* محمد كريم بوخصاص بعد أن كانت مستبعدة، أصبح الجميع يَسمع قَرع طبولها، وباتت وشيكة أكثر من أي وقت مضى. إنها الحرب بين المغرب والجزائر، التي يشتعل فتيلها يوميا مع التحركات المشبوهة للبوليساريو في المنطقة العازلة، والتي تتعامل معها القوات المسلحة الملكية بكل قوة وحزم.
منذ الأربعاء 26 يناير 2022 وعلى مدار أيام متواصلة، تداول الإعلام الجزائري بإسهاب خبر حدوث قصف جوي للقوات المسلحة الملكية بالمنطقة العازلة شرق الجدار الرملي، تحديدا في منطقة «مهيريز» القريبة من تيفاريتي التي تعلنها البوليساريو «عاصمة»!، وتباين الأمر بين الحديث عن استعمال طائرة مسيرة «درون» ومقاتلة F-16 النفاثة. حرصت الأجهزة الإعلامية الجزائرية على ترويج فكرة أن القصف استهدف مدنيين عزلا كانوا في طريقهم نحو مخيم ازويرات في موريتانيا، رغم أنها نفسها تَنشر منذ أزيد من عام تقارير عن وجود «حرب» مشتعلة شمال المنطقة العازلة، ما يَفترض أن تكون خالية من المدنيين !! لم يَصدر عن الرباط أي تعليق على الأخبار المنشورة، لكن تتبع سلوك المملكة الشريفة منذ إعلان «البوليساريو» تحللها من اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991 بتاريخ 14 نونبر 2020، أي يوما واحدا بعد تحرير معبر الكركرات، يؤكد أن المملكة تتبنى سياسة «الدق والسكات»، حيث أصبحت تتعامل بحزم مع أي تحرك مشبوه في المنطقة العازلة التي وضعتها تحت مسؤولية الأممالمتحدة لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، قبل أن تستغل الجبهة الانفصالية هذا الوضع لتغذية نشاطها وتشييد منشآت ومباني، خاصة في محور «بئر لحلو- تيفاريتي- مهيريز».
«صمت» وتناقض!
رغم «صمت» المغرب إزاء هذه العملية، يظهر أن الجزائر متوترة كثيرا لدرجة خروج مسؤول بالخارجية الجزائرية يَحمل صفة «المبعوث الخاص المكلف بقضية الصحراء الغربية!!» للحديث عما سماها «عمليات يقوم بها الجيش المغربي شرق الجدار الرملي باستعمال أسلحة متطورة تستهدف مدنيين»، وترويج أن «المغرب يخرق اتفاق وقف إطلاق النار» الذي تُوجد البوليساريو في موقع المتحلل منه منذ 15 شهرا ! وحتى 28 يناير الماضي، بلغ عدد «البيانات العسكرية» المنسوبة إلى الجبهة الانفصالية التي نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية 442 بيانا يتحدث عن «أقصاف» و»عمليات تستهدف تخندقات الجنود المغاربة» و«خسائر في الأرواح والآليات»، آخرها بيان يروج استهداف أفراد من الجيش المغربي في منطقة تابعة للسمارة، منشور في نفس التوقيت تقريبا مع قصاصة «مقتل المدنيين الصحراويين» في مهريز التي يُفترض أنها تعرف حربا ضروسا وفق رواية البوليساريو- وهو ما يسائلها بشأن تحرك مدنيين فيها، يقول متتبع ساخرا.
حرب ورصاصتان!
