خلق الله الغباء، ويبدو أن تسعة أعشاره احتكرتها الجزائر وحدها. لقد كان نظام الكابرانات واهماً على لسان أبواقه في بلاتوهات الإعلام الرياضي المجنونة عندما اعتقد أن لاعبي وأعضاء بعثة نهضة بركان سيقبلون المشاركة في مسرحية مباراة اتحاد العاصمة بعد أن قرّر النظام المخابراتي المهووس مصادرة أمتعة اللاعبين وأقمصتهم واستبدالها بأقمصة مزيفة فقط لأنها كانت تحمل في قلبها خارطة الوطن العزيز. ما حدث منذ يوم أمس كان مهزلة تعبّر عن أقصى درجات الحماقة والبلاهة التي يمكن أن تتّصف بها دولة ما، إن كان هذا النظام يستحق أن يُوصف أصلا بالدولة. ما تابعناه حتّى مساء اليوم يؤكد المقولة الخالدة التي لخصت علاقتنا بهذا النظام الأرعن: "كي يعلم الناس مع من حشرنا الله في هذا الركن من العالم". مخابرات وجمارك وجيش ورجال أمن وإعلام وتعبئة وتجييش وكذب وادعاءات وبلاغات وتصريحات. كلّ هذا من أجل استبدال قميص رياضي يرتديه فريق يشارك في بطولة من بطولات كرة القدم القارية الروتينية. أليس هذا أكبر دليل على الغباء الذي يستوطن عقول الكابرانات؟ لو كانت لهم عقول أصلا لتحلّوا ببعض الدهاء والمكر وتغاضوا عمّا يمكن أن يثير استفزازهم إن كان هناك أصلا ما يستحقّ ذلك، حتّى يتجنّبوا على الأقلّ التعرّض إلى هذه الإهانة العلنية والفضيحة المشهودة، ولا يضطروا إلى الدخول في حروب وهمية والجري وراء انتصارات صغيرة بحجم عقولهم وأحلامهم. ما الذي كسبه هذا النظام إذاً من هذا العناد غير حرمان جمهور نادي اتحاد العاصمة من مشاهدة فريقه يشارك في البطولة الإفريقية وربّما بتحقيق نتيجة إيجابية؟ ماذا جنى غير الإهانة والصفعات الرسمية عبر مراسلات الاتحاد الإفريقي لكرة القدم؟ لكلّ دواء يُستطَبّ به كما قال الشاعر، لكنّ حماقة الكابرانات أَعْيت من يداويها. حديثنا عن الحماقة والغباء هنا كان من باب النصح، لكن إذا قاربنا ما حدث من زاوية مقابلة فلا بدّ أن نرفع القبعة لإدارة نادي نهضة بركان التي أدارت هذه الأزمة بما يلزم من ذكاء وحكمة وحنكة قانونية، واستطاعت أن تحافظ على حقّ الفريق في المشاركة بقميصه الأصلي المرصع بخارطة البلاد إلى آخر لحظة. والأهم من هذا وذاك أنّ بعثة نهضة بركان عادت إلى الوطن مرفوعة الرأس بعد أن خرجت منتصرة من الناحية القانونية وضمنت تقدما مسبقا على الفريق الخصم بأدنى مجهود على الرغم من الضغوط التي تعرّض إليها أعضاء البعثة من طرف المسؤولين الجزائريين سواء في المطار أو في الفندق أو حتى في الملعب قبيل موعد المباراة. نريد أن نشكر الكابرانات على هدية الفوز اللذيذ الذي حصدته نهضة بركان دون أن يبذل اللاعبون أيّ جهد على أرضية الملعب. وندعو في الوقت نفسه إدارة نادي اتحاد العاصمة إلى الاستعداد جيدا لمباراة العودة في بركان حيث سينفجر بُركان الجماهير الصادحة بوحدة المغرب ومغربية صحرائه. هل يستطيع الكابرانات حينها التدخّل لتغيير الأقمصة؟ من المؤكد أن هذا النظام الفاشل مستعدّ أصلا للتضحية بمشاركة ناديه في هذه المسابقة ولا يهمّه أبدا إرضاء الجماهير الجزائرية أو استمتاعها بكرة القدم والانتصارات الحقيقية. ومن المرجّح أن يتخذ الاتحاد الجزائري لكرة القدم قرارا يقضي بعدم مشاركة الفريق الجزائري في مباراة الإياب ولا سيّما بعد اللجوء إلى المحكمة الرياضية الدولية (الطاس) التي لن تؤيد المطالب الجنونية التي يطالب بها هذا النظام. إذا تأملنا هذه الحادثة التي أثارتها مشاركة نهضة بركان في الجزائر من الناحية السياسية والدبلوماسية التي يفضّلها هذا النظام الأخرق سنلاحظ بوضوح أن الأمر يعكس أزمة عميقة جدا تنخر هذا النظام من الداخل. هناك شعور قويّ بالعزلة التي تطوّقه على الصعيد القاري والدولي، وإحساس بفشل ذريع على الرغم من كلّ ما تم إنفاقه من أموال الشعب الجزائري لشراء ولاءات أو تنظيم ولائم وحفلات للمسؤولين عن كرة القدم في القارة الإفريقية والعالم. لم يُجْد عشاء الشيراتون ولا تنظيم كأس إفريقيا للمحليين ولا ألعاب البحر الأبيض المتوسط ولا التنافس من أجل تنظيم كأس إفريقيا 2025. كلّ هذه المعارك الصغيرة بالمناسبة لم تَكْف كي تُخرج نظاما أضاع بوصلة الأولويات بسبب حقده التاريخي على الجار الذي أحسن إليه، من خناق هذه العزلة التي تضيق عليه يوما بعد يوم.