وزير الخارجية السابق لجمهورية البيرو يكتب: بنما تنضم إلى الرفض الدولي المتزايد ل"بوليساريو"    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء        اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بوعشرين: أصحاب "كلنا إسرائيليون" مطالبون بالتبرؤ من نتنياهو والاعتذار للمغاربة    الدار البيضاء.. حفل تكريم لروح الفنان الراحل حسن ميكري    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    سبوتنيك الروسية تكشف عن شروط المغرب لعودة العلاقات مع إيران    كأس ديفيس لكرة المضرب.. هولندا تبلغ النهائي للمرة الأولى في تاريخها        الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    فولكر تورك: المغرب نموذج يحتذى به في مجال مكافحة التطرف    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب        مرحلة استراتيجية جديدة في العلاقات المغربية-الصينية    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    محامون يدعون لمراجعة مشروع قانون المسطرة المدنية وحذف الغرامات    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    خبراء يكشفون دلالات زيارة الرئيس الصيني للمغرب ويؤكدون اقتراب بكين من الاعتراف بمغربية الصحراء    رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم: "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات        الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"        افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها        مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في أول حوار له حول إصداره الجديد: أوريد يكشف بعض أسرار «الموتشو» وخلفيات المواجهات بين شخصيات روايته
نشر في الأيام 24 يوم 01 - 03 - 2023

عندما كنت متوجها إلى مقر كلية العلوم القانونية والاجتماعية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، حيث ضرب لي الدكتور حسن أوريد موعدا صباح يوم الجمعة الماضي (20 يناير 2023) لإجراء حوار صحفي حول روايته الجديدة "الموتشو" كنت أحمل في كراستي مجموعة من الأسئلة الكلاسيكية التي يمكن لصحفي أن ينطلق منها لإجراء حوار من هذا النوع، خاصة إذا كان الأول من نوعه حول إصدار أدبي وروائي بدا منذ نزوله إلى الأسواق في قلب السجال بين المثقفين وعشاق الأعمال الروائية، ليس بسبب كونه جديدا فقط، ولكن أيضا بالنظر إلى العنوان المثير الذي اختاره أوريد له، والذي يمتح من عمق اللهجة الدارجة المغربية. هذه اللهجة التي أثثت الكثير من صفحات الرواية كما أثثتها بعض الصور الإيروتيكية التي تحضر في العمل الأدبي. كان من الممكن تقديم حوار معد سلفا على طريقة "سين جيم"، لكن عندما وصلت إلى مكان اللقاء وجدت مضيفي في الاستقبال وفي تمام الساعة المحددة وكان أول كلمة نطق بها بعد التحية المعتادة وبعد أن نظر إلى ساعته هي "في التوقيت المحدد بالضبط".
ولجنا مكتبه المتواضع داخل مبنى الكلية الذي لا يضم سوى مكتب بسيط إلى جانبه طاولة تحفها ثلاثة كراس عادية مع نافذة يطل منها على الشارع. وبعد دردشة تعارف تقليدية بحكم أنه اللقاء الأول لي مع رجل شغل في يوم من الأيام منصب الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، وواليا على جهة فاس مكناس، قررنا الانطلاق في الحوار.
وما إن فتحت كراستي للشروع في إلقاء الأسئلة حتى قررت وضعها جانبا مع أول سؤال لندخل في سجال أدبي طوال فتراته التي دامت 40 دقيقة كان متفقا سلفا عليها، وفي كل مرة كنت أرسل له سؤالا باحثا عن الزاوية ال"90″ بمنطق كرة القدم، كان يرد عليها بمنطق لاعبي "كرة السلة" محاولا تسجيل النقط من خارج الدائرة، وحتى في ذروة انفعالاته وربما غضبه من بعض الأسئلة، كان دائما حريصا على أن يبقي الابتسامة مرسومة على مبسمه، قبل أن ينتهي اللقاء بهذا الحوار الذي كشف فيه أوريد جوانب من عمله الجديد "الموتشو" الذي رفض الكشف عن هويته رغم أنه اعترف منذ أول سؤال أنه شخصية حقيقية توجد حاليا في السجن.
