من المؤكد أن قرار إلغاء الاحتفال بعيد الشباب المتزامن مع ذكرى عيد ميلاد الملك خطوة رمزية إضافية في مسلسل تطور المؤسسة الملكية وملاءمة مكوناتها وتقاليدها مع متطلبات العصر. ورغم أن هذا المسلسل الذي بدأ قبل عشرين عاما يعرف نوعا من البطء والتردد إلا أن الإشارة الأخيرة تحمل دلالات جد هامة في سياق تاريخي خاص. فهذه المبادرة تأتي أولا في سياق الاحتفال بعشرين عاما من تولي الملك محمد السادس الحكم وهي الحقبة التي عاش فيها المغرب تأرجحا بين الإصلاح والركود، وبين التقدم والتراجع في شتى المجالات. وثانيا يأتي الإعلان عن إلغاء احتفالات عيد ميلاد الملك بعد تصريحات غير مسبوقة عبر عنها المستشار الملكي عبد اللطيف المنوني كان من أبرز عناوينها حرص الملك محمد السادس على تحول المغرب نحو ملكية برلمانية. وتحتل الأبعاد الرمزية للملكية في المغرب مكانة جد متجذرة في بنية النظام السياسي. وعلى رأس هذه الأبعاد تأتي الأعياد والاحتفالات. فعيد ميلاد الملك محمد السادس ارتبط كما هو الحال منذ عهد الحسن الثاني بعيد الشباب وكان يمثل مناسبة في العهد السابق لتنظيم حفلات حاشدة تستنزف الكثير من الموارد المالية والبشرية. وعلى الرغم من أن هذا الإلغاء لا يعني بالضرورة ولوج عهد الملكية البرلمانية إلا أنه دال جدا من حيث كونه يرتبط بمكون التقاليد الذي يعتبرا مكونا ثقافيا عصيا على التجاوز والتجديد في الملكيات العريقة. يتذكر الجميع في هذا الإطار الجدل الذي دار في السنوات الأخيرة حول حفل الولاء وطقوسه المخزنية العريقة، وكيف ترددت الدولة كثيرا في اتخاذ إجراءات العصرنة والتطوير التي تلزمه. ويعتبر كثير من الباحثين والمؤرخين أن طقوس الدولة المخزنية تعتبر تراثا تراكم عبر قرون طويلة وهو ما يجعل تجاوزها أو إلغاءها أمرا ليس بالهين خصوصا في بلد مثل المغرب يعتبر نظامه الملكي الأقدم في العالم على الإطلاق. لكن يبدو أن "المجتمع المحافظ" الذي تحدث عنه وزير العدل محمد أوجار مؤخرا باعتباره عائقا أمام التحديث والتطور يحتاج إلى القدوة والأنموذج. وهذه هي النقطة الثالثة المهمة في قراءة هذا الإجراء. فتخلي الملك عن احتفالات عيد الشباب إشارة قرية أيضا لباقي المكونات السياسية والمجتمعية والإدارية التي أصبحت مطالبة اليوم بالتركيز على الجوهر أكثر من المظهر. ولا تخلو هذه الإشارة من درس يقدم لكل هياكل وأجهزة الدولة في وقت تمر فيه مالية المغرب بمرحلة صعبة دفعت رئيس الحكومة في الأسبوع الماضي إلى توصية كافة القطاعات الحكومية بنهج تقشفي في إعداد ميزانية قانون المالية 2020. ومن المؤكد أن المؤسسة الملكية أطلقت في عشرينيتها الأولى دينامية جديدة نحو التطوير والعصرنة والتخلص التدريجي من سطوة التقاليد الثقيلة. ويبدو أن الانطلاق من المكونات الرمزية وعلى رأسها الاحتفالات والأوسمة وغيرها من الطقوس خطوة في مشوار الملكية البرلمانية التي ينشدها الملك أكثر من غيره حسب المستشار عبد اللطيف المنوني.