المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    المغرب التطواني يهزم اتحاد طنجة    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    دينامية السياسة الخارجية الأمريكية: في نقض الإسقاط والتماثل    أنشيلوتي يدافع عن مبابي.. "التكهن بشأن صحته الذهنية أمر بشع"    الجزائر تعتقل كاتبا إثر تصريحاته التي اتهم فيها الاستعمار الفرنسي باقتطاع أراض مغربية لصالح الجزائر    مكتب "بنخضرة" يتوقع إنشاء السلطة العليا لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب في سنة 2025    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمغرب: تعزيز التعاون من أجل مستقبل مشترك    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    استغلال النفوذ يجر شرطيا إلى التحقيق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري    انخفاض مفرغات الصيد البحري بميناء الناظور    موتسيبي "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة بالجديدة يحتفل ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بوعشرين: أصحاب "كلنا إسرائيليون" مطالبون بالتبرؤ من نتنياهو والاعتذار للمغاربة    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط        كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حفل عيد العرش .. مراسيم تجديد الولاء وتكريس طقوس الاعتلاء
نشر في هسبريس يوم 30 - 07 - 2017

ارتبط حفل عيد العرش بمخاض تأسيس الدولة العصرية والبحث عن بعض مظاهر تجلياتها السياسية، ليتم بعد ذلك تكريس هذا الحفل من خلال إحياء وتقعيد طقوس ارتبطت بالأساس بنظام حكم سلطاني يقوم على ركيزتي الولاء والخضوع السياسيين. من هنا، ستتم مقاربة مراسيم هذا الحفل من خلال تسليط الضوء على بعض الدلالات السياسية لبعض هذه الطقوس ومظاهر استمراريتها ضمن صيرورة النظام السياسي بالمغرب.
1- الاحتفال بعيد العرش كمظهر من مظاهر تأسيس الدولة العصرية
قبل الحماية، درج السلاطين على الاحتفال بثلاثة أعياد دينية فقط (عيد الفطر، عيد الأضحى وعيد المولد النبوي). لكن بانتشار الفكر الوطني، وتحالف القصر مع مكونات الحركة الوطنية في محاربتهم لمختلف أشكال الاستعمار؛ بدأ التفكير في تأسيس "أعياد وطنية" تجسد الالتفاف الشعبي حول مضمون الأمة المغربية ورمزية الاحتفال ب"المؤسسة الملكية" كتجسيد لهذا المضمون.
وفي هذا السياق، بادر بعض قياديي الحركة الوطنية في إطار التقرب من الملك محمد الخامس وإفساد كل خطط الحماية لفك التحالف السياسي بين القصر وبين مكونات الحركة الوطنية، إلى تأسيس تقليد الاحتفال بذكرى جلوس الملك على العرش، واعتباره عيدا وطنيا وشعبيا وقد أشار علال الفاسي في كتابه (الحركات الاستقلالية في المغرب العربي) بهذا الصدد إلى ما يلي:
"إن الفرنسيين أخذوا يدسون بين الوطنيين وبين جلالة الملك، ولما سافرت إلى فرنسا فرارا من اعتقالهم حاولوا أن يقنعوا القصر بأني سافرت مبعوثا من الكتلة الوطنية للتفاوض على إرجاع المولى عبد الحفيظ لعرش مراكش ومع أن جلالة الملك أعقل من أن يصدق أمثال هذه الترهات فإن الكتلة الوطنية لم تقف موقف المتفرج من عمل الفرنسيين.
وقد أرادت أن تظهر عمليا عواطف الوطنيين الحقيقية نحو ملكهم العظيم من جهة، فاهتدت إلى فكرة سديدة هي تأسيس عيد العرش المغربي يوم 17 نوفمبر الذي هو يوم جلوس جلالة سيدي محمد، وقد حل ذلك اليوم الذي بدأت البلاد تحتفل، ولكن الإقامة العامة وقفت موقف المنذهل الذي يريد منع الاحتفال ولكنه لا يستطيع التجرؤ في التنفيذ وفعلا لم تستطع الوطنية المغربية أن تجعل من هذا الاحتفال عيدا رسميا، ولكنه على كل حال كان يوما تمهيديا للعيد الرسمي الذي أسس في السنة الموالية أي سنة 1934....
