واصلت غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، اليوم الجمعة، النظر في ملف طبيب التجميل الشهير حسن التازي ومجموعة من المتهمين المتابعين في قضية أثارت جدلاً واسعًا في الرأي العام، تتعلق بالاتجار بالبشر، النصب، والتزوير. وخلال جلسة اليوم، قدم المحامي الأستاذ المسكيني مرافعة مطولة نيابة عن دفاع المتهمتين سعيدة علو وعزيزة فنان، وذلك تعويضًا للأستاذ السناوي الذي تعذر عليه الحضور بسبب وعكة صحية.
وأكد المحامي أن هيئة الدفاع تتبعت كافة الملفات المعروضة، حالة بحالة، واستعرضت أقوال وتصريحات المرضى المعنيين، مشددا على أن الغالبية العظمى من المرضى دخلوا إلى مصحة الشفاء بطلب من ذويهم أو بشكل مباشر من أجل الاستشفاء، دون أي استدراج أو إكراه.
وضرب المسكيني مثالًا بعائلة جاءت من بوجدور إلى الداخلة ثم إلى العيون بحثًا عن علاج لحالة حروق خطيرة، قبل أن يتم توجيههم إلى مصحة الشفاء التي تملك الوسائل اللازمة لإنقاذ حياة المريض، وأضاف أن حالات أخرى حاولت اللجوء إلى مصحات ومستشفيات أخرى دون جدوى، قبل أن تجد ضالتها في مصحة التازي، مؤكدًا أن "شهادات أولياء أطفال خدج ومرضى آخرين تدحض رواية الاستغلال أو الاستدراج".
وتساءل المحامي أمام هيئة المحكمة: "إذا كانت المصحة قد استقبلت آلاف المرضى، فلماذا يتم الاقتصار فقط على 17 ملفًا؟"، مشيرًا إلى أن العملية كانت واضحة: "المريض يخضع للفحص والعلاج، يستفيد من الدواء والأطباء، ثم في لحظة أداء الفاتورة يقول إنه لا يملك المال، فهل هذا يعقل؟".
وأضاف: "في إحدى الحالات، حضر مريض في الساعة الثانية صباحًا، فلو لم يتم استقباله، لكانت المصحة متهمة بعدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر".
وبخصوص الدور الذي لعبته المتهمة سعيدة علو، أوضح الدفاع أنها لم تقم بأي استغلال أو متاجرة، بل كانت تعمل على ربط المرضى المحتاجين مع زينب.بن والمحسنين لتوفير ثمن العلاج، مشيرا إلى أنها دخلت القضية بصحة جيدة، لكنها أصبحت اليوم تعاني من داء السل، في إشارة إلى المتهمة زينب.ب.
وتابع المسكيني مرافعته قائلاً: "اليوم، من هم الضحايا الحقيقيون؟ الضحية هي سعيدة علو التي كانت تتوسل الأطباء لتقليص تكاليف العلاج، الضحية هو الدكتور التازي، الذي فقد مصحته وكل ما يملك، وتم الزج به في السجن، وهو الذي ضحى بالغالي والنفيس لإنقاذ الأرواح".
ونفى أن تكون هناك حالة واحدة تم فيها إرسال مريض للتسول عبر الصور كما تدعي النيابة، قائلاً: "من يوقع على ورقة الخروج هو الطبيب، وليس سعيدة علو"، في إشارة إلى أن إجراءات الخروج كانت رسمية وموثقة.
وطرح الدفاع سؤالًا جوهريًا حول ما إذا كان الهدف من تصوير المرضى هو الاستغلال أم التحقق من وضعهم لتوجيه المساعدات، مستدلاً بالقول: "اليوم لا أحد يقدم فلسًا واحدًا في إطار العمل الخيري دون أن يتأكد من مصيره.
