الحديث عن الفرانكفونية في المغرب لم يعد حديثا عاديا، أو أنه لا ينبغي أن يكون حديثا عاديا، لأن الفرانكفونية لم تعد مجرد لغة، إنها تطرف لصالح الفرنسية في بلد ينص دستوره على أن اللغة الرسمية هي العربية. الفرانكفونية في هذه البلاد صارت تعني نزعة عنصرية حقيقية، عنصرية يقودها «دواعش» الفرنسية ضد كل من يخالفونهم الرأي. المغرب حصل على استقلاله قبل 59 عاما، وكان يفترض أن يكون النقاش الحالي منصبا حول أفضل الطرق للسير بالبلاد نحو المستقبل في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، غير أنه من الغريب جدا أن نكون لا نزال نناقش موضوع الفرانكفونية في المغرب بعد كل هذه السنوات من خروج المستعمر.. إن كان قد خرج فعلا. لو أننا بحثنا عن حالات مشابهة لحالتنا في العالم كله فلن نجد حالة تشبهنا، فنحن البلد الوحيد الذي ينص دستوره على أن لغته الرسمية هي العربية، بينما أينما التفتنا نجد اللغة الفرنسية هي السائدة.. والمتسيدة، بل والمتغطرسة إلى درجة التجبر. في كل مجالات حياتنا اليومية لا نجد غير الفرنسية تحيط بنا من كل جانب، وفي كل قطاعاتنا الحيوية، من السياسة والاقتصاد حتى الرياضة، لا شيء يعلو على الفرنسية، إلى درجة أن مدربا في القسم الثالث لكرة القدم يصرخ في لاعبيه داخل الملعب ويحضهم على الهجوم باللغة الفرنسية! وإذا لم يستطيعوا.. يشتمهم بالفرنسية أيضا! ! قبل بضعة أسابيع، وعندما قال وزير التعليم، رشيد بلمختار، إنه لا يعرف العربية، فإن ذلك كان بمثابة صدمة للكثيرين، لكنها كانت صدمة فقط للذين لا يعرفون الواقع، الواقع الحقيقي لتجبر الفرنسية داخل دواليب الدولة المغربية بمختلف مستوياتها، ليس كلغة، بل كنزعة عنصرية، حتى أن وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، عندما أجرى حوارا مع قناة فرنسية بلغة فرنسية متواضعة، تعرض لهجوم شرس من جانب «دواعش» الفرانكفونية في المغرب، وكأنه ضُبط متلبسا بتهمة الخيانة العظمى، وبدا واضحا أنه من الطبيعي ألا يعرف مسؤول مغربي العربية، مثلما هو حال الوزير الأمي رشيد بلمختار، لكن لا يمكن أن يتم فيه التسامح مع مسؤول لا يتحدث الفرنسية بطلاقة، مثلما هو حال الخلفي. إنه تناقض رهيب، بل تناقض مرعب. المغرب بلد سيء الحظ حتى في سوء حظه، لذلك عوض الخضوع للاستعمار الفرنسي، كان الأقل سوءا هو الخضوع للاستعمار الألماني أو البريطاني، لأنه اليوم، وبعد كل هذه السنوات على خروج الاستعمار المباشر، لا يزال المغرب غارقا في التبعية اللغوية والفكرية لفرنسا، هذه البلاد التي لم نأخذ منها شيئا، لا تكنلوجيا ولا علوما ولا منهجا، بل أخذنا منها لغة تحتضر، ونحن نكافح، أكثر من الفرنسيين أنفسهم، حتى نمنع لغتهم من الموت، ونفعل المستحيل لكي ندفع بلغتنا الرسمية نحو الانتحار.. شنقا. مصيبتنا أننا عوض أن نقتدي باليابان أو ألمانيا أو أمريكا، أو حتى سنغافورة والصين، صرنا شعبا كسيحا يمشي على كرسي متحرك اسمه «الفرانكفونية» ونعتقد أن الحضارة هي أن نتحدث الفرنسية.. فقط لا غير. فرنسا عندما خرجت من المغرب، كما قيل لنا، تركت بيننا الكثير من البيض، بيوض التماسيح، التي فقست وتوالدت وتكاثرت، وصار كل من يريد أن يحكم أو يريد مكانا تحت الشمس، لا بد أن يمر عبر فرنسا ويقسم على الولاء لها لغة وفكرا وسياسة. إنها حالة غريبة ونادرة، لأنه في العالم كله لا بد أن يتحدث المسؤولون لغة بلادهم الرسمية، من اليابان وروسيا حتى البرازيل والأرجنتين، بينما نحن لا بد أن نتقن الفرنسية حتى تتعبد الطريق أمامنا نحو مراكز المسؤولية. العنصرية الفرانكفونية بدأت منذ زمن طويل، منذ أن تم إجبار مواطني المناطق التي خضعت للاستعمار الإسباني في المغرب، على تعلم الفرنسية حتى يستطيعوا الاندماج في دواليب الدولة المغربية، ومن رفض ذلك، أو لم يستطع، يتم تهميشه في شكل غريب من أشكال «الأبارتهايد» اللغوي. هذه العنصرية مستمرة حتى اليوم، حين يخرج فرد من الطابور الفرنسي الخامس، مثل المسمى نور الدين عيوش، ليدعو إلى اعتماد الدارجة في المدارس، والحفاظ على اللغة الفرنسية نقية خالصة، من المهد إلى اللحد. الفرانكفونية ليست لغة، إنها عنصرية مريضة، بل إنها مصيبة. كيف تغلغل المد الفرانكوفوني في المدرسة المغربية عندما قال نور الدين عيوش إن الفرنسية «غنيمة حرب» يجب الحفاظ عليها أحمد امشكح لم يتردد الأمير مولاي الحسن، وهو لا يزال وقتها وليا للعهد، في التدخل لدى والده محمد الخامس لكي لا تؤول حقيبة التربية والتعليم في حكومة عبد الله ابراهيم لخصمه السياسي وأستاذه في الرياضيات الزعيم المهدي بن بركة. لقد فهم الأمير، قبل أن يصبح ملكا، أن لهذه الحقيبة قيمتها وأهميتها في بناء الأجيال، لذلك أرادها أن تكون خارج سلطة حزب الاستقلال وسلطة قادته. ومن يومها ظلت هذه الحقيبة تتأرجح بين هذا التيار وذاك، دون أن تفرط في امتداداتها المرتبطة بما خلفه المستعمر الفرنسي من أثر ثقافي وتعليمي لا يزال حاضرا إلى اليوم في الكثير من مجالات الحياة. لقد تركت فرنسا، وهي توقع وثيقة الاستقلال، خلفها ثقافتها ولغتها. كما تركت طرق التدريس التي اعتمدتها منذ 1912 في عدد من مناطق المغرب، والتي لم تكن تنافسها غير بضعة مراكز للتعليم التقليدي والديني التي حافظت على بعض الروابط التي جعلت منها مدارس مغربية بامتياز. لذلك فحينما وجد الوطنيون أنفسهم أمام الأمر الواقع في تدبير الشأن المغربي، راهنوا على تعليم يجب أن يكون مستقلا، ويستمد روحه من مقومات المغرب ومرجعياته الثقافية والدينية. وهكذا سجلت السنة الأولى من الاستقلال إنشاء اللجنة العليا لإصلاح التعليم. وفي هذه اللجنة تقرر أن يتم تعريب التعليم الابتدائي، وتوحيد البرامج التعليمية بمختلف مناطق البلاد. مع تحديد سلك أول ابتدائي يتوزع على خمس سنوات، وسلك ثانوي من ست سنوات. غير أن هذه التجربة لم تعمر غير سنة واحدة حيث ستحمل لنا سنة 1958 إنشاء اللجنة الملكية لإصلاح التعليم، والتي اطلقت أولى «مبادراتها» بإلغاء ما حملته اللجنة العليا لإصلاح التعليم، والتراجع عن كل قراراتها. وبنفس السرعة والارتجال أيضا، ستحمل السنة الموالية وهي 1959 قرارا جديدا يعني القطاع وهو إنشاء لجنة التربية والثقافة، والتي سيتقرر بموجبها وضع التعليم الخاص تحت وصاية وزارة التربية الوطنية. أما في السنة الموالية وهي 1960، فقد أحدث معهد الدراسات والبحوث حول التعريب، في أفق تعريب المواد العلمية في السلك الابتدائي. وهو ما حدث في السنة نفسها. وقد اعتبرت هذه الخطوة بداية الانعتاق من هيمنة اللغة والثقافة الفرنسيين. لم ينعقد أول اجتماع للمجلس الأعلى للتعليم إلا في 1961، لكنه فشل في القيام بدوره التربوي الذي انتظرته منه الأسر والمربون، لأن الحصيلة هي أن القطاع سيعود للارتباك حينما سيتقرر مرة أخرى إلغاء تعريب المواد العلمية من سلك التعليم الابتدائي. وابتداء من سنة 1963، ستختار الدولة المغربية أن تسن سياسة إلزامية التعليم للفئة العمرية ما بين سن السابعة والثالثة عشر بموجب ظهير شريف. لكن هذه الإلزامية ستشكل مجرد محطة عابرة لأن السنة الموالية، وهي 1964 هي التي ستعرف تحولا عميقا في مسار المدرسة المغربية حينما تقرر تنظيم مناظرة وطنية حول التعليم بالمعمورة. ومن أهم خلاصات هذه المناظرة الأولى