من وحي الأحداث تتناسل الأحداث، داخليا و خارجيا، منذرة بالخطر القادم من المركز الاستعماري البائد على يد الحركة الوطنية المغربية، فكل الفاعلين السياسيين و المدنيين و الثقافيين التابعين لمنظمة الفرنكفونية، الممثل الرسمي للاستعمار الجديد في المغرب، يضعون اليوم أيديهم على الزناد في استعداد غير مسبوق لإطلاق النيران في جميع الاتجاهات التي يُشتبه في انتمائها العربي و الإسلامي. و لعل الحملات المستمرة، سواء من طرف اليمين الجبهوي المتطرف داخل فرنسا أو من طرف أذيال الفرنكفونية في المغرب، لتؤكد بالملموس أن المؤامرة كبرى و مُخَطَّطا لها على أعلى المستويات . و هذا، يبرر الحملة الوطنية التي يقودها مجموعة من المثقفين الغيورين على الثقافة الوطنية، و الذين يمتلكون وعيا سياسيا نابعا من إدراكهم الفكري لأجندة الاستعمار الجديد الذي يستثمر في اللغة و الثقافة من أجل تحقيق السيطرة الاقتصادية و السياسية على الوطن. و إذا كانت الكتائب اليمينية الجبهوية المتطرفة سواء داخل فرنسا أو داخل المغرب، تقود حملة إيديولوجية مسعورة ضد مقومات الهوية الوطنية المغربية، في بعدها العربي الإسلامي، فإن النخبة الوطنية قادرة على التمييز بين الانفتاح الثقافي و اللغوي المطلوب، و بين التبعية العمياء التي تسعى إلى إلحاقنا بالمرجع الاستعماري قسرا، و لذلك فإن هذه المواجهة تستهدف المنظومة اليمينية المتطرفة التي تمثلها منظمة الفرنكفونية، و لا تستهدف قيم الانفتاح الثقافي و اللغوي الذي ندعو إليه إذا كان مسلحا بوعي وطني متقدم. سياق هذا الحديث يرتبط بالهجمة الفرنكفونية المسعورة التي عبر عنها اليمين الجبهوي المتطرف في فرنسا ضد مقومات الثقافة الوطنية المغربية، في بعدها العربي الإسلامي، فقد أعلن بشكل مباشر عن خروجه إلى العلن من خلال التدخل السافر في الشؤون الداخلية للمغرب، و كأنه يدشن لعهد استعماري جديد تنوب فيه مارين لوين عن سلفها ليوطي ! و هذا الخروج العلني للجبهة اليمينية المتطرفة يكشف الغطاء، مرة أخرى، أن التوجه الذي تقوده الكتائب الفرنكفونية في المغرب، في اتجاه فرنسة التعليم و الإدارة و المجتمع ... ليس حدثا عابرا، بل يدخل ضمن استراتيجية بعيدة المدى يتحالف فيها اللوبي الفرنكفوني مع حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف من أجل تحقيق مشروع الاستعمار الجديد في المغرب . فقد اعتبرت جمعية "بحار الفرنكفونية" المقربة من حزب الجبهة الوطنية الفرنسي، أن القرارات الأخيرة للمجلس الوزاري، الذي انعقد بمدينة العيون، تعتبر انتصارا للفرنكفونية لأنها وضعت حدا لتعريب التعليم المغربي بعد فشل هذه السياسة طوال العقود الثلاثة الأخيرة !!! و قد شددت الجمعية، في بلاغ نشره حزب الجبهة الوطنية على موقعه الإلكتروني، على أن الخطوة التي أقدم عليها المغرب بتعريب التعليم خلال سبعينيات القرن الماضي، أدت إلى إضعاف جودة التعليم. و أضاف البلاغ، أن الإسلاميين يعتبرون تعريب التعليم مساهمة في أسلمة" المجتمع. و لهذا يضيف البلاغ أن فرنسة التعليم ستساعد المغرب في حربه ضد الإسلاميين". و ختم البلاغ أن القرار "نصر للغة الفرنسية كلغة لتحرير العقول في مواجهة الظلامية الإسلاموية الراديكالية !!! و قبل الدخول في مناقشة هذا البلاغ، الذي تفوح منه رائحة استعمارية نتنة، لابد أولا من كشف الأضاليل و الأوهام التي يسعى اليمين الجبهوي المتطرف – و امتدادا له التيار