خطاب الرغبة والبوح الأليم قراءة في مجموعة"الرقص تحت المطر" لحسن البقالي تتصف هذه الأضمومة الرابعة للقاص حسن البقالي بكونها كتابة شهوية، ترصد الأهواء،ت عري الرغبة، وتقدم الشخوص في حالة وجدانية شفافة وكأني بهم أطفال عراة من كل زيف.علما أن الانسان لا يكون نفسه حقا الا في أشد لحطاته طفولة..أبطال يعلنون رغبتهم ويسمونها دون التوفق قي حيازتها ولذلك فهم أشقياء جراء اخلافهم الموعد في الارتباط مع الشخص المناسب وفي الوقت المناسب. اذ غالبا ما يضيع البطل حب عمره(قصة أغلال نموذجا)وعندما يتزوج يرتبط بالشخص الخطأ(قصة الموت من الضحك نموذجا)وحينما يريد البطل العودة لحب الصبا والشباب يكون الموت قد سبقه وكأن الحياة تأبى عليه أن يحيى سعيدا حتى مع الذكريات.. ان القاص باشتغاله على الرغبة المعطلة وألم الحرمان ونداءات الجسد اللامتناهية يكون قد أعادنا للجوانب الغامضة والمجهولة من الانسان..فمساءلة هذه المنطقة السرية من شخصية الانسان بقدر ما تخلخل نتائج الغقلانية المزعومة بقدر ما تجعلنا نعيد مساءلة اليقينيات الكبرى وعلى قمتها :أن الانسان يسير بوضوح وارادة عقلانية نحو حضارة تضمن الحق للجميع.والحال أن التصالح مع الذات مجرد أمنية وحلم..وتحقيق حالة الاشباع الوجداني مجرد وهم. 1- عتبة العنوان:الرقص تحت المطر. تجدر الاشارة بداية الى أن الرقص تمام كالمطر يخلصان معا الجسد من خموله ويطهرانه من الرتابة والعوالق الزائدة.فاذا كان الرقص ينعش الجسد فالمطر يجدد دورة الحياة.الرقص والمطركلاهما يبعثان الحياة في الأحواز المشمولة بحظورهما..الرقص تحرير للجسد من رزانته المزعومة والمطر رصد لحركة الماء وحالاته المتعددة."ذاك العنصر الطبيعي الموحي بالانتعاش والصفاء والموقض في النفس غريزة الحياة والتمسك بها.بل ان علاقة المبدع بالماء تماثل تعلق الابن بأمه فتصبح المياه حليبا تسقي به أبناءها ولا مجال هنا للمقارنة بين لون الحليب ولون الماء ما دام ليس للون أي قيمة هنا حين يحلم الخيال المادي بعناصره البدائية."(1)فقط يجب التشديد على أن هذان المفردتان لا تحيلان على دلالات ايجابية فحسب اذ أن الرقص يمكن أن يكون مصدرا للفتنة والقلق كما أن المطر ابان تلبسه وشاح غضب الطبيعة يمسي قرين الموت.وهذا يعني أن هذان المفردتان_كغيرهما_محكومتان بالسياق القصصي المولد للمعنى وبالتالي للأحوال النفسية للشخوص ومن ثم امكانية تدليلهما على الحزن كما الفرح،اللذة كما الألم. وبالعودة الى النص الذي يحمل نفس العنوان(ص17)يرتبط الرقص بالرغبة في الاقتران الشرعي بالرجل مع احالة المطر على مائه المفتقد.يقول السارد:"لو يسقط واحد على الأقل في يدها تنهي به زمن العنوسة الذي طال،وتفرح بأيامها المقبلة."ان دلالة المطر في هذه القصة وردت موحية بالخصوبة والبعث والشوق للحظة وصال بموضوع الرغبة..ولذلك فهو طرف جوهري في لوحة درامية جراء غياب الرجل. يقول السارد مرة أخرى"ارتجف جسدها من فرط الانفعال..وددت لو تتعرض للمطر الجميل،وتضع دستة رجال في الجيب،كلما تنمر أحدهم تضره بالآخر." 