لا تزال تداعيات البلوكاج وإعفاء عبد الإله بنكيران من مسؤولية قيادة الحكومة الحالية، وتخلي قيادة حزب العدالة والتنمية عنه، وارتضاء الاستمرار في رئاسة الحكومة، تلقي بظلالها على الشأن الداخلي للحزب الإسلامي. فمنذ تلك اللحظة المفصلية أصبحت الصراعات الشخصية والتراشقات الكلامية شأنا يوميا في الحزب الذي أسس صورته وسمعته على انضباط والتزام مناضليه وعلى مبادئ احترام ما تفرزه الأجهزة التقريرية للحزب من قرارات. وقد ظهر مجددا هذا الانحراف في سلوك المناضلين الإسلاميين بعد أن قررت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الإطاحة بالنائبة البرلمانية، أمينة ماء العينين، من منصب النائب السابع لرئيس مجلس النواب، الذي كانت تشغله في نصف الولاية التشريعية السابقة 2016/2021. ففي ساعة متأخرة من مساء الإثنين الماضي علقت أمينة ماء العينين على هذا القرار بقولها "لم يسبق لي أن علقت على نتائج إعمال مساطر الترشيح والاختيار، غير أن خروج الكثيرين للتعليق والتحليل والبحث عن البطولات "على ظهر أمينة ماء العينين" بطريقة متكررة يدل على قلة الرّجْلة، والعجز عن ممارسة أدوار البطولة في ميادينها الحقيقية: ميادين المواقف السياسية المشرفة التي ينتظرها الناس". وجاءت هذه التدوينة الشديدة اللهجة مباشرة بعد تصريحات زميلها في الحزب الوزير مصطفى الرميد، الذي قال، خلال مروره في برنامج تلفزي، نهاية الأسبوع الماضي، إنه ثمة أشخاص داخل الحزب استحضروا واقعة الجدل، الذي خلفه نزع أمينة ماء العينين للحجاب، وأكد أن حزب العدالة والتنمية يتوفر على مؤسسات، وهي التي تقرر في النهاية. وتابع الرميد: “ماء العينين دوزت وقتها، كما الآخرون دوزوا وقتهم، وهذا طبيعي" في إشارة إلى الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران. ويأتي هذا السجال الجديد بين الرميد وأمينة ماء العينين استمرارا لما سبق أن أثارته قضية ظهور صور شخصية للنائبة البرلمانية سافرة بدون حجاب في شوارع العاصمة الفرنسية باريس. ففي يناير الماضي عاش حزب العدالة والتنمية على إيقاع مسلسل لتسريب صور شخصية للنائبة البرلمانية وهي تتجول في باريس دون حجاب، مما أثار موجة من الجدل داخل أروقة الحزب وانقسمت حولها القيادات الحزبية بين من ركزوا على انتقاد سلوك التسريب وعدم احترام الحياة الشخصية، وبين من رأوا في سلوك ماء العينين تناقضا لا يعبر عن هوية الحزب. وفي هذا الإطار كان وزير حقوق الإنسان مصطفى الرميد أكبر المنتقدين لسلوك ماء العينين عندما صرح في فبراير الماضي أن "أمينة ماء العينين قدمت نفسها لنا وللناخبين في لباس مميز. وهذه هي الطريقة التي اكتسبت بها ثقتهم، هذا اللباس (الحجاب) كان علامتها التجارية وعنوانها وختمها، والآن يتعارض مع القيم التي تحملها". وعلى ما يبدو فإن هذا التراشق الجديد الذي لم توفر فيه النائبة أمينة ماء العينين حدة اللهجة وقوة الرد، سيزيد من الشرخ الذي بدأ عقب إعفاء عبد الإله بنكيران من مهامه كمسؤول عن تشكيل الحكومة وما أثاره ذلك من انقسام داخلي كانت ماء العينين أبرز وجوهه. فقد كانت النائبة البرلمانية المثيرة للجدل من بين أعضاء الحزب القلائل الذين عبروا عن رفضهم للإعفاء وعن حزنهم على مغادرة بنكيران لرئاسة الحكومة، وظلت منذ تلك اللحظة مرتبطة في ميولاتها بتيار رئيس الحكومة السابق في مواجهة الوجوه التي تصدرت مشهد القيادة بعده، وعلى رأسهم مصطفى الرميد وعزيز الرباح الذين لم يترددوا في الآونة الأخيرة في انتقاد الخرجات الإعلامية لعبد الإله بنكيران. ويظهر من حدة هذا الرد أن أمينة ماء العينين، ربما ركبت سفينة الرحيل نحو تيار أو حزب سياسي آخر بعد أن أضحت شبه محاصرة داخل العدالة والتنمية. وهو احتمال لم تخفه عندما صرحت أخيرا باستعدادها للمغادرة إذا ظهر حزب ديمقراطي. ونتلمس هذا التوجه نحو خط اللاعودة في حديثها عن ما أسمته "قلة الرجلة" و"العجز عن ممارسة أدوار البطولة في ميادينها الحقيقية: ميادين المواقف السياسية المشرفة التي ينتظرها الناس". وتحيل ماء العينين ب"ميادين المواقف السياسية المشرفة" على بعض الاختبارات الحرجة التي عرفها الحزب وعلى رأسها إعفاء عبد الإله بنكيران، أو بعض القضايا الوطنية التي تندرج في صميم اختصاص وزير حقوق الإنسان مثل ملف محاكمة معتقلي الريف الذي علق عليه الرميد في اللقاء التلفزيوني نفسه الذي انتقد فيه ماء العينين بالقول "إن شباب الريف لم يعتقلوا بسبب احتجاجهم".