المقابلة الكروية، التي جمعت المنتخب الوطني المغربي مع نظيره الجزائري، التي جرت في ربع نهائي بطولة كأس العرب المقامة بقطر، كانت اختبارا حقيقيا للعسكر الجزائري ولقدرته على شحن الجمهور الجزائري ضد كل ما هو مغربي، وامتحانا لخطاب الكراهية، الذي ظل الإعلام الرسمي الجزائري يبثه في صفوف الشعب الجزائري مستعملا فيه كل أنواع الاتهامات، وهو الامتحان الذي كان إعلانا عن هزيمة الاختيارات الاستراتيجية للجنرالات في المنطقة، أولها، خلق حالة تشنج عاطفي بين الشعبين، اللذين أظهرا في أكثر من مناسبة أنهما، فعلا، شعبان شقيقان من خلال الروح التي تجمعهما وجمعتهما تاريخياً. مقابلة ربع النهائي شكلت إعلانا وإيذانا بهزيمة خطابي تبون وشنقريحة، اللذين ظلا معا في استراتيجية خبيثة يحاولان إقناع الشعب الجزائري بأن هناك مؤامرة تجري ضده من طرف المغرب ويقودها هذا الأخير ضدهم، في آخرها صرح تبون في خطاب دعائي بئيس أن المغرب يريد التآمر على الكرة الجزائرية، وقد حاول تبون أن يكون»ذكيا» باختياره الإدلاء بهذا التصريح مستعملا لعبة كرة القدم، التي تعتبر لعبة الشعوب من أجل استمالة الشعب الجزائري لخطابه المستفز المشحون بالحقد تجاه المغرب، ومخاطبا الجماهير الجزائرية قبيل انطلاق كأس العرب لشحنها ودفعها لتسليط غضبها ورد فعلها، في حال تم إقصاء منتخبها، على المغرب، في محاولة من نظام العسكر لكسب الشعب الجزائري إلى جانبه، هذا الشعب الذي ظل على مسافة كبيرة من تبون وجنرالاته المتحكمين فيه، وظل، ضداً على إرادة شنقريحة، منتصرا لقيم الجوار ومتشبثا بها لأقصى حد... إلى جانب المغرب والمغاربة. انتهت المقابلة وانتصر المنتخب الجزائري، لكن الذي انتصر أيضا بالإضافة لمشاهد الروح الرياضية، التي سادت بين اللاعبين والجماهير، التي أضفت كلها جمالية كبيرة على الملعب في احتفالية مغاربية قوية، قيم الجوار والتعايش المشترك بين الشعبين، وهي القيم التي تلتقي في العمق مع الإرادة المغربية، التي عبر عنها المغرب ملكا وشعبا من أجل التكامل بين الشعبين والبلدين، والتعايش المشترك وحفظ الذاكرة الجماعية، التي تجعل من مصير الشعبين مصيراً موحداً، وأن هذه الإرادة المغربية التي يعبر عنها عاهل البلاد في كل مناسبة وطنية تجاه شعوب المنطقة ككل والشعب الجزائري بصفة خاصة بحكم الجوار، هي التي انتصرت، أول أمس، مع كل مشهد يعانق فيه لاعب جزائري للاعب مغربي، ومع كل صورة يتلحف فيها الجمهوران معا العلمين الوطنيين المغربي والجزائري. الذي انتصر في الميدان هو الفريق الوطني الجزائري بضربات الحظ في مقابلة كروية قوية، شهدت التنافس الشريف بين اللاعبين، وروحا رياضية عالية كانت رداً على كل دعاوي الفتنة، التي ظل الإعلام الجزائري الرسمي يصرفها، منذ سنوات، حتى وصل به حد التفكير في تصدير أزمة الرياضة بالجزائر إلى المغرب، واعتبارها مؤامرة مغربية على الجزائر في خطاب تعاطى معه الشعب الجزائري بالكثير من اللامبالاة، ولم يلق أي امتداد شعبي، لا جماهيري ولا رياضي، بدليل المشاهد التي نقلتها القنوات الرياضية التي جمعت الجمهورين واللاعبين... لا مشاحنات، لا احتكاك، لا بطاقات حمراء، بل على العكس وعلى عكس ما كان يتمناه شنقريحة، ظلت الروح الرياضية والمحبة بين الجماهير واللاعبين هي السائدة طيلة المقابلة الكروية، في مشهد يؤكد أن تبون وشنقريحة وإعلام العسكر قد انهزم في أول بالون اختبار لمدى قدرته على شحن الجماهير الجزائرية بالحقد والكراهية تجاه كل ما هو مغربي. هي لم تكن مجرد مقابلة في كرة القدم، بل كانت أكثر من ذلك، هي مقابلة وديربي حقيقي للنظام الجزائري، ولخطاب تقسيم الشعبين وبث الكراهية في صفوفهما، وتشكل بالنَّظر لحجم الروح، التي سادت في الملعب وخارجه، هزيمة سياسية وإنسانية للعسكر في المنطقة، الذي أراد تقسيم الشعبين فجاءت هذه المقابلة كاستفتاء شعبي، استفتاء للشعبين حول أي الإرادتين سينتصران، إرادة تبون وشنقريحة في تأزيم العلاقة بينهما، أو إرادة العيش المشترك ووحدة المصير التي عبر عنها الملك محمد السادس؟! مع صفارة الحكم وإعلان المنتخب الجزائري أنه المنتصر في المقابلة، ثبت أنها كانت أكبر من مقابلة في كرة القدم، بل مع الإعلان عن نهاية المقابلة كان معها الإعلان عن هزيمة مدوية لخيارات تبون وشنقريحة في المنطقة، ومعها كل العسكر الجزائري، بالمقابل أعلن عن انتصار وحدة الشعبين بكل ما تمثله كرة القدم من قيم إنسانية كبيرة…وانتصار للاختيارات، التي ظل المغرب، ملكا وشعبا، ينادي بها، اختيارات تنتصر للمستقبل، للتعايش والتكامل بينهما وبين كل شعوب المنطقة. هنيئا للمنتخب الجزائري وحظا سعيدا للمنتخب المغربي البطل، ولا عزاء لتبون وشنقريحة !