2- صورة الغلاق تبدو راقصة الغلاف في أقصى درجات النشوة والانشراح.جسد مشدود كالوتر،نصف عار ومنطلق بمرح في الفضاء وبسبب ذلك يعطي الانطباع أنه لا ينتسب لا البى السماء ولا الى الأرض..ولكل هذا فهو يمثل أداة اغراء لا تخيب.قوام رشيق،وتقاسيم مستملحة تضمر غناية فائقةبالجسد..اذ بتجميل المرأة لجسدها تسترد بعض الاعتبار والحظوة الرمزية:"ان المرأة بأساليب التمويه التي تلصقها بجسدها تكتب مباشرة على جسدها.تعطي عناية خاصة لفتحات جسدها،وعينها وفمها.انها ترسم.ورسمها تكثيف لرغبتها.والرجل تتولد لديه حساسية خاصة نحو هذه الرموز."(2)غير أن هذا الجسد الأنثوي لايكتفي بتضاريسها الخارجية وهي في حالة سكون وانما يلجأ للرقص قصد مضاعفة اثارته وفتنته.وبالموازاة لهذه الغاية فالرقص يمثل تنفيسا عن القهر والانسحاق.وابانه يتخذ الجسد أشكالا مختلفة وغير معهودة تتيح لصاحبه وللآخر لوحات فرجوية وكأني به يستعيد حريته المسلوبة.وبالتالي حصوله على توازن نفسي مفتقد.ان رقص الأنثى عموما يمنحها سلطة رمزية اضافية تعوضها عن صمتها واقصائها التاريخيين.عند هذا المسنوى تطرح أمامنا أسئلة مقلقة من قبيل:من يغري ومن يتعرض للاغراء؟ولماذا هناك اغراء أساسا؟أليست هذه المشاعر دليل قاطع على استمرار جراح الكبت والقمع الجنسي؟ولماذا ثمت انصراف شبه كلي من لذن المرأة الى تجميل الجسد والجسد فقط؟أليست العقلية الذكورية هي التي تدفع المرأة لهذا المأزق؟ان رغبة راقصة الغلاف في الاغراء والاثارة ثم تهريبها لمجمل قصص الأضمومة حيث قل ما نضفر بنص خلو منها.. 3- خطاب الرغبة اذا كان كل فرد بالضرورة كائنا راغبا باستمرار،اذ بمجرد أن يشبع رغبة تنبعث أخرى الى ما لا نهاية.فان مبتغانا في هذه المقاربة هو رصد الوضعيات الانفعالية للشخوص جراء تحقيق الرغبة أو عدمها.مع الكشف عن السياقات النفسية التي تحرص على تسييد الكبت والحرمان.علما أن تحقيق الرغبة يكون مصحوبا بالغبطة والابتهاج عكس انفلاتها عن الاشباع الأمر الذي يستدعي الكراهية وارادة الموت.مآل شقي تقف خلفه رزمة من الأخلاق والأوامر المنظمة للرغبات المباحة والمحرمة..صحيح أن القساوسة مستتنون من هذه القاعدة لأنهم بالغوا في ايذاء الجسد والاكثار من الصوم واعتزال ملذات الحياة رفقة البوديين الذين مجدوا الألم قضلا عن المتصوفة..لكن حتى هؤلاء_وهم استثناء_تحكمهم رغبة ما بصرف النظر عن ماهيتها الروحية أو المعتقدية.فقط تجب الاشارة هنا أننا سنولي فائق العناية بالذوات الراغبة والمبصومة بجروح الجنس وقلق الموت وسؤال الحب وألم الكبت وغبطة الاشباع..ان احدى الرغبات الفادحة الحظور في هذه المجموعة تمضهرت قي جريها خلف تحقيق اللذة الجنسية دون أن يعني هذا أنها رغبة تتحقق بفعل الجماع.يقول سارد قصة "طفل من زمننا(ص19)"كان الوقت متأخرا حين جعل الطفل يربت كتف أمه:نامي يا أمي..فهناك وحش بالجوار لا يحب النساء مفتحات الأعين نامي"...حتى اذا أحس بأنفاسها قد انتظمت،تسلل على أصابع قدميه خارجا الى الغرفة الأخرى..