"" "بلمهل تايتكال بودنجال" قصة ذاعت في باريس وبروكسيل بين المغاربة المقيمين هناك، وأصدقائهم البلجكيين والفرنسيين، نقلها إلينا أحد المغاربة الحاملين لجنسية بلد غربي، ويعد أحد المقربين من القصر الملكي. في إحدى لقاءاته حول مائدة عشاء، طلب أحد الضيوف الحاضرين وجبة تحضر بالبادنجان، وكانت لذيذة جدا لدرجة أن طالبها التهمها في وقت وجيز. انكب على صحنه، ولم يشارك باقي الضيوف الحديث الدائر المصاحب للعشاء المبرمج، ليس للاستمتاع بالوجبة فقط، وإنما للتحدث في تفاصيل مشروع هام. ولتنبيه صاحبنا وحثه على المساهمة مع الحاضرين في نقاشهم، قال له أحدهم مازحا: "عندنا هناك مثل يقول "بلمهل تايتكال بودنجال"، فأصر عدد من الحاضرين على فهم المعنى والمغزى. ومادام حديث اللقاء يمت بصلة لقضية الصحراء، لم يخرج المشيع عن الإطار، وحاول تفسير فحواه بارتباط مع موضوع النقاش، فقال: "في إحدى اللقاءات أنب الملك محمد السادس بعض عناصر الحكومة والديبلوماسيين عن إهمالهم بخصوص تفعيل الديبلوماسية المغربية بالقارة السمراء، وقال لهم: "إن خطأكم الكبير بهذا الخصوص هو أنكم تجهلون كيفية الاستفادة من المثل المغربي (بلمهل تايتكال بودنجال) وتركتم حقائب "البترودولارات" الجزائرية تهزمكم ديبلوماسيا بإفريقيا فيما يخص قضية الصحراء. فكان عليكم أن لا تحاولوا جذب الشخصيات وإنما الاقتراب من قلوب الأفارقة.." ويضيف المتحدث، وهذا مرتبط بإشاعة ذاعت بين النخبة الأوروبية، مفادها أن الملك محمد السادس اعتمد فلسفة صورة "ملك الفقراء" خارج الحدود المغربية، في قلب إفريقيا. وهذا ما دفع أصحاب رؤوس الأموال المغاربة إلى الاهتمام بالقارة السمراء وتوظيف أموالهم بها. وبذلك بدأت تظهر النتائج الأولية وبسرعة، على الأقل، على سبيل الاعتراف بالجميل عوض شراء الذمم كما تفعل جارتنا. وهذه صورة من صور "بلمهل تايتكال بودنجال". الملك وقصور المملكة كان الملك الراحل الحسن الثاني يتخذ قرارات مصيرية وحاسمة عبر خطب تلقى من قصور الرباط، لكن الملك محمد السادس وحسب رأي الشارع وما يروج عنه، يتخذ قرارات حاسمة من قصور الدارالبيضاء وطنجة وأكادير، فكل القرارات الحاسمة للملك اتخذت من قصور المدن السالفة الذكر، ويقول الناس إن الملك يمكن أن يتخذ قرارا بعزل الولاة والعمال في أكادير، ويمكن أن يعلن عن تشكيلة الحكومة من طنجة. محمد السادس، الملك الإفريقي أكثر إفريقية من والده محمد السادس "الملك الإفريقي"، تسمية راجت بين الأفارقة في بداية هذه السنة (2006)"M6 l africain". خلال أقل من 5 سنوات، قام الملك محمد السادس ب 16 زيارة رسمية لعشرة بلدان إفريقية تقع جنوب الصحراء. وشاع الحديث بإفريقيا حول هذه التسمية على حد قول أحد المعلقين: إذا كان التاريخ القديم يفيدنا بوجود "ليون الإفريقي"، فالتاريخ المعاصر له ليونه الإفريقي كذلك، M6 L Africain، ومرد الاهتمام بهذه التسمية التي شاعت في بداية هذه السنة (2006)، على الصعيد الإفريقي، كون الملك محمد السادس فاق والده، بخصوص عدد زياراته للبلدان الإفريقية، لقد فاقه 4 مرات خلال 5 سنوات فقط، علما أن الملك الراحل الحسن الثاني، على امتداد حياته كملك، لم يقم إلا بأربع زيارات رسمية لبلدان إفريقية. في حين أن الملك محمد السادس في جعبته الآن 16 زيارة (4x4)، فالغابون مثلا استضاف الملك أربع مرات والسينغال ثلاث مرات. ويبدو أن الملك محمد السادس خلافا لوالده، الملك الراحل الحسن الثاني، يرى تطوير المغرب عبر الاهتمام بمشكلة الصحراء وارتباطاتها الإفريقية، وإذا كان والده قد روج لمقولة أن المغرب يعتبر بمثابة شجرة تتنسم من رياح أوروبا (الغرب) وجذورها في أعماق إفريقيا، فإن