاحتلال(أو أكثر)؛ ستون عاما من الهوان العربي الرسمي، ومن التقتيل و التنكيل و التشريد و الحصار.واحد و ستون عاما من التطبيع المعلن و الغير المعلن. واحد وستون عاما من الجرح والسينما العربية لم ترقى إلى مستوى القضية وخطورتها لإنتاج أفلام تساهم في تحرير الأرض و في التعريف بالقضية في المحافل الدولية والمهرجانات العالمية. أو على الأقل في إحيائها في قلوب الأجيال السالفة و الحاضرة، عوض إنتاج أفلام المواخير و المؤخرات. إن نظرة عامة على الفيلموغرافية العربية منذ سنة 1948 إلى الآن توضح أن الأعمال السينمائية التي اهتمت بالقضية الفلسطينية بشكل جاد قليلة جدا وقد تكاد تنعدم . بل إن مجموع الأفلام العربية ما بين الروائية و التسجيلية لا تتجاوز إلى أقصى تقدير المائة فيلم بالمقارنة إلى الأفلام التجارية التي توظف لها الأموال الطائلة. وهذا رقم هزيل و جرم في حق فلسطين وشعبها الصامد الذي يحتاج اليوم إلى تاريخ لحظة صموده أمام الطيران الإسرائيلي في غزة بمداد من ذهب، و هذا يحتاج أيضا إلى شريط سينمائي بطولي على شاكلة عمر المختار للراحل مصطفى العقاد. و اعتقد ان الحركات الوطنية و الإسلامية العربية يجب أن تنخرط في تحقيق هذا المشروع إذا عجزت الدول العربية و الإسلامية عن تحقيقه. و يعتبر الفيلم المصري "فتاة من فلسطين"(1948) أول فيلم روائي يتطرق لقضية فلسطين، يليه فيلم "نادية" (1949) وهما من إنتاج الممثلة عزيزة أمير. بعد ذلك اخرج المخرج المصري نيازي مصطفى سنة 1953 فيلم "ارض الأبطال" و المخرج كمال الشيخ فيلمه "ارض السلام". على ان فترة الستينات و السبعينات تظل أفضل فترة عرفت حركة سينمائية بخصوص القضية الفلسطينية حيث ساهمت سوريا ولبنان بانتاجات مهمة مثل فيلم "الفدائيون"(1967)،" الفلسطيني الثائر" ، "كلنا فدائيون"(1969)، " رجال تحت الشمس"(1970) وغيرهم. ويبقى أحسن فيلم أنتج في هذه الفترة والى غاية الآن ، إذا أضفنا إليه فيلم " ناجي العلي" (1992) و إنتاج مصري لبناني، هو فيلم" كفر قاسم"(1974) من إخراج برهان علوية ومن إنتاج سوريا و لبنان، الذي وشم الذاكرة السينمائية العربية و الذي جسد فعليا لطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي و وحشية العدو الصهيوني. ولعل القارئ يتذكر مشاهدته على الشاشة المغربية منذ مدة بعيدة. في فترة الثمانينات تأثرت السينما العربية و بالخصوص الفلسطينية بالاجتياح الصهيوني للبنان و خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان سنة 1982 فجاءت مواضيع الأفلام في هذا الاتجاه مثل "سجل شعب" (1982) للمخرج قيس الزبيدي و "سجل اتفاقية"(1984) و "ابدا في الذاكرة"(1983) لحكمت داود و الفيلم القصير "الناطور"(1986)لمحمد توفيق، ا. ونستطيع ان نقول ان خلال فترة الثمانينات عرفت السينما العربية نضوبا فيما يخص قضية فلسطين. لكن في التسعينيات و بعد نجاح فيلم "ناجي العلي" الذي جعل من القضية الفلسطينية جوهر الصراع في المنطقة العربية و في العالم،و الذي اكد على استمرارية النضال ضد العدو الصهيوني باعتباره الخطر الرئيسي على كياننا، تحرك المخرجون العرب داخل و خارج ارض الوطن العربي ، خصوصا من مصر وفلسطين لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، مثل "القبطان" و " فتاة من إسرائيل" و "48 ساعة في إسرائيل"و "حتى إشعار آخر" وغيرها. ومن الملاحظ أن اتفاقية أسلو والهرولة إلى التطبيع ألقت بظلالها على السينما العربية حيث ظهرت أفلاما تنحو نفس المنحى بل إن أفلاما فلسطينية عرفت توقيعات إسرائيلية تضرب في مشروعية المقاومة و رموزها و تعطي صورة مغايرة للعدو. وهذه الرؤية المضللة للأشياء و الطامسة للذاكرة هي التي ستؤسس لسينما الألفية الجديدة. و إذا كانت السينما العربية لم تعتن بالقضية الفلسطينية وترعاها حق رعايتها ، فان العدو الصهيوني بالمقابل استغل السينما أحسن استغلالا وذلك منذ أول مؤتمر عالمي للصهيونية في بازل سنة1879. حيث أكد في بنده الثالث على أهمية الإعلام التثقيفي لخلق "دولة إسرائيل" و ضرورة نشر الروح القومية بين يهود العالم. فكان أول فيلم بعنوان " قضية درايفوس" للمخرج جورج ميللييه سنة 1899 حول اليهود و اضطهادهم في أوربا. فتوالت الأفلام التي تحكي قصص العهد القديم وتجعل من فلسطين هي "إسرائيل" و ارض الميعاد وتعطي مشروعية دينية للاحتلال و الاستيطان ابتداء من فيلم"الوصايا العشر"(1925) و"معركة البقاء"(1946)وهو من إنتاج المجلس اليهودي المتحد؛ ومرورا بفيلم "الخروج"(1960) و فيلم"قائمة شيندلر " الذي يتمحور حول الهولوكوست والذي حصد 7 جوائز اوسكار سنة1994 و وصولا إلى فيلم" يوم الاستقلال الذي يروج لفكرة البطل اليهودي المنقذ للعالم. و قد لعب تغلغل اللوبي الصهيوني في مراكز الصناعة السينمائية العالمية دورا مهما في فرض رؤيته للصراع العربي الإسرائيلي. حيث تم تقديم الصهاينة في صورة ايجابية بينما صور الفلسطينيون او العرب في صورة عدائية رجعية متخلفة حيث تبرز أي نشاط عربي مقترنا بالعداء للعنصر اليهودي و ليس للاحتلال الصهيوني. و هنا لابد من القول إن من المؤاخذات على العالم العربي هو عدم استغلال الصورة و الكاميرا في صراعه مع العدو و ذلك منذ البداية. فحتى عندما قامت الثورة العربية في فلسطين سنة 1936-1939 لم يهتم احد بتسجيلها و توثيقها سينمائيا من وجهة نظر عربية مع العلم انه آنذاك كانت السينما وقاعاتها موجودة . بل و رغم نزوح ما يقرب عن 75 ألف فاسطيني سنة1948 الى الدول العربية ؛ فان السينما ظلت بعيدة عن تسجيل وتوثيق حدث خطير مثل هذا. و لم ينتبه إلى ذلك إلا إلى غاية نكسة 1967حيث ظهرت الحاجة الماسة إلى مخاطبة الرأي العام وتعريفه بالحقائق. ولذلك فاليوم اكبر معركة مع العدو لهزمه هي معركة الإعلام قبل كل شيء. و هذا ما عملت على فعله قناة "الأقصى" خلال العدوان الأخير على غزة وقد نجحت في نقل ما يجري على ارض الواقع مبينة بذلك جرائم العدو، و كذلك المقاومة في لبنان سنة 2006. وأخيرا فان السينما بحكم خصوصيتها الجمالية و الفنية المؤثرة تستطيع أن تلعب دورا مصيريا في التعريف بالقضية الفلسطينية خصوصا للأجيال الصاعدة و طرحها من وجهة نظر عربية إسلامية من خلال التأكيد على مشروعية المقاومة ، إبراز معاناة اللاجئين، فضح لا شرعية الكيان الصهيوني و جرائمه البشعة، خطورة التطبيع ، الارتباط بالأرض ، حق العودة و التصدي لتهويد القدس و حماية الذاكرة الفلسطينية. وأي عمل درامي جيد سيلقى بدون شك نجاحا جماهيريا كبيرا. فهل من مجيب؟ مصطفى الطالب ''الفوانيس السينمائية''