وفي يوم 7 مايو سنة 1934، كان موعد زيارة الملك السنوية لمدينة فاس، فانتهزت الوطنية المغربية هذه الفرصة لتظهر لجلالته ولاءها في عاصمة ملكه الروحية، فنظمت الاستقبالات الشائقة التي لم يسبق لها مثيل في شكلها الحديث، ونصبت أقواس النصر في سائر الجهات، وعلقت الرايات المغربية في طول المدينة وعرضها، وتغنى الجمهور بنشيد جديد للملك (من نظمي) يعبر عن آمال الأمة القومية في جلالته، وأصدرت جريدة "عمل الشعب" عددا خاصا محلى بصورة الملك وصورة ولي العهد الذي أعطيناه لقب (أمير الأطلس)، وأظهر الجمهور ساعة وصول جلالته من الحماس والتأثر ما أطلق الألسنة بالهتافات الوطنية والأدعية الصادقة بحرية المغرب واستقلاله".
ومنذ ذلك التاريخ، أصبح اهتمام الحركة الوطنية منصبا على الاحتفال بعيد العرش كلما حلت ذكرى 18 نونبر ولم يقتصر الأمر فقط على الاحتفال بهذا العيد داخل البلاد؛ بل كانت تستغل كل زيارات الوطنيين للخارج لتقام احتفالات بهذه الذكرى، وذلك كسبا للتأييد الخارجي وتعريفا بالقضية المغربية.
وبهذا الخصوص، أشار علال الفاسي إلى أن وفدا عن الحركة الوطنية استغل زيارته لباريس في سنة 1946 للاحتفال بعيد العرش:
"فقد أقام الوفد يوم 18 نوفمبر سنة 1946 احتفالا فخما بمناسبة عيد العرش المغربي، حضره جم غفير من كبار الأوربيين والعرب الموجودين في العاصمة الفرنسية على رأسهم سمو الأمير عبد الله سيف الإسلام ابن الملك يحيى عاهل اليمن السابق، وألقيت فيه عدة خطب كان من بينها خطاب العلامة ماسينيون والشيخ دراز، وقد كانت كلها إعجابا بجلالة الملك وتأييدا للحقوق المغربية التي يرعاها جلالته، ولقد شهدت الصحافة الفرنسية بحسن التنظيم الذي قام به الحزب في هذه الحفلة، واستنتجت منه مقدرة المغاربة على تسيير شؤونهم ما داموا قادرين على تنظيم الحركات واكتساب عطف المشرق والمغرب عليها". (1).
من خلال هذا النص، يستنتج بأن فكرة تنظيم عيد العرش كانت فكرة نابعة من قادة الحركة الوطنية وليس القصر الذي لم يعمل إلا على تكريسه من خلال إصدار قرار وزيري في 1934من لدن الصدر الأعظم محمد المقري سيصبح بموجبه الاحتفال بعيد العرش رسميا، (2) وشاملا لمختلف أنحاء المملكة، بما فيها الجهات التي كانت تحت السيطرة الإسبانية. وقد أحيط هذا الاحتفال بعدة مظاهر تكرس التشبث بالملكية كرمز من رموز الهوية الوطنية في مواجهة المخطط الاستعماري لسلطات الحماية الفرنسية – الإسبانية، حيث تم تأسيس كأس عيد العرش، في حين شكل الاحتفال بعيد العرش فرصة للملك محمد الخامس لفك العزلة السياسية التي كانت مضروبة حوله من لدن أجهزة الإقامة العامة، حيث كان يستغل هذه الذكرى لتوجيه خطب تحث على المقاومة ومواصلة الكفاح من أجل الاستقلال؛ وهو ما كان يضطر أجهزة الرقابة إلى حذف ما تراه محرضا أو منتقدا لسياستها، خاصة ما يذاع على أمواج الإذاعة.
