تعد الثقافة من بين الروافد الأساسية لنشر مبادئ الانسانية سواء اتعلق الامر بما هو ثقافي ، اقتصادي اجتماعي وغيره، أمر تحاول من خلاله مختلف دول العالم بمافيها الفرنكوفونية والانكلوساكسونية بناء جملة من السياسات الثقافية المقترنة بضمان شيوع لغتها وخاصة على مستوى الدول القريبة منها جغرافيا، سمة يتم تنزيلها عبر تكثيف تأسيس المراكز الثقافية واللغوية ناهيك عن مراكز التبادل الثقافي ، العلمي الاقتصادي والاجتماعي. مقومات استطاعت من خلالها ثلة من الدول وخاصة تلك التي كانت مستعمرة خلق جسر منيع من التبادل بينها وبين مستعمراتها مما مكنها من تحقيق أرباح مالية طائلة عبر بوابة الاستثمار الاقتصادي وعلى أساس ما بنته من عرى التمنيع الثقافي لهذه المستعمرات السابقة والتابعة اقتصاديا وتنمويا حسب منظور بعض الدول التي لم تستطع تغيير اليات تفاعلها مع هذه الدول، وخاصة منذ بزوغ فجر العولمة الذي يساهم في تكريس منعطف دولي عنوانه السرعة المتوازية مع الوسائل التكنولوجية الحديثة.
ناهيك عن ظهور كيانات دولية صاعدة اصبحت تقطع مع توجهات الدولة ذات الصبغة الامبريالية وتنهج توجه الندية عبر الاهتمام ببريسترويكا الداخل والمحيط، وهو نهج تعاطت معه وبكل ايجابية ثلة من الدول الانكلوساكسونية كالولايات المتحدةالامريكية وانجلترا اللتين واجهتها هذا المد الجديد يتينك تانك يأخذ على عاتقه تغيير لغة الخطاب تجاه هذه الدول الصاعدة مع اعتماد سياسة التشبيك المتجدد والمتعدد المناخي معها أمر مكنها من فتح اسواق جديدة على اساس رابح رابح ولو في ظل عالم متأزم بفعل التقلبات المناخية، الازمات المالية والطوارئ الصحية.
أمر لم تفطن اليه ربما فرنسا الثورة الفرنسية فرنسا المساواة والاخوة والارض فرنسا حقوق الانسان في تعاملها مع شركائها التقليدين في شمال افريقيا وكذا مع نقطها الاستثمارية في منطقة الساحل، أمر تمخض عنه تراجع ملحوظ للتواجد الفرنسي في هذه الرقع الجغرافية وهو امر يفتح اشكالا عريضا يتمثل في ماهية تاخر فرنسا في تغيير خطتها تجاه مستعمراتها القديمة شركائها بالامس.
هل الامر مرتبط بسياسة استعلاء ام رغبة تخلي لصالح النمط الانكلوساكسوني في هذه الرقعة الجغرافية، وهل هناك مسوغ لهذا التراجع في هذه المناطق ام ان الامر يتعلق بسوء تقدير او حتى غرور سياسي، أمر اتضح وبالملموس من خلال زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون لافريقي وخطابه الذي انهى التواجد الفرنكفوني في افريقيا فياترى فهل يتعلق الامر بتوجه جديد ستنهجهه فرنسا اليوم تجاه هذه الدول التي اصبحت تعيش على وقع نهضة افريقية ام ان الامر يعلن عن نهاية التواجد الفرنسي التعاوني في هذه البلدان ، انه فعلا سؤال يصعب عنه الجواب وخاصة في ظل سياسة الاصرار التي تعلن عنها فرنسا من اجل البقاء في الميدان الافريقي ، فهل ستنجح عبر بوابة الفرنكوفونية التي اعلنت رسميا نهايتها بهذه المناطق ام ان القادم سيكون احسن وافضل من خلال فرنكفونية صديقة للبيئة الافريقية؟. د. العباس الوردي استاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس و المدير العام للمجلة الافريقية للسياسات العامة