في الأسبوع الماضي أطلت علينا مجلة ليكونوميست (L'Economist) البريطانية بمقال مطول، اتضح للقراء والمحللين أنه من بنات الأفكار التآمرية لجماعة "نيرفيزيوون" المنتمية للطابور الخامس ومن جاوره. وبالرغم من أن هذه الجماعة أوقعت الصحافي نيكولاس بيلهام في مصيدة الكتابة السطحية، فإن المقال خلص في خاتمته إلى افتراضات تثبت أن هذه المجموعة وضعت نصب أعينها هدفا واحدا تفرغت للعمل من أجله وهو زحزحة الاستقرار المغربي بكل السبل والوسائل بما فيها الافتراء والإشاعة والتشويش. فمن هم أفراد هذه الجماعة التي تبنت عملية تقديم محتويات فاقدة للصلاحية والمصداقية إلى مجلة معروفة في بريطانيا؟ ومن هو الصحافي الذي ترجم، بالكتابة والنشر، أمانيهم المفعمة بالكراهية والحقد؟ ولماذا لم ينجح هذا الصحفي البريطاني، رغم مهنيته، في بناء مقال متكامل ومنهجي؟ وما هي الأهداف التي سعت جماعة الطابور الخامس إلى تحقيقها من خلال هذا المقال؟ إن الوصول إلى العناصر التي تقف وراء هذا العمل التشويشي لا يتطلب جهدا كبيرا، لأن سوابقهم متعددة من خلال ظهورهم في برامج وأفلام وثائقية وتحقيقات صحفية ينسقها عملاؤهم في الخارج، إما عبر تقديم خدمة مدفوعة الأجر لأعداء المملكة، أو عبر إيهام الصحافة الغربية بمواد ذات أثر نفعي لتحقيق مآربهم الانتقامية. وذاك ما حصل فعلا للمجلة البريطانية، وغيرها. وانسجاما مع الأهداف الدنيئة التي يسعون لتحقيقها، فقد أنشأ أفراد هذه المجموعة قناة إلكترونية، عصبية ومتعصبة، يطلون منها ليتسلوا بالثرثرة كالببغاوات، وليكرروا أسبوعيا نفس الأسطوانات، ومن شدة تفاهتهم وإثارتهم لقضايا مملة، فإنهم لم يستطيعوا الحصول على اهتمامات المتابعين الذين يعدون على رأس الأصابع، وهذا ما حدا بهذه المجموعة إلى استخدام أساليب استجداء اللايكات، والتماس الانخراطات كي يحصلوا على ضحايا مفترضين لمتابعة نعيقهم الأسبوعي. إن الجماعة المقصودة التي تضم بين أفرادها أميرا منبوذا، وصحفيا مطرودا، وجمعويا مبغوضا، وجامعيا مرفوضا يضاف إليهم تاجر الاسفنج (البونج) والمهانة، وهم على التوالي: هشام الأحمر، وأبو بكر الجامعي، وفؤاد عبد المومني، والمعطي منجب، وكريم التازي، تتناوب على عرض سلعتها وخدماتها على كل من لمست لديه اهتماما بالمنطقة، أو بأنظمة الحكم في شمال أفريقيا والشرق الأوسط لتجره إلى الخوض في إشاعات وأكاذيب حول المغرب. وقد لمست هذا الاهتمام لدى كاتب مقال "ليكونوميست" نيكولاس بيلهام، خاصة أن له مقالات تهم الملكيات في الشرق الأوسط، وخاصة في المملكة العربية السعودية. كما أن هذا الصحفي تعرض سابقا للاحتجاز عدة أيام لدى الحرس الثوري في إيران بتهمة التعاطي للرشوة، وللتحقيق معه حول نوعية العباءة التي دخل بها إلى الجمهورية الإسلامية. لكن المنهجية التي اعتمدها الكاتب أثناء توظيفه للمعطيات التي توصل بها عن طريق المراسلة، تؤكد أنه هو نفسه غير واثق من مصداقية المعلومات، ولذلك