تتصدر مدونة الأسرة أو الأحوال الشخصية سابقاً المشهد العام الاجتماعي والسياسي داخل المملكة المغربية، والنقاش المجتمعي الدائر به، بعد بلاغ الديوان الملكي الذي أصدر يوم الثلاثاء 26 شتنبر، والذي أعطى من خلاله الملك محمد السادس الضوء الأخضر لإعادة النظر في مقتضيات القانون الذي ينظم أحوال الأسرة. وحددت المؤسسة الملكية الجهات التي ستسند إليها مهمة الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام، بشكل جماعي ومشترك، وفي مقدمتها وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، مع تفعيل مبدأ "التشاركية" مع العديد من الجهات وعلى رأسها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة.
وجاءت أول إشارات التغيير بمقتضيات التشريعية لمدونة الأسرة، في الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش سنة 2022، حيث دعا العاهل المغربي من خلاله إلى ضرورة مراجعة مضامين المواد المنظمة للأسرة التي تم وضعها سنة 2004، والتي أبانت على "اختلالات عملية" في تجربتها التي دامت حوالي عقدين.
ارتياح كبير تقول شرفات أفيلال، رئيسة منتدى المناصفة والمساواة، وعضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، إن بلاغ "الديوان الملكي استقبلناه بارتياح كبير، حيث دعا إلى إعادة النظر في مدونة الأسرة، مع توزيع مهام الإشراف على العديد من الجهات منها الحكومة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنيابة العامة".
وأوردت شرفات أفيلال، في تصريح ل"الأيام 24″، أنه تم "تسجيل في وقتنا الحالي مجموعة من التفاوتات في مدونة الأسرة، مقارنة مع الدستور المغربي والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، باعتبار أن المدونة الحالية أصبحت تتناقض مع الدستور وأيضا مع المجتمع المغربي الحديث".
"نطمح أن يكون هذا التعديل لحظة تاريخية بتوافق المجتمع المغربي بشتى روافده الفكرية والسياسية والثقافية والحقوقية والايديولوجية"، تقول المتحدثة، مضيفة أن هذا "الورش سيضع المغرب في سكة إقرار الحقوق السياسية للنساء والمساواة والبحث عن الافاق الديمقراطية والحقوق في المستقبل".
وزادت: "خلال هذه الفترة الزمنية التي حددها الملك محمد السادس، هناك انضاج وتوافق مجتمعي حول أساسيات الإصلاح لأنه يجب إعطاء صورة فريدة، كما تم إعطائها خلال تدبير زلزال الذي ضرب المملكة المغربية في 8 شتنبر 2023".
وشددت رئيسة منتدى المناصفة والمساواة على أن "الوثيقة الحالية لم تعد متناغمة مع الدستور، التي تقر تراتبية بين الرجل والمرأة أثناء انحلال العلاقة الزوجية أو تدبير شؤون الأطفال"، مشيرة إلى أنه هناك "اختلالات كبيرة جدا في ما يتعلق بالولاية الشرعية للنساء وزواج القاصرات، وأيضا تعدد الزوجات الذي يتم التحايل في معطياته وأيضا إعادة النظر في السلطات التقديرية الممنوحة للقاضي في بعض الأمور والنفقة والتعصيب".
وتابعت أفيلال أما فيما يخص "الميراث نحن سنعمل على حفاظ لحمة الشعب المغربي كما سبق أن أشار إليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، علما أنه هناك مجموعة من الأمور يجب أن يتم فيها إعادة النظر".
منتهى الأهمية من جهتها، ترى خدوج السلالي، برلمانية عن الفريق الاشتراكي، ومناضلة حقوقية وسياسية ونسائية، أن بلاغ الديوان الملكي "كان في منتهى الأهمية خصوصا إذا وضعناه في السياقين، السياق الأول هو تذكير بمضمون خطاب العرش الذي وجه فيه صاحب الجلالة الدعوة إلى ضرورة تغيير المدونة وذلك نتيجة حدوث مجموعة من التغيرات المجتمعية المغربية، والسياق الثاني هو أن الملك محمد السادس أكد على أن المغرب يشتغل على التوازي، وفي نفس الوقت على وجهات مختلفة".
