هل كان من الضروري أن تضع السلطات الجزائرية نفسها في موقف محرج كهذا الذي وضعته فيه بالأمس عندما قرّرت أن تصادر أمتعة رياضية يحملها فريق نهضة بركان في مطار الجزائر العاصمة؟ يتعلق الأمر بزيارة رياضية لا أقلّ ولا أكثر، وكان من الممكن أن تصل بعثة نهضة بركان إلى فندقها آمنة مطمئنة بعيدا عن أيّ تشنج أو عصبية لو أن نظام الكابرانات لم يكن مهووسا بكلّ ما يتعلق بالمغرب ووحدته الترابية وسيادته. إنها مجرّد مباراة في كرة القدم تدخل في إطار بطولة قارية روتينية ومع ذلك كان من الضروري أن يهين هذا النظام بلده ومؤسساته وعقول الجزائريين ورشدهم. التحذير الذي تلقّاه نادي اتحاد العاصمة باعتباره الفريق المستضيف من الاتحاد الأفريقي لكرة القدم كان حاسما وصارما. إذا لم يتسلم نادي نهضة بركان أمتعة اللاعبين فإنّ نادي العاصمة سيُقصى من البطولة وسيُعدّ منسحبا منها، وأنّ من حقّ لاعبي نهضة بركان أن يرتدوا الأقمصة التي جاؤوا بها واعتادوا اللعب بها في كلّ البطولات الأخرى. لقد وضع قرار السلطات الأمنية الجزائرية التي تحركت بإيعاز من المخابرات نادي اتحاد العاصمة في موقف حرج، بل هدّد مستقبله في هذه البطولة بهذا التصرّف الأرعن والبوليسي الذي أكل عليه الدهر وشرب. والفضيحة الكبرى هي أن إفريقيا والعالم كلّه كان شاهدا مرة أخرى على أغبى القرارات التي يمكن أن تتخذها دولة يرعبها قميص وخارطة. ما علاقة قميص رياضي بمباراة في كرة القدم يمكن أن تجري في أيّ بلد في أجواء رياضية خالصة وينتهي الأمر في ساعتين؟ العلاقة الوحيدة القائمة هنا هي الشذوذ العقلي والحقد التاريخي الذي لا يريد هذا النظام أن يتخلص منه. لقد بهم بلغ الأمر إلى درجة تجييش الأندية الجزائرية ودفعها إلى إصدار بيانات رسمية تتضامن مع السلطات الجزائرية وقرارها احتجاز بعثة نهضة بركان وأمتعة الفريق، وتضفي على القضية أبعاد الحقد والكراهية ذاتها، للنيل من وحدة المغرب الترابية وسيادته على صحرائه. لقد تورطت السلطات الجزائرية وورطت معها الجامعة الجزائرية لكرة القدم ونادي اتحاد العاصمة، وهي مستعدة على ما يبدو للتضحية بمساره ومستقبله في البطولة فقط من أجل فرض وجهة النظر الحاقدة والعدائية ضد المغرب. ويبدو أن هذا النظام الذي يعتقد أنه يراقب كل شيء وقع في شرّ أعماله، بل نصب لنفسه كمينا على مقاسه عندما تورّط في هذه الحركة اللارياضية في بطولة إفريقية. من حقّ أي نادٍ في العالم أن يضع على قميصه خارطة بلاده، وحديث السلطات الجزائرية عن الشعارات السياسية لتبرير قرار المصادرة يمثل جهلا كاملا بالقانون وضعفا تاما في الحجة والمبررات. وهذا ما يؤكد أنّه وقع فعلا في فخ قد لا يخرج منه سالما. إذا استسلمت السلطات الجزائرية لمطالب الاتحاد الإفريقي لكرة القدم وسلّمت الأقمصة لنادي نهضة بركان فسيمثل ذلك دون شك هزيمة أخرى لهذا النظام الأرعن، وإذا أصرّ على احتجازها ورفض تسليمها أو تلاعب بها أو غيّرها فسيشكل ذلك تهديدا مباشرا لمشاركة نادي اتحاد العاصمة في هذه البطولة، فنحن لن نقبل أبدا في المغرب أن يلعب نادي نهضة بركان بقميص غير قميصه المعهود كاملا ومكتملا دون أيّ تغيير، كهذا الوطن العزيز الذي نعيش فيه. والورطة الثانية هي مباراة العودة. إن آفة الكابرانات أنهم لا يفكرون وإذا فكّروا فإنهم يهذون ويهلوسون. هذه المباراة لها حلقة ثانية ومن المؤكد إذا ما مرت مباراة الإياب في ظروف آمنة أنّ نادي اتحاد العاصمة سيسافر إلى بركان أيضا، وعلى السلطات الجزائرية أن تدرك أن المعاملة بالمثل هي النهج الذي يعبّر اليوم عن السياسات الخارجية لبلادنا. نحن لا نقصد أن السلطات في بلادنا سوف تخرق الأنظمة والقوانين من أجل إهانة لاعبي اتحاد العاصمة، لكنّنا نؤكد لهم أن ما ينتظره في ملعب بركان سيكون جحيما كرويا حقيقيا، والانتصار الفعلي ليس هو الذي يحققه رجال الجمارك في مواجهة المسافرين، بل هو ذلك الذي سيحققه لاعبو نهضة بركان على أرضية الملعب.