2- الاحتفال بعيد العرش وتجديد مراسيم الولاء السياسي
بعدما استعاد المغرب سيادته برفع إجراءات الحماية على دواليب أجهزة سلطة الدولة تواصل الاحتفال بعيد العرش كعيد رسمي للبلاد، حيث أصبح هذا الاحتفال يتم وفق مراسيم خاصة عمل الملك الراحل الحسن الثاني على إحاطتها بكل مظاهر البذخ وتخصيص ميزانية خاصة لإقامة الاحتفالات، حيث كانت تفرض، خاصة في عهد وزير الداخلية الراحل إدريس البصري (إتاوات مالية) على الخواص من أرباب المحلات التجارية وغيرها، ودفع مبالغ مالية لتنظيم الاحتفالات التي كانت تقام في مختلف الأقاليم والجهات.
وهكذا، أصبح حفل الولاء طقسا من طقوس الحكم المخزني؛ يتم فيه استقدام مختلف مكونات الطبقة السياسية والإدارية، من ولاة وعمال وقواد ورؤساء المجموعات والبلديات والجماعات الحضرية والقروية بالإضافة إلى الأعيان ومختلف الشخصيات الممثلة للنخبة الإقليمية والجهوية إلى العاصمة أو أي مدينة يوجد بها الملك، إذ تقوم المصالح المركزية لوزارة الداخلية عادة بمراسلة كل وال أو عامل إقليم على حدة، وتحدد له كوطا معينة، أي عدد الشخصيات التي يمكنه استدعاؤها إلى هذا الحفل.
هذا يترك لهؤلاء سلطة اختيار وانتقاء هذه الشخصيات. فمنهم من يفضل دعوة المنتخبين من برلمانيين ورؤساء جماعات، وبعض الشخصيات البارزة من مثقفين ورجال أعمال، بينما يركز ولاة آخرون على الأعيان المحليين من رجال أعمال وشخصيات أخرى مقابل تهميش المنتخبين والبرلمانيين .(3) ويتم تنظيم حفل ولاء عادة وفق مراسيم مخزنية خاصة وصفتها جريدة الصحراء، المقربة من القصر بشكل أكثر تدقيقا؛ حيث أشارت إلى ما يلي:
"ترأس الملك محمد السادس، عشية يوم الاثنين بالمشور السعيد بالقصر الملكي بالرباط، حفل الولاء الذي يتوج الاحتفالات الرسمية بعيد العرش التي تخلد الذكرى الأولى لتربع جلالة الملك على العرش. وقد قدم في بداية هذا الحفل، وزير الداخلية السيد أحمد الميداوي؛ وفؤاد علي الهمة، كاتب الدولة في الداخلية، والولاة وعمال الإدارة المركزية، ولاءهم لجلالة الملك الذي كان مرافقا بسمو الأمير مولاي رشيد، وسمو الأمير إسماعيل، وسمو الأمير مولاي إدريس، وسمو الأمير مولاي اليزيد. بعد ذلك قام ممثلو مختلف الأقاليم بتجديد بيعتهم للملك وهم على التوالي:
ممثلو جهة وادي الذهب – الكويرة التي تضم عمالة وادي الذهب، وإقليم أوسرد، جهة العيون- بوجدور – الساقية الحمراء التي تضم أقاليم العيون وبوجدور، كولميم – السمارة التي تضم أقاليم كولميم، وطاطا، وأسا الزاك، وجهة سوس ماسة درعة التي تضم ولاية أكادير وأقاليم تارودانت، وتزنيت، وورزازات وزاكورة. مملثو الغرب – شراردة – بني حسن التي تضم إقليمي خنيفرة وسيدي قاسم، الشاوية – ورديغة التي تضم أقاليم سطات، وخريبكة، وبني سليمان؛ وجهة مراكش – تانسيفت – الحوز التي تضم ولاية مراكش وإقليمي قلعة السراغنة والصويرة. ممثلو الجهة الشرقية التي تضم ولاية وجدة وإقليمي فكيك والناظور؛ وجهة الرباط- سلا – زمور- زعير التي تضم ولاية الرباط وإقليم الخميسات؛ وجهة الدار البيضاء الكبرى التي تضم ولاية الدار البيضاء الكبرى.