دعنا ننطلق من عنوان الرواية الموسوم ب«الموتشو». لماذا هذا العنوان وهل هو استمرار للعناوين التي غالبا ما تختارها لرواياتك قصد إثارة الانتباه مثل «الموريسكي» و«سيرة حمار» و«رباط المتنبي» و«ربيع قرطبة» و«زينة الدنيا»؟
بدون شك، العنوان ليس مسألة فرعية في أي عمل روائي، فالعنوان يحمل بالأساس بصمات الكاتب ولو أن للناشر كلمته. اخترت عنوان «الموتشو» لأنه لقب الشخصية المحورية في العمل، والموتشو كما هو معروف تعني الفتى، وتُستعمل في عدة مناطق بالأساس للمناداة على شاب يافع، ولو أن هذه الكلمة اندثرت أو هي في طور الاندثار، وهي ترخيم لكلمة «الموتشاتو» الإسبانية. المغاربة عموما مستأنسون بهذا الاسم، ولكن قد يبدو صعبا ومثيرا بالنسبة للقارئ غير المغربي. لكن كل عمل روائي لا بد أن يحمل طابع المجتمع الذي يصوره، وأظن أن حتى القارئ غير المغربي يمكنه أن يتجاوز هذا الحاجز إذا جاز أن نعتبره كذلك. وأنا أؤكد أنني اخترت هذا اللقب الذي يحيل إلى شخصية حقيقية وصحافي كنت أناديه بالموتشو، هو الآن في السجن.
من خلال الأحداث التي اخترتها فضاء لروايتك ما بين 2018 و2019، ما هي الرسالة التي تريد إرسالها باختيارك لأحداث معاصرة خلافا لرواياتك السابقة التي كنت تغرق فيها بين ثنايا التاريخ، أو تقوم بسبك الحبكة الروائية باستعمال كل ما هو رمزي؟
أصدُقُك القول، لم يكن بذهني في الحقيقة أن أكتب هذا العمل، وكانت الفكرة المحورية هي إعادة نشر روايتي «سينترا»، وكان من المفترض تدارك بنيتها المفككة وخاصة في القسم الثاني، وحتى في القسم الأول. كان هناك نوع من الارتجال في سنترا. ولكن، تطور التنقيح إلى عمل روائي جديد. هذه هي حقيقة الأمر، علما أنني كنت حريصا بعد صدور روايتي «زينة الدنيا» أن أصدر عملا غير تاريخي، بحكم أنني كنت أقرأ ما يُكتب حول أعمالي، وبعض الأحكام التي كان يُقال من خلالها إنني أحمل مَعرّة التاريخ وأنني لا أريد أن أنظر إلى الحاضر وأهرب من خلال الغوص في الماضي وقضاياه في نوع من الثورية، كما يغلب علي الطابع الذاتي، من ضمن أحكام وإسقاطات حول شخصي، لذلك…
(مقاطعا) تعني أن هذه الرواية رد على هذه الأحكام…
على كل حال، أنا أريد ممن يقرأ هذه الرواية أن يتبين أنني يمكن أن أحدّث عن الواقع، ولو أني أحدّث عنه حتى في رواياتي التاريخية. وبدون شك أن هذه الرواية تقطع مع سلسلة من الكتابات التاريخية منها ربيع قرطبة أو الموريسكي أو زينة الدنيا.