بغض النظر عن تناقض رواية الجزائر والبوليساريو لما يجري في الأرض، تُعيد التطورات الميدانية الحاصلة إلى الواجهة سؤالا ظل يتردد منذ فترة طويلة: هل ستشتعل الحرب المباشرة بين المغرب والجزائر؟ تعود آخر حرب بين البلدين إلى 45 عاما، عندما جَرَّبَ الرئيس هواري بومدين خطة لفرض الأمر الواقع، من خلال دفع جنوده للتوغل في منطقة «أمغالا» البعيدة عن الحدود الجزائرية ب200 كلم، قبل أن تصدهم القوات المسلحة الملكية التي حسمت المعركة في أقل من 48 ساعة بعد أسر 101 فرد وقتل مائة آخرين بمن فيهم قائدي كتيبتين. ومع محاولة الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون إحياء «البومدينية»، وإصداره سلسلة من القرارات العدائية ضد المملكة، آخرها قطع العلاقات الدبلوماسية، تبدو الحرب وشيكة وقريبة من الانفجار في أي لحظة، خاصة أن طبولها تُقرع في الإعلام الجزائري يوميا. وفي ظل هذا الوضع المشحون، يَرمي المغرب ب«رصاصتين» في وجه الجزائر: رصاصة «التجاهل!» التي تُكبل مستثمري الحرب في قصر المرادية، ورصاصة «الحزم» التي تُمَشِّط ال20 في المائة من الصحراء التي وضعها تحت مسؤولية الأممالمتحدة منذ ثلاثين عاما لتجنب استمرار الحرب. وبحسب حديث مصدر رفيع ل»الأيام»، فإن القوات المسلحة الملكية المرابطة على طول الجدار الرملي لديها تعليمات صارمة منذ تحرير معبر الكركرات في 13 نونبر 2020 للتعامل الحازم مع أي تحركات مشبوهة شرق الجدار وصد أي هجوم للانفصاليين. وكحصيلة أولية، فقد وقع 1099 حادثا جرى فيها إطلاق نار من مسافة بعيدة على وحدات الجيش المغربي عند الجدار الرملي أو بالقرب منه، وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين 13 نونبر 2020 و31 غشت 2021، بحسب تقرير الأمين العام حول «الحالة المتعلقة بالصحراء» المنشور في فاتح أكتوبر 2021، مع تركز 83 في المائة من تلك الحوادث في المحبس، كما سجل المغرب 22 «محاولة تسلل» عند الجدار الرملي، و724 طلعة استطلاعية لجبهة البوليساريو، نحو 88 في المائة منها في منطقتي المحبس وأوسرد، لكن كل هذه العمليات ظلت محدودة الأثر وتحت سيطرة وتوقع الاستخبارات العسكرية، يقول مصدر مطلع، بفضل الطائرات المسيرة وقمري محمد السادس الاصطناعيين. وأمام تركز عمليات البوليساريو في المحبس، يضيف مصدرنا، بدأ الجيش المغربي منذ مارس الماضي تشييد جدار رملي جديد بطول خمسين كيلومترا في منطقة «تويزكي» الوعرة التابعة لإقليم أسا الزاك، حيث الحدود مع الجزائر، ويتوقع أن يقطع الطريق أمام تسلل العناصر الانفصالية للمنطقة مستقبلا، ويعزز وجود القوات المسلحة الملكية في مساحة جغرافية جديدة في المنطقة العازلة على غرار ما حصل في الجنوب، حين قام بتشييد جدار رملي بطول 20 كيلومترا في الكركرات، ساهم في تعزيز وجوده في نحو 40 كيلومترا من الأراضي في المنطقة العازلة. وتكتسب جماعة «تويزكي» أهمية استراتيجية في مواجهة مسلحي البوليساريو لمرور الجدار الرملي من ترابها وقربها من جماعة المحبس، المنطقة الوحيدة من المنطقة العازلة التي تملك حدودا مشتركة مع الجزائر، ومن شأن توسيع الجدار الأمني شرقا في تويزكي والزاك والمحبس أن يساهم في إغلاق المنافذ على عناصر البوليساريو بشكل تام ومنعها من الوصول إلى المناطق العازلة شرق الجدار الرملي.
