كم كانت ماريا ديل كارمن ألفا، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في برلمان جمهورية البيرو، موجزة مبدعة عندما لخصت قضية النزاع المفتعل في الصحراء المغربية بطرحها لتساؤل مشروع "لماذا تعترف البيرو بجمهورية مزعومة من أربعين خيمة على التراب الجزائري؟". لقد وضعت من حيث تدري أو لا تدري الأصبع على الداء وهي تكشف هشاشة الطرح الانفصالي وضعف دفوعات الدويلة الوهمية التي لا تعترف بها حتى الدول العربية على حد قولها، فكيف تعترف بها جمهورية البيرو التي تبعد عن المنطقة بآلاف الكيلومترات. لقد كان ترافع هذه المرأة البيروفية الحرة عن مغربية الصحراء في قلب وسط ماركسي ماضوي من أقوى لحظات الترافع التي شهدتها القضية من الأجانب. ولم تقتصر مداخلة ماريا ديل كارمن ألفا أمام أعضاء اللجنة البرلمانية على هدم مشروعية تأسيس الكيان الانفصالي بل تجاوزت ذلك بجرأة منقطعة النظير وهي تنتقد سلوك رئاسة البيرو المتناقض، حيث غيرت موقفها من البوليساريو ثلاث مرات خلال سنة واحدة. لكن أهم ما ذكرته ماريا ديل كارمن هو أن بعض الدول ومنها أطراف في البيرو "ظلت حبيسة الماضي"، مشيرة إلى أن "العالم لم يعد عالقا في عام 1984، بل إن السياسة الخارجية قد تغيرت، وأنه منذ ذلك الوقت سقط جدار برلين وانهار الاتحاد السوفيتي". ولعلّ ما ذكرته بخصوص هذا المعطى التاريخي والارتهان للماضي الذي ولّى ولن يعود، هو توصيف دقيق لما يحدث في الجارة الشرقية المجاورة التي لا تزال تقتات على أحقاد التاريخ وإيديولوجياته البائدة. وبينما سرت دماء التغيير والتحوّل في الكثير من الحكومات والدول التي كانت إلى الأمس القريب منخرطة في هذا الوهم الإيديولوجي يحافظ نظام الكابرانات على عدائه الدفين، ويعيش في حالة نفسية قائمة على الترويج الدائم لفرضية التوتر والأجواء المشحونة، بل وعلى خلق مناخ شبيه بالأجواء التي تسبق الحروب بين الدول، سواء من أجل استدامة هذا النزاع أمام المنتظم الدولي أو من أجل إيهام الداخل الجزائري بوجود الخطر الخارجي الذي يمثّله المغرب في نظر الكابرانات. الأربعون خيمة التي تحدثت عنها ماريا ديل كارمن ألفا بقدر كبير من الإيحاء والرمزية هي صنيعة جزائرية خالصة، وأوتادها التي ضعفت منذ زمن طويل إنما تستمر في الوقوف بما تنفخه عصابة شنقريحة على هذه الأطروحة من أموال البترودولار بسخاء، سواء لشراء الاعترافات الشكلية أو الإساءة لعلاقات المغرب الجيدة مع العديد من بلدان العالم. ومن مدلولات هذا الوصف الذي قدمته هذه المرأة البيروفية، بقصد أو غير قصد، هذا التعيّش الذي تمارسه عصابة البوليساريو المشار إليها بالأربعين خيمة، والاسترزاق الذي تمارسه قيادتها بقضية الانفصال على حساب المحتجزين بالمخيمات، حيث يصبح الزعيم الوهمي "حراميا" رسميا وهو يهرّب المساعدات الإنسانية الموجهة للمخيمات إلى أسواق سوداء في منطقة الساحل والصحراء، أو يغتني بأموال الدعم الجزائري على حساب من يكذب عليهم من المغرّر بهم، فيغدو مستثمرا كبيرا في إسبانيا أو أمريكا اللاتينية، بما يبيعه من وهم بلوغ الدويلة المزعومة. "الحرامي" الذي يتاجر بقضية مصطنعة هو الذي يجنّد الأطفال في المخيمات ويشحنهم إيديولوجيا وينتزعهم من بين أيدي آبائهم وأمهاتهم لإرسالهم إلى معسكرات كوبا ليتعرضوا لغسيل الدماغ ويصنع منهم رصيدا جديدا للمتاجرة والاستغلال. وما يزيد مرافعة هذه البرلمانية البيروفية قوة هو ما تسرّب من يقين من بين ثنايا كلماتها من أن هذه الأطروحة الانفصالية ليس سوى لعبة سياسية شارفت فصولها على الانتهاء. لقد نطقت بما يعلمه كل المغاربة ويؤمنون به اليوم، بعد كلّ ما تحقّق على الصعيد الدبلوماسي من اختراقات لمعاقل الدعم في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها، وبعد أن اقتنعت أكبر القوى الدولية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية بأن هذه الصحراء في مغربها وأن هذا المغرب في صحرائه. هذا الإيمان الذي يؤكد أن أطروحة الانفصال إلى زوال وأن الأمر لا يعدو أن يكون مسألة وقت لا أقل ولا أكثر.