أشعل التلفزيون واقتعد الأريكة المواجهة لالتماعات الشاشة،في اليد جهاز التحكم وفي العين ظلال رغبة مكتنزة."ان بطل هذه القصة بذات القدر الذي يفتح جراح الانفصال عن شكل الاتصال الجنسي المتعارف عليه يفصح عن تلك الذوات المنذورة للألم والتمزق جراء تحقيق الاشباع الجنسي بشكل منحرف اما بواسطة التلصص أو الاستمناء أو المثلية.علما أن تداول هذا الانحراف الجنسي في واقعنا المغربي/العربي"ينظر له كفعل لأشد الناس زندقة وكفرا بل ان مجرد الحديث عن جنس من هذا النوع/وقراءة نص ما يتحدث عنه بنية غير نية الشجب والعقاب،يبدوان في نظر الأخلاق العامة شيئا مطابقا للخطأ أو الاستهلاك الممنوع"(3)ان هوس هذا البطل بتحقيق اللذة عكس فداحة الكبت وعمق الهشاشة الوجدانية وحدة الرقابة وانتفاء المصالحة الجنسية الأمر الذي يستدعي من كل فرد"منحرف"(**)تسديد مستحقات خروجه عن شكل الوصال الجنسي المتعارف عليه.بدء باحساسه بالمهانة جراء ممارسة لذة مسروقة وفي غفلة عن الآخر مرورا بلجوئه الى التستر على وقوعه في"الخطيئة" وقوفا عند جلد الذات بسبب عقدة الذنب.لكن وجب التشديد هنا على أن هذا البؤس العاطفي هو نتاج تاريخ معلوم.ولنا أن نتساءل في هذا السياق ألا يمكن اعتبار تحقيق الرغبة بالتلصص مجرد جواب زائف على رغبة حقيقية.بل يمكن الدفع بهذا السؤال الى حدوده القصوى بالصيغة التالية:ألا يعيدنا هذا السلوك الجنسي لمرحلة الطفولة على اعتبار"أن الطفل هو من يجد لذة جنسية خارج فعل الجماع الذي مايزال يجهله.فجنسيته في اطار التكون والتطور وما تزال بعد لم تعرف الاستقرار لهذا السبب يمر الطفل بالتوالي من عدة أنماط من الجنسية،فاللذة قبل أن تتركز حول الأعضاء التناسلية،ترتبط أولا بكل ما يمكنه تناوله أو لمسه بفمه/أو يتلصص عليه."(4) في قصة زبون(ص40)تنتصر ارادة الموت والرغبة في تعديم العالم على غريزة الحياة حيث يقوم البطل بتفجير نفسه لحظة وقوفه أمام واجهة احدى المقاهي المأهولة بالنساء اللواتي يعرضن أنوتثهن للبيع.والمفارقة هنا تكمن في أن غريزة الموت لا تجد مبررا لها عادة الا في حالة استحالة اشباع الغرائز الايروسية.والحالة_في هذه القصة_تطرح العكس،أي أن الواقع يقدم بسخاء فسحة لاشباع رغبات الهو لكن الأنا يعمل على تحويل الكبت من تدمير الذات الى تدمير المجتمع كحارس منيع يقف بالمرصاد للحيلولة دون تحقق فعل الاشباع.ان انتصار غريزة الموت كقوة عدوانية بقدر ما تكشف أن البطل يمثل نموذجا للانسان العصابي الذي لم يعد قادرا على تحمل درجة نكران الذات التي يفرضها المجتمع باسم المثل العليا للأخلاق. فافصاح بطل القصة عن رغبته في الموت بتفجير الذات وقتل الآخر ترجع فكرة تطور المجتمع الى الدرجة الصفر.وتحول فكرة التقدم الحضاري لمجرد وهم سعيد سهل الكسر..ان الذوات المقموعة والمقدمة على فعل تفجيرالذات تمثل مرآةناصعة البياض لهشاشة وضعف بعض الهويات المقموعة والمضطهدة بشكل مزدوج مجتمعيا ومذهبيا.يقول السارد قي ص(40):"جدران المقهى ترشح بنغمات قيثارة اسبانية..