وأضافت خدوج السلالي، في تصريح ل"الأيام 24″، أنه في "الوقت الذي يعالج فيه المغرب تداعيات زلزال الحوز وإعادة بناء اللبنات الأساسية، يدعو صاحب الجلالة إلى إعادة بناء القانوني لمدونة الاسرة".
وسجلت الحقوقية المغربية أن "المغرب يسير في مسار تحقيق الأهداف وأيضا تفعيل انشغالته على المستويات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية والتشريعية"، مؤكدة على أن "صاحب الجلالة في خطاب العرش سبق وأن أعطى للمرأة المكانة الاستماعية عندما ربط بينها وبين الأسرة والمجتمع"، معتبرة أن أي "تعديل في المدونة ليس لصالح المرأة فقط وإنما هو تعديل مجتمعي يضمن التوازن بين الطرفين، ينعم فيه الرجل بحقوقه والمرأة كذلك بحقوقها مع احترام المصالح الفضلى للأطفال".
واسترسلت المتحدثة نفسها شارحة: "سبق للإشارة في الخطاب الملكي أن مجموعة من القضايا لابد من مراجعاتها وخصوصا المتعلقة بمصلحة الطفل، وتلك التي لم يتم تفعيلها بطريقة حديثة فضلت في ثنايا المدونة دون أن تخرج إلى مجال التطبيق"، لافتا إلى أن "الملك محمد السادس أكد على أن الدعوة اليوم مفتوحة لمراجعة قانون الأسرة، نظرا للتحولات التي عرفها القانون المغربي، وهناك قضايا لم تعد مواكبة لهذا التطور منها المتعلقة بقضية تزويج القاصرات أو المتعلقة بحقوق الأطفال وخاصة في إطار الحضانة".
واختتمت السلالي حديثها بالتأكيد على أن المدونة ستنكب إلى هذه الأشياء استجابة لرغبة الملك، وأيضا للنضالات التي تخوضها النساء وكل الحركات التقدمية الحديثة وسبق ذلك الإشارة إليها من خلال التطورات التي شهدها المجتمع المغربي".
طرد التنبؤات قالت خديجة الزومي، رئيسة منظمة المراة الاستقلالية، وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، إن أهم "التعديلات التي ستشهدها المدونة لا يمكن التنبؤ إليها، ولكن النقاش في نظري مؤطر بخطاب صاحب الجلالة نصره الله". مشيرة إلى أنه لن "يحرم الحلال، ولن يحلل الحرام، وهذه في نظري مسألة مفصلية زيادة إلى كل المشاورات التي سترفع إلى الملك كأمير المؤمنين، وبالتالي فلن تكون أي تغييرات تمس بجوهر الأمة المغربية".
وأردفت خديجة الزومي، في تصريح ل"الأيام 24″، أن "النقاش سيكون عميق في نظري حول زواج القاصرات، وأتمنى الا نقع في تناقضات الغرب"، مضيفة أن الذين أصبحوا "يتحدثون مع الأطفال في المسائل الجنسية والاخوات على ممارسة الجنس من السن الثالثة عشرة، والأحوال الزواج في السادسة عشرة كفرنسا نموذجا"، مؤكدة على أن "حماية الطفولة شيء ملزم للجميع، وتزويج القاصرات الذي يعتبر ظاهرة عالمية يجب أن توضع لها حد".
"الولاية الإدارية فأنا شخصيا لا أفهم لماذا تعطى تربية الطفل للمرأة فقط، وهي عملية معقدة ونبيلة ومنعها في نفس الوقت من إتخاذ قرارات بسيطة كسحب البطاقة الوطنية أو جواز السفر أو نقل الطفل من مدرسة إلى اخرى"، تقول المتحدثة، مبرزة أن "هذا أمر يجب نقاشه بعيدا عن أي استفزاز".
بخصوص موضوع الإرث، قالت الإستقلالية إن ب"النسبة للإرث فهناك نصوص قطعية، والإسلام لا يؤخذ بالتقسيط، ما عدا موضوع التعصيب الذي لا يوجد في أي نص قطعي والأمر مكفول بالاجتهاد"، مردفة أن "المشكل ليس في المدونة وليس كذلك في الزواج والطلاق، لذلك لابد من البحث السوسيولوجي لمحاولة البحث عن مسببات الحقيقية، وكيف يمكن أن يكون الزواج مودة ورحمة وليس حلبة للصراع كما يراد له أن يكون".