اللقاء الذي جمع ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، بستيفان سيجورنيه، وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي أمس اليوم الثلاثاء، بالعاصمة الفرنسية باريس ليس لقاء عاديا أو روتينيا في مسار العلاقات المغربية الفرنسية. إنه لقاء هام وحيوي يأتي في سياق استعادت فيه العلاقة بين البلدين جزءاً كبيراً من حيويتها وزخمها المعهود، ويمثل أيضا محطة جديدة في التحضير لبناء شراكة جديدة ومختلفة وواعدة بين البلدين. ولعلّ التغريدة التي كتبها الوزير الفرنسي في أعقاب هذا اللقاء تلخص جانبا من الأهمية البالغة للتنسيق الذي يجري في الوقت الراهن بين المغرب وفرنسا، ولا سيّما بعد شهور طويلة من الجفاء وسوء الفهم الذي أدّى إلى ركود كبير على مستوى الدينامية السياسية والدبلوماسية. وقد أشار ستيفان سيجورنيه، عبر تغريدة له في حسابه الرسمي بتطبيق "إكس" إلى أهمية هذه المحطة الجديدة مذكرا بالزيارة الأخيرة التي قادته إلى المغرب. وقال سيجورنيه في هذه التغريدة: "دينامية العلاقات مفتوحة منذ زيارتي الأخيرة للمغرب، واليوم نستمر في ذلك خلال زيارة عمل لزميلي ناصر بوريطة". وأضاف وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي أن العلاقات بين الرباطوباريس "متميزة". ومن المهم الوقوف عند إشارته إلى الدينامية المفتوحة التي تميز العلاقات بين البلدين، لأنها تنطوي على إشارات سياسية بالغة الأهمية في الظرفية الحالية. هذا يعني أولا أن ما تم الاتفاق عليه خلال الزيارة الأخيرة التي قادت الوزير الفرنسي إلى المغرب في أواخر شهر فبراير الماضي ما يزال موضوع بحث ودراسة للنظر في سبل تنزيله وتنفيذه. انتهت زيارة الوزير الفرنسي حينها بتصريح مهم قال فيه سيجورنيه إنّ بلاده تسعى إلى "بناء شراكة تمتد على مدى ال 30 سنة المقبلة، كما أن المغرب تطور كثيرا في ظل حكم جلالة الملك محمد السادس، ويجب أن نرى التحديات المقبلة بكثير من التبصر، حتى نجاري العالم الذي يتحول بسرعة". ومن ثمّ فإن لقاء يوم أمس بين بوريطة وسيجورنيه يمثل أول لقاء رسمي بين دبلوماسيين رفيعي المستوى بعد الانفراج الذي شهدته العلاقات في زيارة فبراير الماضي. ومن المعروف أن من أهم انتظارات المغرب في الشراكة الجديدة التي تحدث عنها الوزير الفرنسي إقدام فرنسا على اتخاذ قرار سياسي ودبلوماسي شجاع من خلال تطوير موقفها بشأن قضية الوحدة الترابية لبلادنا، ولمِ لا تجسيد ذلك من خلال افتتاح تمثيلية دبلوماسية رسمية للبلد في الأقاليم الجنوبية. وبالنسبة لنا في المغرب فإنّ هذا الملف يمثّل أولوية الأولويات في سلّم العلاقات الخارجية، وهذا ما أكده جلالة الملك محمد السادس في خطابه الشهير عندما تحدّث مخاطبا الأصدقاء والشركاء قائلا: إن قضية الصحراء المغربية هي المنظار الذي ننظر عبره إلى علاقاتنا الخارجية وشركائنا. واليوم أضحت كل الظروف ملائمة تماما لميلاد هذه الشراكة الجديدة التي يوازيها أيضا موقف فرنسي مرن ومواكب للتحوّلات الجوهرية التي شهدتها قضية وحدتنا الترابية. نحن نؤكد باستمرار أن فرنسا يجب أن تكون هي السبّاقة إلى الاعتراف بالسيادة المغربية الكاملة على الصحراء المغربية، وتخرج من دائرة المواقف الرمادية التي تتسم بنوع من الانتهازية والابتزاز. ونحن نعتقد جازمين بناء على المعطيات المستجدة أن هذا الزمن ولّى وأن الرئاسة الفرنسية والنخب السياسية في باريس أضحت مقتنعة أكثر من أيّ وقت مضى بضرورة تغيير هذا النهج. ولعلّ ما سيعقب زيارة ناصر بوريطة إلى باريس من استحقاقات ومنتديات أوربية على الخصوص ستُظهر بالملموس هذا التحوّل الذي بدأ الموقف الفرنسي يشهده باتجاه أكثر جرأة وتقدمية. سيجورنيه الذي كان في الماضي متورطا ربما دون أن يدرك ذلك في حملات موجهة ضد المغرب في البرلمان الأوربي، مُطالب اليوم من خلال موقعه السياسي والحزبي للعب دور أكثر إيجابية في دواليب البرلمان الأوربي للدفاع عن المصالح المغربية والتصدّي لبعض المؤامرات التي يقف وراءها في بعض الأحيان نواب أوربيون ينتمون إلى تيارات سياسية متطرفة ورثت ثقافة عدائية ضد المغرب. صحيح أن هؤلاء يمثّلون قلّة قليلة لكنّ دور فرنسا المتوقع هو إقناع الطرف الأوربي بأن المغرب الذي يتفاوض معه الأوربيون اليوم أضحى يتحدث من موقع قوة. ونحن على يقين أننا سنشهد قريبا بلورة موقف فرنسي سيمثل تحوّلا جوهريا وصدمة حقيقية لنظام الكابرانات الذي يراقب عودة العلاقات المغربية الفرنسية إلى حيويتها المعهودة بقلق وخوف شديدين.