تكاد مهزلة مباراة اتحاد العاصمة ونهضة بركان تنتهي بعد إصدار الهيئات القارية والدولية قراراتها الأولى الواضحة ضد الاتحاد الجزائري لكرة القدم، ومع ذلك يواصل إعلام الكابرانات ترويج الأكاذيب وبيع الوهم والمتاجرة بأحلام الجزائريين من خلال ربط مباراة في كرة القدم بعناوين كبيرة مثل الكرامة والسيادة والتاريخ. يبدو أن قادة هذا النظام، ولا سيّما المشرفين منهم على قطاع الإعلام لا يريدون تفويت هذه الفرصة دون استغلالها إلى أبعد الحدود في المزيد من التضليل والتحريض والتعتيم. تضليل الجماهير الرياضية والتحريض ضد المغرب والتعتيم على حصيلة الفشل التي تمثلها الولاية الرئاسية الحالية المشرفة على نهايتها. والذي يتأمل بلاطوهات البرامج الرياضية التي تتابع هذه القضية في الإعلام الجزائري يلاحظ التطابق الهائل بين الخطابات التي تروّجها والحجج التي تقدمها والقراءات التي تتناولها مع تفاوت بسيط في درجات الغباء والسذاجة. اتّفق نظام الكابرانات على أن تكون عناصر الخطاب قائمة على الربط بين خريطة المغرب الكاملة على قميص نهضة بركان واعتبار الأمر إهانة للسيادة الجزائرية وكرامة الجزائريين وتاريخهم النضالي، مع استخدام معجم يضم كلمات من قبيل: المبادئ والشهداء والدماء والحدود. والغاية من هذا كله هي تحقيق حالة من التجييش والشحن لعواطف الجزائريين ومشاعرهم ودفعهم دفعا إلى الاعتقاد أن المغرب بلد معتدي، وأن الجزائر تتعرّض إلى التحرش. لكن التناقض المحرج الذي يقع فيه هذا الخطاب ويحاول تجنّبه هو أنه يُظهر في المقابل الدولة الجزائرية في حالة من الضعف والاستكانة. هذا ما يبرر مثلا هبّةَ أحد المذيعين الرياضيين الجزائريين في برنامج شهير إلى استدراك الأمر وإطلاق تصحيح يقول فيه: "نحن الجزائريون لا يمكن احتقارنا وحدودنا لا يمكن انتهاكها". هذا التناقض الصارخ هو الذي يضعف هذا الخطاب الإعلامي المشروخ ويكشف عورته ليس أمامنا نحن في المغرب، لأننا نعرف الحقيقة من أصلها، لكن أمام الجمهور الجزائري الذي يتابع دون حول أو قوّة ما يقترفه نظامه في حقّه وحق مستقبل الرياضة وكرة القدم في هذا البلد. وقد لاحظنا منذ أيام كيف بدأت وتيرة الحماس تخفّ يوما بعد يوم ولا سيّما مع صدور قرارات الكاف ومحكمة الرياضة الدولية، ومن المتوقع أن نشهد في الأيام القليلة المقبلة ارتفاع بعض الأصوات المنددة من داخل الجزائر بطريقة إدارة الاتحاد الجزائري لكرة القدم لهذه الفضيحة. سيستفيق الجمهور الجزائري بعد صدور العقوبات النهائية ضد نادي اتحاد العاصمة والاتحاد الجزائري لكرة القدم من هذا التضليل لكن متأخرا. عندها فقط سيدرك مرة أخرى أنه تعرّض إلى غسيل دماغ حقيقي على غرار ذلك الذي تعرّض إليه إبّان إقصاء المنتخب الجزائري من التأهل إلى مونديال قطر في المباراة التاريخية التي سجل فيها اللاعب الكاميروني إيكامبي هدفه الشهير. ومن المفيد للجماهير الجزائرية في الظرفية الحالية أن تنتبه جيدا إلى هذه الاستراتيجية التي يتقنها الكابرانات في عملية غسيل الدماغ من خلال تبني أساليب ستالينية قديمة عنوانها الرئيسي: أدلجة كلّ شيء، بما في ذلك النشاط الرياضي والكروي الذي يُفترض أنه يمثل مجرد فسحة للجماهير تحاول من خلالها الاستمتاع باللعب الجميل والأداء الراقي. غسيل الدماغ هو الذي أوصل للأسف العديد من الجزائريين البسطاء إلى الجهل التام بقضية الصحراء المغربية والاعتقاد أنّ هذه الأرض الطاهرة تقع تحت سيطرة المنظمة الانفصالية، ولا يدركون أن حواضر العيون والداخلة والسمارة وبوجدور تنعم اليوم بالاستقرار والنماء ومشاريع التطوير في كافة المجالات، وأنّ جلّ هذه المدن يفوق من حيث التنظيم والبنيات التحتية والرواج السياحي والاقتصادي أغنى المدن الجزائرية في إنتاج النفط والغاز مثل حاسي مسعود وحاسي الرمل وغيرهما. غسيل الدماغ هذا هو الذي يجعل هذا الجمهور الجزائري المضلَّل يعتقد أن انفصاليي البوليساريو مستقرون على أراضي الصحراء المغربية وليس في مدينة تندوف في قلب التراب الجزائري حيث يضعون معسكراتهم وأسلحتهم ويحتجزون العديد من الصحراويين المغلوبين على أمرهم في المخيمات. وربّ ضارّة نافعة فقد تكون مباراة كرة القدم فرصة للعديد من الجزائريين للتعرّف أكثر إلى حقيقة الخلاف المغربي الجزائري وقضية الصحراء المغربية، واكتشاف زيف الرواية الجزائرية التي لم تعد تجد لها أيّ صدىً حتّى في أوساط بعض أركان النظام الجزائري نفسه.