نظام الحصانات طبقا للفقرات 2 و3 و4 من الفصل 39 من الدستور المتعلقة بالاعتداء بالحصانة البرلمانية فإنه: «...لا يمكن في أثناء دورات البرلمان متابعة أي عضو من أعضائه، ولا إلقاء القبض عليه من أجل جناية أو جنحة، غير ما سبقت الإشارة إليه في الفقرة الأولى من هذا الفصل، إلا بإذن من المجلس الذي ينتمي إليه، ما لم يكن العضو في حالة تلبس. ولا يمكن خارج مدة دورات البرلمان إلقاء القبض على أي عضو من أعضائه إلا بإذن من مكتب المجلس الذي هو عضو فيه، ما عدا في حالة التلبس بالجريمة أو متابعة مأذون فيها، أو صدور حكم نهائي بالعقاب. يوقف اعتقال عضو من أعضاء البرلمان ومتابعته إذا صدر طلب بذلك من المجلس الذي هو عضو فيه ما عدا في حالة التلبس بالجريمة أو متابعة مأذون فيها أو صدور حكم نهائي بالعقاب». بينما نجد البند 2 من المادة 27 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإنه «...لا تحول الحصانات التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي، دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص». إن الحصانة البرلمانية وجدت لحماية أعضاء البرلمان من كل متابعة قد تؤثر على أدائهم لمهامهم البرلمانية، فهي ليست منحة شخصية وهبها المشرع لفائدة أعضاء البرلمان، ولكن عبارة عن قواعد دستورية غايتها حماية الصالح العام، وتأمين الاستقلال الكامل للبرلمانيين، وتوفير الجو الملائم لسير المجالس البرلمانية وحمايتها من تأثير الحكومة أو الأفراد. وترفع هذه الحصانة عندما يتعلق الأمر بجنح ومخالفات يعاقب عليها القانون، ففي هذه الحالة تنتفي الصفة الرسمية، عن النائب أو المستشار، ويتم إقرار مبدأ المساواة أمام القانون، خاصة عندما يكون البرلماني في حالة تلبس. من هذا المنطلق، فإن المقتضيات المتعلقة بحصانة البرلمانيين ليس فيها ما يناقض عدم الاعتداد بالصفة الرسمية، المأخوذ به في المادة 27 من نظام روما، ذلك أن ما ينص عليه الدستور من حصانة للبرلمانيين يرتبط بحرية الرأي والتعبير والإدلاء بأفكار ترتبط بالتوجهات السياسية لتشكيلة الجهاز التشريعي، وهذا ما يرتبط بشكل أساسي بالنظام الديمقراطي الذي يقر بحرية التعبير لسائر المواطنين بصورة عامة، فبالأحرى ممثلي الأمة الذين يفترض فيهم التعبير عن آراء ومطالب منتخبيهم في المجال السياسي والاقتصادي.... الامتياز القضائي بالإضافة إلى الحصانة الممنوحة لأعضاء البرلمان هناك فئات عليا، من الموظفين ومسؤولي الدولة، تخضع لمقتضيات قانونية خاصة، تندرج تحت إطار ما يسمى بالامتياز القضائي الذي يعني تمتيع بعض الموظفين ورجال السلطة المنسوب إليهم ارتكاب جرائم معينة بإجراءات خاصة في البحث والتحقيق معهم وفي محاكمتهم. فطبقا للفصل 10 من الدستور فإنه: «لا يلقى القبض على أحد ولا يعتقل ولا يعاقب إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون». وحسب قانون المسطرة الجنائية فإن هناك عدة قيود إجرائية تسهل الإفلات من العقاب لأنها تحول دون متابعة بعض الأشخاص ذوي نفوذ سلطوي كما يتابع الأشخاص العاديون عن طريق الشكايات المباشرة أو بموجب قرارات صادرة عن النيابة العامة أو عن قضاة التحقيق، ذلك أنه وفقا لمقتضيات الفصول 264 إلى 268 (المسطرة الجنائية)، فإنه لا يمكن الأمر بفتح التحقيق الجنائي، عن طريق الشكايات