من خلال تصفح الرواية، هناك استحضار لمجموعة من الأحداث مثل أحداث 20 فبراير 2011، وصعود الأصولية بعد الربيع العربي، وأحداث هذا الربيع وصولا إلى التطبيع العربي مع إسرائيل، إلى درجة أن الناشر في تقديمه كتب قائلا إن حسن أوريد كان يكتب رواية فإذا به يكتب مرافعة أدبية، هل توافقه الرأي في ما ذهب إليه؟
أنا لا أوافق ولا أعترض. أنا كتبت عملا روائيا. وشرط العمل الروائي أن تتوفر فيه المتعة بغض النظر عن الموضوع، ومن الشروط الأساسية كذلك تفكيك واقع معقد. لا بد أن يجد القارئ الذي هو منشغل بالأساس في شؤون الحياة صورة من الواقع موضوع الرواية. هل وُفقت؟ لا أستطيع أن أجيب. أما الأحكام فلكل واحد حرية القول هل هي مرافعة أدبية أو سجال فكري، أو إطلاق النار في كل الجهات، أو تصفية حسابات. كل واحد حر في تقييماته ولا أرد عليها.
الشخصية المحورية هي نتاج حركة 20 فبراير وتخيلته من ناشطيها، ولكن بناء على عناصر موضوعية، وهو لذلك شخصية مركبة. مُني الموتشو بخيبة، بل بخيبات، وتلظى بتداعيات انتكاسة الربيع العربي، وهي قراءة فاحصة لهذه الفترة الحاسمة في المغرب وفي المنطقة عموما.
بطل الرواية أمين الكوهن أو الموتشو، اخترت له اسما قد يحيل على أنه مغربي قح أو مغربي يهودي، ونحن نعرف أن اسم «الكوهن» غالبا ما تحيل على عائلات يهودية، كما أنك منذ البداية تُدخل القارئ إلى دائرة فيها ما يمكن أن أسميه تواطؤا من أجل خلخلة المفاهيم، من خلال شخصية يسارية ثورية تعمل في جريدة إسلامية، فهل هذا كان مقصودا؟
هو أمر مقصود. بطل الرواية شخصية متخيَّلة، ولو أنه هناك أمين الكوهن حقيقي. أمين الكوهن الرواية لا علاقة له بأمين الكوهن في الواقع. هناك عائلات الكوهن مغربية مسلمة. أنا لم أختلق هذا الواقع بل إن هناك زعيما سياسيا اسمه عبدالرحمن الكوهن، حَسَن الإسلام، كما أن بنيس اسم عبراني ويحمله مغاربة مسلمون. اختيار شخصية مغربية تحمل اسما عبرانيا لم يكن اعتباطيا. بيد أنه من وجهة نظري ما يحدد توجه الأشخاص هو خياراتهم الإيديولوجية بغض النظر عن أصولهم. يمكن أن يصبحوا أحرارا بقدر ما يسميه سارتر بالقطع مع المحددات الهوياتية. هل هناك يساريون اشتغلوا في جريدة إسلامية؟ نعم. هذا واقع، وقد أشرت إلى أنه لفترة كان هناك منبر قريب من التوجه الإسلامي، واستخدم عناصر يسارية قومية، لأنه كان في حاجة إلى عناصر حجاجية لها قدرة نقدية لمواجهة الآخر. وكل ما صورته في الرواية مطابق للواقع أو ما يسمى بالمواءمة (le vraisemblable)، فأنا لم أتحدث عن بوذي يعمل في صحيفة إسلامية ولكن عما هو موجود أو يوجد في الواقع المغربي.