ممثلو جهة دكالة عبدة التي تضم إقليمي آسفي والجديدة؛ وجهة تادلة – أزيلال التي تضم إقليمي بني ملال وتادلة –أزيلال؛ وجهة مكناس – تافيلالت التي تضم ولاية مكناس وأقاليم الحاجب، وإفران، وخنيفرة والراشيدية. ممثلو جهة فاس – بولمان التي تضم ولاية فاس وإقليمي صفرو وبولمان؛ وجهة تازة –الحسيمة – تاونات التي تضم أقاليم الحسيمة، تازة، وتاونات؛ وجهة طنجةتطوان التي تضم ولايتي طنجة وتطوان وإقليمي شفشاون والعرائش).
وكلما تقدم الملك، وهو على صهوة فرسه، صاح خدام القصر بالعبارة المخزنية المألوفة "ولاة، عمال قواد، الله يبارك ويصلحكم كالكم سيدي" فيرد عليه ممثلو كل إقليم بأن ينحنوا خمس مرات وهم يرددون عبارة "الله يبارك في عمر سيدي". وبعد نصف ساعة تطلق خمس طلقات من المدفعية مشيرة إلى انتهاء حفل الولاء والبيعة"..
ومن خلال الوصف، يتضح أن لمراسيم هذا الحفل أهدافا سياسية واضحة تقوم على تكريس الولاء الشخصي للملك من خلال إظهار كل فروض الطاعة والولاء وفق الطقوس المخزنية المتوارثة التي تقوم على الانحناء والركوع بشكل جماعي ومنضبط. ومن ثمّ، فإن هذه المراسيم لا تعكس، في حقيقتها، كما يذهب إلى ذلك بعض الباحثين، تجديدا للبيعة، بل هي قبل كل شيء تجديد هذه النخب السياسية ولاءها السياسي والشخصي للملك.
السياسة المخزنية تقتضي إعلان هذه النخب السياسية، التي تمتلك السلطة الحقيقية في إدارة وتسيير شؤون أقاليم المملكة، (4) سواء على الصعيد المركزي (وزارة الداخلية) أو على الصعيد المحلي من ولاة، وعمال، وقواد، وأعيان، ولاءها للملك، وتقديم فروض الطاعة والولاء، التي يتم تضخيمها، بعدما كانت في السابق تتم وراء أبواب القصر السلطاني، عبر نقلها على شاشات التلفزة التي يتابعها ملايين من المواطنين؛ وهو ما يرسخ لديهم هيبة السلطة وقوة سطوتها على من يتحكمون في رقابهم ويسيرون شؤونهم، ويروضهم على إعادة إنتاج كل مظاهر الخضوع والانقياد للسلطة.
ومن ثمّ، فهذه المراسيم لا تختلف في جوهرها عن تلك التي كانت تقام في عهد السلاطين السابقين؛ حيث كان ممثلو الأقاليم يستدعون في عيدي الفطر والأضحى لتقديم الهدايا وأداء فروض الطاعة والولاء، حيث تم اقتباس هذه المراسيم المخزنية، ونقلها من سياقها الديني إلى سياق وطني، لتجديد الولاء السياسي من لدن النخبة المركزية والمحلية للملك وفق طقوس وقواعد تقوم على أداء فروض الطاعة والولاء بشكل يستلهم النموذج السلطاني الذي يرتكز على الولاءات الشخصية ويعيد إنتاج العلاقات السياسية نفسها القائمة على الخضوع والخدمة والولاء الشخصي في إطار مؤسسات عصرية (حكومة، برلمان، أحزاب، ولايات، عمالات، جماعات…) من المفروض أن تكون قائمة على أسس العقلنة والكفاءة والتجريد أو اللاشخصنة.