في القطاع، الإقرار بأن لغة التعليم في جميع المراحل هي اللغة العربية. ولا يشرع في تعليم اللغات الأجنبية إلا ابتداء من التعليم الثانوي. وابتداء من سنة 1965 إلى 1957، وهي سنوات ما عرف بالمخطط الثلاثي، ستعرف المدرسة المغربية تراجعا خطيرا مس المبادئ الأساسية التي بنيت عليها في عهد الاستقلال وهي التعريب والتوحيد والمغربة، بمبرر أن ميزانية التعليم في حاجة للتقليص بسبب ارتفاع فاتورتها. هذا بالإضافة إلى العودة مجددا إلى الازدواجية في التعليم الابتدائي بين اللغة العربية والفرنسية. لكن سنة 1967، ستعرف التوقف النهائي لتعريب مواد العلوم والرياضيات في سلك التعليم الابتدائي، مع الإنهاء مع تجربة مغربة الأطر. ستشكل بعد ذلك سنة 1970 منعطفا حاسما في مسار المدرسة المغربية حينما تم إحداث المجلس الأعلى للتعليم، مع ما رافق ذلك من قرارات يعتبرها الكثير من المتتبعين البداية الحقيقية لإشكالية التعليم في المغرب، ومنها قرار تعريب مواد الفلسفة والتاريخ والجغرافية. وفي هذه السنة نفسها، ستعود الدولة لتجرب عقد مناظرة ثانية حول التعليم انعقدت بإفران. لكنها لم تسفر عن أية نتائج عملية يمكن اعتمادها للمستقبل. ثلاث سنوات بعد ذلك، سيقرر المخطط الخماسي المبادئ نفسها من خلال سياسة التعميم، وتكوين الأطر المغربية. لكن قبل أن يضع هذا المخطط نقطة نهايته في 1977، سيعترف وزير القطاع، وهو وقتها عز الدين العراقي، الذي كان يمثل حزب الاستقلال في الحكومة، أن الازدواجية هي سبب تدني مستوى التعليم في البلاد. لذلك لابد من المحافظة على مبادئ التعميم والتعريب والمغربة. غير أن سياسة التعريب ستصبح ابتداء من سنة 1980 إلزامية في المواد العلمية بالسلك الابتدائي، على الرغم من أن مناظرة إفران الثانية انتهت إلى وضع مشروع لإصلاح التعليم ككل. أما حينما تم العمل بالميثاق الوطني للتربية والتكوين، فقد عادت للغة العربية قيمتها حيث نصت المادة 110 منه إلى بيان وسائل دعم اللغة العربية من خلال عنوان بارز أطلق عليه «تعزيز تعلم اللغة العربية وتحسينه». وفي ذلك تقول المادة 111 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين إنه «يتم تجديد تعليم اللغة العربية وتقويته. مع جعله إلزاميا لكل الأطفال المغاربة في كل المؤسسات التربوية العاملة بالمغرب». وهو بهذا يضع حدا لكل محاولات التأويل التي ظلت تدعو إلى إعمال لغة أخرى غير العربية في التدريس. غير أن الواقع يقول إن مشاريع الإصلاح اللغوي تعطلت في مجملها. ومنها إصلاح اللغة العربية. أما أسباب ذلك، فيمكن إجمالها، بحسب العارفين، في غياب مؤسسات ضاغطة من أحزاب ومجالس علمية، ونقابات وجمعيات المجتمع المدني، مع استثناءات قليلة، كما هو حال الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية. بخلاف الأمازيغية مثلا، والتي واكبت ملفها المطلبي، وعضدته العشرات من الجمعيات الثقافية والحقوقية. بالإضافة إلى اشتداد نفوذ التيار الفرانكفوني المسلح بقوة المال والإعلام في محاربة كل الخطوات التي من شأنها أن تهدد مصالحه الاقتصادية. بالإضافة إلى ارتفاع عدد التلاميذ الملتحقين بمدارس البعثات الفرنسية، وانتشار المدارس الخصوصية التي دفعتها التنافسية إلى الاهتمام باللغة الفرنسية على حساب اللغة العربية، إذ يلجأ الكثير منها إلى تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، أو دراسة المادة نفسها باللغتين معا، لإغراء أولياء الأمور، تحت حجة تمكين التلاميذ من الولوج السلس إلى التعليم الجامعي. لقد نجح التيار الفرانكوفوني في الحفاظ على مكونات الثقافة الفرنسية سواء في المدرسة المغربية أو خارجها. واليوم حيث يشتغل المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي حول ما تنتظره المدرسة المغربية من خطوات للإصلاح، عاد النقاش ليطرح حول أية لغة يمكن أن تدرس بها المواد العلمية بين الفرنسية والإنجليزية. وهي المعركة التي دخل على خطها عدد من وزراء الحكومة الذين يسير بعضهم في اتجاه أن نعطي للإنجليزية حظها باعتبارها لغة العلم والتكنولوجيا، وبين المحافظة على اللغة الفرنسية باعتبارها ذات امتداد وحضور في المجتمع والاقتصاد والثقافة. حيث نجح مناصرو الفرنسية في فوضى تصورهم, ليذكروا بأن للأمر أبعادا سياسية مرتبطة بعلاقة المصالحة المغربية الفرنسية. وهي الأبعاد التي أرخت بظلالها على نقاشات المجلس، مما جعل الرئيس عزيمان يدعو إلى إعادة النظر فيها. كما أن الإبقاء على الفرنسية لغة أولى في المناهج التعليمية، يعود إلى كونها تحتل مكانة متقدمة في المنظومة التعليمية المغربية. وهي نفسها اللغة المعتمدة ضمن أكثر من بلد إفريقي، وبعموم الدول الفرانكفونية التي اختار المغرب الانفتاح عليها بشكل أكبر ضمن مساعيه الاستراتيجية سياسيا واقتصاديا. لذلك كان نور الدين عيوش، قد اعتبر في رده على بنكيران، بأن «اللغة الفرنسية ليست لغة المستعمر فقط، بل هي غنيمة حرب». لذلك وجب الحفاظ عليها. لم تفوت الفرانكوفونية في حربها دفاعا عن الفرنسية التي يجب أن تحافظ على مكانتها، الفرصة لتدفع في اتجاه الدعوة للتدريس بالدارجة المغربية. وهي الدعوة التي ظل ولا يزال يدافع عنها نور الدين عيوش صاحب مؤسسة زاكورة، والذي قال إن الدارجة المغربية يمكن أن تنوب عن اللغة العربية في التدريس على الأقل في الصفوف الابتدائية. وهي الدعوة التي لقيت معارضة شديدة كان قد قادها المفكر عبد الله العروي الذي كشف عن استحالة استعمال الدارجة كلغة للتدريس. وإلى اليوم لا تزال إشكالية اللغة واحدة من أعقد الملفات التي عجز المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي عن الحسم فيها، على الرغم من كل الجلسات التي عقدها. وكل المشاورات التي باشرها منذ تم تكوينه. وبدا أن ما عاناه المجلس الأعلى للتعليم، في نسخته السابقة على عهد الراحل مزيان بلفقيه، هو ما يعانيه اليوم على عهد الرئيس الجديد عمر عزيمان. لقد اختلفت مكونات المجلس أولا بشأن اللغة العربية، وحكاية استعمال الدارجة في التدريس بالصفوف الابتدائية، كما دعا لذلك نور الدين عيوش، التي قال إنها أعطت بتجربتها نتائج جيدة. وهو الملف الذي دخل على خطه رئيس الحكومة، الذي لم يتردد في توجيه نقده الشديد لهذا الاختيار. ودعا رفاقه في حزب العدالة والتنمية لمكاتبه المجلس حفاظا على اللغة العربية كلغة رسمية لا يمكن أن نلغيها في التعليم. بعد أن كال للسيد عيوش كل التهم، واعتبره تاجرا يريد تحقيق المكاسب المالية عن طريق التربية والتعليم. هكذا يعى الفرانكفونيون إلى بسط سيطرتهم على الإعلام لهذه الأسباب يتغلغل «الاستعمار الإعلامي» في وسائل الاتصال بالمغرب وفاء لخليلي(صحافية متدربة) هل الإعلام المغربي، فرانكفوني الهوية والوجود؟ سؤال يطرح نفسه بقوة على متتبعي الشأن الإعلامي المغربي، ومرد هذا التساؤل راجع إلى كون الفرانكفونية أصبحت اليوم قوة فكرية ولغوية وثقافية وسياسية واقتصادية، بعد أن تقلص ظلها العسكري الرسمي وبرزت في ثوب جديد، لكن بالأهداف والخلفيات نفسها. ويعود النقاش حول هذا الموضوع في خضم الجدل القائم حول هيمنة الفرانكفونية على الإعلام المغربي، ووجود أذرع إعلامية موالية لفرنسا تخدم أجنداتها وتروج لإديولوجياتها، وتحيط الإعلام المغربي بالوصاية الفرانكفونية، ما جعله خاضعا لها وغير قادر على فرض نفسه كجهاز إعلامي مستقل عن اللوبي الفرانكفوني وينطلق في تجلياته من منطلق الهوية المغربية العربية. فقد فرضت الفرانكفونية لغتها الفرنسية في الإدارة والإعلام والثقافة، وصارت اللغة الفرنسية حاملا لخطاب التواصل ووسيطا لهذا الأخير داخل الإعلام المغربي الذي من المفترض أنه يتوجه لجمهور لغته الوطنية هي الدارجة المغربية، في حين أن لغته الرسمية هي اللغة العربية كما نصت على ذلك دساتير المغرب. حتى ترسخت لدى المغاربة، بفعل تعرضهم الدائم لحملات الدعاية الفرانكفونية ولغتها الفرنسية، فكرة مفادها، أن كل ما هو فرنسي أو يتحدث بفرنسية أو كتب بها، يدل على الرقي والحضارة والمكانة المتميزة، وبذلك تحول هذا الغزو الفرانكفوني ليتغلغل في أدمغة المغاربة وعقولهم. وبالتالي ضمنت الفرانكفونية ولغتها الفرنسية مكانة آمنة لا يمكن زعزعتها أو إزاحتها عنها. فالإعلام المغربي مزدوج اللغة والتوجه، وبالتالي يخلق رأيا عاما مزدوجا ومنقسما، الحظوة فيه لمناصري الفرانكفونية وحداثيتها. ولعل إطلالة على الإعلام المغربي، تجعل المتتبع في حيرة من أمره، أهو أمام إعلام مغربي عربي، أم إعلام فرنسي أم إعلام مزدوج اللغة والهوية. فرغم أن إحصائيات قياس نسبة المشاهدة تعطي الأولوية لنشرات الأخبار والبرامج باللغة العربية، والمسلسلات المدبلجة، إلا أنه مازال للفرانكفونية ولغتها، حظوة في الإعلام المغربي. ذلك أنه وفقا لتقرير سابق صدر عن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري يهم العرض التلفزي العمومي المقدم للأطفال، سجل هيمنة الإنتاج الأجنبي على الوطني بنسبة 91 في المائة مع اقتصار المنتوج الوطني على برامج تنشيط داخل الأستوديو في غياب تام لأي سلسلة أو فيلم للرسوم المتحركة من إنتاج وطني. كما كشف التقرير ذاته الذي هم خمسة أشهر (من فاتح شتنبر 2012 إلى 31 يناير 2013) الحضور الكبير للغة الفرنسية في هذه البرامج الموجهة للأطفال على حساب العربية وأيضا الغياب التام لبرامج بالأمازيغية، حيث تحضر الفرنسية بنسبة 82 في المائة على قناة «ميدي 1 تيفي» وبنسبة 50 في المائة تقريبا على القناة الأولى وبنسبة 39 في المائة على القناة الثانية. كما سجل الغياب التام لأي برامج باللغة الأمازيغية توجه للأطفال على قنوات الأولى والثانية و«ميدي 1 تيفي». وفي سياق متصل، أشارت بعض الدراسات السابقة، إلى أن البرامج الفرنسية تستحوذ على أزيد من 65 في المائة من البرامج التي تقدمها القناة الثانية، فيما يرى المتتبعون أن هذا الوجه كرسته النخبة الفرانكفونية القابضة على زمام الأمور في القناة، ثم إن الميزانية المخصصة للبرامج المفرنسة تتجاوز بكثير ما هو مخصص للإنتاج الوطني. وما يؤكد فرضية هيمنة الفرانكفونية على الإعلام المغربي، حضور رأسمال فرانكفوني قوي في تمويل الإعلام المغربي، يشجع غزو هذه الأخيرة، وهو ما تعززه تلك الأغلفة المالية التي ترصد للإعلام السمعي البصري أو المكتوب الناطق بالفرنسية على حد سواء. مظاهر تغلغل الفرانكفونية في الإعلام المغربي تظهر أيضا من خلال دبلجة المسلسلات الأجنبية بالدارجة المغربية، عوض دبلجتها باللغة العربية الفصحى كما كان الحال عليه في السابق، وهو التوجه الذي يرى المتتبعون أن يد اللوبي الفرانكفوني هي التي طالته، كنوع من دحر اللغة العربية وبالتالي تسهيل مهمة استيلاب المغاربة ثقافيا وفكريا وسياسيا. وإلى جانب الإفراط في استعمال الدارجة المغربية، تحولت صناعة الأفلام والسينما إلى بوق للفرانكفونية، إذ تصور كل من يتحدث بالفرنسية أو يتبع نهجها في نمط عيشه، كفرد «مثالي»، فضلا عن أن الأفلام السينمائية المغربية، تتم ترجمتها إلى اللغة الفرنسية، وكأن هذه الفئة تتابع المنتوج المحلي الوطني. كما أن الأفلام التي يتم اقتناؤها من قنوات غربية، خصوصا تلك الأمريكية يعرضها الإعلام المغربي مدبلجة باللغة الفرنسية عوض لغتها الأمريكية الأصل، كما لو أن المشاهد يخضع لعملية «تحصين» تقيه من التعرض لأشعة اللغة الأمريكية وغيرها من باقي اللغات. ولعل ما يعزز هذا الطرح، نسبة البرامج التي تبث في قنوات الإعلام المغربي، حيث تحظى الفرنسية في القناة الأولى مثلا ب30 في المائة من نسبة البرامج التي تبثها القناة. وهي النسبة التي ترتفع بشكل كبير في القناة الثانية «دوزيم» التي تشهد نسبة «فرنسية» أكبر، حيث تقدر المواد المقدمة فيها بالفرنسية بأكثر من 70 في المائة. فالإعلام المغربي الفرانكفوني، بحسب متتبعين ومهتمين بهذا الشأن، كأنه يحصر المشاهد المغربي والرأي العام الوطني في دائرة مغلقة لا تخرج عن صراط الفرانكفونية ولغتها الفرنسية، اللتين تحشدان جيلا من مناصري الفرانكفونية وسياساتها وإيديولوجياتها على كافة الأصعدة، وصار يغلف كل شيء له خلفيات سياسية واقتصادية بعباءة الثقافة. المهدي المنجرة: اللوبي الفرانكفوني أداة استعمارية تخدم أجندة خارجية تحولت ظاهرة الفرانكفونية إلى خطاب لغوي وسياسي واقتصادي، ينبني على إقصاء اللغة العربية، التي ينص الدستور المغربي على أنها اللغة الرسمية للبلاد، وعملت هذه الظاهرة الغربية في مجملها على تحويل فرضية الإغناء والشراكة اللغوية، إلى أداة تكرس التبعية اللغوية والثقافية إلى مؤسسي التيار الفرانكفوني، الذي من بين ما يهدف إليه إلغاء النهوض باللغة الأم واللغة الوطنية والحفاظ عليها. فأهداف الفرانكفونية المعلنة والمضمرة، فطن إليها المفكر المغربي وعالم المستقبليات الراحل المهدي المنجرة، ومنها انبنت معارضته لها والهجوم الشرس الذي شنه عليها في مختلف مراحل حياته الفكرية والعلمية، وعليه تأسست قناعاته المناهضة لها ولطغيانها وتشعبها في الكيان المغربي بمختلف تجلياته في مناحي الحياة، ومنه دافع عن اللغة العربية واللغة الأم باعتبارها شفرة الهوية العربية ورمزا للاستقلالية التامة عن الغرب الفرانكفوني، حتى أنه ذهب بعيدا في مناهضته لها من خلال وصفها «بأداة استعمارية» خلفها الاستعمار وراءه لتخدم أجنداته رغم رحيله العسكري. فالمهدي المنجرة نظر للفرانكفونية باعتبار أنها قد انتقلت مما هو ثقافي إلى ما هو سياسي، وشرح هذا التحول بأن هدفها تحول من مجرد لغة للأدب والشعر وكل ما يدخل في إطار الثقافة والحضارة إلى ما هو سياسي يهدف المحافظة على مستعمرات فرنسا السابقة بصفة مباشرة أو غير مباشرة، ومضى في شرحه لهذا التحول السياسي بوصف الفرانكفونية امتدادا لاستعمار فرنسا وتجدر هذا الأخير بمستعمراتها السابقة لتترامى على الهوية واللغات الوطنية. كل ذلك اعتبره المنجرة يهدف إلى ترويج نموذج صريح واحد لتنمية التخلف في هذه المستعمرات، ذلك أنه حين تكرس الفرانكفونية ثقافة التخلف والضعف والفقر على مختلف الأصعدة، ستأتي فرنسا، لتقدم إعانات أو «صدقات» ملفوفة تحت غطاء المساعدة التي تكرس التبعية الثقافية والفكرية والهوياتية للفرانكفونية ورعاتها. فعالم المستقبليات كان صريحا وشفافا حول علاقته بكل من الفرانكفونية ولغتها الفرنسية، حيث قال «أنا لست ضد الفرنسية، ولكن عندما تصبح اللغة تباع وتشترى، وعندما تصبح مؤتمرات الفرانكفونية وصية على عمليات من هذا النوع، فالأمر يستدعي وقفة تأمل، فاللغة الفرنسية الحقيقية لا تحتاج إلى مثل هذه المؤتمرات، فهؤلاء يقزمون قيمة