من خلال الحوارات التي يخوض فيها بطل الرواية، دائما ما تتحدث على لسانه عما يجب أن يحدث في علاقة إسرائيل مع العرب أو علاقة إسرائيل مع فلسطين، فهل هذه المواقف التي يتم تصريفها عبر أبطال الرواية هي تعبير عن قناعات شخصية لحسن أوريد كمفكر، خاصة عندما تقول في الصفحة 122 إن «المغاربة ليسوا عربا أولا» أو «أن أصدح بأن نبي الإسلام قتل يهود بني قريظة وطرد بني النظير ومثل ببني قينقاع؟» في نفس الصفحة مثلا؟
أنا لست مسؤولا عن الشخوص…
(مقاطعا) ولكنها شخوص تتحدث بلسانك أو تنطق العبارات كما تخطها بقلمك…
هناك الرأي والرأي الآخر، وأظن أن القارئ الذكي أو على الأقل الشرط الأساسي في القارئ هو أن يميز بين الشخوص وبين الكاتب، خاصة عندما تكون هناك شخوص ذات رؤى متضاربة، ولذلك لا يمكن بتاتا أن أُحمل وجهات نظر أي منها، أو كلها، وهي ذات رؤى متناقضة. لدي رؤى تتقاطع مع بعضها ولكني لست صدى لها. كيف يمكن أن أكون شخصا ونقيضه في الوقت نفسه؟ هناك الإسلامي واليساري واليهودي الصهيوني واليهودي غير الصهيوني، فلا يمكن أن أكون هذا كله. أنت أشرت إلى عبارة «المغاربة ليسوا عربا»، لأن شخصية من الرواية تقول ذلك. ما يحدد الهوية هو ما يرتئيه أشخاص أو جماعات حول انتمائهم. الجانب الذاتي مهم في تحديد الهوية، بناء على عناصر موضوعية. لا تهم في النهاية الأصول، وإذا أراد شخص أن يعتبر نفسه عربيا فهو عربي دون اللجاج في أصوله. وأعتقد بأن هذا يطابق جزءا من الثقافة السارية في الحضارة العربية الإسلامية «الناس مُصدّقون في أنسابهم»، وأنا لا أدخل في هذه القضايا ولا يمكن أن أُحمَّل بتاتا رُؤى بعض الشخوص في الرواية، ولذلك أنا لست أي واحد من هاته الشخوص، وربما أنا قريب من شخصية ضامرة في الرواية وليست حاضرة بشكل جلي.
طيب.. من خلال الرواية نجد شخصيات متعددة إضافة إلى أمين الكوهن الذي عاش تقلبات العالم العربي، وبنيس الذي قدمته في حالة غيبوبة وطبيبته نعيمة بلحاج المحجبة التي تعتني به، ثم إستير كوهن اليهودية التي سبق لها العيش في إسرائيل وتدافع عن الطرح الصهيوني. ما هي إيحاءات هذه الشخصيات المتداخلة، وإلى ماذا تريد أن تصل في النهاية من خلال هذا الخليط المتناقض حد التنافر إن صح التعبير؟
أنا لا أستطيع أن أتقمص دور القارئ أو الناقد. أنا أعرض رواية، وما يهمني أن تطرح قضايا وتستثير الأسئلة، ولكن لا أستطيع بل ليس من الضروري أن أجيب ولا أن أحمل إجابات جاهزة، فهذا غير مُجد.
شخصية إستير كوهن، هي شخصية وُجدت في الواقع، باسم مغاير. وكان جزء من الحوار في الرواية صدى لحواراتنا، وكنت ألح على أنها مغربية يهودية فيما تلح هي على أنها يهودية مغربية. أردت أن أعرض لجوانب معتمة أو غير حاضرة في كتاباتنا. لا نتحدث أبدا عن اليهود المغاربة، ومن يتحدث عن اليهود في المغرب هم اليهود في الأعمال الإبداعية (هناك كتابات في السيسيولوجيا والأنثروبولوجيا قام بها مغاربة مسلمون حول اليهود المغاربة). إذ لم أطلع في الأدب المغربي سواء باللغة الفرنسية أو العربية على شخصية يهودية، والحال أن اليهود جزء من المجتمع كما أننا قلما كنا نجد لفترة شخصيات أو شخوصا أمازيغية، أو أصواتا من الجنوب، أو ذوي البشرة السمراء، لذلك سعيت أن أخلخل الأمر لأقول بأن هؤلاء جزء من المجتمع المغربي ولو أنهم أقلية قليلة. وهناك شخصية محند أمزيان بحمولته الأمازيغية ورؤاه الأمازيغية. حاولت أن أعبر عن جملة من أطياف المجتمع المغربي بحمولته الإسلامية والعلمانية واليسارية والغنوصية والأمازيغية.
هل هذه الرغبة في الخلخلة هي الدافع إلى توظيف اللهجات الأخرى حيث نجد فضلا عن اللغة العربية الدارجة المغربية دارجة اليهود المغاربة والأمازيغية واللهجات المشرقية؟
من العسير، بالأخص في الحوارات المرتبطة بالوجدان أن نستعمل لغة عالمة وهو ما قد يفقد أي عمل روائي جزءا من متعته ونكهته، وبالأخص في الحوارات أو ما يرتبط بالحياة. يتم استعمال اللغة المقعّدة في القضايا الفكرية أو القضايا الدقيقة والتي من الضروري أن يكون بها تطابق بين كلمة اصطلاحية ومعنى دقيق، لكن في ما يخص حوارات الحياة، يستحسن استعمال الدارجة، والدارجة بنفسها تحيل على حمولة، وهناك دارجات حتى في ما يخص الدارجة المغربية، فهناك دارجة «با بوشعيب» الحارس وتحمل مؤثرات عرب بني هلال لأنه من منطقة زعير، وهناك دارجة فاس في ما يخص أم أمين الكوهن الحاجة لحلو، وهناك دارجة البار، وهناك «دارجة ستاندار»، وهناك تداخل بين اللغة العربية واللغة الفرنسية، وحتى اللهجات المشرقية من عراقية وشامية كذلك.
في الصفحة 320 من الرواية بالضبط تقول: «إسرائيل دولة طبيعية، محبة للسلام وتمد يدها للسلام ما كان انطباعا منذ وطئت أرض إسرائيل أصبح اقتناعا راسخا» على لسان أحد أبطال الراوية، لكن دائما شخصيا أرى أن الكاتب يُقَوّل شخوصه الرسائل التي غالبا يريد إيصالها إلى من يعنيهم الأمر، فهل يمكن اعتبار ما ورد هنا بأنه رد على دعوات التطبيع…
(مقاطعا) ينبغي أن تقرأ تتمة النص، ولا يمكن أن أجيب.
(مقاطعا أيضا) الرواية أمامي…
يُستحسن أن تقرأ هذا الفصل ولا أريد أن أجيب على سؤالك. نعم هذا الحوار موجود على لسان شخصية، ولكن لا أريد أن تقف عند «ويل للمصلين»، وأنا أتحدث عن جوانب من الرواية ولا يمكن أن ألخصها في حوار. الرواية ليست حكيا…
(مقاطعا مرة أخرى) لكن نقيض هذا الكلام يأتي في الصفحة 316 حيث كتبت قائلا على لسان أمين الكوهن: «كنت عنونت محاضرتي ب»العالم العربي، إرادة وتمثل»… وأنا أستحضر رؤية شوبنهاورية.. غيرت من عنوان المحاضرة… العالم العربي ليس في الزمن الفلسفي. ما زال في زمن الدعوة والشعر. لم يبرح حضن النشأة كما طفل لم ينفطم عن ثدي أمه وحين أنفق الشعر تحول إلى الحكي… فيما يسمى جزافا بالرواية»…
إذا لم تستطع استحضار الرواية بكاملها فعلى الأقل اقرأ بعض الفصول إلى نهايتها، ولذلك يُستحسن ألا أجيب. هناك قضايا سجالية من الرأي والرأي الآخر، وهناك نظرة إلى إسرائيل كموضوع. نظرة إستير كوهن ليست نظرة أمين، ولا بد من استحضار الحاجة لحلو وهي من الشخصيات المهمة في العمل، ولو أنها لا توجد إلا من خلال الهاتف، ولكنها مؤثرة في مسار وأحداث الرواية.
ربما قد يكون صادما أن نجد في رواية للدكتور حسن أوريد وجود بعض الصور الإيروتيكية التي يقدمها للقارئ لأول مرة خلافا لكل رواياته السابقة، وببعض التفاصيل الدقيقة التي تحاول من خلالها أن تصف العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة بتفاصيلها، فما الدافع لهذا الاستحضار؟
هل نتحدث عن المجتمع كما هو أو كما ينبغي أن يكون أو كما نريده؟
(مقاطعا) لا، كما هو…
إذن، إذا كنا نتحدث عن الواقع المجتمعي كما هو، فأظن بأن الأدب أو على الأقل فهمي للأدب يحتم تصوير الواقع كما هو. «ناقل الكفر ليس بكافر». ويمكن أن أسِرّ لك بأنني ترددت كثيرا قبل أن أقحم صورا إيروتيكية. في النهاية قلت لمَ لا. أنا أتحدث عن بطل من مرجعية معينة، له هوية خاصة فلا يمكن أن أجتزئها. الجوانب الإيروتيكية ليست للإثارة ولكن للتعبير عن صور من المجتمع وعن تناقضه كذلك بين حقيقته، وبين ما يزعم. وأظن أن العمل كان سيفقد من قيمته لو محوت الجوانب التي ألمحتَ إليها.
إلى ذلك، انطلاقا من ضرورة تصوير الواقع، قمت بالمعاينة لكثير من الأماكن. زرت «بار ماجستيك» نهارا وتناولت فيه قهوة مع صديقة ولم تكن هذه الصديقة تعرف سبب وجودي بالبار صباحا، ووجدت شخصا اسمه «باصطوف» من العونات، ولذلك استحضرت أغنية من العيطة تتحدث عن منطقة العونات. وقرأت كثيرا عما لم تتح معاينته، كما في تصويري لإسرائيل. واستحضرت من الذاكرة صورا عشتها، كزيارة ضريح بوحصيرة قرب تولال، بدائرة الريش، من المنطقة التي أتحدر منها.
ألا تخشى من ردود الفعل بهذا الخصوص، مع العلم أن كتاباتك دائما ما كانت تصنف في خانة الجدية بهذا المعنى، علما أنه إلى جانب هذه الصور الإيروتيكية، كان هناك من يرى من خلال بعض التدوينات على وسائل التواصل الاجتماعي أن الرواية لن تعجب فصيلا مجتمعيا وأقصد به الإسلاميين الذين سبق لهم الاحتفاء بروايتك «رواء مكة»؟
أنا شخصيا لست في صراع «أكون أو لا أكون» أو «مع فريق ضد آخر»، أنا أنطلق من الواقع حول قضايا معينة، هاجسي فيها فكري بالأساس، لذلك لا أريد لمن يقرأ عملي أو أعمالي أن ينظر إلى الشجرة وتغيب عنه الغابة. القضية المحورية فكرية، ثم أريد من القارئ أن يقرأ الكتاب من الألف إلى الياء، وحينما يقوم بذلك لربما سوف يذهب إلى ما وراء السطور، أما أن يُختزل كتابي في صفحة أو اثنين، رغم أن هذا من حقه، فأفضل ألاّ يُصدر حكما. أريد من القارئ في تدويناته أو الناقد في كتاباته أن يقرأ العمل حتى النهاية قبل أن يستنبط أي حكم، وهو حر فيه بعد ذلك.
من بين الأشياء التي تحضر أيضا قضية «الإناء الفارغ التي أثارت الجدل أيضا بين المدونين وهناك شبه إجماع على أنكم تقصدون بهذا الكلام المفكر عبدالله العروي الذي وصفته بكونه «في خريف عمره من الأزمة، لأنه لم يعد يقول شيئا سوى أوان فارغة»…
(مقاطعا) على لسان الشخصية وليس أنا لذلك لا ينبغي أن أحمَّل…
(أقاطعه)… لكن أنت كاتب الرواية في النهاية…
أحيانا أقول أشياء قد يتم تحميلها أكثر مما تحتمل، والدليل على ذلك أن هاته الشخوص متضاربة في رؤاها، فلا يمكن أن أكون الشيء ونقيضه، لذلك لا ينبغي أن أُحَمل ما لا يُحتمل. ثم في ما يخص هذا الموضوع بالضبط، ينبغي قراءة حكم بطل الرواية الذي نعت كاتبا مغربيا بأنه جدي وبأنه دقيق وموضوعي، ولا مجال عنده للمعرفة التقريبية. لمَ لا تُفهم هذه الجملة، التي أثارت لغطا كثيرا، بالحاجة إلى رؤية نقدية لأزمة الثقافة العربية حاليا؟ مثلما قال بطل الرواية. هذا هو المهم.
سأعود إلى تصريح صحفي لك قلت فيه إن الرواية استحضار لواقع العالم العربي وعلاقته بالآخر، وبالضبط إسرائيل…
صحيح.
وكيف ترى هذا الواقع في ظل الهرولة اليوم نحو التطبيع، وهل يمكن اعتبار رواية «الموتشو» بمثابة رؤية خاصة لهذا التطبيع؟
أنا لا أحب استعمال كلمة هرولة. بالنسبة إلي أنظر إلى الواقع نظرة مجردة ولا أصدر أحكام قيمة، ولا أقول لا هرولة ولا انبطاح، ولا خيانة. هذا غير وارد في قاموسي. أريد أن أفهم ظاهرة، من زوايا متعددة. أنتصر لقيم، ولذلك استشهدت بريجيس دوبري الذي ليس مسلما ولا عربيا ووقف على واقع الميز في الأراضي المحتلة، وفي إسرائيل نفسها في ما يخص عرب إسرائيل.
هل هذا الموقف هو الذي فرض عليك حصر أحداث الرواية ما بين 2018 حتى ربيع 2019 رغم صدورها عام 2021 علما أن اتفاقات أبراهام التي وقع عليها المغرب للتطبيع مع إسرائيل تمت في دجنبر 2020؟
صحيح أنني أنهيتها عام 2021 وأنا أستحضر كل ذلك، وبدون شك أن هذه التطورات كانت حاضرة. أنهيت أحداث الرواية في مارس 2019 عن قصد لأن هذا يحيل على تجربة شخصية كنت فيها على وشك الموت وخضعت لعملية جراحية، كدت ألقى حتفي. هناك جوانب ذاتية في عملي، أكيد.
يعني أنك لا تجد نفسك في أي واحد منها…
أجد نفسي في شخصية ضامرة لا تظهر، يتم الحديث عنها في ضمير الغائب.
لمَ لا تريد الكشف عنها؟
أنا لست الموتشو، ولست المحتجبة، ولست إستير بكل تأكيد، ولست بنيس ولا محند…
ما هي الأعطاب التي ترى أن من الممكن إصلاحها من خلال أحداث الرواية ومسارها؟
هناك فكرة كانت تتردد وبالأخص في الأوساط الأكاديمية الغربية، أو الإسرائيلية، مفادها أن العالم العربي كسر الآخر، أو كسر المرآة التي فرضت على أقلياته الصمت أو غيره. هناك جانب من الصحة، في ذلك، ولكنه ليس كل الصحة. هناك من اختاروا ألاّ يكونوا جزءا من الأنا الجمعي. أليس الآخر مسؤولا عن كسر المرآة كذلك؟ أو على الأقل أن المسؤولية مشتركة. نتفق مثلما يقال بأن العالم العربي حرم نفسه من أقليات كانت فيه، بمن فيهم المسيحيون العرب الذين اضطر الكثيرون منهم إلى المغادرة سواء في سوريا أو لبنان، كما أن هناك الآن حديث عما يسمى باليهود العرب وهذا المصطلح كان مزعجا في إسرائيل، ويعتبر متناقضا في ما يخص هوية إسرائيل المستحدثة. لكن نجد المرحوم السرفاتي وغيره مثل عمران المالح، وعدة في تونس، وكورييل في مصر، يعتبرون أنفسهم عربا يهودا. لا بد من إجراء قراءة نقدية لإسرائيل وخطابها، وهذا ما حاولت القيام به في الرواية.