3- الاحتفال بعيد العرش وتكريس الخضوع السياسي
شكل اعتلاء العرش في التاريخ السياسي بالمغرب لحظة حاسمة ومفصلية، سواء بالنسبة إلى الرعية أو بالنسبة إلى السلطان المتوج؛ إذ لم تكن الخلافة على العرش تتم دائما بشكل سلس، بل كانت تحاط دائما بالكثير من الدسائس والصراعات بين الأسر التي حكمت المغرب، أو بين أبناء السلاطين الذين كانوا يتنافسون على خلافة عرش السلطان المتوفي .وحتى بعد وصول السلطان إلى الحكم، فقد كان يبذل جهودا كبرى للحفاظ على سلطته وتكريسها.
وعليه، فقد كان حفل الولاء الذي يخرج فيه السلطان راكبا على صهوة جواده لاستقبال وفود الأقاليم بزعامة القياد والعمال والباشوات والحصول على هداياهم من مال وجواري ومؤونة تعكس مدى درجة ولاء رجالات السلطة وأعيان المنطقة. وقد تم تكريس هذا الوضع في عهد الحماية، إذ واصل السلطان مولاي يوسف وبعده ابنه الملك محمد الخامس استقبال قياد الجهات بالمشور السعيد محملين بالهدايا التي ستقدم للسلطان في مثل هذه المناسبات الدينية (كعيد الفطر، وعيد الأضحى). وبعيد الاستقلال، حرص الملك الراحل الحسن الثاني على تنظيم حفل الولاء كل عيد عرش وفق طقوس خاصة استمدت من المراسيم المخزنية المتوارثة المجسدة لمظاهر اعتلاء العرش وتكريس فروض الطاعة وطقوس الانحناء والتبنديق.
- طقوس اعتلاء العرش
خلال حفل الولاء، يتم التركيز بالخصوص على كل المظاهر التي تحيل على السمو والاعتلاء (5)، حيث يبدأ هذا الحفل بخروج الموكب الملكي من القصر وفق مظاهر وطقوس خاصة يكون فيها الملك هو الشخصية المحورية التي تكون محط الأنظار ليس فقط من خلال لباسها المميز، بل أيضا كونها الشخصية الوحيدة التي تتحرك فوق جواد في الوقت الذي تتحرك كل الشخصيات المشاركة في هذا الحفل مشيا وراء حصان الملك. ويتجسد ذلك من خلال وصف الصحافي جان بيارتيكوا إحدى حفلات الولاء كما يلي:
"... يجتاز الملك أعتاب القصر ويتوجه راكبا فوق سجاد من الرمال الدقيقة… يمتطي صهوة جواد أصيل أسود، مرتديا برنوسا أبيض يلف العاهل المغربي من رأسه حتى قدميه. وفوقه مظل بلون أخضر، مرفوعا من طرف أحد العبيد الأقوياء، يقي الملك من حرارة الشمس. وخلف الملك ببعض الخطوات يمشي أخوه سمو الأمير مولاي رشيد، وولد عمه الشاب الأمير مولاي إسماعيل، وأميرين صغيرين ينتميان للعائلة الملكية. وعلى بعد أمتار من الملك؛ تتحرك العربة الملكية، التي تعتبر رمزا آخر من رموز المؤسسة الملكية…وأمام الملك يمشي عدد من العبيد، حيث يقبض بعضهم بلجام ستة جياد أصيلة، وكما جرت العادة المخزنية بذلك كان الملك قد اختار واحدا من الجياد السبعة التي قدمت له قبل بضع دقائق…يمر الملك محمد السادس أمام المسؤولين الكبار في البلاد، حيث يقف كل واحد منهم في مكان خصص له. إذ لامجال للصدفة بهذا الشأن..."