الفرنكفوني في المغرب- إلى ترويجها باعتبارها حقائق، بينما يكشف التحليل المعرفي الدقيق أنها لا تتجاوز كونها خرافات تُحكى للقبائل البدائية في أدغال الأمازون !!! الاحتفاء بالقرار ليس مستغربا أن يحتفي حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بقرار فرنسة التعليم المغربي، لأن ذلك ينسجم مع مشروعه الاستعماري خارج فرنسا، و ينسجم كذلك مع مشروعه العنصري داخل فرنسا. و لذلك يتجند الرأي العام الفرنسي إبان كل عملية انتخابية لمحاصرته كي لا يخرج كالمارد من قمقمه. لكن مكمن الاستغراب يوجد في القرارات اللاوطنية و اللاشعبية التي يفرضها حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف التي تمثله النخبة الفرنكفونية في المغرب. و لعل ما يثير الريبة –أكثر من الاستغراب- هو أن تنسجم القرارات الصادرة عن اللوبي الفرنكفوني في المغرب مع مشروع حزب يميني متطرف مرفوض داخل فرنسا نفسها ! لقد ميزنا، في مقال سابق، بين الفرنسية كثقافة و لغة، و بين الفرنكفونية كمنظمة تمثل مشروع اليمين الاستعماري المتطرف. ( بين الفرنسية و الفرنكفونية.. النقد المعرفي لكشف الأوهام الإيديولوجية) و هذا التمييز ضروري من أجل فضح الشعارات الجوفاء التي يوظفها اللوبي الفرنكفوني من أجل فرض السيطرة الاستعمارية على المغرب، سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا، فالأمر يتجاوز، بكثير، شعار التعددية و الانفتاح، إنه مدخل أساسي لإلحاق المغرب بالمرجع الاستعماري البائد. الانتصار للفرنكفونية إن ربط قرار فرنسة التعليم المغربي بالانتصار للفرنكفونية، لم يصبح أمرا خفيا، اليوم، بل إن حزب الجبهة اليميني يؤكد على ذلك في البلاغ الصادر عن جمعية تابعة له و ناطقة باسمه. و منذ اليوم يجب على النخبة الوطنية أن تسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية من دون لف أو دوران، فالقرار الصادر حول فرنسة التعليم المغربي ليس قرارا سياديا بل إنه تنفيذ للأجندة الفرنكفونية . لذلك، فإن المواجهة القادمة يجب أن تتجاوز البعد التقني إلى مواجهة الأجندة الاستعمارية الجديدة التي ينفذها خدام الفرنكفونية في المغرب، سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا، في تحالفهم مع التيار العرقي المصنوع في مختبرات الأكاديمية البربرية . و هذا يتطلب التسلح بوعي وطني، في الفكر و السياسة، عبر الانفتاح على أدبيات الحركة الوطنية المغربية، و من نحا على منوالها من مفكرين وطنيين أمثال: محمد عابد الجابري، و المهدي المنجرة... و هذا المشروع وحده هو الذي يمكنه أن يؤسس لثقافة مُقاوِمة للمشروع الاستعماري الفرنكفوني. وضع حد لتعريب التعليم !!! من الطبيعي أن يستنتج حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف أن قرار فرنسة التعليم في المغرب يستهدف وضع حد لتعريب التعليم. و هذا يتناقض مع الشعارات الجوفاء التي يروجها خدام الفرنكفونية في المغرب حول الهندسة اللغوية التي تسعى إلى تحقيق الانفتاح اللغوي في بعده التقني ! و هذا ما حذرنا منه في مقال سابق. ( التناوب اللغوي في أفق تكريس الدكتاتورية الفرنكفونية ) . و يعتبر تعريب التعليم في المغرب من أهم المبادئ التي سعت من خلالها النخبة السياسية و الثقافية الوطنية إلى تحصين السيادة الوطنية، من خلال فك الارتباط عن المرجع الاستعماري، و ذلك ضمن ما سمي بالمبادئ الأربعة لإصلاح التعليم ( التعريب- المغربة- التعميم-التوحيد) . لذلك من حق حزب الجبهة الوطنية الاستعماري، اليوم، أن يحتفي بهذا الإنجاز الفرنكفوني غير المسبوق الساعي إلى وضع حد لتعريب التعليم، و خصوصا أنه تم إنجازه من طرف نخبة مغربية تشكلت في المختبرات الفرنسية، و هذا دليل آخر على نجاح الاستعمار الثقافي و اللغوي في تحقيق ما عجز عنه الاستعمار العسكري . لكن ما يثير الاستغراب في البلاغ اليميني المتطرف، هو الحكم على سياسة التعريب بالفشل، و هذا حكم قيمة ينسجم مع الإيديولوجية الاستعمارية اليمينية أكثر من كونه استنتاجا علميا موضوعيا. لكن هذا الحكم الفج بفشل تعريب التعليم، يقدم إلينا صورة حقيقية عن الأحكام الجاهزة التي يروجها الخطاب الإيديولوجي الفرنكفوني في المغرب، فهو لا يروج خطابا علميا حول فشل مشروع التعريب مما يستدعي إصلاحه، و لكنه يكتفي بترويج خطاب يميني استعماري متهالك الهدف منه التشكيك في مقومات الهوية الوطنية من أجل فسح المجال أمام الاكتساح الاستعماري. إن مشروع تعريب التعليم في المغرب، ليس مشروعا فاشلا لأنه يحمل بوادر الفشل في ذاته، إنه مشروع فاشل لأنه تم تنزيله من طرف نخبة تدين للمشروع الاستعماري بالولاء أكثر مما تدين بالولاء لانتمائها الوطني، لذلك فقد ولد هذا المشروع ميتا، لأنه لم يُرَد له أن يولد أصلا، فما بالك أن ينشأ و ينمو بشكل صحي و سليم. و هذا هو التفسير الحقيقي لفشل تعريب التعليم في المغرب، فهو ليس مشروعا فاشلا بل مشروع حقيقي و ناجح قادته نخبة فاشلة أو نخبة معادية له كانت تخطط لإفشاله منذ البداية. بين العربية و الإسلاميين يروج البلاغ اليميني المتطرف لبروباغندا بئيسة، على شاكلة ما يروجه مثقفو التزييف داخل فرنسا، حينما يربط بين تعريب التعليم و ظهور التيار الإسلامي، و كأني بالنخبة الاستعمارية تتغاضى عن أكثر من ثلاثة عشر قرنا من حضور اللغة العربية و الإسلام في المغرب، و لم يحدث الانكسار التاريخي إلا مع دخول المغرب، إبان مرحلة القرن التاسع عشر، ضمن الحسابات الاستعمارية, لكن تم تعديل الاتجاه مع مشروع الحركة الوطنية الذي قام على أساس مواجهة الرموز الاستعمارية و الدفاع من أجل ترسيخ الرموز الوطنية، و على قائمتها اللغة العربية كلغة رسمية و الإسلام كدين رسمي. إن الإسلام السياسي، كما أشار إلى ذلك المفكر الفرنسي "فرانسوا بورغا" في كتابه " L'islamisme au Maghreb : la voix du sud " مولود شرعي ولد ونشأ في تربة اختلطت فيها بذور العروبة ببذور الإسلام" . و لذلك فإن الدول التي قادت المغرب، على مر القرون، انطلقت من الدعوة الإسلامية ثم انتقلت إلى تأسيس الدولة . لذلك، فإن الحركات الإسلامية ظهرت و تطورت لأنها استثمرت المشترك الجمعي، ثقافيا و روحيا، و لم تكن ثمرة لسياسة التعريب، ففي عز المواجهة الاستعمارية للرموز الوطنية، دينا و لغة، كانت الدعوة الإسلامية سلاح المعركة الفتاك، و قد تم إجهاض مشروع الظهير البربري، الذي كان يسعى إلى الإجهاز على الهوية المغربية دينا و لغة، من داخل المساجد عبر ترديد دعاء اللطيف الذي ساهم في حشد المغاربة لمواجهة المشروع الاستعماري. الفرنسية كلغة لتحرير العقول !!! تختم الجمعية الجبهوية المتطرفة بلاغها بالتأكيد على اعتبار الفرنسية كلغة لتحرير العقول، و هذا –للتذكير- هو الخطاب الذي يروجه أزلام الفرنكفونية في المغرب ! لكن مساءلة هذه الدعوى تؤكد أنها لا تتجاوز كونها وهما إيديولوجيا لا ينسجم مع معطيات