الفرنسية، وهجومي على الفرنكفونية هو دفاع عن الفرنسية الحقيقية والأصيلة التي تعاملت بها أجيال وليس الفرانكفونية التي تهدف إلى البيع والشراء والضغط على الشعوب لمحاربة شيء آخر وليس للدفاع عن الخلق والإبداع». فالفرنسية هي لغة الشعر والأدب، أما الفرانكفونية فهي أداة سياسية لها أجندات تخدمها وتخدم مصالح الدول التي تسهر على بثها من خلال اللوبي الفرانكفوني الذي يتواجد بدول استعمرتها فرنسا سابقا، إذ أنها كلما تطورت عبر التاريخ إلا وعملت على تقسيم إفريقيا، عبر التسبب في تعطيل خلق مجموعات اقتصادية متجانسة في القارة السمراء، كما ساهمت في الترويج لنموذج تنمية التخلف فيها وزرع بذورها بها. فرغم أن الاستعمار قد طرد، إلا أنه خلف وراءه أفرادا يخدمون غاياته المتمثلة في فرض الاحتلال وقوانينه وقيمه وهيمنته الاقتصادية والثقافية والسياسية، باعتبار أن الفرانكفونية تحولت وصارت قضية سياسية، تستعمل اللغة الفرنسية كأداة تسخرها لخدمة مصالحها، لكونها تعد في واقع الحال وسيلة لمحاربة اللغات الوطنية واللغات الأم، بوصفها أداة سياسية تكتسي طابعا استعماريا قال عنه المنجرة إنه لا يقبل واقع تطور الأشياء ويريد التعلق بشيء نبيل مثل اللغة الفرنسية من أجل استعمالها كوسيلة للتفاوض من أجل إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه، ومنع التغيير في بعض البلدان، بل أكثر من ذلك، استعمالها كوسيلة لمحاربة اللغات الوطنية واللغات الأم. فاللوبي الفرانكفوني يهدف من خلال اقتحامه مستعمرات فرنسا وتراميه عليها، أولا وأخيرا إلى إشاعة التخلف في هذه البلدان لتظل تحت سيطرة اللوبي الفرنسي بما يتماشى مع سياساتها الاستعمارية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، خصوصا وأن الفرانكفونية صارت تحاول خلق أزمة بين الشعوب ومجتمعاتها، خصوصا وأنها تغلغلت حتى في الإعلام الذي من المتعارف كونيا أنه يشكل الرأي العام ويخلقه، إلى جانب المدرسة التي تسم المراحل الأولى لتشكل جمهور الناشئة، وهذان العنصران يعتبرهما العديد من المنظرين من أهم أدوات نشر الإديولوجيا والترويج لها، على اعتبار أن كلاهما يسبح في فلك الجهات التي تسهر عليهما. فمن داخل مؤسسات التعليم ووسائل الإعلام المرئي، حافظت اللغة الفرنسية على تواجدها القوي، داخل مستعمرات فرنسا السابقة، لأن ما يهم فرنسا أكثر هو تشكيل النخب السياسية والثقافية على مقاسها ثقافيا ولغويا، باعتبار أن هذه النخب هي امتداد لمصالح فرنسا في مستعمراتها السابقة. وهي النظرة التي لخصها الفكر الماركسي الذي نظر لوسائل الإعلام باعتبارها سلاحا إيديولوجيا قويا للسيطرة على الجماهير وجعلهم يخضعون خضوعا إراديا طوعيا للنظام الرأسمالي، ويسيرون وفق مقتضياته وتصوراته عن الواقع الاجتماعي. فالطبقة التي تملك وسائل الإنتاج المادي وتتحكم فيها، تتحكم في الوقت ذاته في وسائل الإنتاج العقلي، وبالتالي تكون الأفكار التي تقدمها انعكاسا لرؤيتها وتصب في خدمة مصالحها. ورأسمال اللوبي الفرانكفوني حاضر وبقوة في المشهد الإعلامي والتعليمي المغربي، من خلال تمويله للقنوات التلفزية المغربية، وتأسيسه لمدارس البعثات الثقافية الفرنسية ومعاهدها، التي تروج لفكرة أساس تتمثل في كون الفرانكفونية ولغتها الفرنسية هما سبيل الحداثة والتقدم التكنولوجي والعلمي والاقتصادي. وقد وعى اللوبي الفرانكفوني المتواجد بالمغرب أهمية اللغة باعتبارها سدا منيعا أمام أي استعمار كيفما كان، لذلك عمل جاهدا على اختراق هذا السد المنيع بطريقة ناعمة وسلسة عبر محاولته فرض العامية المغربية على القنوات التلفزية التي تمول من رؤوس أمواله، كما حاول فرضها كلغة للتعليم والتدريس، كنوع من الاستعمار الثقافي الذي سيسهل الأنواع الأخرى من الاستعمار وسيجعل المهمة ممكنة. وبهذا الصدد قال عالم المستقبليات الذي رفض طرح استخدام الدارجة في الإعلام والتعليم إن «التفسير الوحيد للاستعمال الرسمي المكثف للدارجة في وسائل الإعلام وغيرها من المناسبات الرسمية هو أننا أمام حركة استعمارية ثقافية. فالاستعمار يغزونا بشكل متواصل، فعندما نرى محطة تلفزية مغربية تذيع أخبارا بالدارجة فإن ذلك يدل على أن هذه المحطات هي محطات استعمارية مازالت فيها رؤوس الأموال الفرنسية التي تحتكر النسبة الكبرى، فهؤلاء وغيرهم يقومون بحملة ضد اللغة، إنها عملية مقصودة تدخل في إطار حملة مغرضة للقضاء على العربية». فانتشار اللوبي الفرانكفوني وحضوره في الحياة اليومية للمغاربة، عبر أجهزته من معاهد ثقافية فرنسية ورؤوس الأموال المستخدمة في تمويل البعثات العلمية والتعليمية ورؤوس الأموال التي تمول بعض قنوات الإعلام المغربي تدل جميعها على مدى سيطرة اللوبي الفرنكفوني وحظوته ومدى هيمنته واستعماره غير المباشر للمغرب الذي كان قد تخطى عتبة الاستعمار العسكري ليجد نفسه في خضم نوع آخر من الاستعمار لا يكشف عن نفسه علانية، وإنما يختبئ وراء أقنعة التمويل والثقافة والفكر والاقتصاد واتفاقيات التبادل على كافة الأصعدة. ولطرد هذا الاستعمار الفرانكفوني اقترح المنجرة كحل بديل، الدفاع عن اللغة العربية والتشبث بها باعتبار أننا نستمد منها ثقافتنا وجذورنا وهويتنا، واعتبر أن عملية التعريب واستعمال اللغة العربية في تعلم العلوم من كيمياء وبيولوجيا أمر ممكن تحقيقه وبلوغه، مستشهدا في ذلك بالتجارب التي برهنت على مدى نجاعة الاعتماد على اللغة الوطنية واللغة الأم في تعليم العلوم. وقدم للاستدلال على هذه النقطة نماذج من كوريا وتايوان واليابان، خصوصا ما حققه اليابانيون الذين اعتبر أنه من بين ما انبنى عليه نجاحهم، اهتمامهم بلغتهم الأم، لدرجة أنهم كانوا يترجمون كل شيء إلى اليابانية، معتبرا في ذلك أن النجاح الحقيقي في العلم والتكنولوجيا والاقتصاد وحتى تسيير الدولة لن يتم إلا انطلاقا من الوسائل الخاصة، والاعتماد على النفس وعلى اللغة والقيم وكل ما يستند إلى الرصيد الحضاري والذاكرة لبلد معين. اللوبي الاقتصادي.. أخطبوط يستنزف ثروات المغرب لملء خزائن فرنسا عموده الفقري الصفقات الكبرى للتدبير المفوض والنقل والبنوك والبورصة عبد الرحيم ندير بقدر ما حاول لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي، خلال زيارته الأخيرة للمغرب، التأكيد على أن مصالح المغرب وفرنسا تقتضي نسيان الخلافات وتجاوزها معتبرا أن الأمر طبيعي ويجب تجاوزه على اعتبار أنه يقع حتى في الحياة الخاصة للأفراد، بقدر ما كان يحاول المداراة على الطبيعة الحقيقية لهذه الزيارة، والتي جاءت بالأساس لأجل استرجاع الموقع الاقتصادي لفرنسا في المغرب، ووقف الزحف الأحادي لهذا الأخير في إفريقيا. زيارة فابيوس كشفت من جديد أن ثوابت السياسة الفرنسية لا تتحول في علاقتها مع المغرب، فلا يؤثر في العلاقات الفرنسية المغربية التداول بين الرؤساء اليمينيين واليساريين الاشتراكيين، ولم يعد اليسار الفرنسي «جزائريا» واليمين الفرنسي «مغربيا» بالضرورة. غير أن الدفاع المستميث لفرنسا عن وجودها الاقتصادي في المغرب، ظل يعبر عن استمرار العقلية «الاستعمارية» في تدبير العلاقات الثانية مع هذا البلد، الذي ظلت الحكومات الفرنسية المتعاقبة ترى فيه فقط البقرة الحلوب التي تضخ الثروات والأرباح في خزائن الشركات الأم في فرنسا. ورغم وجود 