يبدو أن عدوى "السطحية والتحامل" انتقلت مؤخرا إلى مقالات الصحيفة البريطانية "الايكونوميست"، وإلى محبرة مراسلها المستعرب نيكولاس بيلهام. فمن يطالع المقال الأخير الذي أفردته هذه الأسبوعية البريطانية للجالس على العرش المغربي، سوف يدرك جيدا بأن الصحافي الذي يعتمد على مصادر جبانة و "مجبولة على الكذب والخيانة"، سينتهي به المطاف إلى إعادة تحوير الإشاعات المغرضة recyclage ولملمة شظايا المقالات "البايتة"، في إشارة إلى المقالات القديمة والمتداولة في أعمدة الصحافة المغربية. بل إن هذا الصحافي البريطاني، الذي اقتصر على معالجة واقع المغرب "بالمراسلة"، بعدما غادر المغرب منذ مدة، واعتمد فقط على الأفكار المسبقة والكليشات الجاهزة لكل من فؤاد عبد المومني والمعطي منجب وكريم التازي مول السدادر وعبد الحق سامبريرو ايناسيو، وجد نفسه يلعب دور "المعارض الإيديولوجي"، مبتعدا كثيرا عن الدور الحقيقي للصحافي الذي يبحث عن نقل الحقيقة من مصادر مختلفة. بل إن كاتب هذا المقال، نقلا عن مصادره الجبانة التي اختبأت وراء الضمير المبني للمجهول، سقط في فخ نشر الأخبار الزائفة، عندما تحدث عن دفن والدة "التوأم المتوحش" (الإخوة ازعيتر) بمقبرة ملكية بمدينة طنجة، والحال أن هذه الواقعة، كما نشرتها الصحافة المغربية، كانت تتعلق بجدة هؤلاء الإخوة وليس والدتهم، والتي تم دفنها في مقبرة عمومية تم إقفالها منذ سنوات بموجب قرار للسلطة المحلية بطنجة وليس في مقبرة ملكية. والمثير أن أشخاصا مثل الصحافي الاسباني عبد الحق سامبريرو ايناسيو وعلي لمرابط بادرا بنشر شذرات من هذا المقال، وبمشاركة رابطه على شبكة الأنترنت، وكأنهما يبشران بسكوب صحافي ونصر إعلامي غير مسبوق! والحال أن المغاربة لم يكونوا بحاجة لمن يرشدهم لمنزل "أخوالهم" كما يقول المثل الشعبي الدارج. فما نشره هذا الصحافي البريطاني عن الإخوة ازعيتر، نقلا عن المعطي منجب وفؤاد عبد المومني وكريم مول السدادر، ليس بالشيء الجديد وإنما اطلع عليه المغاربة في مواقع إخبارية وطنية، بلغة أكثر وضوح وجسارة وبدون أقنعة حاجبة للمعطيات الشخصية. بل إن أول من عرى واقع التوأم المتوحش كانت هي الصحافة المغربية ممثلة في مواقع إخبارية مثل هيسبريس وبرلمان وكود وغيرها، قبل أن يفطن إلى ذلك الصحافي البريطاني نيكولاس بيلهام ويعيد تحويرها في مادة موغلة في السطحية والشعبوية والتحامل. لكن السؤال المطروح في هذا الصدد هو: لماذا اقتصرت جريدة الإيكونوميست على النفخ في الجسد العاري للإخوة ازعيتر، بعبارات فضفاضة شبيهة بالبروتينات المهربة المستخدمة في تضخيم الأرداف، واستنكفت في المقابل عن سرد مظاهر الردع القانوني الذي واجهت به السلطات المغربية الأنشطة المشبوهة لهؤلاء الإخوة؟ ألم يهمس فؤاد عبد المومني والمعطي منجب في أذن الصحافي البريطاني كاتب المقال، بأن سلطات الرباط قامت بمصادرة أطنان من اللحم المنتهية صلاحيته داخل محلات الإخوة ازعيتر وقامت بتحريك المتابعات في حق مسيري مطاعمهم المشهورة؟ ألم يعلم هذا الصحافي بأن شرطة الدارالبيضاء قامت بإيداع سيارة واحد من الزعيترات بالمحجز البلدي واستمعت له في محضر قانوني بعدما ركن سيارته بمكان محظور أمام أحد الأسواق الممتازة؟ وهل من يتمتع ب"البطاقة البيضاء" كما ادعى كاتب المقال، وهذا في حد ذاته تعبير شعبوي، يمكن أن يخضع مثله مثل باقي المواطنين للقانون؟ وهنا نتساءل بشكل استنكاري هل نسي كريم التازي مول السدادر أن يقول للصحافي البريطاني المستعرب بأن شرطة سلا أخضعت والد الإخوة ازعيتر لبحث قضائي بعد تورطه في "نطح" مواطن مغربي مقيم بالخارج؟ وهل أغفل المعطي منجب أن يسرب لمصدره بأن شرطة الرباط حجزت سيارة جمعية الإخوة ازعيتر لكونها كانت تحمل أضواء وامضة غير مرخصة؟ فالمغاربة ليسوا بحاجة اليوم لأن يترجموا مقالا من الانجليزية، مكتوب بطريقة ممططة، ويحيل على مصادر جبانة ومجهولة، بيد أنهم يعرفون حقيقة الإخوة ازعيتر واطلعوا على جميع المتابعات القانونية التي طالتهم في الصحافة الوطنية، مكتوبة بلغة عربية واضحة، وبالاعتماد على مصادر معلومة لا تخفي وجهها مثلما يقوم بذلك الجبناء والمتخابرين تحت جنح الظلام. ومما يثير السخرية في مقال نيكولاس بيلهام أنه انتظر أكثر من سنة ليعيد نشر ما كان يتلفظ به محمد زيان في مرافعاته فوق الأرصفة والطرقات! فهذا المحامي المعتقل كان يهدي (من الهديان وليس الهداية) كلما تساءل أين الملك؟ بل إنه كان أول من ابتدع أن "المغرب يسير بدون ربان"، قبل أن يقرصن المعطي منجب هذه الشعارات المتطرفة ويهمس بها للصحافي البريطاني نيكولاس بيلهام، الذي نفث فوقها بعض مساحيق الحبكة الدرامية، ويدعي بأن مسؤولا مغربيا مجهولا أوحى له "بأننا في المغرب نطير بطائرة بدون طيار"! فكلاهما استخدم نفس العبارة مع اختلاف بسيط، الأول استعمل لفظة "الربان" والثاني استخدم مفردة "الطيار"! ولأن هذه المصادر الجبانة التي اعتمدت عليها جريدة الإيكونوميست في هذا المقال، تعرف جيدا بأن مصدر الثقل centre de gravité, الذي يجب أن يحظى بالمهاجمة والتشكيك يتمثل في المؤسسة الأمنية، فقد تم استهداف عبد اللطيف حموشي بنفس التهم الجاهزة والإشاعات المغرضة التي يلوكها دائما علي لمرابط والمعطي منجب وباقي كورال الطابور الخامس. وتبقى من المفارقات الغريبة والسمجة هي عندما نسبت هذه الجريدة البريطانية للمدير العام للأمن الوطني صلاحيات هي أصلا من اختصاص القضاء! فقد تم تقديمه بكثير من الجهل والجهالة أنه هو من يحرك المتابعات القضائية ويمارس الدعوى العمومية! في مناورة مفضوحة لخلق اللبس عند الرأي العام البريطاني، لأن المغربي يعرف الحقيقة، بدعوى أن الأمن المغربي هو الذي يتحكم في القضاء! أكثر من ذلك، حاول كاتب المقال تسفيه الصحافة المغربية وتقديمها في صورة "المملوكة للأجهزة"، وهي الصورة النمطية التي اعتاد المعطي منجب وفؤاد عبد المومني وعلي لمرابط تسويقها بكثير من الخبث والجبن والتدجين والبهتان. وفي سياق متصل، يبقى طيف الأمير الأزرق، في إشارة لهشام العلوي، غير بعيد عن حمى هذا المقال المحموم. فهو كبيرهم الذي علمهم السحر، والذي أصيب مؤخرا بنوع من الإسهال في التدوين الافتراضي مبشرا بما يعتبره موت المخزن! فهذا الأمير الأزرق، الذي يصطنع السبات في المكتبات، وكأنه جاحظ العهد الحديث، ما فتئ يتوهم زفرات المخزن وهو يحتضر في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي الفكرة المحورية التي تلقفها المعطي منجب وفؤاد عبد المومني وكريم التازي مول السدادر وشرعوا في تحويرها وتقديمها للصحافي البريطاني وكأنها سبق صحفي يندر بانهيار المغرب! والحقيقة أن بلدا من عشرات القرون لا ينهار بصدى السفسطة وهدير الإشاعات البغيظة. فعلا لقد تمخض الجبل مليا وأنجب هذه المرة مقالا مسرفا في السطحية وموغلا في الشعبوية! والسبب المباشر لا يكمن في الصحيفة البريطانية ناشرة المقال، وإنما في تلك المصادر المغربية الجبانة التي تراهن على الخارج لاستهداف الداخل. تلك المصادر التي تصدح في السر والنجوى بالقول "خليونا نغسلوا الأموال ونسرقوا التحويلات المالية ونغتصبوا النساء والذكور ولا نصبح قنابل موقوتة بيد المنظمات الحقوقية الأجنبية والوكالات الإخبارية الأوروبية".