وأضاف: "اليوم نطلب الرحمة لهؤلاء الضعفاء هذه ليست مجرد محاكمة، بل مأساة حقيقية أُسميها مأساة التازي، عائلات انهارت، وأغنياء بالأمس أصبحوا اليوم عاجزين حتى عن دفع أقساط تمدرس أبنائهم، هناك من يقبع في الحبس الكبير، وآخرون محاصرون في حبس الفقر، لا يملكون حتى درهماً واحداً... نطالب بفك هذا الحصار، ورفع تجميد الممتلكات المنقولة والثابتة".
وفي ختام جلسة المرافعات، عادت هيئة المحكمة لتستمع إلى الكلمات الأخيرة للمتهمين في قضية الطبيب الشهير حسن التازي ومن معه، حيث جاءت التصريحات مشحونة بالعاطفة، وتعكس حجم المعاناة النفسية والاجتماعية التي لحقت بهم وبأسرهم على مدى ثلاث سنوات من التحقيق والمحاكمة.
وفي كلمتها الأخيرة، قالت المتهمة زينب.ب، والدموع تملأ عينيها: " خلعت الابيض ودخلت السجن، وأطفالي أصبحوا دون أم، ووالدهم في المقبرة، اليوم أعيش مأساة، ابنتي لم أرها منذ ثلاث سنوات، والأبناء أُجبروا على مغادرة المدرسة للعمل وتوفير احتياجات الأسرة،و دخلت السجن بسبب طلبي للمساعدة للمرضى، واليوم أصبت بمرض السل، ولا أتمكن حتى من تناول العلاج بشكل منتظم داخل السجن، لكني كنت أساعد من جيبي، وأتوسل المحسنين. لم أتوقع أن ينتهي بي الأمر هنا".
من جهتها، قالت مونيا، زوجة الطبيب التازي، وهي تبكي بحرقة: "كنت فقط أقوم بإعداد الحسابات من مكاني في مركز التجميل،و لم أكن على علم بتفاصيل هؤلاء المرضى ولا حتى أعرفهم، وفوجئت بكل شيء وأنا داخل السجن، لم أكن أتصور أن تنقلب حياتي بهذه الطريقة، أبنائي في سن المراهقة... أطلب رحمتكم بعد رحمة الله".
كما تقدمت المتهمة سعيدة علو بقولها: "كل ما قمت به هو مساعدة الناس"، بينما قالت المتهمة فنان: "هذا ابتلاء من الله، وأسأل أن يُفرج عنّا".
وأضافت فاطمة ، والدموع تغلبها: "أبلغ من العمر 76 سنة، لا أخرج من غرفتي في السجن، وكنت أشتغل بما يُرضي الله، أطلب منكم الرحمة".
أما المتهم عبد الرزاق، فقد عبّر عن امتنانه للمحكمة على صبرها، وقال: "أنا لست مجرمًا، أنا ضحية... أطلب من الله الإنصاف، لكن كرامتي وشرفي أين ذهبا؟". وختم بقوله تعالى : "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها...الخ ".
أما المتهم الرئيسي، الدكتور الحسن التازي، فقد انفجر باكيًا وقال: "مرت ثلاث سنوات على هذه المحنة... خسرنا كل شيء، زوجتي، أخي، أخواتي، موظفيني... كلهم أحبهم وأفتخر بعملهم، أول شيء أطلبه من الله هو الرحمة... كانت الصدقة هي هدفي الأسمى، كنت أنظر دائمًا إلى الوسام الملكي الذي وشحني به جلالة الملك، وكان حافزًا لي على فعل الخير".
وختم كلمته بتوجيه برقية ولاء وشكر لجلالة الملك محمد السادس، قائلاً: "هذه المحاكمة نموذج للشفافية والإنصاف في ظل جلالة الملك. وأختم بقوله تعالى: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم... ارحمونا يرحمكم الله".
وبعد الكلمة الأخيرة للمتهمين، قررت هيأة الحكم حجز الملف للمداولة والنطق بالحكم في آخر الجلسة.