من خلال هذا الوصف، يتضح تركيز القسم الأول من حفل الولاء على أن يكون الملك ممتطيا جوادا من بين جياد سبعة (6) الشيء الذي يحيل إلى العرش الذي كان دائما مرتبطا بالحصان. فركوب الحصان لا يعني فقط التتويج والنصر، بل يعني أيضا التحكم في زمام الأمور واستقرار العرش، بدليل أن القاموس المخزني يحفل بالعديد من العبارات التي تربط بين ركوب الحصان واستقرار العرش، حيث ردد الملك الراحل الحسن الثاني وكذا الملك محمد السادس بأن السلاطين العلويين كانت عروشهم على ظهور جيادهم بما فيهم السلطان الحسن الأول الذي كان عرشه على جواده.
كما أن انتقاء الملك لجواد يركبه من سبعة جياد يحيل على رقم مقدس مرتبط بسبع سموات؛ وهو ما يحيل على الأصل الإلهي للحكم. فبالإضافة إلى العرش التي يبطن دلالة ربانية وركوب جواد من بين سبعة جياد، عادة ما يتحرك الملك وفوقه مظل التي تحيل بدورها إلى الجوهر المتعالي للحكم الملكي. فتوسط الملك لموكب يكون فيه راكبا على جواد، وفوقه المظل يحيل على رمزية العلاقة التي تربط حكم الأرض بالسماء، وتكرس المقولة المتداولة في الكتابات السلطانية من أن السلطان ظل الله في الأرض.
أما وظيفة المظل التي أشار إليها تيكوا بأنه يقي الملك من حرارة الشمس، فهو إحالة أخرى إلى المظاهر التي ترتبط بهذا الحفل، حيث تترك الوفود المشاركة في الحفل بين ردهات المشور السعيد في وضعية انتظار طويل لقدوم الملك وتحت أشعة الشمس الملتهبة مما يعطي صورة تقارب صورة الحشر الواردة في إحدى سور القرآن، حيث ورد في سورة الزمر "ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون".
ولعل ما ورد في هذه الصورة القرآنية البليغة ليحيل على طقوس خروج الملك من بوابة القصر، حيث تقوم فرقة من الحرس الملكي بالنفير من فوق السور إعلانا على خروج الملك راكبا ومتلفعا بلباسه التقليدي وفوق رأسه المظل الملوكي متبوعا بحاشيته المترجلة لتحتشد وفود الجهات بلباسها التقليدي الأبيض للركوع أمام الملك وهو فوق صهوة جواده.
- طقوس الركوع أمام الملك
يستمد الجسد الملكي في المغرب تساميه من المرجعية الدينية والسلالية التي ينتمي إليها؛ فالجسد الملكي ينتسب إلى العرق الشريف المتصل بالأصل النبوي. .فهذا الانتساب إلى الأصول النبوية جعل الجسد الملكي، منذ ترسخ المنظومة الشرفاوية بالمغرب، من خلال تفرع الشرفاء الأدارسة بأنحاء المغرب، وبسط الشرفاء السعديين لسلطتهم على ربوع البلاد في منتصف القرن السادس عشر الميلادي، يتمتع باستثناء خاص. فالجسد الملكي يختزن، إلى جانب مكونه البشري، بعدا (ترسنتداليا) مستمد من رمزيته الدينية والروحية، إذ يجسد هذا الجسد وضع أمير المؤمنين الذي يتمتع بكل الصلاحيات الدينية والدنيوية ويسمو على كل المؤسسات السياسية بالبلاد .
