لا زالت مسطرة المتابعة والتحقيق تلاحق عددا كبيرا من البرلمانيين من مختلف الأحزاب السياسية، إذ ارتفعت اللائحة من 34 إلى 40 نائبا، في الوقت الذي تسعى فيه الدولة المغربية إلى تحصين العمل البرلماني وتخليق الحياة السياسية، عن طريق صدور مدونة الأخلاقيات، كخطوة لتجسيد الخطابات الملكية على أرض الواقع، أبرزها رسالة الملك محمد السادس الموجهة إلى البرلمان بمجلسيه بمناسبة الذكرى الستين لقيامه.
ويتابع هؤلاء البرلمانيون بتهم الفساد والتلاعب في الصفقات العمومية، وتبديد الأموال العمومية، والارتشاء والابتزاز والاختلاس، وتزوير الوثائق، وهو ما أدى إلى حجز ممتلكات بعض النواب وحثهم بعدم التصرف فيها، إلى حين البت في ملفاتهم بصفة نهائية، ومنعهم من مغادرة التراب الوطني المغربي.
وانتقد بعض النواب في اجتماع لجنتي العدل والتشريع والمالية والتنمية الاقتصادية، أثناء المناقشة التفصيلية لميزانية المجلس الأعلى للحسابات، والهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، نهاية الأسبوع الماضي، استغلال بعض الجهات من بينها الجمعيات المدنية، تقارير المؤسسات الدستورية المختصة في الرقابة وتتبع مسار تدبير الأموال العامة، في حسابات سياسية ضيقة، وهو ما أثار كثير من علامات استفهام كبيرة.
وقال رشيد لبكر، أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة شعيب الدكالي بالجديدة، إن "السادة البرلمانيين ليسوا فوق المساءلة الجنائية، إذا تعلق الأمر بأفعال جرمية لا تدخل في قائمة الأعمال البرلمانية المشمولة بالحصانة، ومنها التشريع ومراقبة عمل الحكومة".
وأضاف لبكر، في تصريح ل"الأيام 24″، أن "الأصل فيها أن يتمتع البرلماني بهامش من الحرية في التعبير عن وجهة نظره، التي هي في الواقع انعكاس لوجهة نظر من انتخبوا عليه ووضعوا ثقتهم فيه، ما دامت الغاية هي الدفاع عن تشريع جيد ومراقبة قويمة تضمن النجاعة وحسن التدبير".
وتابع المتحدث عينه: "لكن إذا ثبت تورط هذا البرلماني في أفعال مشينة ومجرمة قانونيا، ترتبط بسلوكاته الشخصية وليس بالمهمة التشريعية التي يمارسها، فهنا تنتفي حصانته، ويصبح خاضعا للقانون كغيره من المواطنين، إذ لا يمكن اتخاذ هذه الحصانة كإطار واق للتستر على مثل هذه الافعال الإجرامية".
وأشار المحلل السياسي إلى أن "متابعة هؤلاء البرلمانيين قضائيا، تدخل في هذا الاتجاه، وهي على أية حال متابعة وليست إدانة، وقرينة البراءة هي الأصل إلى وإن ثبت العكس، فبهذا الأسلوب يمكن الاطمئنان على أن بناء دولة الحق والقانون في الطريق الصحيح، كما أنه يساعد في تطهير قبة البرلمان من كل ما من شأنه المس بسموها وقداستها".
وزاد: "شخصيا لا اميل إلى وجهة النظر التي تحاول التشكيك في وجاهة هذه المتابعات، واعتبرها على العكس من ذلك، ظاهرة صحية وسيكون لها الأثر الفعال في قطع الطريق أمام كل من يحلم بالدخول إلى البرلمان، ليس بمنطق الدفاع عن الصالح العام ولكن بدافع تحصين المصلحة الخاصة والاستفادة من عائدات الحصانة والتغطية على الجرائم التي تدعو إلى المتابعة".