بسبب الاضطرابات الجوية.. استمرار تعليق الدراسة بالعديد من مدن الشمال يوم غدٍ الإثنين    تعبئة تزيح الثلوج بإقليم الحسيمة    إقليم وزان يغلق أبواب المدارس    النيابة العامة تفتح تحقيقا في واقعة سقوط طفلة بركان في بالوعة    وزير الطاقة الإسرائيلي يصدر أمرا بقطع إمدادات الكهرباء عن قطاع غزة    8 مارس ... تكريم حقيقي للمرأة أم مجرد شعارات زائفة؟    الكاف تعلن موعد جمعها العام الاستثنائي في القاهرة    تقرير أممي: المغرب يوفر آفاقًا جذابة للمستثمرين في السياحة    نائب رئيس اتحاد الصحفيين في البيرو: المغرب مفتاح السلام والتنمية في شمال إفريقيا    من هو ثاني أسرع لاعب في دوري أبطال أوروبا … !    عمر الهلالي: الدفاع عن ألوان المغرب "شرف عظيم"    التساقطات المطرية تساهم في الرفع من حقينة سدود المملكة    جهاز الخدمة السرية الأمريكي يطلق النار على رجل مسلح قرب البيت الأبيض    موظفو الأحياء الجامعية بالمغرب يضربون ويدعون للاحتجاج أمام مقر وزارة التعليم العالي    ارتفاع مثير للمنازل المهجورة في كوريا بسبب شيخوخة السكان    الثلوج الكثيفة تغلق الطريق الوطنية رقم 2 في جبال الريف    تأثيرات منخفض "جانا" على المغرب    مأساة في الصويرة.. غرق طفل بعد أن جرفته السيول    مغربي ضمن الفائزين بجائزة الامارات الدولية للقرآن الكريم    انتقادات لنجاعة الرقم الأخضر للتبليغ عن تجاوزات السوق في ظل غياب تسقيف رسمي للأسعار    الغزياني تقود "نساء UMT" بسطات    نحو إدارة موانئ مستدامة    العملات الرقمية.. استخدام واسع للمغاربة ترافقه أحكام بالإدانة وترقب لصدور قانون مؤطر    وداعًا نعيمة سميح...    نعيمة سميح .. من برامج اكتشاف المواهب إلى صوت المغرب الخالد    عمر أوشن يكتب: ليلة غنت نعيمة سميح للمعتقلين السياسيين "ياك أجرحي"    سوريا تحقق في "المجازر المروعة"    القول الفصل فيما يقال في عقوبة الإعدام عقلا وشرعا    الأمازِيغ أخْوالٌ لأئِمّة أهْلِ البيْت    السمنة .. وباء عالمي    اتحاد طنجة يخطف تعادلا من العاصمة العلمية    غزة.. حماس تدعو لبدء مفاوضات المرحلة الثانية من الهدنة ووفد إسرائيلي سيتوجه إلى الدوحة    ملاعب للقرب تفتح أبوابها للشباب بمقاطعة سيدي البرنوصي    عبد الوهاب الدكالي ل "أكورا": نعيمة سميح فنانة استثنائية-فيديو-    المغرب يستورد أزيد من 600 ألف طن من الزيوت النباتية من روسيا    حقيقة الأخبار المتداولة حول خطورة لحوم الأغنام على صحة المغاربة..    اتفاق نهائي بين نهضة الزمامرة والفرنسي ستيفان نادو لقيادة الفريق خلقا لأمين بنهاشم    كم هدفا يحتاج المصري محمد صلاح ليصبح الهداف التاريخي لليفربول؟    نورة الولتيتي.. مسار فني متألق في السينما الأمازيغية    المرصد الجهوي للحق في المعلومة بجهة فاس مكناس يصدر تقريراً حول القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات    تفكيك شبكة إجرامية بماربيا لها ارتباطات ب"المافيا المغربية"    نساء فيدرالية اليسار تطالبن بإصلاحات جذرية للحد من تهميش المرأة المغربية    الدرك الموريتاني يحبط عملية تهريب مهاجرين بسيارة إسعاف قرب نواذيبو    إنتر ميلان يفوز بشق الأنفس على مونزا ويعزز صدارته للدوري الإيطالي    أمسية رمضانية أدبية احتفالا بإبداع الكاتب جمال الفقير    من هو "كارليس مينيارو" الذي فجع برشلونة برحيله قبيل انطلاق مواجهة أوساسونا؟    رحلت عنا مولات "جريت وجاريت"    الصين عززت جهودها القضائية لمكافحة الفساد في 2024 (تقرير)    علماء صينيون يكشفون أسرار الحياة في أعمق نظام إيكولوجي بحري على الأرض    السفير الأمريكي الجديد في المغرب.. على خطى جده السفير السابق لواشنطن في الرباط بين عامي 1979 و1981    المغرب وإعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية والاقتصادية في إفريقيا    إيران ترفض دعوات أمريكية للتفاوض    تسجيل أزيد من 24 ألف إصابة بجدري القردة بإفريقيا منذ مطلع 2025    أفضل النصائح لخسارة الوزن    عمرو خالد: هذه ملامح استراتيجية نبوية ناجعة للتعامل مع تقلبات الحياة    اضطراب الشراهة عند تناول الطعام: المرض النفسي الذي يحوله تجار المكملات الغذائية إلى سوق استهلاكي    مقاصد الصيام.. من تحقيق التقوى إلى بناء التوازن الروحي والاجتماعي    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمر أوشن يكتب: ليلة غنت نعيمة سميح للمعتقلين السياسيين "ياك أجرحي"
نشر في لكم يوم 09 - 03 - 2025

كان المغرب في بداية السبعينات نهرا تجري مياهه في كل الاتجاهات والتجاذبات . وكانت وتيرة الإحتداد والمواجهة بين المعارضة والحكم تزداد وتتعمق وخلال هذه الفترة عاشت البلاد إنقلابين عسكريين فاشلين يوليوز 71 و تلاه إنقلاب في غشت 72 ..
زمن عاصف أعلنت فيه حركة شباب مغربي إنتماءها الواضح للماركسية والثورة بشكل واضح بعد تفاقم الفقر والتفاوت الطبقي ويأسها من جدوى عمل بقايا الحركة الوطنية.. إنها نفس الظاهرة وقتئذ في مناطق مختلفة من العالم..
كان هذا هو الوضع العام سياسيا وإجتماعيا وهو المناخ الذي عادة ما تظهر فيه حركات فنية وثقافية موازية لحركية المجتمع .. ولم يكن غريبا أن تخرج إلى الوجود أسماء فنية جديدة وتوجهات نقدية وموسيقى مغايرة عصرية ..
نعيمة سميح لم تكن إستثناء .. ولا نزلت من السماء صدفة..
هي شابة من درب سلطان الحي الذي إرتبط إسمه بالمسرح والآداب والفنون والسياسة .. حي في قلب الدار البيضاء وفي قلب حركية المجتمع المغربي وعنفوانه .. إنها بنت المغرب كما كان آنذاك .. بلد يبحث عن تعبير فني جديد لا يقطع مع التراث والماضي لكنه يجدد لغة ورؤية وأسلوبا ولحنا..
ستكون بداية النجمة الجديدة في برنامج عبد النبي الجراري الشهير "مواهب".. وهو البرنامج الذي كان تأشيرة المرور إلى لعب الأدوار الناجحة والشهرة لعدد من الفنانين والموسيقيين : عبد الهادي بلخياط وسميرة بنسعيد وعزيزة جلال وسعيد الرباج.. الذي سيعرف وسط الجامعة والطلاب سعيد المغربي وسيكون النسخة المغربية للشيخ إمام ومارسيل خليفة وفنانين ملتزمين .. أسماء أخرى خرجت من مواهب الجراري..
إنها فترة حملة اعتقالات في اليسار الجديد وتجربة مجلة أنفاس وحركة تشكيلية جديدة بأفق مغاير وخروج التشكيليين الى ساحة جامع الفنا وساحات الدار البيضاء وبروز أسماء مثل محمد المليحي ومحمد شبعة.. إن البلد يطوي صفحة ويفتح أخرى بأقلام جديدة وإتحاد كتاب معارض قوي..
نعيمة سميح ولدت فنيا في سن 18 سنة وسط العاصفة .. غير أنها لم تكن على قرب وعلاقة بالسياسة أو الأحزاب والجامعة..
شابة لم تكمل دراستها لكنها موهوبة مبدعة في الآداء الغناني بصوت لم يتعوده الجمهور.. تلك البحة التي تحمل كيمياء الحزن والأشواق .. كانت مغنية فنانة من طراز مختلف .. وكان الناس عامة في حاجة إلى من يطربهم ويصنع لهم حلما وفرحة وإحساسا بالحياة والحب بعد ما يشبه النكبة والخوف..
فترة ميلاد نعيمة سميح كانت أيضا هي فترة ظهور مجموعات غنائية مشهورة وطنيا ومغاربيا تعزف وتغني بشكل يختلف عما كان موجودا في الساحة .. إنها أصوات التجديد بلغتها القريبة الى عاطفة ووجدان المغاربة: جيل جيلالة وناس الغيوان ولمشاهب وإزنزارن في سوس..
سيلمع إسم العربي باطما بوجميع ومحمد الدرهم ومولاي عبد العزيز الطاهري ومحمد السوسدي وعبد الهادي إكوت .. وسط هذه الموجات والتحولات سيعشق المغاربة الشابة نعيمة التي بدأت تشق طريقها بصعود باهر…
النجاح كان نتيجة تخليطة تركيبة بين الصوت والإحساس من جهة والألحان والكلمات والعزف من جهة أخرى.. صوتها له سحر خاص..
إن الشابة بدأت تشق الطريق .. وتلمع وسط عالم الغناء والفن في المغرب وفي الخارج.. وستكون أول أغنية مسجلة لها تبث وتقربها الى المتلقين هي "البحارة" ..
سمعوا يا البحارة
راني جيت ببشارة …
هذا كلام قائد همام
يرعاه الله..
رافع لعلام..زايد لقدام..
يبلغ مناه..
من اللقطات التي ستبقى راسخة صورة الملك والفنانة.. وهي الصورة التي لا زالت تتداول في كل المناسبات ويبدو فيها الملك الحسن الثاني في حفل زفاف إبنته الأميرة للا مريم في فاس يمسك بيد نعيمة سميح وهي تنزل درجا ..
وهل يخيب من أمسك الملك بكفه بكل ذاك الرضا والمحبة..
أما أغنية "الجرح والخاتم" من شعر علي الحداني ولحن عبد القادر وهبي فستكون حلقة ناجحة إضافية في مسلسل تألقها ومن أجمل الأعمال التي جعلت إسم نعيمة يدخل كل البيوت المغربية..
وهو ما دفع صحفا أجنبية إلى الإنتباه لهذه الفنانة ومن ضمنها مجلة جون أفريك..
مع الغناء ستلعب أدوارا في فيلمين صورا في لبنان للمخرج عبد الله المصباحي.. وهي عادة متداولة لدى سينمائيين في كل العالم يبحثون عن وجوه وأسماء مشهورة معروفة لوضعها على آفيش الفيلم..
ستغني نعيمة سميح قطعا أخرى تحقق النجاح منها "يا حبابي هذا حالي" وأغنية "غاب علي الهلال "و"جاري يا جاري "و أغنية "قطيب الخيزران" أو ما عرف بعنوان "أحلى صورة " من لحن عبد الله عصامي وعلى غفلة من ألحان عبد القادر راشدي ..
من الذي عاش تلك الفترة ولم يستمتع لسماع :
"قلبي مسكين هذا مكتابو..
لغرام لعدو..
حر من الدفلة..
ناري واش جابني ندق في بابو.."
رغم كل ما قدمت الفنانة سميح تظل "ياك أجرحي "من ألمع وأبرز ما غنته مخترقا القلوب والرواح ..
أتذكر أنني أول مرة سألتقي بها كان قبل عشرين سنة تقريبا في نادي على ضفاف نهر أبي رقراق وكانت المناسبة من فكرة وإعداد وإخراج الصديقة فاطمة الزهراء صلاح المستشارة و الذراع الإعلامي الناعم في السفارة الأمريكية آنذاك ..
وجدنا أنفسنا ذات مساء في قاعة مع نعيمة سميح في حفل سمي "كان وأخواتها" بحضور عبد القادر الشاوي المعتقل السياسي السابق والروائي ومجموعة من المعتقلين السابقين من اليسار في السجن المركزي ..
كانت فاطمة الزهراء قد أعدت كل شيء كما هي عادتها في الحرص على التفاصيل.. وجدنا أنفسنا وسط نخبة من سياسيين وصحافيات وصحافيين وفنانين ولم يكن معلنا أن نعيمة سميح ستحضر أو لها علاقة بالحفل ..
في لحظة ستعلن مقدمة اللقاء مفاجأة أن نعيمة بيننا .. يا مرحبا يا مرحبا …
ستغني الأغنية المحبوبة التي عشقها الشاوي ورفاقه في السجن: ياك أجرحي.. ويرافقها بالعود رشيد برومي وذكريات من عبروا المعتقل تخترقها دموع تخجل من كبرياءها ومن أجواء اللحظة..
كان من حق سكان السجن المركزي أن يشاهدوا نعيمة سميح في القناة الأولى و كانت لهم حقوق أخرى راكموها بعد نضال لتحسين أوضاعهم في المعتقل..
حضر معها السهرة إبنها شمس ووجوه معروفة أتذكر من بين ما علق في ذهني صلاح الوديع وآسية الوديع ولحبيب بلكوش وعلي أنوزلا وأحمد حرزني وحسن السملالي وجمال شيشاوي وإلياس العماري وحسن نجمي وليلى الشافعي ومليكة ملاك وفاطمة لوكيلي وسميرة مغداد .. سمي اللقاء "ليلة الاعتراف" وقرأت فيه قصيدة للشاوي شاعرا أيام إقامته في "كندا" كما يسمي ساخرا السجن..
ستنشر العلم بعدها مقالة في الصفحة الأولى عن لقاء ليلة الإعتراف..
هؤلاء معتقلون سياسيون كانوا يعارضون النظام والمؤسسات تغني لهم نعيمة سميح "ياك أجرحي".. التغيير جار قد شرع..
كان الجرح قد بدأ يلملم حالته المحطمة..كانت الانصاف والمصالحة في الطريق..
هل بكى عبد القادر الشاوي تلك الليلة ..
لا أدري ..لكني رأيته متأثرا فرحا مثل طفل ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.