النقاش الذي شهده مجلس الأمن الدولي في سياق ندوة حول "دور الشباب في مكافحة التحديات الأمنية في البحر الأبيض المتوسط" كان مُفحما ورادعا لوزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، الذي تمادى في تصريحات متحيزة تربط بشكل مضلل ومغلوط بين قضيتي الصحراء المغربية وفلسطين. كما العادة كان السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأممالمتحدة، عمر هلال، بالمرصاد للممثل الجزائري وذكّره فوراً بأن المغرب استرجع صحراءه بشكل لا رجعة فيه سنة 1975. هذه الرسالة المختصرة والموجزة، موجعة جدا لنظام الكابرانات الذي لا يتصور بعد أن يخسر ورقة دعم الانفصال في مواجهة المغرب. لقد كان عمر هلال واضحا غاية الوضوح عندما أكد أن المشكلة الحقيقة التي تعانيها المنطقة هي "اتساع رقعة الإرهاب، والتدخل في الشؤون الداخلية لبلدان الجوار، وتشجيع النزعات الانفصالية، وتسخير الجماعات المسلحة الانفصالية المرتبطة بالإرهاب لتهديد السيادة الترابية للدول الأعضاء في المنطقة". هذه الجرائم كلّها اختصاص جزائري لا يتنازع عليه اثنان. هذا النظام العسكري الرجعي يعمل منذ أكثر من 5 عقود من الزمن على نشر كلّ أشكال الفتنة والقلاقل وبذور التوتر وعدم الاستقرار في محيطه بالكامل. لقد تورّط منذ منتصف السبعينيات في دعم جبهة انفصالية مسلحة لتقسيم المغرب، كما أنه يتدخل مباشرة في الشأن الداخلي لدولة مالي ويُذْكي الصراعات فيها. بل وصل به الأمر إلى درجة دعم حركة مسلحة في رواندا ضد حكومة الكونغو التي تكافح منذ سنوات طويلة من أجل إنهاء حالة التطاحن الأهلي وتعزيز الاستقرار. وإلى جانب هذه التدخّلات الشيطانية تورّط النظام الجزائري أيضا في دفع الأطراف الليبية إلى المزيد من التناحر بدلا من دعم اتفاقات السلام التي توصل إليها الفرقاء. باختصار أينما وجدت بؤرة توتر في إفريقيا ستجد وراءها نظام الكابرانات. لذلك فإن خطاب عمر هلال أمام المشاركين في هذه الجلسة النقاشية كان ردا في المستوى المطلوب في ظل إصرار هذا النظام من خلال وزير خارجيته على ترويج ادعاءات ومزاعم لا علاقة لها بالموضوع المطروح. الخلط بين قضية الانفصال المفتعل في الصحراء المغربية وقضية كفاح الشعب الفلسطيني مقولة خبيثة للغاية، لا يمكن أن تصدر إلا عن نظام اعتاد على توظيف معاناة الشعوب وأزماتها توظيفا سياسويا مقيتا يخدم أجندة الشرّ التي يحملها. كيف يمكن أن يخدم النظام الجزائري القضية الفلسطينية من خلال مقارنتها بحالة انفصال شاذّة انتهت على أرض الواقع منذ زمن طويل؟ ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة له جذور تاريخية وجغرافية وثقافية معروفة. فلماذا يصرّ الكابرانات على إهانة القضية الفلسطينية من خلال هذه المقارنة الظالمة مع عصابة انفصالية مسلّحة؟ هذا يؤكد أن كلّ ما تبذله دبلوماسية الكابرانات من محاولات وجهود ظاهرية في مجلس الأمن وهيئات الأممالمتحدة لدعم القضية الفلسطينية ليست سوى دعاية مبطنة لقضية الانفصال في الصحراء المغربية. بعبارة أوضح لا يهمّ الكابرانات أن يحصل الشعب الفلسطيني على حريته ودولته الحرّة المستقلة بقدر ما يهمهم الكيد للوحدة الترابية للمملكة والطعن فيها وزرع بذور الانفصال والفتنة داخلها. لكنّ هذه المحاولات لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تعطي لقضية الانفصال في الصحراء المغربية شرعية مفقودة. إنها قضية ولدت ميتة في المهد، وخلّفها إرث الحرب الباردة البائدة في سياق الصراع الذي كان مسيطرا على العالم بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي. وكان لجيل الانقلابيين الذين أفرزتهم مرحلة الستينيات مثل القذافي وبومدين دور أساسي فيها. لكن القضية الفلسطينية لم تولد في هذا السياق، لقد كانت قضية أقدم بكثير بدأت مع مؤتمر بازل الذي نظمه الصهيوني تيودور هرتزل سنة 1897 ثم إعلان وعد بلفور المشؤوم في سنة 1917، وتجسّدت هذه القضية عمليا بعد إعلان دولة إسرائيل في سنة 1948. خلال هذه الحقبة الزمنية الممتدّة كانت الصحراء المغربية جزءاً لا يتجزأ من المناطق التي تدين بالولاء للسلاطين والملوك المغاربة، ولم تكن الجزائر نفسها قد ظهرت باعتبارها دولة كاملة الحدود والمعالم. ومن السهل جدا إثبات هذه المعطيات من خلال أحداث التاريخ ووقائعه. هذا يعني أن نظام الكابرانات يصرّ على إهانة الكفاح الفلسطيني عندما يقرنه ويقارنه بقضية سياسية وأيديولوجية بحتة أنتجتها ظروف تاريخية لم تعد شروطها متوفرة اليوم، ومن ثمّ فقد انتهت إلى غير رجعة. أما قضية الشعب الفلسطيني فستظل قائمة إلى أن ينال دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.