أن تتحول مباراة في كرة القدم إلى موضوع تدوينات وتغريدات لرئيس الأركان ورئيس الدولة فهذا لا يمكن أن يحدث إلا في بلد يسمى الجزائر. في الجزائر وحدها يمكن أن تتحول لعبة رياضية خلقت للترفيه والتسلية فقط إلى قضية وطنية وسياسية في الوقت الذي يعاني فيه الوطن والشعب والدولة من آفات وقضايا ذات أولوية تستحق أكثر من التغريد والتدوين وتحتاج إلى انشغال حقيقي في هذا البلد الجار. لكن هذا التركيز على مباراة المنتخب الجزائري ضد نظيره المغربي والتي انتهت في قطر في أجواء سادتها الروح الرياضية يعكس في الحقيقة فراغا كبيرا في المناورة السياسية والدبلوماسية لدى نظام العسكر الذي أضحى يبحث عن أي قشة أو كل ضجة للتمسك بها وتحويلها إلى انتصار كرتوني. نعم لقد حقق المنتخب الجزائري انتصارا كرويا رياضيا لعب فيه الحظ الكثير في مواجهة المغرب، لكن نظام العسكر في الجزائر حول هذا النصر الرياضي العادي جد إلى انتصار كرتوني بل وكاريكاتوري بعد أن جيّش الجماهير وألهب حماسها بادعاءات واختلاق معارك سياسية بعيدة كل البعد عن حقيقة المنافسة الرياضية. ويبدو من تصريحات المشجعين الجزائريين بل وبعض اللاعبين أيضا أن بروباغندا النظام حاولت أن تصور هذه المباراة التي جرت على هامش كأس العرب، وكأنها حرب رمال جديدة. وقد لمسنا ذلك في كثير من التصريحات التي قارنت بمكر وخبث بين اللاعب الجزائري الذي يدافع عن الراية واللاعب المغربي الذي يدافع عن "النظام". وكما كانت هذه المعادلة صادقة في الحالة المعاكسة. لقد تعرض الجزائريون جمهورا ولاعبين لما يشبه غسيل الدماغ خلال الأيام التي سبقت هذه المقابلة، وامتلأت شبكات التواصل الاجتماعي بصراعات قبلية مشحونة بالأحقاد الدفينة للعسكر ومخابراتهم على المغرب وشعبه ودولته وتاريخه. لقد كانت هذه التعبئة المخابراتية المقصودة تعبر عن العقل الباطن لجنرالات الجزائر الذين لا يزالون يحلمون برد هزائم حرب الرمال وما تلاها من ضربات قاصمة تعرضوا لها من طرف القوات المسلحة الملكية بسبب اعتداءاتهم المتعمدة على الأراضي المغربية. لكن شتان بين نصري عسكري بيّن وبين انتصار في مقابلة لكرة القدم بضربات الجزاء الترجيحية. لا يمكن لهذه الضربات أن تعوض القصف والأسر الذي تعرض له بعض المارقين من عصابة العسكر عندما حاولوا الاعتداء على أراضي المغرب الشرقي، ونقل تجربة الانقلاب إلى مغرب مستقل بملكيته وتاريخه العريق. ومهما حاول نظام العسكر اليوم استغلال مباراة كأس العرب من أجل بث روح الفرقة والحقد والتنابذ بين أفراد الشعبين الجزائري والمغربي فإن هذه المحاولات ستبوء لا محالة بالفشل. لقد كان المغاربة والجزائريون على أرضية الملعب وفي المدرجات في قمة الرقي والتحضر وهم يميزون بين اللعبة الرياضية التي خلقت لتمتع العين والروح وبين أحلام وطموحات العسكر الجزائري الذي يبحث بكل ما أوتي من قوة وإمكانات عن هدم الجيران وتقسيم المغرب. قد ينتصر المنتخب الجزائري لكرة القدم على نظيره المغربي، وقد حدث العكس مرارا وتكرارا عندما أذاق أسود الأطلس لاعبي الجزائر شر هزيمة في أكثر من مناسبة، لكن هذا الأمر لم يكن أبدا بالنسبة للمنتخب المغربي ولا بالنسبة للجمهور المغربي ولا للدولة المغربية ذريعة سياسية لتصفية الحسابات أو بث العداء أو نشر الأحقاد. لقد كانت دائما مناسبات كرة القدم بالنسبة لنا هنا في المغرب فرصة لاستحضار التاريخ المشترك بيننا وبين الشعب الجزائري، واستذكار فرص وإمكانات تطبيع العلاقات بين البلدين وعودة الدفء إليها، بعيدا عن ما يروجه الانقلابيون الذين يسكنون قصر المرادية منذ الستينيات جسدا وروحا وعقلية.