السلاح النوعي الحاسم
بالعودة إلى العملية النوعية الأخيرة للمغرب ب»الدرون»، فإنها تؤكد التفوق المغربي في سباق التسلح مع الجزائر، إذ منذ حصول المملكة على هذا النوع من السلاح قبل عامين تغيرت موازين القوى في الصحراء، خاصة بعد استعماله في استهداف ما يسمى «قائد الدرك» في جبهة البوليساريو في أبريل الماضي والمسلحين الجزائريين في نونبر الماضي. وفي ما لا تتوفر الجزائر على هذا السلاح الفعال، سيحصل المغرب خلال الأشهر المقبلة على أنواع أخرى من الطائرات المسيرة لتعزيز أسطوله من طائرات «الدرون» الفرنسية من نوع «هارفانغ» (وهي نسخة من طائرات «أيرون» الإسرائيلية)، التي تمتاز بقدرة كبيرة على الرصد والقيام بالمهمات الاستطلاعية التجسسية، وتستطيع الطيران 20 ساعة دون توقف، وهي مزودة بأجهزة استشعار بصرية ورادار، مما يضمن إمكانية تنفيذها للمهام على مدار الساعة وفي جميع الظروف الجوية. ومن بين الأنواع التي ستلتحق بالخدمة في الجيش المغربي طائرة من نوع «بايراكتار TB2» التركية التي تتميز بقدرتها على حمل أوزان تصل إلى 150 كيلوغراما، إضافة إلى التحليق لمدة 24 ساعة كاملة دون توقف، وتوفرها على معدات المراقبة والرصد الليلي وقدرتها على ضرب الأهداف بدقة عالية، وأيضا «إم كيو-9بي سي» (طائرة بدون طيار كبيرة الحجم) التي يستعملها سلاح الطيران الأمريكي والبريطاني واستخدمت في عملية اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بمطار بغداد في يناير 2020، والتي يصل وزنها إلى 5 طن وتستطيع حمل صواريخ موجهة وقنابل بوزن 1.7 طن، وتعمل على مدى 3000 كيلومتر.
أهداف الجيش المغربي القادمة بعد التأمين الكلي للمنطقة العازلة للكركرات، هناك ثلاث مواقع بالمنطقة العازلة تسارع القوات المسلحة الملكية لتأمينها، أولها «المحبس» إحدى الجماعات القروية المشكلة لدائرة الزاك التابعة لإقليم «أسا الزاك»، التي يتسلل إليها عناصر البوليساريو باستمرار، وكانت مسرحا لتصعيد عسكري في مارس 2018، عندما اقتحمت عناصر انفصالية مسلحة على متن أربع سيارات من نوع «جيب» موقعا يبعد نحو كيلومتر واحد عن قرية المحبس على مقربة من الجدار الأمني ونصبت به خياما وحفرت فيه خندقا، قبل أن تنسحب بعد مكوثها في الموقع لأزيد من ساعة. ثانيها «تيفاريتي» البلدة الواحية البعيدة عن السمارة ب18 كيلومترا، والتي منع الجيش المغربي احتلالها سنة 1991 عندما قصف مواقع احتلها الانفصاليون وسرعان ما انسحبوا منها، لكنها ظلت هدفا مستمرا للبوليساريو التي نظمت فيها ما سمته «مؤتمرها ال12» في دجنبر 2007، وشيدت فوقها مساكن ومرافق، وأطرت فيها تجمعات عسكرية، علما أنها أعلنت أكثر من مرة نيتها نقل جزء من مخيمات تندوف إليها، وتروج معلومات لم تتأكد «الأيام» من صحتها عن قصف الجيش المغربي في الأسابيع الماضية منشآت البوليساريو العسكرية التي تعد مخالفة لاتفاق وقف إطلاق النار. ثالثها: بئر لحلو، وهي قرية قريبة من الحدود الموريتانية، تقع على بعد 220 كيلومترا جنوب غرب تندوف الجزائرية، وتروج «البوليساريو» أنها عاصمة مؤقتة لجمهوريتها الوهمية، وفيها أعلنت عن تشكيل أول حكومة لها، وتم دفن زعيمها محمد عبد العزيز يوم 4 يونيو 2012، لذلك يتذيل اسمها كل البيانات والمراسيم التي تصدر عنها. وفي 5 مارس 2016 وصل إليها الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، وهي الزيارة التي اعتبرها المغرب انحيازا واضحا من الأمين العام الذي يفترض أن يبقى «وسيطا محايدا» في قضية الصحراء المغربية. وعلى غرار تيفاريتي تعتبر بئر لحلو هدفا للقوات المسلحة في المرحلة القادمة.