80 ألف فرنسي في المغرب ووجود حوالي 750 شركة فرنسية تعمل في المغرب، وتوظفيها ما بين 80 إلى 100 ألف شخص، واستثمار فرنسا لحوالي ستة مليارات يورو في الشركات المغربية خلال السنوات العشر الأخيرة، ووصول المبادلات التجارية بين البلدين إلى 8 مليارات يورو، فإن فرنسا ظلت دائما قلقة على علاقاتها الاقتصادية مع المغرب. فقد تجاوزت إسبانيا لأول مرة فرنسا، كشريك تجاري للمغرب سنة 2012، وذلك رغم حالة التوتر التي تتخلل العلاقات المغربية الإسبانية بين الفينة والأخرى. هذا القلق الاقتصادي والتجاري الفرنسي يعبر عن بعد اقتصادي واستراتيجي يجعل من السوق المغربية موضوع تنافس دولي بين الفرنسيين وغيرهم. ويجمع المراقبون على أن الفرنسيين لا يتركون الفرصة تضيع في أي تقارب جديد مع المغرب، وبالتالي، فوزير الخارجية الفرنسي لم يكن ليخرج خالي الوفاض من زيارته الأخيرة إلى المغرب، خاصة أن عددا من الشركات الفرنسية الكبرى لوحت أخيرا بأنها ستستفيد من فرص استثمارية جديدة بالمملكة، خاصة شركة «ألستوم»، التي من المنتظر أن تحظى بمشاريع لإنجاز «الترامواي» في كل من فاس ومكناس ومراكش والناظور. وتظل سياسة الصفقات الكبرى وتمركز الرأسمال العمود الفقري للوجود الاقتصادي الفرنسي بالمغرب، فالتدبير المفوض لقطاع توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل مكن 4 شركات مفوض إليها من السيطرة على القطاع، حيث تغطي هذه الشركات المفوض إليها (ليديك وريضال وأمانديس-طنجة وأمانديس تطوان) 46 جماعة، وأنجزت استثمارات إجمالية ب 32.32 مليار درهم ورقم معاملات في حدود 10.82 مليار درهم في 2013. وبسبب الضغوط التي يمارسها اللوبي الفرنسي، ظلت هذه الشركات تهرب أرباحها خارج المغرب، ولم تنجز الاستثمارات المتعاقد بشأنها، كما أنها قامت، في بعض الأحيان، باستخدام «صندوق الأشغال»، الذي يعد رافعة أساسية للاستثمار، في أغراض لا تتطابق والأهداف التي أنشئ من أجلها هذا الصندوق. بالإضافة إلى أن عقود التوزيع التي تربط الجماعات بالشركات المفوض اليها، والتي من المفروض تعديلها كل 5 سنوات، لا تخضع للمراجعة إلا بعد مضي أكثر من 10 سنوات، بل إن التفاوض بشأنها ينتهي أحيانا دون نتيجة مما يترتب عنه اختلال التوازن المالي والاقتصادي لهذه العقود. وتمثل الصفقات الكبرى لقطاع النقل السككي أحد أوجه الحضور القوي للوبي الفرنسي في المغرب، حيث سمح الاتفاق الموقع عام 2007 لشركات فرنسية بينها شركة «ألستوم» بتصميم وبناء وتشغيل وصيانة خط السكك الحديدية للقطارات فائقة السرعة «تي جي في»، كما تسعى «ألستوم»، كذلك، للظفر بصفقات إنجاز خطوط جديدة للترامواي في أربع مدن، هي مراكشوفاس ومكناس والناظور، بعد أن أنجزت سابقا ترامواي الرباطوالدارالبيضاء. وتهيمن الشركات الفرنسية على 77.8 في المائة من الاستثمارات في بورصة الدارالبيضاء، وهي تمثل تقريبا 22.5 في المائة في رسلمة البورصة. ويتخذ هذا الاستثمار الفرنسي، في أغلب الأحيان، شكل أخذ مساهمات استراتيجية، تمثل 90.4 في المائة. ورغم التراجع النسبي لهيمنة البنوك الفرنسية بالمغرب منذ الأزمة المالية لسنة 2008، فإن طموح اللوبي الفرنسي وصل حد الطمع في الاستحواذ على كعكة البنوك الإسلامية التي سترى النور قريبا في المغرب. ووصل الصراع بين الفرنسيين والخليجيين في هذا الشأن إلى حد اتهام الأمين العام لاتحاد الغرف الخليجية، عبدالرحيم نقي، ما وصفه ب»تكتل أوربي» بالعمل على الحد من دخول الاستثمارات الخليجية إلى المغرب، في «محاولة يائسة للاستحواذ على أسواقه وإبعاد الخليجيين عن مشاركتهم كعكة الاستثمار السلس» على حد تعبيره. وقد أشار عبد الرحيم نقي صراحة إلى وجود جهود فرنسية للاستحواذ على كعكة الاستثمارات المغربية التي تتعلق بموضوع البنوك الإسلامية، إذ تخشى باريس بحسب قوله من تحويل المغاربة في فرنسا أموالهم إلى المغرب بشكل يضر بقطاعها المالي. حمادي كيروم: اللغات عين على العالم والمدافعون عن الدارجة يسعون إلى تعييب العربية لصالح الفرنسية حاوره: المساء – .هل يمكن الحديث عن لوبي فرانكفوني لديه تنسيق واستراتيجية موحدة في الإعلام والسينما، أم أنه فقط ثمة ناس درسوا وافتنوا بالنموذج الفرنسي لنصبح بصدد تجارب فردية لا غير؟ في البداية ينبغي أن نتفق على معنى الفرانكفونية، باعتبارها مؤسسة لديها تنظيم ونسق من العلاقات الدولية المبنية على مجموعة من المصالح هدفها أولا هو إنعاش اللغة الفرنسية، باعتبارها الخيط الرفيع الناظم بين أذرع هذه المؤسسة والذي تكون وراءه فرنسا الأم، وأعني هنا فرنسا الإمبراطورية، وهذه نقطة أساسية في سبيل تحديد معنى الفرانكفونية. هذا التصور الذي ذكرنا سالفا، لديه توجهان، أولهما التوجه الكولونيالي المعروف الذي ما زال يحلم بالاحتفاظ بمصالحه الأولى مع الإمبراطورية الفرنسية، التي غيرت فقط أدوات هيمنتها العسكرية وجعلتها أدوات أخرى مصلحية مبنية على إيديولوجية واستراتيجية معينتين. – ما هي تجليات الاستراتيجية الجديدة التي بنت عليها فرنسا الإمبراطورية نزعتها الهيمنية في المغرب؟ الاستراتيجية التي ترتكز عليها الفرانكفونية على المستوى الظاهر هي استراتيجية حضارية وحديثة، مبنية على دعم اللغة الفرنسية والانفتاح على الثقافات واللغات المحلية، وهذه نقطة مهمة جدا بالنسبة لنا نحن في مقاربة الموضوع، أضف إلى ذلك عناصر أخرى من قبيل دعم حقوق الإنسان وتقارب الشعوب وإنعاش التربية والتكوين، وهذه كلها عناصر إيجابية تظهر الوجه الجميل المبني على استراتيجية واضحة. – هذا هو الوجه الجميل الذي تختفي وراءه الفرانكفونية، ماذا عن الشق الآخر القبيح؟ لا يمكن الحديث عن وجه قبيح إلا إذا كانت لدينا أبحاث دقيقة تجريها مؤسسات وتتيح لنا نتائج واضحة.. نحن الآن بصدد مجرد تخمينات، نحدد عناصرها الأولى في قطاع الشغل في المغرب، حيث أن الوظائف الأساسية والمهمة لا يلجها إلا أصحاب اللغة الفرنسية، أما النقطة الثانية فهي أننا شاهدنا في السنوات الأخيرة في إطار الحكومة والهيئات العليا حركة نحو ما يسمى ب»الأنجلوساكسونية»ومحاولة استعادة مجموعة من الأطر التي تعيش في أمريكا أو الدول الناطقة بالإنجليزية، فاستبشرنا خيرا بانبثاق عقلية أخرى مختلفة، لكن تم النكوص بسرعة عن هذا التوجه واختفت بوادر هذا التغيير الذي اعتبرناه محمودا. وهذه الوضعية التي اختفت يؤكدها الانفتاح الأخير على اللغة الإنجليزية في إطار التعليمين العالي والثانوي، ونحن كآباء استبشرنا خيرا لأن أبناءنا ينفتحون على اللغة الإنجليزية التي هي اللغة الدولية الآن، لأن عدد الناطقين باللغة الفرنسية لا يتعدى 300 مليون، أما بقية شعوب العالم فتتكلم اللغة الإنجليزية، وصدفة تم ضرب حصار على هذا الانفتاح وحدث هذا النكوص. ولنعود الآن إلى السؤال الأساس، هل هناك فعلا لوبي فرانكفوني أم هناك فقط مصالح ثنائية بين فرنسا والمغرب، خضعت أخيرا إلى هزات سياسية صعبة جدا، نحاول الآن تداركها بالابتعاد من جديد عن الانفتاح على اللغة الإنجليزية والعودة إلى اللغة الفرنسية، ونسجل هنا أن المغرب كان دائما وبشكل عام يتباهى بأن أطره خريجة مدارس «البوليتيكنيك» (Polytechnique)، فأغلب الوزراء والمستشارين الملكيين هم قادمون من هذه المدارس. وهذا يجرنا إلى الحديث عن ظاهرة مزيان بلفقيه