بدا المقال سطحيا في مضمونه، وساذجا في حججه، وضعيفا في سنده ومنهجيته، ومملا بطوله. كما أن كاتبه لم يحصنه بمنهجية مهنية يمكن اعتمادها في مرجعيات البحث والتوثيق، وذلك لاستناده على الإشاعة، وعلى مصادر معروفة (رغم أنه لم يذكرها بالإسم) داخل المغرب بخيانة الشعب، كلما تعلق الأمر بأزمات اقتصادية أو صحية، كما حصل مع أزمة كورونا أو مع موجة الغلاء الفاحش التي تعرفها البلاد حاليا. وبهذا، فهي مجموعة لا تبحث سوى عن المنفعة المالية، وعن الفتن ما استطاعت إليها سبيلا. وإذا نحن توقفنا عند بعض الجزئيات التي اعتمد عليها الكاتب كموضوع محوري لمقاله، فسنجد أن ما تطرق إليه بخصوص الإخوة زعيتر تناولته الصحافة المغربية من زوايا أكثر جرأة منه، ولعل القارئ المغربي يشهد لموقع "برلمان.كوم" أنه كان سباقا للتصدي لممارسات هؤلاء الإخوة، وحالة الهستيريا التي ظهروا بها في البداية قادمين من السجون الألمانية، وهم يتباهون أمام المواطن المغربي بما أتيح لهم من سعة عيش ومن رفاهية وإمكانيات، استخدموها للأسف في استفزاز المواطنين، وخاصة الفئات الشعبية التي لم تعتد على مثل هذه السلوكيات المستهترة. وفي نفس الاتجاه ورغم المكانة التي يحظى بها الإخوة زعيتر، فإنه لم يسمح لعنجيتهم بخرق القوانين المعمول بها داخل المملكة، ولا للتسيب الذي أظهروه في بداية الأمر بأن يهدد سلامة المواطنين. وحين ضبطوا أكثر من مرة في أوضاع مخلة بالقوانين، وبالمساطر التنظيمية المعمول بها في البلد، فقد تم إخضاعهم بكل حزم للقانون، كما تمت مصادرة بعض منتوجاتهم غير الصالحة للاستهلاك، وتم توقيف بعضهم والتحقيق معهم، ومع بعض أفراد عائلاتهم، كلما تعلق الأمر بشنآن أو تسيب. ومن المعطيات التي تعرض لها المقال، هناك أمور تخص الحياة الخاصة للملك، وعلاقاته وصداقاته. علما أنه لطالما طالب أفراد مجموعة الطابور الخامس باحترام حياتهم الشخصية، فكيف لهم أن يتجرؤوا اليوم على الحياة الخاصة لملك البلاد؟ كما تطرق صائغوه للسفريات الملكية إلى الخارج، مبررين فضولهم هذا بادعائهم أن الملك متغيب عن الحكم، وكأن الحكم يجثم في مكان واحد ولا يتحرك، وأن "عرشه على جواده". وإذا كان من زلة اقترفتها الجماعة إياها، فهي التحدث عن هذا الموضوع في زمن التكنولوجيا التواصلية المتقدمة، علما أن الملك لم يتوقف، ولو أثناء رحلاته العلاجية، على التتبع الدقيق لتدبير الشأن السامي لشعبه وبلده. كما ظل حريصا ولو أثناء عطلته السنوية على إصدار التوجيهات العليا، كلما دعت الأوضاع إلى ذلك. وهنا نساءل الجماعة إياها: متى لمستم أن الملك كان مهاجرا أو مبتعدا عن تدبير أمور الحكم؟ وإذا كنتم أنتم أنفسكم من تشتكون، من خلال انتقاداتكم التافهة، من الاهتمام الملكي بتفاصيل الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد، وتعتبرون ذلك تدخلا في المسؤولية الحكومية، فكيف تتقلبون اليوم على بطونكم، وتدعون أن الملك غائب عن الحكم، وتعيبون عليه حركاته وسكناته؟ أو لم تلاحظوا أنكم تجاوزتم حرياتكم في الاستفادة من حرية التعبير، حتى أطلقتم العنان لألسنتكم لكي تسبح في مسابح لا تدخل إطلاقا ضمن الحيز النافع للعباد والبلاد؟ "هاذي هي لبسالة بعينيها، بغيتو تقولوا باللي الملك ما خصوش يتحرك بحال البشر!!. الملك خصو يحكم من الصباح حتى لعشية بلا ما يرتاح ولا ينام!!. وفي نفس الوقت بغيتو تقولو ما خصوش يحكم بزاااف!!!. الخلاصة: راه هرب ليكم لفريخ". أما عن محاولة زعزعة الثقة بين الملك والمدير العام للأمن عبد اللطيف حموشي، صمام الأمان ضد كل أنواع الجريمة، والذي يؤرقكم ويجعل لياليكم بيضاء، فقد سبقتكم فرنسا وصحافتها ومنظماتها في هذه المهمة القذرة، قبل أن تنتهي بالفشل وتعتذر فرنسا الرسمية عن فعلتها. ولعل أخطر ما جاء في المقال الذي نحن بصدده هو خلاصته التي ذهبت إلى حد افتراض وقوع انقلاب عسكري في المغرب، من خلال عبارتهم التي صاغوها بخبث وقالوا فيها: "ويبقى أن وقوع انقلاب عسكري وارد في المغرب". وهي عبارة تلخص كل الأهداف الخفية التي تضمنتها محاور المقال. فجماعة الطابور الخامس بعد خوفها من المتابعات القانونية إثر ما نهبوه وما هربوه وما سرقوه وما تملصوا فيه من الضرائب، وبعد أن لم يطل بها المقام في الأنظمة الحاملة لعدة إيديولوجيات ماركسية ولينينية، ومنهم من يستطب حلاوة العيش في أمريكا فظل متجولا بين الفنادق والدول، أو تم استبعاده من المقامات الأممية والدبلوماسية والأكاديمية، ومنهم من هو متابع اليوم في قضايا مخجلة، فقرروا جميعا أن يجمعوا أمرهم حول أمر جلل، هم أول من يعرف أن كل الدول العربية التي زحزح استقرارها، لم تسترجع حتى هذا الوقت أمنها، بل لم تصل حتى الساعة باقتصادها ومجتمعها إلى بر الأمان.. واذا أردنا كإعلاميين أن نتحلى بالكثير من الواقعية في هذا الحوار المفتوح مع هذه الجماعة المستهترة بمستقبل الوطن، فإنه من حقنا أن نسألهم بكل مسؤولية هل كان لكم أن تتمتعوا بهذه الحرية في اللغو، لو عشتم يوما واحدا في الجزائر مع السعيد شنقريحة، أو في تونس مع قيس السعيّد، أو في أية دولة أخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟. تفضلوا أجيبونا بالحق إن كنتم صادقين، ولنا أن نطالبكم بالنزول في أي مطار تشاءون، لأي بلد تختارون، وتصرحون بربع ما تقولونه في المغرب، عن الحكم بذاك البلد، أن كنتم فاعلين؟. نعم نتحداكم ونرجو أن ترفعوا معنا هذا التحدي. أما إن كنتم غير قادرين على ذلك، فليعبث كريم التازي داخل يخته بما استلذ وطاب من "شهيوات" شوميشة، وليتسل عبد المومني بأحلامه المراهقة مع فتيات في سن بناته، كما يمكن المعطي "مول الجيب" أن يتلهى بمكتنزاته ومشترياته، وليتنعم هشام المنبوذ بأمواله الطائلة ورحلاته الجائلة، أما أبو بكر الجامعي فلن نكلمه حتى يبلغ رشده.. ولتتركونا لمسؤولياتنا الإعلامية خدمة للمواطن، ودفاعا عنه، وعن معيشته كي تكون كريمة، في وطن كريم.