لا تكاد متاعب قيادة حزب الأصالة والمعاصرة تنتهي حتى تبدأ من جديد. فالحزب الذي يحتل المرتبة الثانية برلمانيا أصبح مادة إعلامية رئيسية في الخبر الحزبي بسبب صراعاته وتفاعلاته الداخلية التي تعكس حالة من اللاستقرار المزمن الذي يعيشه الحزب منذ تأسيسه في 2008. وتجددت أعراض الأزمة البنيوية للحزب اليوم عندما تحول مقره بطريق زعير بالرباط إلى حلبة للملاكمة تعرض خلالها الأمين العام للحزب حكيم بنشماش إلى "نطحة" من طرف ابراهيم الجماني أحد برلمانيي الحزب. ورغم محاولات الحزب التستر والتخفيف من حجم ما جرى في لقاء خصص لاختيار البرلمانيين الذين سيمثلون الحزب في هياكل مجلس النواب إلا أن هذا الحادث يبقى مجرد شجرة تخفي الغابة. هذه الغابة من الخلافات والصراعات الداخلية انعكست منذ تأسيس الحزب في أزمة الزعامة التي لا تزال تلقي بظلالها على استقرار الحزب وتماسك مكوناته القادمة من آفاق سياسية وإيديولوجية وانتخابوية مختلفة. في منتصف مارس الماضي بلغت هذه الوضعية ذروتها عندما راجت أنباء عن استقالة الأمين العام حكيم بنشماش من قيادة الحزب. وجاءت أنباء الاستقالة التي سيتم تكذيبها لاحقا على خلفية أزمة داخلية عاصفة بين مكونات الحزب خلفتها استقالة الأمين العام السابق إلياس العماري وعدم الإجماع على بنشماش لخلافته. واتفق المكتب السياسي والمكتب الفيدرالي وسكرتارية المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة في 5 يناير الماضي على طي الخلافات بإسناد مهمة الأمين العام بالنيابة إلى أحمد أخشيشن، وعقد المؤتمر الاستثنائي في غضون الأشهر المقبلة. واتخذت أزمة الحزب أبعادا شخصية تتعلق بتقريب الأمين العام لبعض الشخصيات وعلى رأسها العربي المحرشي، رئيس هيئة منتخبي الحزب المتهم من طرف أعضاء آخرين بالتحكم في الحزب وعدم قبوله بالاتفاقيات التي تم التوصل إليها في شهر يناير. ومن الظاهر أن "النطحة" التي تناقلتها وسائل الإعلام تذكر من جديد بالمشكلة البنيوية القائمة أساسا على غياب الإجماع على زعامة شرعية وممأسسة للحزب الذي وقع حسب أمينه العام المؤسس حسن بنعدي "ضحية نزوع الهيمنة لدى بعض العناصر القيادية التي تعتبر نفسها أولى بالإرث بعد استقالة إلياس العماري". ففي حوار سابق خص به موقع "الدار" لم يتردد أول أمين عام للحزب في تلخيص أزمة الحزب في "خضوعه لمنطق الحسابات الضيقة وانعدام المبادئ". وفي ظل هذه الأزمة أصبحت الاتهامات المتبادلة هي عملة التواصل الرئيسية في الحزب. إذ لا يتردد المنتخبون في كل لقاء داخلي في اتهام الأمين العام حكيم بنشماش بعدم التواصل مع المنتخبين وأعضاء المجلس الوطني وتركهم يواجهون خصومهم دون دعم أو مساندة. وأصبحت قيادة الحزب تواجه بالإضافة إلى الاتهامات حملات مقاطعة لأنشطتها ولقاءاتها من طرف المنتخبين البرلمانيين والمحليين. وفي هذا الإطار قاطع أغلبية برلمانيي الحزب الاجتماع الذي ترأسه الأمين العام للحزب الإثنين الماضي بمقر الحزب بالرباط، من أجل اختيار ممثليه في هياكل مجلس النواب. فمن أصل 102 برلمانيا، لم يحضر سوى 53، فيما غاب 49 برلمانيا، علما أن اللقاء كان مخصصا للتصويت على انتخاب ممثلي الحزب في هياكل المجلس، وهم رئيس الفريق وعضوان في مكتب مجلس النواب، ومحاسب ورئيسا لجنتين برلمانيتين. وتدور جل الصراعات التي عرفها حزب الأصالة والمعاصرة منذ استقالة العماري حول تدبير بعض الامتيازات المتعلقة بالترشيحات أو بالمناصب أو المسؤوليات سواء الداخلية أو التمثيلية في المؤسسة التشريعية. وفي هذا الإطار جاءت نطحة الجماني التي شغلت الدنيا احتجاجا على إقصائه من تشكيلة النواب الذين تم اختيارهم لتمثيل التنظيم السياسي بمختلف هياكل مجلس النواب. ولم يستطع حكيم بنشماش منذ اختياره لخلافة إلياس العماري أن يذوب الخلافات الداخلية مع بعض القيادات وعلى رأسهم رئيسة المجلس الوطني فاطمة الزهراء المنصوري. كما يواجه باستمرار اتهامات بالميز والتحيز لبعض المنتخبين ناهيك عن تهمة الجهوية التي تلاحق القيادة باعتبارها منحدرة من منطقة الريف. ومن المتوقع أن تؤزم حادثة النطحة من حدة هذه الخلافات وتهدد استمرارية الاتفاق المزمع تنفيذه في وقت يستعد فيه الحزب لعقد دورة للمجلس الوطني في 4 ماي المقبل، من أجل التهييء لعقد مؤتمر وطني لانتخاب أمين عام جديد خلفا لبنشماش.