لماذا لا ينبغي الوقوف كثيرا عند المقال الذي أفردته الجريدة البريطانية "الإيكونوميست" لقضايا المغرب؟ هناك أسباب واعتبارات كثيرة تفرض هذا التجاهل، أو بنسبة أقل، عدم الاكتراث لمثل هذه المنشورات والمقالات. وأول هذه الاعتبارات هو أن المقال تعمد شخصنة نظام الحكم وربطه، بدون علاقة سببية، مع الإخوة ازعيتر أو التوأم المتوحش كما تقدمهم الصحافة الألمانية والمغربية على حد سواء. وحتى في هذه الشخصنة العبثية لم ينجح المقال في سردياته، لأنه لم يتجاوز سقف ما كتبته هيسبريس وبرلمان وكود عن تجاوزات شبكة ازعيتر، وعن تاريخهم الإجرامي من جحيم السجون بألمانيا إلى بلاط القصور بالمغرب. بل إن مقال الإيكونوميست لم يتفوق حتى في نشر أي جديد معزز بدليل حول ما قال أنه تدخل من جانب الإخوة ازعيتر في التدبير السياسي والإداري، واكتفى فقط بترديد معطيات متداولة وتهم فضفاضة يعوزها المصدر المعلوم والمصداقية المطلوبة، كما هو الحال عندما ادعى أن الإخوة ازعيتر أصبحوا يستخدمون ولاة وعمال الجهات كسائقين عندهم! لقد كان من الممكن الوقوف مليا عند مقال الجريدة البريطانية لو أنها جاءت بسكوب حصري وحقائق غير معلومة، أما الاقتصار على تجميع ولملمة ما يقال في المجالس الخاصة، وما تهمس به المصادر المجهولة، والاعتماد على مقالات مواقع إخبارية وطنية بعد بثرها من سياقها، فهذه ليست مهنية ولا تسمى تحقيقا صحافيا حتى ولو كان الناشر موقعا بريطانيا. أما ثاني الاعتبارات التي تدفعنا للتعامل ب"لامبالاة" مغربية إزاء هذا المقال، فيتمثل أساسا في بروفايل ناشر المقال في حد ذاته، ويتعلق الأمر هنا بالصحافي البريطاني نيكولاس بيلهام، الذي يسجل له التاريخ أنه أول من ابتدع "فتنة عدم قابلية القرآن للترجمة إلى الأمازيغية". فهذا الصحافي "الفري لانس" السابق بالمغرب، معروف جيدا ومعروف مستواه وشبكة مصادره، ويكفي أن نشير هنا إلى غضبة المرحوم العربي المساري عندما كان وزيرا للاتصال وتفاجأ بنيكولاس بيلهام ينشر مقالا يتهم فيه المغرب بمنع ترجمة القرآن للأمازيغية، مستندا في ذلك على مكالمة أجراها مع موزع الهاتف وقتها في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. ومن طرائف هذه القضية أن نيكولاس بيلهام حاول حينئذ إلباس "هذا السبق المزعوم" لباسا دينيا، كمدخل لما يشبه الفتنة بين الأمازيغ وباقي مكونات المجتمع، لولا أن حكماء المغرب سخروا منه وقتها بقولهم "القرآن الكريم قرأه المغاربة مترجما إلى الأمازيغية منذ عهد "المهدي" بن تومرت". فكثير من هؤلاء الصحافيين الأجانب لا يعرفون عن المغرب إلا ما تجود به قريحة مصادرهم! وهنا تبرز الحاجة الملحة إلى إمعان النظر والتحقق من خلفيات ومقاصد كل مصدر. فالباحث عن مآرب السياسة وسجالاتها لا يصلح كمصدر موثوق، خصوصا إذا طلب طمس هويته. لأن من يفضل العتمة لا يمكن أن يعطي الدروس في العلن. لكن ما يحسب لمقال الإيكونوميست حول المغرب هو أنه منح "الجنسية البريطانية " لتجاوزات الإخوة ازعيتر، واستطاع أن ينقل تصريحات بعض المصادر المجهولة من نطاق الجلسات الخاصة إلى أعمدة صحيفة بريطانية، دون التحقق منها، مما جعلها تخلف موعدها مع المهنية في معالجتها لقضايا المغرب.