بعد سنتين من الفتور الدبلوماسي بين المغرب وفرنسا، وما خلفه من تداعيات معقدة دفعت الدولتين إلى تأجيل مواعيد الزيارات الرسمية في مناسبات عدة، تمكنت الرباطوباريس من طي صفحة التوترات السياسية وإعطاء انطلاقة جديدة لعلاقات استثنائية وطيدة، خاصة بعد الموقف التاريخي لقصر الإليزي من قضية الصحراء المغربية، وانتقاله من المنطقة الرمادية إلى دبلوماسية الوضوح.
ونجح المغرب وفرنسا في إنهاء الأزمة الدبلوماسية بعد زيارة دولة قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمملكة المغربية، وسط سياق دولي متوتر تطغى عليه الحروب والنزاعات المسلحة، سواء في العمق الإفريقي أو في منطقة الشرق الأوسط، مع حفاظ هذه الزيارة على الهاجس الاقتصادي الذي يعد رئيسيا في العقيدة الفرنسية.
وأصبحت الرباط رقما صعبا داخل المعادلة الإفريقية، بعد المبادرات التي أطلقتها في غرب إفريقيا ودول الساحل وأيضا دول الأطلسي، حيث تعد قوة إقليمية صاعدة بالمنطقة، مما فرض على باريس إعادة ترتيب أوراقها السياسية والدبلوماسية لإعادة إحياء أواصر التعاون بين الطرفين.
وفي هذا الصدد، قال محمد زهور، أستاذ وباحث في القانون العام والعلوم السياسية، إن "الزيارة التاريخية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمملكة المغربية تأتي في سياق دولي صعب تطغى عليه الحروب والنزاعات المسلحة، وأيضا جاءت بعد مسلسل طويل من الشد والجذب بين البلدين الصديقين"، مستدركا: "غير أن هذه المرحلة تعد صفحة جديدة في كتاب الروابط السياسية والدبلوماسية والاقتصادية العميقة بين فرنسا والمغرب".
وأضاف زهور، في تصريح ل"الأيام 24″، أنه "بعدما كانت العلاقات المغربية الفرنسية تتميز بنوع من الضبابية، فهي الآن تتسم بالوضوح والصدق بين الدولتين، في ظل التوترات التي تعرفها منطقة غرب وشمال إفريقيا وأيضا منطقة الشرق الأوسط وتداعياتها على اقتصادات الدول الأخرى".
واعتبر المتحدث ذاته، أن "فرنسا رغم المشاكل الاقتصادية التي تعيشها فهي تتجه نحو تنويع شركائها، وتعتمد في هذه السياسة على المغرب باعتباره بلدا موثوقا به داخل المجتمع الدولي، والدليل هو طبيعة الاتفاقيات الموقعة وحجمها المالي وتأثيرها السياسي".
وأشار المحلل السياسي إلى أن "القرار الفرنسي التاريخي الذي اعترف من خلاله قصر الاليزي بمغربية الصحراء وعبّر فيه عن دعمه مخطط الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، أدخل الدولتين في عهد جديد من العلاقات الإستثنائية"، مسجلا أن "تعميق الشراكات جاء بعد النجاح الكبير للمغرب داخل القارة الإفريقية".
وأوضح الأكاديمي أن "الدول الإفريقية التي نازعت فرنسا في الآونة الأخيرة تحظى بعلاقات جيدة مع المغرب، وهذا ما دفع باريس إلى تحقيق تقدم في ملف الصحراء المغربية، وتغيير موقعها السياسي والدبلوماسي مع المغرب والخروج من المنطقة الرمادية التي تقبع فيها منذ سنوات".
وخلص زهور، إلى أن "توقيت هذا الشراكة جاء في وقت حساس ومعقد"، معتبرا أن "نجاحها يدل على إرادة العاصمتين في إعادة التوهج والروح لهذه الشراكات الاستراتيجية، التي سيتم من خلالها نسج علاقات مبنية على المواقف القوية والصدق والنفع المتبادل".