لم يكن بوشعيب غالمي ..إسما عاديا في تاريخ النادي القنيطري و لا المغرب الفاسي ..كان مدربا مدربا.. واحدا بصيغة الجمع ..يقاتل كل الفصول ليعتقل الربيع ..حلق من بلجيكا يتأبط دفاتره التقنية وجبال كراريسه التكتيكية ..نزل بكل هذا التألق الأكاديمي كالسنونو على ضفاف نهر – سبو – كان مبللا..يرتعش من جليد أوروبا ..و لتقطته عين صقر ..محمد دومو ..رئيس الكاك و ما أدراك ما الكاك ..رئيس نادر لفريق نادر ..في مدينة القنيطرة التي يتقن اللاعبون فيها مغازلة الكرة و هم في عمق أرحام أمهاتهم .. هذا الدومو الداهية احتضن هذا السنونو ..مدربا صغيرا ..مبتدئا لفريق من ديناصورات الكرة و الفن الرفيع ..إحتضنه بشدة ..بعنف ..و حتى بعد ست مباريات بأرقام ميتة زاد من قوة العناق ..عندها تمت ولادة مدرب عبقري ..لفريق عبقري ..و ولج به حقبة الاكتساح .. ..بوشعيب الغالمي هذا المدرب الذي كان فوق العادة كان أول مدرب خلال حياتي المهنية الذي بحث عني و تنقل من القنيطرة إلى الرباط ..حتى وجدته أمامي يجلس في مكتبي بجريدة الميثاق ..إنتفضت ولكنه سبقني برجاء احتساء قهوة خارج تلفونات و انشغالات العمل الروتينية ..كانت أول حصة من كلية الغالمي في مقهى باليما الشهير أمام قبة البرلمان .. فاجأني بهذا المدخل ..إن كل اختراع جديد ..قد يلغي ماقبله ..و لكنهم لم يكتشفوا شيئا جديدا بعد الحب .. ..أعامل اللاعبين كصديق و الصغير منهم كأب و للجميع أكن الود الصادق و الاحترام و التقدير ..إن صناعة فريق كصناعة أسرة ..تماما ..و بالمحبة و الود نتغلب على كل الصعاب .. أول شئ أبتدئ به أي تدريب هو توزيع الكرة على اللاعبين ..لأنها معشوقتهم و حبيبتهم ..فلابد أن يغازلوها و يحسوا بالدفء معها ..بعدها تنطلق تداريب اللياقة و الجهد و ترويض العضلات .. ..كان الغالمي يعرف أني سأطرح عليه سؤالا عن تعامله مع اللاعبين و مع كل المحيط ..فقد شاهدني مرة أجلس مراقبا في مدرجان الملعب خلال حصة تدريبية ..سالته ..لماذا لا يلعب الكاك بنفس نهج الكرة البلجيكية آنذاك ..الدفاع الخطي و مصيدة التسلل ..اجاب و هو يفرك لحيته الكثيفة الشعر ..هناك يمتلكون ثقافة تكتيكية عالية ..هنا يمتلكون كل الثقافات التقنية و المهارية و التلقائية ..و انضباطهم التكتيكي العالي للدفاع الخطي شبه مستحيل .. قلت إذن ..قال ..هناك ثلاثة أنواع من اللاعبين ..لاعب عادي ..لاعب جيد ..و لاعب فنان ..و في الكاك وجدت فناني كل الدنيا ..موهوبين بالفطرة لا يلعبون الكرات العالية إلا نادرا ..الكرة تسير و تتنقل من كل مكان أرضا ..و هو الأمر الذي سهل علي العديد من الجهد لتركيب و معالجة الكثير من الأساسيات ..و ها نحن نتصدر قمة الترتيب و الحكم لكم و للجماهير .. بالكرة التي تتنقل أرضا أحدث ما يسمى حاليا تملك الكرة أو الاستحواذ ..و لكي يتم ذلك فرض فرضا قاطعا ..عدم لجوء المدافعين للتشتيت إلا للضرورة القصوى و كان هذا الأمر سهلا على لاعبي النادي القنيطري ..لأنهم جميعا – كوايرية – ..