وهي على مقعدها المعتاد بانتظار الزبون المحتمل،تغازل سجارة شقراء بيد،وبالأخرى أرقام هاتفها النقال..وعيناها على حركة الشارع.حركة خفيفة مقارنة بأوقات الذروة..أجساد تلوح ثم يغيبها اللهات و..شاب يقبل جهة المقهى بخطى وئيدة.الشاب الوسيم..حليق الذق..ذو الخطى الوئيدة يقبل نحو المقهى،وترى فيه زبونها القادم..زبون جيد دون شك..يبدو "ابن ناس"معست عقب السجارة في المرمدة،وتبادلت مع النادل بسمة متواطئة.هو الآن لصيق بالواجهة الزجاجية..وسيم وحليق الذقن وابن ناس..وهي محفزة لأداء دور الأنثى..نظرة أخيرة..انتفجر.."ترى هل من مبرر لهذه العدونيته؟هل هو خوف من الضعف الانساني أما نداءا الجسد؟وهل الرجل أضعف من المرأة في احتواء رغباته؟أم هو خوف من الحرية بكل بساطة؟نترك هذه الأسئلة مفتوحة تماما كما هي جروح العنف... 4- البوح الأليم القصد بالبوح الأليم هو تلك التقنية الجمالية(5)التي تعطي فسحة كافية للشخوص كي تقول جراحها وتحكي أوجاعها،تفشي أسرار الباطن ومكنونات الذات،تملأ البياض وتشجب الصمت وتضع المكبوت تحت دائرة الضوء..كتابة تقف على حافة العري ولذلك فهي تفتح شقوقا نطل من خلالها على مضمر أحشاء الذوات الراغبة..ولما كانت الرغبة غير متحققة في مجمل قصص هذه المجموعة فقد كان من الطبيعي أن يتصف بوحها بالألم جراء اكراهات الواقع والزاماته المتعددة..ان فداحة تمضهرات الألم المصرح به جاء نتاج قهر الأنا وسلطه التي لا تلبت تكبت لذات الهو ولهذه الاعتبارات فاضت قصص هذه المجموعة باشارات دالة جدا على وعي شقي عاصف يتقدمه جرح المرأة التاريخي جراء احساسها بالتقزيم والانسحاق كما في قصة جمال.يقول السارد في( ص15 ):"القطار جاثم بالمحطة..ورفيقة المقصورة حركت جوانحي.طافت عيناي على فطيرة الجسد وقلت لها:كم أنت جميلة.فرد حزنها بل أنا كائن جريح."ترى أي نوع من الجراح يقصده هذا البوح؟هل هو جرح المرأة عندما تكتشف أنها رجل بدون قضيب؟أم هو جرح الاقصاء في مجتمع أبيسي يحتفظ باسم الأب دون اسم الأم الأمر الذي يمكن اعتباره قتلا رمزيا للمرأة؟علما أن تاريخ المرأة هو تاريخ متواصل من الجراح بدء من عدم الترحيب بولادتها مرورا بعنف الزواج المتخد صفة الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي حيث تغيب عنه العواطف ويستباح الفعل الجنسي كفعل حميمي ويصبح ملكا مشاعا لنساء ورجال العائلة التي تطالب بدم البكارة وقوفا عند ألم الحمل والمخاض وجراح الضرب والاهانة.ان تقنية البوح بذات القدر الذي تضع الأصبع على الجرخ وتضغط بقوة لقياس حجم الضرر تبدو تقنية مزعجة ومردودة في مجتمع مغربي يصر على تسويق مفهوم"الستر"والاحتجاب عن أضواء التحليل وفحص أعطابه المطردة.وبالتالي من الطبيعي أن يكون أغلب أفراده على شاكلته حيث لايتونون في نبذ الحديبث عن الذات وكشف أسرارها اذ غالبا ما تتكرر جملة"أعود بالله من قولة أنا"وكأني بحديث الفرد عن نفسه يعد معصية لا تغتفر...