التي حولت المهندسين إلى عمال وولاة لمحاربة ما يسمى بالإيديولوجيا السياسية، لأن المغرب كان يسير آنذاك في إطار تسييس الدولة، أي الدولة تحكمها أحزاب تصل إلى الحكم بشكل ديمقراطي، وتقوم بتدبير شؤون البلاد على هذا الأساس. لكن صدفة مع مجيء بلفقيه أصبحنا أمام ظاهرة «التقنوقراطيين» الذين هم عبارة عن مهندسين فرانكفونيين، وهكذا نجد شبكة تسعى إلى المحافظة على مجموعة من المصالح المتداولة. وهناك نقطة أخرى لابد من إثارتها في هذا الصدد، تتعلق بالحياة الخاصة للطبقة البورجوازية في المغرب، أو ما يسمى بالحياة المخملية، وهي تدخل نسبيا في ما يسمى ب»les sects» (الطوائف) المنغلقة على نفسها، والتي لا تدخلها إلا إذا كنت تؤمن بالحضارة الفرنسية وأسلوب العيش الفرنسي وكل ما يمكن أن نطلق عليه «الفونطازم الفرنسي»، وكأننا هنا بصدد الحديث عن نوع من «الزوايا». وبرزت قضية أخرى، في الآونة الأخيرة، أعتبرها صعبة وخطيرة، هي بروز الدارجة وتجلياتها في لوحات الإشهار بالمغرب، وهنا أتساءل عن شخص «دارج» لا يعرف القراءة كيف يمكن أن يقرأ تلك الحروف التي كتب بها الإشهار؟ وهنا نجد أنفسنا أمام عملية «تعييب» اللغة العربية وقتلها، في مقابل فرض الدارجة. وهذا «الإنزال» ضد اللغة العربية ليس طمعا في الدارجة بحد ذاتها، بل الغرض منه تقوية للغة الفرنسية وإضعاف العربية. وهذا الاتجاه/المناورة نحو تمجيد الدارجة وتقريبها من المواطن من خلال القول بأنها اللغة الأم ليس من أجل عيون اللهجة المغربية، ولكن حبا في اللغة الفرنسية وحماية لها، ومن أجل ضرب اللغة العربية.. وهنا يجب التساؤل حول أهداف هذا الضرب هل هي بخلفية إيديولوجية دينية؟ وهذه قضايا لا يمكن الحسم فيها لأننا نحتاج إلى أبحاث ودراسات… – هل يمكن الحديث عن أجندة معينة ينفذها اللوبي الفرانكفوني من بوابة الإعلام والسينما؟ المد الفرانكفوني في الإعلام يبدأ أولا من مخاطبة المجلات والجرائد باللغة الفرنسية للطبقة الحاكمة، لأن هذه الطبقة لا تقرأ ولا تتواصل مع العالم إلا باللغة الفرنسية، النقطة الثانية تتعلق بمن أسميهم «جاليتنا في الداخل».. فهذه الجالية جعلت اللغة العربية والناطقين بها يشعرون بالخجل ونوعا من الخيبة، لأنك تجد نفسك مواطنا من الدرجة الثالثة أو الرابعة، إعلاميا، لأن الإعلام لا يتكلم ولا يتواصل إلا باللغة الفرنسية، وهناك نقطة أخرى تتعلق بالتواصل مع المواطن من خلال الإشهار وغيره من الوسائط، في وسائل الإعلام، والذي يعتمد اللغة الفرنسية بالأساس. وهذه «تكتيكات» يتم اعتمادها من أجل توهيم الناس ب»الدولية»، بمعنى أن الفرنسية تجعلك «دوليا»، أي تتواصل بشكل جيد مع العالم الخارجي. أما النقطة الأخيرة المرتبطة بالسينما فيمكن تقسيمها إلى شقين، إيجابي وسلبي. الجانب الأول هو أن متخيل أغلب المخرجين عندنا، وأتحدث هنا عن المخرجين المؤسسين، مبني على السينما الكولونيالية، فالجنرال ليوطي عندما أتى إلى المغرب جلب معه الدبابات والكاميرا أيضا، فالجيل الأول من السينمائيين لما شاهد تلك الأفلام أبدع من خلالها، ودون أن يحس تبنى البنية العقلية للفرنسي، وشرع ينظر إلى المغرب بشكل غرائبي وعجائبي وقدمه وفق هذا الانطباع، وهكذا أصبحت بعض المؤسسات تمول هذا النوع الغرائبي لأنه يباع ويشترى، وأصبحنا نجد شركات فرنسية مثلا تشارك في توزيع إنتاجات هؤلاء السينمائيين. لكن الآن هناك وعي عند المخرجين الشباب بهذه العملية، من خلال ما يسمى ب»سينما المخرج المؤلف»، إذ لم تعد الفكرة للشركة أو المؤسسة وإنما للمخرج المؤلف، وهو بهذا يتبنى فكرته وليس فكرة المنتج الأوربي أو الغربي... لكن رغم ذلك تبقى «الغرائبية» موجودة في الكثير من الأفلام التي تنتج أخبرا. العديد من المناهضين للوبي الفرانكفوني يردون ما يقوم به إلى سعيه لاستهداف الهوية المغربية؟ أعجبني كتاب مهم لعبد الله حمودي الذي قال إن الاستعمار عندما احتل المغرب كان أول أهدافه هو ضرب القيم والتقاليد والعادات، باعتبارها من آثار التخلف، ومن هنا أصبح «الإنسان العصري» بيننا هو الذي يبتعد عن أعرافه وعاداته وتقاليده.... فمثلا عندما أقارن بين اليابان والمغرب، أجد أن الياباني لا يشرب الشاي حتى يجلس على الأرض ويلبس اللباس الخاص به، فيما تجد المغربي يتوفر على «صالون» أوربي وآخر مغربي، وهذه الازدواجية نعيشها الآن وهي قدرنا. ويبقى السؤال هو: كيف نحاربها؟ ليكون الجواب بأن نعود للنواة الأصلية للذات المغربية، أو ما نسميه نحن ب»تامغربيت» وتصبح هنا اللغة الفرنسية أو الإنجليزية، فقط، عينا لرؤية العالم والانفتاح على الآخر، لكن اللغة الأصيلة (لغة الحليب واللغة الأم) هي اللغة العربية التي بها أصلي وأغني وأمارس الجنس، فأغلب المغاربة يمارسون الجنس بالفرنسية، لأن فعل ذلك بالعربية يعتبر «حشومة». لأنك عندما تمارس الحب بلغتك فأنت تجسد تشبثك بهويتك، وما دمت تفعل ذلك بلغات أخرى فقد فقدت كل شيء. - ماذا نفعل لتجاوز ما يمكن أن نسميه «تباكي» المدافعين عن الهوية على هيمنة الفرانكوفونيين إلى الفعل؟ التباكي لديه وجهان، الوجه السياسوي الذي يتخذه بعض الناس «يافطة» لكي يخبرونا بأنهم مغاربة ومسلمون حقيقيون، وأن المغرب مهدد بكذا وكذا.. وثمة الوجه الحقيقي الذي يعي أنه بدون لغات أخرى ليس هناك تقدم أو انفتاح على العالم، وأن «المثاقفة» أساسية وضرورية.. وعندما أصل إلى هذا الوعي لا يمكن أن أخاف من فرنسا ولا من أبنائها ولا من أي شيء آخر، لأنني أصيل. ونحن الآن ينبغي أن نعترف بأن اللغات الأخرى هي لغات العلم، وخاصة الإنجليزية التي هي لغة العلم وهي المستقبل... أظن أننا الآن ينبغي أن نفكر في الوصول إلى «الإنسان الكوني»، وأنه لا يمكن أن نضيف إلى الكون والعالم إلا إذا كنا متشبثين بهويتنا المنفتحة والمتعددة وليس المنغلقة. * ناقد سنمائي هكذا هيمن الفرنسيون على الكرة في المغرب المسؤولون يؤمنون بأن الفرنسيين وحدهم القادرون على انتشال الرياضة من أزمتها رشيد محاميد للمدرب الأوربي مكانة خاصة لدى المسؤولين الأفارقة، ولذلك يأتون على قائمة المطلوبين لتولي أرفع المناصب الكروية في بلدان القارة السمراء. ف«السحرة البيض» وهي التسمية التي صار يعرف بها المدربون الأوربيون في القارة السمراء منذ قاد الفرنسي كلود لوروا المنتخب الكاميروني إلى الفوز بكأس إفريقيا للأمم من المغرب سنة 1988، يحظون بمكانة خاصة لدى المسؤولين الأفارقة. هذه الثقة تقابلها الأرقام التي تؤكد أنه إلى حدود الدورة الأخيرة من نهائيات ال»كان» نجح 17مدربا أجنبيا في قيادة 30 منتخبا إفريقيا بالتتويج بأرقى منافسة على الصعيد القاري، لكن ذلك لا يعني أي شئ لأن حظوظ المدرب الأجنبي في الفوز تُضاعف أربع مرات حظوظ زميله الإفريقي (في آخر دورة قاد 13 مدربا أجنبيا المنتخبات السمراء مقابل ثلاثة مدربين أفارقة فقط). هذا الأخير الذي لا يلقى أية فرصة في بلاده أو خارجها، والدليل أن كل الأفارقة الذين قادوا منتخبات بلدانهم إلى النجاح لم تمنح لهم فرصة قيادة منتخبات إفريقية أخرى، بمن فيهم المدرب الغاني «شارل كومي غيامفي» والمصري «حسن شحاته» رغم أنهما يشكلان الاستثناء، حيث أنهما الثنائي الأكثر تتويجا على الصعيد القاري بعدما قاد كل منهما منتخب بلاده إلى التربّع على العرش القاري في 3 مناسبات. ذلك