الواقع العملي. و لتفسير ذلك لابد من فحص المعطيات الواقعية في المجال الفرنكفوني الإفريقي، فقد ساهمت الفرنكفونية في تدمير الحاضنة الاجتماعية و السياسية و الثقافية الإفريقية، من دون أن تؤسس لبديل ناجح، و هذا ما كرس مشهدا عاما سمته الركود الاقتصادي، و التخلف الاجتماعي، و الاستبداد السياسي الذي يقوده الجنرالات التابعين لقصر الإيليزيه. و من أجل دحض هذا الوهم الذي يروجه اليمين المتطرف من أجل تحقيق أهداف استعمارية صرفة، يمكن مقارنة المجال الإفريقي الفرنكفوني مع المجال الإفريقي الأنكلوساكسوني. طبعا، لا مجال للمقارنة مع وجود الفارق، فدولة جنوب إفريقيا الأنكلوساكسونية ليست هي دولة السينغال الفرنكوفونية، و دولة نيجيريا الأنكلوساكسونية ليست هي (دولة) مالي الفرنكفونية !!! و لإدراك حقيقة مشروع (تحرير العقول) الفرنكفوني، يمكن الاطلاع على كتاب المفكر الفرنسي (فرانز فانون) (Peau noire masques blancs) الذي يحلل فيه –من منظور سيكو-سوسيولوجي- بنية الشخصية الإفريقية المستلبة التي صنعتها الفرنكفونية الاستعمارية. فقد شرَّح (فرانز فانون)، بشكل دقيق، نفسية المضطهد من خلال تشريح نفسية الأسود الواقع تحت سيطرة السيد الأبيض، حيث اعتبر أن أخطر الأمراض التي تعاني منها الشعوب الإفريقية المستعمرة، هو مرض التماهي مع المستعمر و الشعور بالدونية و الرغبة في الانتماء للأقوى، و هذه أخطر أشكال العبودية (عبودية الروح) التي تتجاوز عبودية الأغلال المادية. Frantz fanon – Peau noire masques blancs-ed : seuil - France 1952. عود على بدء .. التحالف المضمر بين النخبة الفرنكفونية و نخبة اليمين الاستعماري المتطرف في الحقيقة، إذا كان لهذا البلاغ، الذي نشره حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف على موقعه، من أثر فهو أنه كشف المستور الذي طالما عملت النخبة الفرنكفونية على إخفائه تحت شعارات جوفاء مثل: الانفتاح، التعددية، الاختلاف ... فهذا يؤكد مرة أخرى أن النخبة الفرنكفونية، في المغرب، تقود مشروعا استعماريا جديدا نيابة عن وزارة الخارجية الفرنسية التي توجه منظمة الفرنكفونية، عن بعد، خدمة للمصالح السياسية و الاقتصادية و الثقافية الفرنسية داخل الامتداد الفرنكفوني، الذي تفتخر المنظمة على موقعها أنه فاق المائتي مليون (مستهلك) فرنكفوني للسلع الفرنسية سواء كانت مادية أو رمزية . SITE: Organisation Internationale De La Francophonie (WWW.FRANCOPHONIE.ORG) إن هذا الوضع، يجب أن يدفع النخبة السياسية و الثقافية الوطنية إلى الخروج من خطاب المجاملة الذي يحقق مكاسب مادية و رمزية تافهة، و ذلك في اتجاه إنتاج خطاب سياسي و ثقافي مُقاوِم يسعى إلى مواجهة المؤامرات الكبرى التي تستهدف الأمن الروحي و الثقافي للمغاربة. و ذلك لن يتحقق إلا إذا تسلح المثقف الوطني بالمعارف الحديثة، في مجال الدراسات الاجتماعية و الإنسانية، و تمكن من الانفتاح على اللغات الحية، بالإضافة إلى الاطلاع الجيد على التراث الفكري الذي خلفه رموز الحركة الوطنية حول المسألة الثقافية في المغرب. و هذا الزاد المعرفي ضروري من أجل الاستعداد لخوض معركة المستقبل ضد الاستعمار الجديد الذي تقوده منظمة الفرنكفونية في المغرب، مستهدفة استئصال قرون من الإنجازات الحضارية، و مؤذنة بتحويل المغرب إلى امتداد فرنكو-إفريقي فاشل على شاكلة الدكتاتوريات العسكرية في إفريقيا جنوب الصحراء.