وعلى خلاف هذه القاعدة العامة بدأت استثناءات تخلخل هذا الاجماع الهش باستدعائها للمنسي والمغيب وتعرية المكبوت كما هو بوح البطلة بجرحها في قصة استدراج(ص13)بوح تلبس وشاح الفضح والتعرية" لمؤسسة الفقيه" التي طالما استنزفتها حتى آخر قطرة.ان استدعاء المرأة لهذه المؤسسة كان بقصدية تعريتها من قدسيتها الزائفةوتسليط الضوء على أحد المهن الأكثر تمزقا وانفصاما.. على اعتبار أن الفقيه الذي يلعب دور العراف وقارئ الكف والمستقبل ويجلب الوظائف والزيجات الحسنوات يعيش أقصى درجات التصعيد حيث يعوض البحث عن اللذة التي يمنحها الجماع بنوع من الانشغال الضارب في المثالية،والذي بواسطته يتم تحقيق انجازات أخلافية في الظاهر دون أن تكون كذلك في العمق.ان الفقيه في هذه القصة يفارق صفة الورع والزهد في ملذات الحياة ويقف على الطرف النقيض من ذاك المؤمن الممارس والذي توفق في اماتة كل شهوات الجسد.يقول السارد عنه في(ص17):"ارادة فقيه شهوته الوحيدة الجسد الفياض لامرأة أتخنهت روحها سنون انتظار طويل."فبافصاح الفقيه عن الشهوة وتعبيره عن احتياز اللذة الجنسية يكون قد كرر مبدئيا فعل آدم في أكل الفاكهة المحرمة ومن ثم تنصيصه على الرغبة الغامضة في تلبية نداءات الجسد وعدم القدرة على رد قضائها بل والتحكم في أهواء النفس وكأني به يؤكد قولة فرويد:"كلنا دمى في يد اللاشعور الذي لا يكف عن العبث بنا."لكن بالموازاة للرغبة المشبوهة للفقيه والتي أعلنت انهزام فعل التحريم حيال نداء تحقيق اللذة يحظر بوح المرأة الجريحة.امرأة أتعبها ترقب زوج طال انتظاره.ترى هل يعني هذا أن المرأة لازالت لم تحقق استقلاليتها عن الرجل وبالتالي عن الزواج؟وهل يمكن اعتبار هذه الاستهامات تحقيق وهمي لرغبة مكبوتة؟يقول السارد (ص13)"ارادة امرأة كل همها زوح تأخر في طرق الباب."ترى هل تمتلك المرأة ما يكفي من الارادة كي تعيش مستقلة عن الرجل علما أنها دوما مفتونة بممارسة الاغراء ولعب دور المحفز؟ألى يبدو هذا الظمأ للرجل سرا غامضا وهي التي ما فتئت تصرخ أنه على مدار التاريخ البشري سبب جرحها الوجودي؟لكن بالمقابل لكل هذا علينا أن لا ننسى أن الرجل هو سيد وسائل انتاج الرغبة بدون منازع وبالتالي فهو يتحمل جزء كبير من مسؤولية هشاشتها وتبعيتها له.اذ بفعل ايحاء العقلية الذكورية تحديدا يمسي الرهان الأكبر للمرأة هو"امتلاك"رجل.موظفة قي ذلك كل وسائط الاغراء،علما أن امرأة لاتغري محكوم عليها بالموت مدى الحياة ولذلك فهي تحتاط من وجهها الحقيقي وتلبسه ما لا نهاية من "الأقنعة". في قصة الشرير (ص44)يبوح البطل بنزعته العدوانية في تدمير الآخر.. فهو لا يتوانى في الافصاح عن شره ومتعته في اصابة الآخر بالأذى قصد اشباع شهوة غامضة ..يخطط بعناية فائقة في تجويع العمال والتحرش بالعاملات وحفز الجميع على الاضراب كي يكونوا أكلة سهلة لكلابه المدربة على الفتك..علما أن الشر كان دوما وأبدا احدى ركائز الدراما بخلاف الخير الذي لم يكن يشكل معضلة ومن ثم ابطاله لتوثر الأحداث وصداميتها.فهذا الزوج المفاهمي(شر/خير)يضعنا في قلب سؤال القيم الأخلاقية،أغراضها،غاياتها،ومن ثم هذا السؤال الاشكالي:لماذا الأخلاق دوما مثاليا ومفارقة للواقع وتقف في وجه تحقيق رغبان الأفراد والجماعات؟ونستحضر في هذا السياق النقد الراديكالي للأخلاق من لدن نتشه وتقويضه لمفهوم الخير الأعظم عند هيكل والذي تطاتبق عنده الفكر بالواقع الأمر الذي جعل التاريخ يعانق نقطة النهاية عند هيغل..ان هذا الهدف الغائي لمسار الأخلاق ثم نقده على خلفية أن التاريخ لا يسير بالضرورة نحو الأحس وليس له مقصدية نهائية وفق التصور الشدري واللانسقي لنتشه. وبالعودة الى قصة"الشرير"ننتهي الى أن تخلص البطل من ميولاته الغامضة مهمة متعذرة لأن ذاكرة مكبوتاته لا تلبث تتحكم في ردات فعله المغرق في الغرابة.يقول السارد في( ص44):"أعترف أنني شرير للغاية(...)ولأني لن أقوى على رؤية الأطياف الملونة في العيون،سأبدأ في خلق العتمة:أعمد الى تجويع العمال وأتحرشبالعاملات،وأرسل العيون توعز بتأسيس نقابة للدفاع عن المصالح(...)ستكون هناك ولادات قيصرية دون شك،وسينتهي بهم المطاف الى اعلان الاضراب عن العمل،وآه كم سأكون في شوق الى لحظة مماثلة..سأطلق الكلاب المدربة من عقالها تفرقهم شدر مدر،ثم أغلق المعمل وأعلن افلاسي." نخلص من مقاربتنا لنفسية أبطال هذه المجموعة الى مكر الرغبة وهشاشة الارادة وضعف الانسان أمام نداءات الجسد..انسان مأهول برغبات أشد عتامة(رغبة التعديم والقتل)وأكثر فعالية والحاحا(الرغبة الجنسية)..رغبات تقف على الطرف الآخر من حبل الاشباع ولهذا الاعتبار يمسي الانسان دائم الاغتراب عن ذاته ليس أمامه من خيار سوى التصعيد أم البوح الأليم لوعيه التام بأن لحظة المصالة مع النفس مستحيلة التحقق..ان القاص حسن البقالي بتوجيهه الرؤية نحو داخل الشخوص قصد تجلية نقط الضعف البشري رافعته الجمالية جرأة في الحكي واللغة وبذلك يكون قد استغور جماليا احدى الأحواز النفسية الغامضة ومشاتل الرغبة والحلم مستقطرا رحيق الأعماق.أبطال ينتسبون لواقع مهزوم ومغترب ولذلك ثم تقديمهم ككائنات نزوية تعدبها الرغبة المتمنعة اذ غالبا ما قدمت لنا اللذة في حالة احتمال ليس الا... --------------------------- احالات: (*) الرقص تحت المطر.حسن البقالي.قصص قصيرة جدا.سندباد للنشر والاعلام.2009 . 1_G. Bachelard. L eau et les rêves. Jose Corti .paris.22eme ed.1989-p164 2- الوحدة (مجلة)السنة الأولى.واقع المرأة العربية.مقالة المرأة والكتابة.لمحمد نور الدين آفاية.العدد9_ 1985ص69 3- الجنس والحريم روح السراري.مالك شبل.ترجمة عبد الله زارو.افريقيا الشرق. 2006ص24 (**) تجدر الاشارة هنا الى مفهوم الانحراف في التحليل الفرويدي لا يحمل أدنى نبذ أخلاقي على اعتبار أن كل الناس مروا من تجربة كبت كم هائل من الرغبات وبالتالي انحرافهم عن المجرى الطبيعي لتطور شخصيتهم.الأمر الذي يخلص بنا الى أننا كلنا مشوهون ملأى باللتناقضات... 4- الجنس والوعي الأخلافي.في نقد التحليل النفسي الفرويدي.مشال هار.ترجمة حسن أوزال.مركز الأبحاث الفلسفية بالمغرب. 2007ص30 5- أنظر قصد التوسع_البوح والكتابة.عمر حلي_ الفصل الرابع. مطبعة دار وليلي.ط.1/ 1998