لا يعني إغفال أسماء أخرى من بينها بادو الزاكي وصيف نهائي 2004 مع المنتخب المغربي والإيفواري «فرنسوا زاهوي» وصيف بطل القارة سنة 2012 والنيجيري ستيفان كيشي الذي قاد منتخب بلاده للفوز بكأس إفريقيا للأمم لاعبا ومدربا، وآخرون كثر، حققوا الكثير من النجاح، لكن أبدا لم يهتم بهم أحد في القارة الإفريقية. هنا إفريقيا في المغرب أيضا يتكرر السيناريو، إذ أن المسؤولين المغاربة لا يكتفون بتهميش الكفاءات المغربية أو بنسخ قوانين مشوهة عن فرنسا فقط، ولكن أيضا يصرون على نقل التجربة الفرنسية بحذافيرها إلى المغرب، وليس مفاجئا أن القانون الأساسي للجامعة هو «نسخة طبق الأصل» من القانون الفرنسي، ولا يتعلق الأمر بكرة القدم وحدها، ولكن بجميع الرياضات. ولذلك حين ألزم الاتحاد الدولي «فيفا» الاتحادات المحلية بضرورة إنشاء البطولة الاحترافية، أوفدت الجامعة السابقة أعضاء من المكتب المديري إلى فرنسا للاطلاع على تجربتها في هذا المجال، بينما كل الذي كان قام به الوفد السالف الذكر هو نسخ قوانينها. وحتى حين اندلعت سنة 2008 أحداث شغب مما فرض نقل مباراة «الديربي البيضاوي» إلى الرباط، فإن الجامعة لم تتأخر في إيفاد وفد رسمي إلى باريس للاطلاع على التجربة الفرنسية في هذا المجال، فحينها كانت اندلعت أحداث شغب مماثلة بين جمهوري فريقي باري سان جرمان ومارسيليا، حيث يبدو أن المسؤولين المغاربة يؤمنون بأن كل الحلول تأتي من فرنسا، ووحدها المشاكل هنا في المغرب. من جانب آخر فإن حسني بنسليمان، الرئيس الأسبق لجامعة الكرة كان وقع اتفاقا مع الاتحاد الفرنسي، يقضي بأن يتكفل الأخير بدفع نصف الأجور المستحقة لمدربي المنتخب الأول –طبعا الفرنسيين-، لكن الوجه السيء في الاتفاقية أنها كانت تعني ضمنيا الاستعانة بالأطر الفرنسية لتدريب جميع فئات المنتخب المغربي، وضمنهم طاردي الذي كان تولى الإشراف على باقي المنتخبات الوطنية، في الوقت الذي كان يعاني فيه المدربون المغاربة من العطالة. ولذلك أيضا يؤدي لاعبو البطولة الثمن، حيث أصبح اللاعبون الناشئون في الفرق الأوربية لهم الأولوية لحمل قميص المنتخب. وزيادة على ذلك فإن نصف المدربين الذين تعاقبوا على تدريب المنتخب المغربي أجانب، بينما أكثرهم من جنسية فرنسية. ويبقى اللافت أن المدربين الفرنسيين يختفون من محيط كرة القدم المغربية كلما عاش البلد الإخفاق، لكنهم سرعان ما يعودون إلى الواجهة. ففي المغرب يكاد يؤمن المسؤولون أن المدرب الفرنسي وحده القادر على إخراج الكرة من أزمتها. يحدث ذلك منذ تولى غي كليزو تدريب المنتخب، بعد فترة قصيرة رفع خلالها البلد شعار «المغربة»، ولم يكن ممكنا أن تشكل الكرة الاستثناء، لذلك تولى مدربون مغاربة مهمة تدريب المنتخب عقب استقلال البلاد، قبل أن يتسلم هذه المهمة زملاؤهم، الأجانب. لكن بعد 60 عاما على استقلال المغرب سياسيا عن فرنسا، لم يقع الطلاق بين المدربين الحاملين للجنسية الفرنسية والمنتخبات المغربية إلا ليتم القران من جديد. فما الذي يمكن أن يبرر هذه الزيجة المقدسة؟ وهل يتعلق الأمر بكفاءة المدرب الأوربي والفرنسي على سبيل التحديد؟ أم ب«لوبي» لا يتأخر في الدفاع عن المدرب الأجنبي، الذي توفر له كل إمكانيات الاشتغال، وأولها إبعاده عن الضغط، على عكس زميله المغربي، الذي لا يتم التعاقد معه إلا في وقت الشدة؟ لكن أليس ذلك أمراً طبيعياً في بلد تسوده التبعية المطلقة لفرنسا؟ الشجرة التي تخفي الغابة قبل 45 عاما قاد غي كليزو، المنتخب المغربي إلى نهائيات كأس العالم بالمكسيك، كان ذلك بمثابة إنجاز كبير للكرة المغربية، فقبل ذلك كان منتخب مصر وحده من مثل القارة في نهائيات 1934، غير أنه الإنجاز الذي كان مثل الشجرة التي تخفي الغابة، كيف ذلك؟ كان إنجاز منتخب 1970 بقيادة المدرب الفرنسي غير مسبوق، لكن ورغم أن هذا الإنجاز أصبح متجاوزا إلا أن الجميع استمر في التصفيق له، وبالمقابل لم يكن المغاربة أبدا منصفين في حق التشكيل الذي كان قبله، والذي كان خاض تصفيات مونديال الشيلي 1962، فإذا كان «منتخب كليزو»، أنصفته القرعة في مرحلة التصفيات بعد أن تعادل مع تونس ذهابا وإيابا، ثم في المباراة الفاصلة، فإن المنتخب المغربي الذي كان خاض تصفيات 1962 (قاده المدرب المغربي محمد ماصون خلفا لعبد القادر الخميري)، ظهر بشكل قوي، حيث كان قريبا من بلوغ مونديال الشيلي 1962 لولا ما يصفه المتتبعون بالمؤامرة الأوربية، إذ تجاوز تونس وغانا، لكنه خسر أمام إسبانيا، أقوى منتخب أوربي آنذاك بأربعة أهداف مقابل هدفين(ذهابا وإيابا). فهل من الإنصاف أن لا يذكر أيضا منتخب 1962؟ وبعد تسع سنوات سيعود غي كليزو لتدريب المنتخب المغربي، لكن الهزيمة القاسية ضد نظيره الجزائري ستبعده نهائيا عن الملاعب، سيما أن ذلك جر عليه غضب الملك الراحل، وبعد رحيله سيعوضه فانطين. القطيعة التي لم تستمر وبعدها سيعلن المغاربة شبه قطيعة مع المدربين الفرنسيين، ليتم تعويض المدرسة الفرنسية بنظيرتها البرازيلية، التي نجحت -في شخص فاريا-في قيادة المنتخب إلى تحقيق إنجاز غير مسبوق ببلوغ الدور الثاني من نهائيات كأس العالم 1986، لكن بعد 10 سنوات شهدت الكثير من الإخفاق سيعود الفرنسيون من جديد، حيث سينجح هنري ميشيل في قيادة المنتخب إلى الظهور بشكل لافت، ورغم أنه لم ينجح في تكرار إنجاز 1986 ولم يوفق في تجاوز الدور الثاني من كأس إفريقيا98، إلا أن نجاحه في إعادة «الحياة» للمنتخب كان كافيا ليعيد الفرنسيين إلى الملاعب المغربية، حيث أنه بعد رحيله تم تعويضه بهنري كاسبرجاك (فرنسي من أصل بولوني)، ثم في وقت لاحق بفيليب تروسيي….الذي غادر البلد بضعة أيام قبل موعد النهائيات، وبعدها عاد هنري ميشيل إلى المغرب، وحين فشل كمن سبقوه وضعت الثقة في روجي لومير، وأخيرا في إريك غيريتس، المدرب الذي أصر الفاسي الفهري، رئيس الجامعة في أن يستمر مدربا للمنتخب، رغم أنف المغاربة، وبالمقابل فإنه عين الزاكي سنة 2002 خلفا لهومبيرطو كويلهو لامتصاص غضب الرأي العام، ثم بعد رحيله تم التعاقد مع الفرنسي تروسيي، الذي «استقال» من منصبه قبل أن يبدأ، ولأن غضب المغاربة كان بلغ منتهاه فقد وضعت الثقة في امحمد فاخر، الذي تم تكليفه بقيادة المنتخبين الأولمبي والأول إلى نهائيات «كان2008»، ورغم أنه نجح في ذلك فعلا، إلا أن الجامعة ارتأت إعادة تعيين هنري ميشيل، الذي فشل في قيادة المنتخب لتجاوز الدور الأول، قبل أن يشتم المغاربة ويرحل. وبعدما جاء لومير، وفشل بدوره في تأهيل المنتخب إلى نهائيات كأس العالم 2010، تفتقت عبقرية المسؤولين المغاربة بتكليف أربعة مدربين مغاربة دفعة واحدة لقيادة المنتخب، ثم جئ بإريك غريتس حيث جرى تقديمه كساحر يمكنه تخليص المغاربة من كل متاعبهم، لكن ولأنه كما سابقيه، فقد أعلن بعد فوات الأوان عن تشكيل لجنة عهد إليها باختيار المدرب الجديد، والذي لم يكن سوى رشيد الطاوسي، الذي استبعد من منصبه، ليخلفه بادو الزاكي، الناخب الوطني الحالي. فؤاد بوعلي: الفرانكفونية بألوانها المختلفة عنوان الاستعمار المتجدد حاوره: يوسف منصف – تتهمون من تسمونهم باللوبي الفرانكفوني بالمغرب باستهداف هوية المغاربة من خلال استهداف لغتهم، ماهي أوجه هذا الاستهداف في نظركم؟ سؤال بسيط يطرح: هل ما زالت الفرنسية قادرة على نقل المعرفة والتقنيات الحديثة؟ نعتقد أن الجواب بسيط عبر عنه أحد الأساتذة بالقول:: «فرنسا دون الولايات المتحدة وبريطانيا في إنتاج العلم والثقافة، وثقافتها دون الثقافة الألمانية في الإنتاج الفكري والفلسفي، وهي دون الثقافات الاسبانوفونية في الإنتاج الأدبي، كما أن نسبة حضورها في إنتاج القيم الفكرية والتكنولوجية على الصعيد الكوني ضعيف». وبالرغم من هذا التقزم في كل الميادين نجدها تفرض علينا في الشأن العام والتعليم، ويسوق لها باعتبارها قدرا سياسيا ومعرفيا. لكن الفرنسية التي تقدم للمغاربة ليست لغة محايدة أو آلية تواصل فحسب، بل هي منظومة قيم تحاول فرضها على المجتمع المغربي. وقد تجلى ذلك في صور مختلفة: فالمنافحون عن التلهيج لا يملون من التأكيد على أن دفاعهم جزء من منظومة فرانكفونية، ودفاع عيوش الأخير عن الفرنسية يثبت ذلك، والمنافحون عن القيم البديلة كالشذوذ باسم الحريات الفردية يدخلون في الجوقة نفسها التي جعلت الكتاب المغاربة بالفرنسية مجرد وكلاء ثقافيين لمكاتب باريس، والرافضون للإصلاح والديمقراطية في الإعلام والإدارة والتعليم باسم الحداثة ودفاعا عن مصالحهم النخبوية. لذا تم الإجهاز على كل مشاريع التعريب، وتوجيه الثقافة نحو الارتباط اللزومي بالمركز الفرنسي فنا وسينما وأدبا وعلما وتخصصا، وأديرت عجلة التنمية من مكاتب باريس من خلال الإشراف على التكوين التقني والمتخصص، هذا في الوقت نفسه الذي شجعت نقاشات التجزئ الهوياتي وإدارتها بشكل أدخل المجتمعات العربية في متاهات الهوية والنزعات الإثنية. فكانت الفرانكفونية بألوانها المختلفة عنوان الاستعمار المتجدد. – بالرغم من تنصيص الدستور المغربي على اللغة العربية كلغة رسمية للمملكة، إلا أننا مازلنا نلاحظ هيمنة اللغة الفرنسية في قطاع التدريس والتكوين والإدارة وكذا البحث العلمي، إلى ماذا يعزى ذلك في نظركم؟ ليست أية لغة مجرد آلية تواصلية، بل هي منظومة قيمية تحيل على جملة من العناصر البنائية المؤسسة للمجال التداولي، والذين يحاربون أو يعملون على تحجيم فضاء تداول اللغة العربية لا يعملون ذلك اعتمادا على مرتكزات علمية او معرفية بل بناء على رؤى إيديولوجية مصلحية. لذا فكيفما كان النص التشريعي والصيغ القانونية الحمائية يظل الصراع أعمق من مجرد بنود ونصوص، والدليل على ذلك أن كل الدساتير التي عرفها المغرب المعاصر تحرص على التأكيد على رسمية اللغة العربية. لكن التنزيل يعرقل بعقبات ولوبيات تستفيد من الفوضى اللغوية. والاستفادة متعددة الأوجه والمستويات لا يشكل الجانب الثقافي إلا الظاهر من الأكمة. فحضور العربية في التعليم والإدارة يتيح دمقرطة المعلومة ونشر المعرفة والتوزيع العادل للبيانات والمعطيات، لكن اللوبي الفرنكفوني يصر على جعل المعرفة نخبوية ومحصورة في فئة معينة بآلية اللغة الفرنسية، ليس لأغراض فكرية فحسب، بل من أجل التحكم في المصير الاقتصادي والسياسي للدولة والاستفادة المادية من سيطرة على دواليب الإعلام والإدارة. فهناك قناعة لدى وكلاء فرنسا أن استمرار الفوضى اللغوية يعني استمرار التحكم في المجتمع والدولة. – تصدر بين الفينة والأخرى مبادرات لتعريب العلوم وتدريسها على المستوى الجامعي، لماذا تفشل تلك المبادرات في كل في مرة ؟ نعيد التأكيد أن الأمر لا يتعلق بفقر في المبادرات الرامية لتعريب العلوم والمعارف أو بمعاجم المصطلحات الفنية والتقنية، بل هناك مجهودات كبيرة تبذل داخل المغرب وفي عموم العالم العربي من طرف مؤسسات هامة ومختصة، لكن تصطدم دوما بالقرار السياسي وتغول النخبة الفرانكفونية في الإدارة التي آلت على نفسها إيقاف كل مشاريع التعريب. لكن هناك إشكاليات نفسية بالأساس تجعلنا نصطدم بأوهام لدى بعض الأساتذة والمؤطرين. إذ رسخ في ذهن البعض أن العلوم والتقنيات لا يمكن تدريسها إلا بلغة موليير، لذا تجدهم يرفضون كل محاولة للتدريس بالعربية، وقد اصطدمنا بهذه النماذج في عدة مواطن وتبين بأن الحاجز نفسي قبل أن يكون تقنيا. لكن يظل القرار السياسي هو الأساس، وهو الكفيل بإزالة كل الحواجز وتنزيل قرارات ومشاريع التعريب. – هل صحيح أن اللغة العربية لم تعد مواكبة للعلم وللتكنولوجيا في العصر الراهن ؟ ليست هناك لغة في الوجود غير قابلة لتعليم العلوم والتكنولوجيا. هذا مبدأ لساني. وحين نتحدث عن لغة الضاد سنجد أنفسنا أمام لغة استطاعت أن تؤثث المعرفة البشرية وأن تحتضن العلوم في زمن النهضة العربية، والآن تثبت يوميا قدرتها على التجدد بغية احتضان المعرفة المتجددة. فمن خلال ما تتميز به من مرونة وتوليد وغنى معجمي وغنى الإمكانات التحويلية …يمكن للعربية أن تواكب حركية التنمية البشرية في مجتمع المعرفة الحديث. ويتم ذلك من خلال نقل المعرفة الحديثة عبر التعريب والترجمة، وصناعة المعاجم المتخصصة، وحوسبة العربية، ونشر التعليم، وحفز البحث العلمي في قطاعي التربية والتكوين. فقد قامت اللغة العربية بدور حمل المعرفة وإنتاجها وإشاعتها، وكانت على مرّ العصور –وما زالت- اللغة الرسمية المهيأة في العديد من الدول. وهي مطالبة كباقي اللغات، بتحسين وضعها في المجتمع، وصيانة متنها لمواكبة المستجدات ومزاولة وظائفها باقتدار، دون أن يعني ذلك عجزها الوظيفي. وتهييء اللغة العربية لا ينفصل عن السياسات اللغوية ودور المؤسسات الساهرة على شؤونها، وعن المبادرات والمواقف الإيجابية منها، وعن تطوير البحث العلمي عموما، وخاصة البحث اللساني بتداخلاته مع العلوم المعرفية الأخرى الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والديداكتيكية والحاسوبية. إذن المسألة لا تتعلق بالداخل اللغوي بل بسياسات التخطيط وقدرة الفاعل السياسي على تنزيل المبادئ في قوانين وأطر مرجعية. – معركة فرض اللغة العربية في سائر المجالات الوطنية كلغة وطنية، تعد معركة ضد الاستيلاب الثقافي والهوياتي الفرانكفوني، ما هي جهود الائتلاف الذي ترأسونه في هذا الباب؟ أولاالائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية هو منسقية شعبية حاولت جمع كل الأطياف السياسية والحزبية والإيديولوجية من أجل قضية النهوض باللغة العربية. وكما نقول دوما: نختلف في كل شيء لكننا نتفق تحت سقف العربية. وإن تأملتم في الاسم فنحن نشتغل في سقف غائي هو اللغة العربية حماية ودفاعا وخدمة، لذا نجمع ونناقش ونقدم المقترحات القانونية والبدائل التشريعية، ونتواصل مع كل الجهات خدمة للغة الضاد، كما ننظم أنشطة إشعاعية أثمرت مؤتمرا وطنيا سنويا للغة العربية. وقد اثمرت جهودنا توازنا في النقاش اللغوي بالمغرب وإبراز صوت العربية الذي كان خافتا ومشتتا بين منتديات عديدة. ونحن نؤكد أن معركتنا ضد الفرانكفونية ووكلائها غير محددة بالزمان أو المكان، وأن مسار المنافحة عن العربية والانتماء الوطني طويل طول الهوان العربي. لكننا متأكدون أن المستقبل للعربية وللانتماء الهوياتي الوطني بمقوماته الحضارية والعقدية، لأن العربية لم تعد محصورة في المنتديات الأكاديمية والدينية بل غدت محور النقاش العمومي. لذا فغايتنا أن نجعل الدفاع عن العربية حالة مجتمعية تساهم فيها كل الفعاليات، وآنئذ لن يستطيع اللوبي المتنفذ فرض رؤيته ولو أتى مدججا بأوهام الحداثة والتقدم. * رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية