أثار اعتراض 201 نائبا في البرلمان الجزائري على طلب وزارة العدل رفع الحصانة عن زميلهم النائب الوزير السابق عبد القادر واعلي، جدلاً واسعاً في أوساط الحراك والمعارضة، وارتفعت معه مطالب بضرورة حل البرلمان الذي بات، وفقهم، يحمي الفساد ويعرقل عمل العدالة، خصوصاً في ظل عزم الرئيس عبد المجيد تبون على إحالة مشروع تعديل الدستور إلى الهيئة البرلمانية خلال الأسابيع المقبلة. ووفق النظام الداخلي للمجلس فإنه في حال تنازل النائب طوعاً عن حصانته تسقط إجراءات رفعها، وفي حال تمسكه بها تُحدد جلسة عامة للتصويت على طلب وزير العدل. ويُلاحق النائب واعلي بتهم تهريب العملة الصعبة إلى الخارج والمشاركة في صفقات مشبوهة مع رجل الأعمال المسجون علي حداد، وقضايا أخرى متعلقة بفترة توليه وزارة الموارد المائية. البرلماني السابق خوجة الأرقم يعتقد أنه بالنظر إلى الظروف والطريقة التي تشكل بها المجلس الحالي، هناك فرضيتان، الأولى عدم تلقي النواب الرافضين توجيهاً من أعلى السلطة، وعليه فمن الطبيعي أن يتم رفض طلب رفع الحصانة، فكثير من النواب الحاليين من فريق العهد السابق، وشبهة الفساد تلاحق أغلبيتهم، وهو ما قد يفسر رفضهم طلب رفع الحصانة باعتباره شكلاً من أشكال الممانعة. أما الفرضية الثانية فتتمثل في تلقيهم تعليمات لكنهم تمردوا عليها ليوجهوا رسالة إلى السلطة بقدرتهم على التشويش، "ما يفتح الباب أمام مساومات تخص مستقبلهم في المرحلة المقبلة، وهو ما لا أميل إليه"، يقول خوجة الأرقم. تبون ليس في مصلحته حل البرلمان ويعتبر الأرقم، في حديث لموقع "اندبندنت عربية"، "أن مستقبل تركيبة هذه المؤسسة يبدو أن السلطة حسمت أمرها في تغييرها، باعتبارها عنواناً للعهد السابق الذي تريد التنصل منه. ما يعطي شرعية ويضفي لوناً من المشروعية لشعار الجزائرالجديدة". وختم بالقول "إن الرئيس تبون سبق أن التزم بتمرير مشروع الدستور على البرلمان وأعتقد أنه سيلتزم به حفاظاً على مصداقية وعوده". وتتلاحق طلبات وزارة العدل رفع الحصانة على النواب منذ سقوط النظام السابق، تمهيداً لمحاكمتهم في قضايا أغلبيتها تتعلق بالفساد وإهدار المال العام، وجرت وقائعها خلال سنوات حكم الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، وبعضهم رهن الحبس الاحتياطي لحين محاكمتهم، بينما حكم على آخرين بالسجن لمدد متفاوتة، غير أن "انتفاضة" النواب لتوفير الحماية لبعضهم البعض ورفض الطلبات تعرقل عمل العدالة وتؤخر المحاكمات وتضع الشارع أمام أبواب الشكوك حول صدقية حملة محاربة الفساد. نواب "العصابة" في المقابل، يرى النائب الحر جبايلي يوسف "أن بعض النواب والمسؤولين كانوا يتطاولون على سلطة القانون محتمين بالحصانة التي توفرها لهم قاعدة "الولاء للعصابة"، التي كانت تمنحهم الضوء الأخضر للقيام بأي شيء وتفتح أمامهم أبواب الثراء"، واستدل بوصول كثيرين منهم إلى البرلمان عبر المال، مبرزاً أن المتابعات القضائية ليس فيها تشويه للبرلمان، بل بالعكس هي آلية لتطهيره وتحصين مستقبله، "كي لا يكون محل طمع المتسلقين والراغبين في التحصن تحت مظلة البرلمان لتحقيق مآرب شخصية". بينما يشير النائب عن جبهة المستقبل، زين العابدين ديديش، إلى أن رفع الحصانة عن النواب في قضايا الفساد على مستوى الغرفتين خطوة ايجابية. منذ تأسيس البرلمان الجزائري اعتمد الدستور على الحصانة، كي يؤدي ممثلو الشعب دورهم الرقابي على أعضاء الحكومة أو على الولاة وأعضاء الإدارة المحلية بصفة عامة، فضلاً عن تكريس الدور التشريعي للنائب في تشكيل لجان استعلام واقتراح القوانين. وقد نص الدستور على هذا الحق، غير أن ورقة الحصانة البرلمانية طالها التمييع والتشويه مع مرور الوقت، بالنظر إلى استغلالها من قبل بعض النواب كمطية لتحقيق أهداف ومصالح شخصية خارج سلطة القانون. كنس رذائل النظام السابق يعتبر البرلماني السابق يوسف خبابة، أن البرلمان حالياً في حكم المنحل، إذ إنه "عاجز تماماً عن فعل أي شيء، ولا يمثل الشعب ولا يعبر عن طموحاته، وقد غسل الشعب يديه منه". ويعتبر "أن تبون يدرك ذلك جيداً، وهو يستغل هذه الحالة المهترئة للبرلمان ليمرر ما يريد ثم يحله". وعلى الرغم من ذلك، ف"المشكلة ليست في هذه النقطة"، يقول خبابة، إنما السياق السياسي متعلق بمدى جدية الرئيس في التعاطي مع مطالب الشعب وثورته، فلا يكفي التغني بالحراك وتجسيد 22 فبراير يوم التآخي، لأن الشعب يريد كنس رذائل النظام السابق التي لا تزال عقبة في وجه الديمقراطية. ويقول خبابة: "ربما ستتأكد جدية النظام من خلال وثيقة الدستور التي ستعرض قريباً، ومن خلال تنظيم انتخابات تشريعية شفافة، إذ إن تصريحات الرئيس في شأن الانتخابات مخيفة جداً، فهو يريد برلمان على مقاسه، بعد إشارته إلى أنه يتكفل بتمويل حملة من يريدهم في البرلمان من خزينة الدولة، وهذا أخطر تصريح نسمعه من النظام". ويختم خباية بالقول إن "عنصر الثقة غائب بين الشعب والسلطة، وإذا لم تكن الجرأة والإرادة الحقيقية للتغيير واضحتين في وثيقة الدستور، فإن الاستفتاء سيكون انتكاسة". وتستبعد الصحافية نادية هدار، حل البرلمان خلال المرحلة الحالية، على اعتبار أن أولوية الرئيس تبون الشروع في إصلاحات عميقة على جميع المستويات، لإعادة ترميم ما أفسده النظام السابق. وتتوقع أن يتجدد البرلمان في الانتخابات لا عبر حل الحالي.