وضع مشروع الدستور الجديد حدا للجدل القائم حول الحصانة البرلمانية وحدودها والعوائق التي كانت في الدستور الحالي، التي تحول دون متابعة البرلماني في حالة ارتكابه جرائم وجنحا يعاقب عليها القانون، إذ أصبح بإمكان النيابة العامة أن تحرك المتابعة دون الحاجة إلى رفع الحصانة في حالة إقدام البرلماني على ارتكاب ما يخالف القانون في إطار حياته العامة. ونص الفصل 64 من مشروع الدستور، الذي سيعرض للاستفتاء يوم فاتح يوليوز، على حالة استثناء لا يمكن فيها متابعة البرلماني، إذ يقول النص «لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان ولا البحث عنه ولا إلقاء القبض عليه ولا اعتقاله ولا محاكمته بمناسبة إبدائه لرأي أو قيامه بتصويت خلال مزاولته لمهامه ما عدا إذا كان الرأي المعبر عنه يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي أو يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك». هذا الفصل كان متضمنا في الدستور الحالي غير أنه كان فقرة ضمن الفصل 39، إلى جانب ثلاث فقرات أخرى لم تعد معتمدة في مشروع الدستور الجديد، والتي كانت تؤكد على أنه «لا يمكن في أثناء دورات البرلمان متابعة أي عضو من أعضائه ولا إلقاء القبض عليه من أجل جناية أو جنحة غير ما سبقت الإشارة إليه في الفقرة الأولى من هذا الفصل إلا بإذن من المجلس الذي ينتمي إليه ما لم يكن العضو في حالة تلبس بالجريمة»، إضافة إلى أنه «لا يمكن خارج مدة دورات البرلمان إلقاء القبض على أي عضو من أعضائه إلا بإذن من مكتب المجلس، الذي هو عضو فيه ما عدا في حالة التلبس بالجريمة أو متابعة مأذون فيها أو صدور حكم نهائي بالعقاب». كما أن الدستور الحالي ينص على أنه «يوقف اعتقال عضو من أعضاء البرلمان أو متابعته إذا صدر طلب بذلك من المجلس الذي هو عضو فيه ما عدا في حالة التلبس بالجريمة أو متابعة مأذون فيها أو صدور حكم نهائي بالعقاب». ويعتبر الاقتصار على الفقرة الأولى ضمن مشروع الدستور الجديد انتصارا لمطالب عدد من الهيئات الحقوقية، التي كانت تدعو إلى المساواة بين المواطنين في المتابعة القضائية فيما يتعلق بالجرائم والجنح. وأكد محمد أمغار، محام وأستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن مشروع الدستور الجديد قلص من حصانة البرلماني وحصرها في الجانب المتعلق بالتعبير والرأي، أي أن البرلماني لا يمكن متابعته من أجل الآراء والمواقف التي يتبناها في مزاولة مهمته التشريعية، باستثناء الرأي الذي يجادل في الدين الإسلامي والنظام الملكي والمسلسل الديمقراطي باعتبارها من ثواب الأمة المغربية، مبينا، في تصريح ل«المساء»، أن مشروع الدستور الجديد ألغى الحصانة التي كان يتمتع بها البرلمانيون في حياتهم العامة في حالة ارتكابهم جرما معينا، سواء كان جناية أو جنحة، حيث كان البرلماني لا يتابع إلا بعد رفع الحصانة عنه وفق المسطرة، التي كان منصوصا عليها في القوانين الداخلية لمجلسي النواب والمستشارين باستثناء حالة التلبس التي كانت لا تستدعي سلوك مسطرة رفع الحصانة. وأشار أستاذ القانون الدستوري إلى أن واضع الدستور الجديد استجاب لمطالب الأسرة الحقوقية، التي كانت تنادي بحصر الحصانة على الأعمال المتعلقة بممارسة السلطة التشريعية ومراقبة عمل الحكومة وغيرها من الأعمال التي لها علاقة بتمثيلية البرلماني للأمة. وحول وضعية البرلمانيين المتابعين حاليا، أوضح أمغار أن جلهم متابعون في حالة تلبس، إضافة إلى أن البرلمانيين الحاليين يخضعون للدستور الحالي، وأن القانون الجديد سيسري على البرلمان المقبل، على اعتبار أن المرحلة الحالية هي مرحلة انتقالية، وأن التنفيذ الفعلي للدستور لن يبدأ إلا بعد صدوره في الجريدة الرسمية. يشار إلى أن أروقة المحاكم عرفت متابعة برلمانيين في جرائم تتعلق أساسا باختلاس أموال عمومية وتبديد المال العام، كما هو الشأن بالنسبة لمحماد الفراع، الذي قضت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بملحقة محكمة الاستئناف بسلا، بحبسه أربع سنوات في حدود 30 شهرا نافذا وموقوف التنفيذ في الباقي وغرامة مالية قدرها 10 آلاف درهم ، بعد مؤاخذته بتهمة «اختلاس أموال عمومية وخيانة الأمانة واستغلال النفوذ وتبييض الأموال» في ملف التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، التي كان رئيسا سابقا لها، غير أن المفارقة هو أن الفراع كان المتهم الرئيسي في الملف، ولم يقدم في حالة اعتقال، في وقت قدم المشاركون في حالة اعتقال وقضوا عقوبتهم الحبسية، وهو ما أثار استياء المتتبعين وبعض البرلمانيين، خاصة أنه يحضر جلسات البرلمان ويناقش داخل اللجان.