وقد كرس الفصل ال19 من دستور البلاد السابق والفصل ال41 من دستور فاتح يوليوز 2011 هذه المكانة التي يتمتع بها الجسد الملكي، حيث ينص على ما يلي: "الملك أمير المؤمنين وحامي الملة والدين ...". ومما يزيد أيضا من سمو الجسد الملكي هي تلك الألقاب الدينية التي تطلق عليه كالخليفة، والإمام إلى غير ذلك من الألقاب الأخرى التي تضفي عليه هالة من القدسية، و(تجعل منه صلة وصل بين العالم العلوي والعالم الأرضي).
فبلقب أمير المؤمنين يتم الدعاء للملك من أعلى منابر المملكة كل جمعة، وبلقب الإمام يتم تدبيج وكتابة المراسلات في مختلف الإدارات العمومية، وباسم جلالة الملك يتم إصدار الأحكام القضائية وغيرها. ولعل هذه المكانة الدينية هي التي جعلت الجسد الملكي يحاط بمجموعة من الطقوس والمراسيم التي تكرس تساميه.
ذهاب الملك لصلاة الجمعة، وترؤسه للدروس الحسنية في رمضان، وإحياؤه لذكرى عيد المولد النبوي كل سنة تضفي على شخصه هالة من القدسية والسمو. كما لعبت الحركة الوطنية دورا محوريا في تقديس الجسد الملكي بالمغرب. ففي مواجهة قوى الاحتلال الفرنسي التي اعتمدت على السلطة الدينية للسلطان لإضفاء الشرعية على وجودها وقراراتها، لجأ زعماء هذه الحركة، لاستمالة السلطان الشاب محمد بن يوسف، إلى تحويل الهالة المحيطة به من هالة سلطانية إلى هالة ملكية.
فبعيد نفي العائلة الملكية إلى جزيرة مدغشقر بعد انقلاب سلطات الحماية على الملك محمد الخامس، أحيطت شخصيته بهالة أسطورية أوحت للعموم بمشاهدته حتى في القمر. وبالتالي، فقد أسهمت كل هذه العناصر بشكل كبير في بلورة مفهوم الجسد الملكي وإحاطته بهالة من القدسية رسخت تعاليه، حيث تجسد ذلك من خلال اللقب الذي أصبح ينعت به الملك، حيث ربط اسم الملك بالجلالة؛ وهو ما زاد من ترسيخ تعالي الكيان الملكي، وسمح بمواصلة العمل بطقوس الركوع في حفل الولاء المقام خلال الاحتفال بعيد العرش كل سنة.
وقد تجسد ذلك من خلال وصف الصحافي جان بيار تيكوا أحد طقوس الركوع أمام (جلالة الملك) كما يلي:
"... آتين من كل أقاليم المغرب، ومتهيئين لتجديد بيعتهم للملك محمد السادس … وهكذا يقف في المقام الأول كبار موظفين وزارة الداخلية الذين يعتبرون عين وأذن الرباط في الأقاليم وخلفهم باقي رجال السلطة والأعيان المحليين سواء كانوا مدنيين أو علماء.
وقد تم تجميع ممثلو كل إقليم على حدة؛ وكلما تقدم الملك، صاح عبيد القصر بالعبارة المخزنية المألوفة "ولاة، عمال قواد، الله يبارك ويصلحكم كالكم سيدي"، فيرد عليه ممثلو كل إقليم بأن ينحنوا خمس مرات وهم يرددون عبارة "الله يبارك في عمر سيدي". وبعد نصف ساعة تطلق خمس طلقات من المدفعية مشيرة إلى انتهاء حفل الولاء والبيعة".