الملك محمد السادس يعمل على أن تكون جذور المغرب، أقوى ارتباطا بالبلدان الإفريقية، خصوصا تلك الواقعة جنوب الصحراء. الملك ومنطقة المعاريف ولاكورنيش يشاع بين المواطنين وخاصة ساكنة الدارالبيضاء، أن الملك محمد السادس، معجب بلاكورنيش وشارعي الزرقطوني والمسيرة الخضراء، حيث أنه – حسب عدة شهادات – لا يترك فرصة تمر خلال كل زيارة للعاصمة الاقتصادية للمملكة، دون المرور بالمناطق المذكورة. وغالبية هذه المناطق المذكورة تتوفر على إقامات راقية ومتاجر آخر صيحات الموضة، كما يعتبر الانتماء لهذه المناطق مفخرة يتباهى بها المسؤولون السابقون والحاليون، حيث تم إنشاء أحياء راقية، أنست سكان الدارالبيضاء الأحياء التي تركها المستعمر الفرنسي وسط الدارالبيضاء. الملك ورسائل الشعب في أول تصريح للملك محمد السادس بعد توليه الحكم، قال لصحفي أمريكي يعمل في مجلة "التايم" إنه حين يترجل نحو أبناء شعبه، يريد أن يصافحهم واحدا واحدا ولا يعجبه أن يحييهم من بعيد، وهذا ما دفع الناس في الشارع إلى الترويج لإشاعة تتمحور حول أن الملك، منذ أن كان وليا للعهد، لا يتضايق أبدا من تسلم رسائل من أبناء شعبه، عكس الكثيرين من أفراد الحرس، الذين يتضايقون من الشباب والشابات، الذين يتحينون كل فرصة مواتية لتسليم الملك رسائل تخص معاناتهم ومأساتهم مع الإدارة ومع القائمين على الأمور. غياب الشفافية يغذي الإشاعة إذا كانت الإشاعات المرتبطة بالملك محمد السادس تلعب دورا، قد يكون إيجابيا تارة وسلبيا تارة أخرى، فإنها لم تنطلق من فراغ أو من مجرد الخيال، بقدر ما تعتبر، عموما، محاولة لتجاوز الدوائر المغلقة في ظل استمرار سيادة غياب الشفافية. باعتبار أن الإشاعة تتناسل بسهولة كبيرة، في هذا الاتجاه أو ذاك، خصوصا في المجتمعات التي تنعدم فيها الشفافية و"تفبرك" فيها المعلومات الجوهرية وتكون فيها الأخبار الحيوية "مخدومة". وبخصوص إيجابية أو سلبية الإشاعات المرتبطة بالملك محمد السادس، فالأمر أولا يعود لطبيعتها، إذ منها ما قد يكون مسيئا ومنها ما يمكن أن يخدم مصلحة القرار. وهناك نوع ثالث من الإشاعة الذي لا يضر ولا ينفع البتة، لكنها مع ذلك تلعب دور ترسيخ حضور شخص الملك محمد السادس، في الوعي واللا وعي معا، لدى المغاربة. وهناك عينة من الإشاعات مرتبطة بالحياة الخاصة للملك، ويعزى تداولها بالأساس إلى غياب تام للشفافية على الخصوص. إن أغلب علماء الاجتماع وعلماء النفس أجمعوا على أن الإشاعة، قول أو كلام أو رأي يقدم شفاهيا في الغالب، ومكتوبا أحيانا، لكي يصدق دون أن يرفق بأي دليل أو برهان. فالإشاعة أمر يذاع بين الناس ولا يكون له أصل في أغلب الأحيان، وقد يهدف لإثارة البلبلة والفتن والقلاقل، أو تمرير انتقادات، أو تحقيق غايات أو التأثير على المعنويات، أو الضغط على صناع القرار وتوجيههم وجهة معينة. قد يكون المنطلق هو تتبع الأخبار ونقلها، بعد تحميلها بما هو مدهش ومثير لشد الانتباه ولفت الأنظار. والكثير من الإشاعات المرتبطة بالملك محمد السادس، كانت انطلاقتها على سبيل الثرثرة والمزاح، لاسيما وأن مجتمعنا قابل للإشاعة ومرحب بها، اعتبارا لانعدام الإقرار بالشفافية في جل المجالات والقطاعات المرتبطة بالحياة العامة. ومن خلال بعض الإشاعات المعروضة في ملف هذا العدد، يبدو بجلاء أن للإشاعة خصائص تسهم في ظهورها وانتشارها، وأهمها وجود أزمات أو كوارث أو تجاوزات، حيث تظهر وتتكاثر الإشاعات والشائعات في أجواء الاستياء والسخط والقلاقل أكثر من أوقات السلم الاجتماعي والرضا على الأمر الواقع والاستئناس بواقع الحال. لكن لكي تظهر الإشاعة، يجب أن يكون هناك اهتمام من قبل الناس، أي أن تحمل شيئا