الحبيب ناصري لجريدة العرب القطرية: «السينما الوثائقية» في العالم العربي سينما مقاومة من المهرجانات الفنية والثقافية الوليدة بالمغرب مهرجان دولي للفيلم الوثائقي بمدينة خريبكة (وسط المغرب)، يهدف إلى جعل الفيلم الوثائقي أداة للحوار مع الذات والآخر، وما ينهض عليه هذا الحوار من قضايا ثقافية عميقة مرهونة بسؤال الفيلم الوثائقي بشكل عام. ويترأس الباحث والناقد المغربي الدكتور الحبيب ناصري جمعية خاصة بتنظيم هذا المهرجان الذي سينعقد كل سنة بالمغرب. وحول قضايا الفيلم الوثائقي ورواجه وسماته والتحديات المطروحة أمام هذا النوع من السينما، جاء الحوار التالي مع الحبيب ناصري: عرف مشهد المهرجانات الفنية والثقافية بالمغرب ميلاد مهرجان دولي للفيلم الوثائقي قبل بضعة أشهر قليلة.. بصفتك تترأس جمعية المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي، ما الأهداف الفنية لتنظيم مهرجان كهذا في المغرب؟ -- أولا، تحية ود وتقدير لجريدة العرب القطرية على هذه الالتفاتة للمغرب الأقصى في شخص هذا المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي، وبالمناسبة فدولة قطر -إن شاء الله- تم اختيارها للمشاركة في الدورة الأولى.. أما فيما يخص الأهداف المسطرة والمراد تحقيقها من خلال هذا المهرجان، يمكن القول إن المهرجان يسعى إلى ترسيخ ثقافة الصورة بشكل عام، وصورة الفيلم الوثائقي بشكل خاص.. أو بلغة أخرى يمكن القول إن المهرجان يسعى إلى جعل الفيلم الوثائقي أداة للحوار مع الذات والآخر وما ينهض عليه هذا الحوار من قضايا ثقافية عميقة مرهونة بسؤال الفيلم الوثائقي بشكل عام. يجرنا الحديث إلى التساؤل هل لدينا فليم وثائقي بالمعنى الاحترافي للكلمة في المغرب؟ - - سؤال مهم، بل أقول هل لدينا مشروع عربي فيلمي وثائقي مبني على رؤية علمية. إنه السؤال الأكبر والذي منه يتفرع العديد من الأسئلة ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بسؤال الفن والثقافة ككل. المهم هنا إننا في المغرب سنحاول أن نموقع أنفسنا ضمن السؤال التالي: إلى أي حد يمكن صيانة الذاكرة وتطويرها في الوقت نفسه عن طريق سؤال الفيلم الوثائقي.. ولنعمق السؤال أكثر: إلى أي حد يمكن أن نساهم في جر انتباه من بيدهم إمكانات القول بواسطة الصورة أن ينخرطوا في التعبير عن همومنا وأفراحنا بواسطة صورة الفيلم الوثائقي بلغة فنية راقية، لغة مبنية على نشر قيم التسامح والتعايش والتفاعل والتكامل بيننا كبشر.. من هذا المنطلق يمكن القول إن الاهتمام بالفيلم الوثائقي ببلادنا، بل وفي العالم العربي ككل، ما زال لم يصل بعد إلى الهدف المنشود.. من هنا فكرنا في هذا المهرجان من أجل المساهمة في الإجابة عن السؤال المطروح.. وهنا أشير إلى دور بعض الفضائيات العربية التي بدأت تلعب دورا مهما من أجل ترسيخ ثقافة الفيلم الوثائقي في وطننا العربي، وأخص بالذكر قناة الجزيرة التي أتمنى أن تكون بجانبنا في هذه التجربة، وأتمنى أن يصلها نداؤنا من خلال هذا المنبر الإعلامي الكريم. يرتكز الفيلم الوثائقي أساسا على الواقع وتسجيله لفهم المجتمع، وهو ما يخالف «التخييل» في الأفلام السينمائية بصفة عامة.. هل ترى أن هذا العنصر «الواقعية» يفيد صناعة ورواج الفيلم الوثائقي أم العكس؟ -- هناك العديد من التعارف والمقاربات الخاصة بهذا النوع من التعبير الفني والجمالي أي الفيلم الوثائقي، وحتى لا نثقل القارئ الكريم بالعديد من التعاريف الأكاديمية، ما يمكن قوله هنا إن الفيلم الوثائقي يوظف ويشغل العديد من العناصر والمكونات الواقعية في أفق تسجيل ظاهرة ما، من أجل فهمها وتفكيكها وتحليلها تحليلا مبنيا على رؤية علمية دون السقوط في الانطباعات الفردية الضيقة.. وأقول شخصيا إن الفيلم الوثائقي مجال خصب لتشغيل المقاربات العلمية والثقافية ذات الطابع الإنساني في أفق مد الأجيال المقبلة وحتى الحالية، بما وقع ولماذا وقع، وكيف وقع؟ كل ذلك من أجل لفت انتباه المتلقي بشكل عام. فعلى سبيل المثال لا الحصر، حينما أخرج فيلما وثائقيا حول جزء من حقبة تواجد العرب بالأندلس من خلال ما تركوه من معالم ومآثر حضارية كبرى، فأنا أنبه المتلقي العربي والعالمي بشكل عام عن دور هذا الإنسان العربي في بناء الذاكرة الإنسانية ككل.. السينما الوثائقية أيضا لا تشتغل وفق هاجس إيرادات شبابيك التذاكر.. هل ترى أن هذا عامل لاستمراريتها أم حاجز أمام تطورها؟ - سؤال مهم للغاية.. أقول هنا وبشكل مختصر: إن سؤال الثقافة والفن هو سؤال إنساني بامتياز، بمعنى ليس دائما ومن الضروري ربط معيار الربح بما نقدم. إن على الدولة وحتى القطاع الخاص وعلى الجميع أن يعي أن الاستثمار في الإنسان لا يقدر بثمن. والعولمة في نهاية المطاف رغم بعض إيجابياتها تريد أن تقيس كل شيء بمنطق الربح. إن قضايا التربية والثقافة والفن قضايا فوق منطق لغة الشبابيك. من هنا تأتي عملية احتضان الدولة في شخص بعض قطاعاتها العامة لبعض المكونات الثقافية، بل يجب على كل الساهرين على همنا الثقافي الوعي بأهمية عدم الخلط بين الربح السريع وكيفية التعبير عن همومنا وأفراحنا بواسطة القول الثقافي والفني وإلا سيتم مسخ ذاكرتنا الإنسانية وجعلها في المزاد العلني من البائع ومن المشتري. أيضا السينما الوثائقية تعرف نوعا من الجحود من طرف التلفزيون والمؤسسات الرسمية.. فهل يمكن اعتبارها سينما «مقاومة»؟ - بكل تأكيد، فكل القنوات العربية المهتمة بالفيلم الوثائقي هي قنوات تستحق منا ألف تحية، لأنها لا تشتغل بمنطق الربح المادي المباشر، بل بمنطق الربح الثقافي والإنساني.. من هذا المنطلق، فكرنا نحن بدورنا أن ننضاف إلى هذه الجبهة الثقافية-الفنية المؤمنة بأهمية الفيلم الوثائقي.. وأستغل هذه المناسبة لأشكر زملائي بجمعية المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة هنا بأرض المغرب العزيز، وهم الدكتور المسعودي بوشعيب والدكتور عبدالهادي أعراب، والأستاذ حسن مجتهد والأستاذ الممثل وكاتب السيناريو رشيد لعروسي والأستاذ عبدالغني السملالي، والأستاذ المحامي صالح عقار، وتحية إلى كل الذين آمنوا بفكرتنا ويعملون من أجل إنجاح هذه التظاهرة الفنية. هناك من يعتبر السينما الوثائقية سينما «نخبوية».. ما تعليقك على مثل هذا الفهم؟ -- لا أظن أن الفيلم الوثائقي موجه فقط إلى النخبة.. الموضوع يرتبط مباشرة بطبيعة القضايا وطبيعة اللغة الموظفة في الفيلم الوثائقي، بل إن من واجبنا جميعا العمل على جعل الفيلم الوثائقي قضية ثقافية-إنسانية. وقد حان الوقت من أجل العمل على إشراك الجميع في سؤال الفيلم الوثائقي.. وقبل الختم، أنوه بهذه الالتفاتة الآتية من دولة قطر الشقيقة في شخص جريدة «العرب» الأصيلة، وأكرر مرة أخرى أن دولة قطر -إن شاء الله- ستكون حاضرة في مهرجاننا المغربي (العربي والدولي) بمدينة خريبكة المغربية. حاوره حسن الأشرف