وبالتالي، فإن طقوس الركوع أمام الملك خلال حفل الولاء تعكس مختلف هذه المضامين الدينية والتاريخية والسياسية، حيث أن الركوع هو لشخص (جلالة الملك) وكأمير المؤمنين. كما أن هذا الركوع هو استمرار للطقوس البروتوكولية المخزنية التي كان يتعامل بها السلطان مع قواده، حيث كان طقس الركوع من طقوس استقبال السلطان لقواده وتحيتهم له، حيث أشار ماكسويل بهذا الصدد إلى ما يلي:
"من فترة إلى أخرى، يصل قائد قبيلة محاطا بفرسانه لتحية السلطان المولى الحسن، حيث يصطفون في انتظار خروج السلطان من خيمته. وعندما يخرج يترجل القائد عن جواده ويركع أمام السلطان؛ ثم ينهض بإشارة منه؛ ليتقدم منحنيا ليقبل ركاب السلطان قبل أن يمتطي جواده.."..
وعموما، فإن حفل عيد العرش الذي وإن كان قد ترسخ كعيد من الأعياد الوطنية ضمن الزمنية السياسية للدولة العصرية بالمغرب، فإن هذا لم يمنع من احتدام الجدال بين مكونات النخب السياسية المغربية حول طبيعة طقوسه التي يراها البعض مغرقة في الماضي المخزني، ولا تتناسب مع زمن الصورة المتنقلة في العالم المعاصر الذي تحول إلى قرية معلوماتية صغيرة، في حين ما زالت مكونات أخرى تدافع وتبرر الحفاظ على هذه الطقوس التي يتم إعادة إنتاجها سنويا في ذكرى جلوس الملك في يوم 30 يوليوز من كل سنة بعدما كنت تحيى في يوم 3 مارس في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.
الإحالات:
1- علال الفاسي – الحركات الاستقلالية في المغرب العربي – نشر وتوزيع عبد السلام جسوس – دار الطباعة المغربية – تطوان – ص 161
2- نشر هذا القرار الوزيري في الجريدة الرسمية يوم 2 نونبر1934تحت اسم "عيد التذكار" والذي أصبح بموجبه يوم 18نونبر، تاريخ جلوس محمد الخامس على العرش، كتاريخ للاحتفال الرسمي بأول عيد للعرش، بعدما حظي بتوقيع المقيم الفرنسي هنري بونصو.
3- لعل هذه السلطة التقديرية للولاة والعمال هي التي سمحت باستبعاد عدد كبير من منتخبي وبرلمانيي حزب العدالة والتنمية أمثال عبد العزيز أفتاتي، وعبد الله بوانو، وعبد السلام بلاجي ... من حضور حفل الولاء الذي نظم بمشور قصر الرباط في غشت 2012.
4- لقد كان الولاة والقواد والباشوات يمتلكون سلطة فعلية من خلال ما كانوا يتوفرون عليه من قصبات وجنود، وم ازال هذا الواقع السياسي سائدا في المغرب؛ فسلطة وال أو عامل تعد أكبر من سلطة وزير أو مندوبيه في مختلف الأقاليم، فالولاة أو العمال هم ممثلو صاحب الجلالة، وبالتالي، فهم يتمتعون بجزء من سلطاته الواسعة والمكرسة من لدن مختلف الدساتير.
5- تضمن أول خطاب عيد العرش للملك محمد السادس للحكم ألقاه ما يلي:
"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
شعبي العزيز…
يغمرنا شعور مفعم بالغبطة والتأثر ونحن نخاطبك في هذا اليوم الذي نحتفي فيه جميعا
بالذكرى الأولى لاعتلائنا عرش أسلافنا الميامين مستخلفين لأداء الرسالة وحمل الأمانة سائرين على نهجهم القويم في قيادتك وإعلاء شأنك والارتقاء بك..."..
6 - لعل مما يزيد من هذا المظهر هو التغيير الذي طرأ على توقيت الاحتفال بعيد العرش بعد اعتلاء الملك محمد السادس العرش من 3 مارس إلى 30 يوليوز الذي يصادف عادة الفترة الصيفية التي تتميز بشدة حراررتها وقيظها.
Jean Pierre Tuquoi : Le dernier Roi (crépuscule d'une dynastie) -7
Bernard Grasset – paris – 2001- pp 211-213


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.