من الأهمية البادية للعيان. وهناك، على الأقل، شرطان لانتشار الإشاعة، وهما الأهمية والغموض. وكلما تحقق هذان الشرطان ذاعت الإشاعة وانتشرت وتناسلت، وعلى المسامع ترددت. تشمل الإشاعة جميع المجالات والميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولاسيما الثقافية، بما أنها أصلا "ثقافة" لمن لا ثقافة له. وقد صنفها المهتمون بوصفها ظاهرة اجتماعية تتفرع عنها "أجناس" صغيرة، منها إشاعة الخوف أو الإشاعة الوهمية، وإشاعة الأمل أو الإشاعة الحالمة، وإشاعة الحقد. أما إشاعة الخوف، فتهدف إلى إثارة الخوف والقلق في نفوس الناس، وتزدهر عموما في الظروف غير الاعتيادية، الطارئة منها خصوصا، وهي الإشاعات الأكثر تصديقا نسبيا، ويشترك في اختلاقها وإضافة أحداث وتفاصيل عليها أو تحور بطرائق عديدة. وغالبا ما تكون من إنتاج ما يسمى "بالطابور الخامس" في المجتمع؛ في حين تسعى إشاعة الأمل إلى تعميم الراحة النفسية وإدخال الطمأنينة على القلوب. وأما إشاعة الحقد، فإنها ترمي إلى خلق الارتباك والاضطراب في الرأي العام، وغالبا ما يقصد من ورائها تفرقة الصفوف وفك التماسك وتشتيت الجماعة وإضعاف روابط القرب والتفاهم أو تسميم جو الانسجام وإحلال القطيعة مكان التواصل والحوار. وهناك إشاعة يصنفها البعض ب "الإشاعة الحقيقة"، وهي التي تحكي أحداث وقعت فعلا، لكن بتحويلها لهذا الاتجاه أو ذاك أو حشوها بإضافة مختلفة أو مقتبسة لإبراز فكرة أو التنبيه لانتقاد بشكل غير مباشر، وبقساوة أحيانا. ويذهب بعض مروجي مثل هذه الإشاعة إلى حد الإقرار بأنها حقيقية، وأن هناك شاهدي عيان عاينوها عن قرب. وطبعا يظل للإشاعة أثرها في الوسط المتداولة فيه. وقد يصب هذا الأثر في مصلحة مصدر الإشاعة إيجابيا، كما يمكن لأثرها أن يكون سلبيا، وأحيانا مؤذيا، حتى ولو كانت على شكل نكتة أو مزحة. وقد تكون بعض الإشاعات خطيرة وعميقة التأثير، علما أنها ما فتئت تعتبر وسيلة من وسائل الحرب النفسية، بل قد تصير من أخطر الأسلحة المدمرة للمجتمع والأشخاص، فكم من إشاعة دمرت أناسا وشخصيات وأصابت الاقتصاد بالوهن واغتالت خططا ومشاريع في المهد وأثرت على مناخ الاستثمار وسببت خسارات قاسية لقطاعات. ويكاد أصحاب هذا الرأي يجرمون مروجي الإشاعات، لاسيما تلك التي تمس أحيانا شخص الملك، لأن من شأن هذا الفعل تدمير الإرادات وتحطيم المعنويات، لذلك وجب التصدي لهم وللإشاعات التي يروجونها. وعلى وجه العموم، هناك سبيل واحد، لا ثاني له للتصدي للإشاعة، وهو سبيل اعتماد الشفافية والإقرار بها في مختلف مجالات الحياة العامة؛ عن طريق الشفافية وبفضلها، يمكن تعزيز ثقة الناس بالقائمين على الأمور وبالدولة وأجهزتها، ولا شفافية بدون نقل الحقيقة، كل الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة، من دون تحريف أو تنميق. ومن وجوه الشفافية كذلك توضيح وشرح الإشاعات المغرضة التي يطلقها مروجوها، وتعويد الناس على قبول الحقيقة مهما كانت مرة في أي موضوع أو حدث أو إجراء يهم المغرب والمغاربة. فكما قال أحمد فؤاد نجم: "مر الكلام زي الحسام، يقطع مكان ما يمر، أما المديح سهل مريح، لكن بيضر". ومهما يكن من أمر، فإن الإشاعات بخصوص الملك محمد السادس، مقولة قد تكون إيجابية أو سلبية. وأغلبها يقوم على أنصاف الحقيقة (جزء منها قد يصغر أو يكبر حسب الظرف والمكان والزمان والمجال)، للإجابة على بعض استفسارات الناس وفضولهم أو عن رغباتهم التي يأملون أن تتحقق على أرض الواقع أو انتظارات يتشوقون تجسيدها. وفي كل الأحوال، تعد الشفافية والموضوعية والصدقية، مساهمات في الحد من انتشار الإشاعات وتناسلها في مجتمع مازالت ثقافة الإشاعة تخترقه.