المباشرة أو بموجب قرارات صادرة عن النيابة العامة أو قضاة التحقيق، ضد مستشار الملك، أو عضو من أعضاء الحكومة أو كاتب الدولة أو نائب كاتب الدولة، أو قاضي المجلس الأعلى، أو بالمجلس الأعلى للحسابات أو عضو بالمجلس الدستوري، أو وال أو عامل، أو رئيس أول لمحكمة الاستئناف عادية أو مختصة، أو وكيل الملك بها، أو قاض بالمجلس الجهوي للحسابات، أو ضد: قاض بمحكمة ابتدائية عادية أو مختصة، أو ضد باشا، أو خليفة أو عامل، أو رئيس دائرة، أو قائد أو ضابط شرطة قضائية، وكل هؤلاء لا يمكن فتح مجرد التحقيق ضدهم إلا من طرف الجهات الآتية، وهي حسب المركز المراد فتح التحقيق ضده: الغرفة الجنائية المجلس الأعلى. الرئيس الأول لدى محكمة الاستئناف المعينة. وإذا رفضت هاتان الجهتان الأمر بفتح تحقيق فإن رفضهما غير قابل لأي طعن. إن كل تلك العراقيل لا وجود لها، وفقا للبند 2 من المادة 27 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وهو البند الذي ينص على أنه: «لا تحول القواعد الإجرائية الخاصة التي ترتبط بالصفة الرسمية للشخص، دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص». زد على ذلك عدم التوافق بين مقتضيات الفصول من 88 إلى 92 من الدستور وهي المقتضيات المتعلقة باقتراح توجيه الاتهام ضد أعضاء الحكومة والموافقة عليه، وبتشكيل المحكمة العليا التي تبت في الاتهام، وبين البند الثاني من المادة 27 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ذلك أنه وفقا لمقتضيات الفصول من 88 إلى 92 من الدستور، فإن اقتراح توجيه الاتهام من طرف البرلمان، ضد أعضاء الحكومة، على ما يرتكبونه من جنايات وجنح أثناء ممارستهم لمهامهم، يحتاج على الأقل إلى توقيع ربع أعضاء المجلس الذي يقدم إليه أولا، ولا تتم الموافقة على الاقتراح إلا بقرار تتفق عليه الغرفتان (مجلس النواب ومجلس المستشارين) بأغلبية ثلثي الأعضاء، على الأقل الذين يتألف منهم كل مجلس وتفصل في التهم المحكمة العليا المشكلة من أعضاء نصفهم منتخب من أعضاء مجلس النواب والنصف الآخر من أعضاء مجلس المستشارين. بينما نجد، حسب البند 1 و2 من المادة 27 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أن جميع الأشخاص متساوون في البحث وفي تقرير المتابعة وفي المحاكمة... ويرى البعض أنه، على الرغم من أن القانون المغربي يقر مساطر خاصة لمحاكمة أعضاء الحكومة عن الجرائم التي يرتكبونها خارج مهامهم، وللقضاة وبعض الموظفين سواء خلال ممارسة مهامهم أو خارج المهام بالنسبة إلى بعضهم، فإن إقرار مسطرة قضائية خاصة لمساءلة بعض أصناف الموظفين والقضاة وأعضاء الحكومة أو أعضاء البرلمان لا تعتبر أمرا مخالفا لنظام روما لأن هؤلاء لا يعفون من المسؤولية بسبب صفتهم ولا تؤدي تلك الصفة إلى إعفائهم من العقاب أو تخفيفه بالنسبة إليهم. وهذا الامتياز يتعلق بالشكل (المسطرة) وليس بالموضوع (العقاب) أي أن الذين يتمتعون بالامتياز القضائي يعفون من تطبيق بعض الإجراءات المسطرية العادية عليهم، ولا يعفون من العقاب المنصوص عليه في الجرائم المرتكبة. المحكمة الجنائية يقصد بالعفو الخاص المخول عادة لرئيس الدولة، وهو في المغرب ذو قيمة دستورية بمقتضى الفصل 34 من دستور 1996، وينظم العفو الظهير رقم 387 – 57 – 1 في 06 فبراير 1958 الذي