السلاح: كفتا ميزان الرعب إذا كانت الحرب بين المغرب والجزائر قاب قوسين أو أدنى من الاندلاع، خاصة مع دفع الجزائر عناصر البوليساريو إلى المنطقة العازلة والتعامل الحازم الذي ينهجه المغرب، فإن عملية المقارنة بين موازين القوى لكلا البلدين تبقى ضرورية. للوهلة الأولى يظهر تفوق للجيش الجزائري باعتباره يحتل المرتبة 26 عالميا من حيث الإنفاق على السلاح مقابل الرتبة 57 للمغرب، بحسب تصنيف «غلوبال فاير يور»، وأيضا من حيث حجم قطع السلاح التي يتوفر عليها، لكن البحث في نوعية السلاح وطبيعة التكنولوجيا العسكرية التي يتوفر عليها كل بلد يعطي الأفضلية للجيش المغربي، خاصة على مستوى سلاح الجو، إذ يمتلك المغرب طائرات «الميراج» و»الرافال» الفرنسيتين وطائرات الF16 الأمريكية المتطورة، بالإضافة إلى طائرات «الدرون» الفرنسية/ الإسرائيلية من نوع «هارفانغ»، فيما يعتمد سلاح الجو الجزائري على الطائرات المقاتلة الروسية «Su-30MK» وطائرات «سورخي» الأقل تطورا. كما يتفوق المغرب في سلاح الفضاء باعتباره البلد الإفريقي الوحيد الذي يتوفر على أقمار اصطناعية ذات دقة عالية، بحسب الموقع الفرنسي «ثيتروم بيلي» المتخصص في قضايا الدفاع والأمن والتكنولوجيا، تجعل كل تحركات جنود الجزائر مكشوفة للقوات المسلحة وفي مرمى أهدافها في حالة تسللها إلى الصحراء، ويتعلق الأمر بقمري «محمد السادس أ و ب» الصناعيين اللذين أطلقا على التوالي في 7 نونبر 2017 و20 نونبر 2018، وحرصت الرباط آنذاك على إبعاد النظر عن وظيفتهما الأمنية والتركيز على أنشطتهما المدنية، فيما تتوفر الجزائر على قمر اصطناعي واحد يحمل اسم «ألكوم سات» وأطلقته في 10 نونبر 2020 بتعاون مع الصين ويُستبعد أن تكون له وظيفة أمنية. ولقمري «محمد السادس» أدوار استخباراتية تتعلق بتعزيز قدرات المملكة في مراقبة شريطها الحدودي، خاصة الشرقي والجنوبي، مما يجعلها قادرة على ضبط كل تحركات الخصوم في المنطقة العازلة. وعلى امتداد السنوات الثلاث الماضية تمكن الجيش المغربي من توفير قاعدة بيانات غنية بالاعتماد على تقنية الاستطلاع وجمع المعلومات، جعلته قادرا على تقديم معلومات موثقة عن الانتهاكات العسكرية في المنطقة العازلة إلى الأممالمتحدة، إضافة إلى رصد استعدادات للجبهة الانفصالية لنقل مقرات بعض منشآتها الإدارية والعسكرية من مخيمات تندوف في الجزائر إلى منطقتي بئر لحلو وتيفاريتي اللذين يقعان شرق الجدار الرملي الدفاعي للمغرب. ويتوفر القمران الصناعيان المغربيان على تكنولوجيا فائقة الدقة، خاصة القمر «محمد السادس- ب» الذي بلغ وزنه عند الإطلاق 1108 كيلوغرام، ويصل عمره الافتراضي ما بين 5 و10 سنوات، ويتوفر على نظام متطور لتحديد المواقع، وبإمكانه أن يجوب الأرض خلال مائة دقيقة فقط، كما بإمكانه بفضل التجهيزات التي يتوفر عليها، أن يستمد طاقته من الشمس، ويرسل مع القمر الصناعي «أ» ألف صورة في اليوم إلى فرق المركز الملكي للاستشعار الفضائي عن بعد، والمركز الملكي للدراسات والأبحاث الفضائية، فضلا عن قدرته على التقاط صور بحجم 70 سنتيمترا. وعلى مستوى القوات البرية، يظهر تفوق جزائري على مستوى قطع السلاح، حيث يتوفر على 2405 دبابة مقابل 1276 للمغرب و6754 عربة قتالة مدرعة مقابل 2348 للمغرب، و270 مدفعية مقطورة مقابل 192، و176 أنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة مقابل 72 للجيش المغربي، مع تسجيل تفوق مغربي في عدد المدافع المحمولة على آلية التي يصل عددها إلى 448 مقابل 220 للجيش الجزائري. كما يظهر تفوق للجزائر في القوات البحرية نظير عدد ونوعية الأسلحة التي يتوفر عليها، حيث يمتلك 8 فرقاطات مقابل 6 للمغرب، و48 سفينة للدفاع الساحلي مقابل 18 للمغرب و6 غواصات مقابل صفر للمغرب، لكن لن يكون لذلك أي تأثير في حالة نشوب الحرب، لأنها رحاها ستدور جوا وبرا.
خطة "خنق" البولساريو مع توجه المملكة للتعامل الحازم مع استفزازات البوليساريو في المنطقة العازلة، أصبح تأمين كل الجبهات أولوية لتحقيق الانتصار في الحرب الصامتة مع الجزائر، لذلك اتجه المغرب منذ أشهر إلى توسيع الجدار الرملي لحماية الصحراء من كل المنافذ، إذ بعد تشييد حزام أمني جديد في المنطقة العازلة للكركرات في نونبر 2020 لمنع تكرار سيناريو إغلاق معبر الكركرات مستقبلا، اتجه الجيش الملكي في مارس 2021 نحو تمديد الجدار الرملي بنحو خمسين كيلومترا في منطقة «تويزكي» الوعرة التابعة لإقليم أسا الزاك بجهة كلميم واد نون، حيث الحدود الدولية مع الجزائر. وتكتسب جماعة «تويزكي» أهمية بالغة في مواجهة تسلل البوليساريو لمرور الجدار الأمني من ترابها وقربها من جماعة المحبس، المنطقة الوحيدة من المنطقة العازلة التي تملك حدودا مشتركة مع الجزائر، والتي كانت دائما مثار صداع الرأس بالنسبة للمملكة، وفي حال ما إذا أتم المغرب توسيع الجدار الأمني شرقا في تويزكي والزاك والمحبس، فإن ذلك يعني إغلاق المنافذ على عناصر البوليساريو بشكل تام ومنعها من الوصول إلى المناطق العازلة شرق الجدار الرملي، خاصة إذا مضت الحكومة الموريتانية في مشروعها بإنشاء مناطق دفاعية على طول حدودها الشمالية مع الأقاليم الصحراوية، ما يعني عمليا منع