و في فترة الثمانينيات كانت متعة التفرج على الاحتفالية مشتركة بين فريقين فقط..الكاك و الرجاء ..كرة النغمة ..كرة الكعب و دهاء التمرير ..كانت الثلاثيات و الثنائيات عادية و مدهشة بين لاعبين يلعبون ليتمتعوا و يمتعوا و ليس من أجل العقد و الشهرية الغليظة و باقي الامتيازات ..كانت استفادتهم من الكرة صغيرة لحد الفتات ..و لكن رغبتهم ملحة في اللعب و اصطياد الأعياد .. كان الغالمي لا ينسى تعليمات التسديد من كل الزوايا و يركز على الكرات المتوقفة قال ..كنت أحلم بطريقة تنفيذ ضربة خطأ ما ..صدقني كنت أحلم ..و يكرر أحلم ..و خلال التداريب أنفذ و في المباراة ينجح اللاعبون ويسجلون ..أكون ساعتها أسعد مخلوق أكاد ألامس السحاب . ..بعدما تطورت صداقتنا ..جاءني في صباح يوم سبت ..و له مباراة يوم الأحد مع نادي الجيش الملكي ..بالرباط..فريق الجهابدة ..عمار ..زناية ..باموس ..المختطف ..عبد القادر و غيرهم من عباقرة الكرة آنذاك ..القوة ..الفنية ..و الانضباط الكامل ..يا إلهي ..سألني بذكاء متحدث يبحث عن معلومة ..أية معلومة تفيده ..و أحسست بخبث سؤاله ..و قلت يبدو أنك في و رطة فنية هذه المرة ..فالجيش لا حل له.. ولكنك إن نجوت بجلدك و لم تتلق هدفا في العشرين دقيقة الأولى ف …ربما تجنح للتعادل ..و التعادل مع الجيش بالرباط غنيمة من الغنائم ..قال لماذا العشرين دقيقة الأولى ..أجبت و أخيرا أفصحت من دون قصد عن المعلومة التي يبحث عنها ..إن المدرب هو الفرنسي كليزو و هو متأثر بطريقة النادي الألماني بايرن ميونيخ ..فخلال التسخين الذي يسبق الشوط الأول يلتجئ كليزو لساعة كاملة من التسخين و لا أعرف لماذا ..و بسرعة لمعت عينا بوشعيب و لم يبتسم و ودعني .. خلال المباراة التي تابعتها باشتياق كبير و فضول يلامس الخوف بملعب الفتح ..أقفل النادي القنيطري منطقته الدفاعية قفلة فولاذية لا مثيل لها حتى أكثر اللاعبون من التشتيت على رأسهم البويحياوي..وكان الثلث ساعة الأول كالعاصفة ..ضغط رهيب من لاعبي الجيش و تحمل و مقاومة الفدائيين من لاعبي الكاك ..وانتهى الشوط الأول بالأصفار و كان على الغالمي أن يحمد الله لكنه حمده و شكره فسجل البوساتي مرتين في الشوط الثاني .. بعدها أوضح لي أن تسخين ساعة يعني أن لاعبي الجيش سيكونوا جاهزين بدنيا و أسرع من الخصم الذي عليه انتظار الدخول في المباراة شيئا فشيئا..لكن في الأخير سيجد نفسه وقد استقبل أهدافا.. كان الغالمي يؤكد أن أي مدرب بدون لاعبين ممتازين سيتعب كثيرا فقط ليقدم فريقا منظما و ليس فريقا يتصدر و يمتع ..وعندما وجد في الكاك ما يرضيه كمبدعين مثل خليفة و بوجمعة و البويحياوي و أنافال و الحوات و البوساتي و جمال جبران ..وجد في المغرب الفاسي نجوما و لآلئ مثل التاكناوتي و لغليمي و بونو و فتاح و حميد خراك و السليماني و الأشهبي و غيرهم ليكمل مسيرة النجاح بدون توقف ..حتى أغتالته أقداره في حادثة سير مشؤومة ..رحمه الله ..رحمه الله ..و إنا لله و إنا إليه راجعون