هناك نهاية غير متوقعة للرواية باختيار آية قرآنية…
(مقاطعا بحماس) ليس الآية فقط، بل منطوقها.
لم يسبق لحسن أوريد أن أنهى روايته بهذه الطريقة ومن خلال الآية 5 من سورة القصص والتي تقول: «وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ». فما هي الرسالة التي تحملها هذه الآية القرآنية بالضبط؟
لذلك أريد أن تُقرأ الرواية من ألفها إلى يائها. لا أستطيع أن أجيب عن رسالة أو رسائل. الخاتمة أنا من كتبها ولم تكتب نفسها. نكتشف في الرواية ما لم نكن نتوقعه.
من بين الإشكاليات التي تطرحها الرواية هو سعر البيع للجمهور، ألا تعتقد أن تسعيرها بمبلغ 160 درهما مبالغ فيه شيئا ما وقد يساهم في حرمان فئات واسعة من الراغبين في اقتنائها، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والغلاء الذي يضرب القدرة الشرائية للمواطنين على وجه العموم؟
هذا مشكل لا دخل لي فيه، ولم أُستشر في القضية، ولكن الناشر أخذ بعين الاعتبار ملاحظات القراء والمهتمين وخفّض السعر وسيخفض أكثر. لم أعرف السعر إلا فور توزيع العمل، وفوجئت مثل كل القراء، وطبعا لو سُئلت لاعترضت، وأكيد أنني سأعمل مع الناشر الذي أتعامل معه لأول مرة على معالجة الأمر، وهو اعترف وأسر لي بأمرين بأنه سيعيد النظر في السعر، كما أبديت ملاحظات فيما يخص الغلاف، ولكن لم ألح لأنه هو الذي يتحمل مسؤوليته، لذلك سيتدارك الأمر في الطبعة الثانية في ما يخص الغلاف، وأنا أريد أن أعتذر للقراء وأؤكد أن لا دخل لي في الأمر وأنا أحترم اختصاصات كل شخص، كما أريد من الناشر أن لا يمس جوهر الرواية ولغتي، لكن السعر والتوزيع والغلاف فكلها أشياء لا أتدخل فيها.
كيف تتوقع ردود الفعل بعد صدور الرواية وهل يمكن القول أنها ستنجح في إحداث نوع من حلحلة المياه الراكدة داخل العقل المغربي والعربي بخصوص قضايا مصيرية، من خلال خط سير أحداث هذه الرواية؟
من المفترض في المثقف ألا يُساير بالضرورة المعتاد أو الخضوع لتوجهات معينة لأن مفهوم المثقف كمفهوم غربي هو أنه «يرى ما لا يُرى» وحسب مقولة لسارتر ف»كل شخص يشاهد ولكن ليس كل شخص يرى»، لذلك فمسؤولية المثقف هي أن تكون له الحرية وليس تحت ضغط بنية معينة مما يمكنه من الخروج من الطرق المألوفة، ولكن بناء على أدوات معرفية وليس من أجل الإثارة، وأنا في كل القضايا ذات الطبيعة الفكرية التي كتبت عنها، أتريث، بل ومنها ما كلفني إنجازه قراءات ومسارات معينة. فأنا لا أتحدث، مثلا، عن الصراع العربي بناء على انطباعات، فأنا درّست الموضوع لعشر سنوات لطلبة فرنسيين بالأساس من معهد العلوم السياسية لبوردو. غايتي ليس أن أزعج ولكن أدعو إلى التفكير وأساعد إن أمكن في ترصد بعض الحلول. لا نملك الحقيقة ولكن نملك جزءا من الحقيقة ونستطيع أن نبلغ الحقيقة من خلال الحوار والنقاش وهذا ما أسعى لأقوم به. هل وفقت؟! لا أدري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.