الانفصاليين من الوصول إلى الصحراء عبر ترابها. وفي انتظار الانتهاء من إغلاق كل المنافذ أمام عناصر البوليساريو، يبقى «الجدار الرملي» أخطر سلاح نوعي يمتلكه المغرب لحماية أراضيه في الجنوب، وبفضله تمكنت القوات المسلحة الملكية من الرد على كل مناوشات البوليساريو في الأشهر السابقة، والتصدي لجميع الأخطار المحدقة بمنطقة الصحراء طيلة الثلاثين عاما الماضية، بما فيها منع تنقل شبكات الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، والاتجار بالبشر وتهريب المخدرات وغيرها. ويبلغ طول الجدار الرملي أو «الجدار الدفاعي» كما يسمى عسكريا حوالي 2500 كيلومتر، ويتراوح عرضه بين 50 و100 متر، وعلوه بين 6 و12 مترا، ويمتد من منطقة «آسا الزاك» إلى الحدود الموريتانية، ويحرسه 135 ألف جندي يتوفرون على أحدث الوسائل العسكرية المتطورة من أنظمة الإنذار المبكر، وتقنيات الردع الالتقائي لأي هجوم مفاجئ وأنظمة المراقبة المتطورة مثل رادار «راسوار»، فضلا عن البطاريات والراجمات والمدافع والصواريخ القصيرة والطويلة المدى، وزرع الألغام الأرضية المضادة للدبابات والدروع. ورغم السعي الحثيث من جانب الانفصاليين لإعاقة عمل المغرب بهذا السلاح النوعي، لم يسبق أن تعرض الجدار الرملي لأي انتقاد في أي تقرير أو توصية صادرة عن الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي، بل لم يتضمن أي مقرر لمجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة ما يفيد أنه غير شرعي، بل تم اعتماده من طرف الأممالمتحدة باعتباره خطا يحدد مناطق الحظر العسكري الذي تضمنه الاتفاق العسكري لعام 1988 كجزء من مقترحات التسوية التي تم اعتمادها من قبل مجلس الأمن القرار عدد 658 الصادر في 17 يونيو 1991. ويعود تشييد المغرب لهذا السلاح الاستراتيجي بساعد عسكرييه إلى الفترة ما بين 1980 و1987، عندما قضت ثلاثة فيالق عسكرية (أحد، والزلاقة، والأراك) يتكون كل واحد منها من 20 ألف عنصر، سبع سنوات كاملة في تشييد جدار أمني، بعد نجاح جدار شيد في البداية حول محور بوجدور السمارة بوكراع في دحر الانفصاليين، حيث جمع الملك الراحل الحسن الثاني كبار الضباط في اجتماع حاسم في أكادير، وتم التداول حول الفكرة التي بإمكانها إيقاف الهجمات العسكرية ل»البوليساريو»، ودفعها للتراجع إلى تندوف، وحينها تم التداول في عدد من الاستراتيجيات الدفاعية، ومن ضمنها التي تم العمل بها في بعض التجارب المشابهة، مثل جدار بارليف في سيناء بمصر، الذي استعمل لإيقاف القوات الإسرائيلية، وخط ماجينو بفرنسا ثم خط موريس بالجزائر.