تم تعديله في 08 أكتوبر 1997، على نحو أصبح معه ممكنا منح العفو الخاص في سائر مراحل الدعوى، بل وقبل تحريك الدعوى العمومية أو خلال ممارستها أو بعد صدور حكم نهائي فيها، وذلك من طرف الملك. والعفو الخاص لا يشمل سوى الجريمة أو العقوبة التي صدر من أجلها ولا يلحق ضررا بحقوق الغير، كما أنه يشمل الفرد والجماعة. أما العفو العام يصدر بنص تشريعي صادر عن البرلمان، كما ينص على ذلك الفصل 51 من مجموعة القانون الجنائي المغربي. ويختلف العفو العام عن العفو الخاص في كون الأول يمحو الجريمة ذاتها وبالتالي يمحو كل تبعاتها وما ترتب عنها من أحكام أو عقوبات أو تدابير استثنائية ما يتعلق بحق الغير، أما العفو الخاص فهو لا ينصرف سوى إلى العقوبة وحدها. أما في ما يخص نظام روما فإنه لم يتضمن أي تصريح يمنع الدولة من ممارسة حق العفو سواء كان عفوا شاملا أو عفوا خاصا، اللهم في ما يتعلق بالمادة 10 التي تقضي في الفقرة 1 بأنه «لا يجوز لدولة التنفيذ أن تفرج عن الشخص، قبل انقضاء مدة العقوبة التي قضت بها المحكمة... وللمحكمة وحدها الحق في البت في أي تخفيف للعقوبة، وتبت في الأمر بعد الاستماع إلى الشخص». لذلك فإنه بعد استقراء روح المادة 110 (الفقرة1) يمكن القول أن هذه الأخيرة تقصد العفو من العقوبة، وليس العفو الشامل عن الجريمة الذي لا يتقرر في معظم الدول إلا بنص قانوني، ولعل الفائدة من إدراج هذا البند ضمن مقتضيات النظام الأساسي للمحكمة يكمن في وضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب، الذي يمكن أن يتم نتيجة لجوء سلطات التنفيذ إلى إعمال العفو لفائدة الجاني المدان. العفو الخاص في المغرب يعتبر ذا قيمة دستورية بصريح الفصل 34 من الدستور، وبالتالي فإن الأمر يتطلب مسألة مدى توافق هذا المقتضى مع المادة 110 (الفقرة1)، ما دام أن هذه المادة تقصد العفو عن العقوبة. وقد ذهب المجلس الدستوري الفرنسي إلى أن النظام الأساسي يفضي إلى إمكانية اللجوء إلى اختصاص المحكمة لمجرد تطبيق قانون عفو وأنه في مثل هذه الحالة يمكن أن تجد فرنسا نفسها مطالبة بأن تلقي القبض على أحد الأشخاص وتقدمه إلى المحكمة، حسب وقائع شملها العفو وخلص المجلس إلى تعارض هذا الحكم مع الشروط الضرورية لممارسة السيادة الوطنية، واستلزم ذلك تعديلا دستوريا لمواجهة هذا التعارض. ويبدو أن قرار المجلس الدستوري كان هو الأساس الذي استند عليه البعض للقول بوجود تعارض بين حق العفو الممنوح للملك بموجب الفصل 34 ومقتضيات المادة 17 من النظام الأساسي للمحكمة. أما بالنسبة إلى بلجيكا، التي يشبه وضعها المغرب، إذ يمنح دستورها حق العفو للملك، فقد قرر مجلس الدولة أن حق العفو الذي يتمتع به الملك له طابع إقليمي، أي أن الملك لا يستطيع ممارسة هذا الحق سوى إزاء العقوبات، الصادرة عن محاكم بلجيكية، ومن ثم فلا تعارض في ذلك مع أحكام الدستور البلجيكي. وعليه يمكن القول بأنه لا يوجد تعارض في المادة 110 من نظام المحكمة الجنائية الدولية والفصل 34 من الدستور الذي يمنح الملك حق العفو، خصوصا وأن النظام الأساسي تعرض للعفو عن العقوبة. لكن مع مراعاة تقييد هذا العفو, بالنسبة إلى الملك, حتى لا يشمل الجرائم المنصوص عليها في القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة وجرائم الحرب وجريمة العدوان.