لا مجال لتحركات البوليساريو أعادت العملية العسكرية الأخيرة للقوات المسلحة الملكية قرب مهيريز، الحديث عن «المنطقة العازلة» التي كانت مسرحا لفصول من الصراع مع جبهة «البوليساريو» طيلة العقود الثلاثة السابقة، قبل أن تنهج مملكة محمد السادس منذ 13 نونبر 2020 سياسة الرد الميداني الحازم ضد تحركات مسلحي الجبهة الانفصالية ومنشآتها العسكرية. وبدأت قصة «المنطقة العازلة» عشية اتفاق وقف إطلاق النار في شتنبر 1991، حين انسحب الجيش المغربي خلف الجدار الرملي لتمكين الأممالمتحدة من إقامة منظومتها الخاصة بمراقبة وقف إطلاق النار، وجعل المساحة الممتدة شرق الجدار إلى الحدود الدولية مع الجزائر تحت المسؤولية الحصرية لقوات الأممالمتحدة (المينورسو)، التي تم تأسيسها بقرار أممي رقم 690، بتاريخ 24 أبريل 1991، على أساس أن تخلو المنطقة من كل العناصر المسلحة من الطرفين. لكن الذي حصل أن «البوليساريو» استغلت هذا الوضع وظلت تتحرك في المنطقة العازلة بدعوى أنها «أراضي محررة»، حتى أنها قامت ببناء منشآت عسكرية وإدارية في كل من بئر لحلو وتيفاريتي وغيرهما. وطيلة العقود الثلاثة السابقة، كان تأمين المنطقة العازلة من طرف المغرب مهمة مستحيلة، لكون مساحتها شاسعة (53 ألفا و200 كلم مربع) تمثل 20 في المائة من إجمالي مساحة الصحراء (تشكل 5 مرات مساحة لبنان)، وكانت مناطق بعينها تشهد خرقا مستمرا لاتفاق وقف إطلاق النار من جانب البوليساريو، وهي: بئر لحلو وتيفاريتي والمحبس والكركرات وأمغالا ومهيرس ومجق وأغوانيت، لكن بعد إطلاق المملكة قمري محمد السادس «أ» و»ب» واقتنائها الطائرات المسيرة خلال العامين الماضيين، أصبحت قادرة على رصد كل تحركات الانفصاليين والتعامل معها بالنحو الذي تريد. في السابق، كان المغرب يكتفي بتذكير الأممالمتحدة بأن الجدار الرملي الذي يتمركز فيه أفراد الجيش المغربي ليس خطا حدوديا، وإحصاء عدد مرات خرق «البوليساريو» لاتفاق وقف إطلاق النار، والتي بلغت أزيد من 1500 مرة، لكن الوضع تغير منذ تحرير الكركرات مع بدء استعماله القوة لطرد الانفصاليين من المنطقة أمام عجز المنتظم الدولي عن التصرف بالشكل المطلوب، علما أن الأممالمتحدة تعتبر التواجد في المنطقة العازلة بلباس عسكري مصدر استفزاز، ولديها 6 مراكز للمراقبة في كل من بئر لحلو وتيفاريتي ومهيريز والميجق وأكوانيت والمحبس تحتاج باستمرار لخدمات المغرب لحمايتها. وطالبت جبهة البوليساريو أكثر من مرة بالانتشار العسكري في المنطقة العازلة شرق الجدار، بدعوى أنها «مناطق محررة»، لكن الأممالمتحدة لم تستجب لمطالبها، حيث أشار تقرير الأمين العام للأمم المتحدة رقم 404/S الصادر في 19 ماي 1995 إلى اعتراض البوليساريو على اقتراح بقصر وجود قواتها خارج الإقليم، ورفض المغرب الموافقة على أن يقصر وجود قوات الانفصاليين على المنطقة الواقعة بين الجدار الرملي والحدود الدولية للصحراء، وهو نفس الطلب الذي ورد في تقرير مجلس الأمن رقم 779/S الصادر في 8 شتنبر 1995، لكن تم رفض اعتراض «البوليساريو»، ولهذا وجه المغرب رسالة رسمية في 23 غشت من العام ذاته، لتأكيد هذا الرفض، وهو ما أخبر به الأمين العام للأمم المتحدة مجلس الأمن في تقرير حول هذا النزاع المفتعل بتاريخ 8 شتنبر 1995، كما أشار تقرير للأمين العام للأمم المتحدة رقم 461/S الصادر في 22 يونيو 2000 إلى قيام «البوليساريو» بتقديم اقتراح يفضي بالاقتصار فقط على عودة ساكنة المخيمات إلى شرق الجدار عند تطبيق خطة التسوية، وهو ما يعني ضمنيا عدم وجودها بين شرق الجدار والحدود الدولية للمغرب مع الجزائر.