ما زال الانقلاب في السودان حديث الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي على حد سواء منذ الاثنين. وكما يتواصل الحراك في شوارع السودان يتواصل التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي خاصة بعد الخطاب الثاني لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان. ومن بين الرافضين للانقلاب تتعالى أصوات النساء بشكل خاص فسألنا لماذا؟ Getty Images "حمدوك في منزلي" قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان تحدث مرة أخرى ليثير جدلا أكبر من الذي أثاره أمس بالخطاب الذي اعتبر "إعلانا رسميا للانقلاب". قال البرهان في خطاب اليوم الثاني بعد الانقلاب إن "رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في بيتي وسيعود إلى منزله إذا أصبح الوضع آمنا". غطى التصريح على كل شيء آخر قاله البرهان وتركز حوله التفاعل مع كلمته عبر وسائل التواصل الاجتماعي داخل السودان وخارجه بين مستغرب وساخر. وطرح المتفاعلون أسئلة تبين عدم اقتناعهم بما قاله البرهان بشأن حمدوك كان أبرزها: "لماذا لم يخرج حمدوك للعلن لدحض ما قيل حول اختطافه هو وأسرته؟". أثار تصريح البرهان بشأن مصير حمدوك ووضعه الحالي أيضا موجة من السخرية. أما خطاب البرهان ككل فلم يختلف وقعه على السودانيين عن خطابه في اليوم السابق، كما يبدو من تعليقات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. اعتبر كثيرون خطاب البرهان، الذي أريد به تهدئة الوضع، "تجميلا للانقلاب". وعلى الصفحة الرسمية لمكتب رئيس وزراء السودان نشر بيان يطالب بإطلاق سراح حمدوك وجميع من معه "فورا". ويصف البيان كلام البرهان ب"دعاوى لن تنطلي على الشعب السوداني وعلى العالم". عين على تطورات الوضع في السودان يتواصل غليان الشارع السوداني وتتواصل ردود الفعل الرسمية وغيرها في التفاعل مع تطورات الوضع في البلاد. كانت صفحات وزارة الثقافة والإعلام وتجمع المهنيين السودانيين ولجنة أطباء السودان المركزية عبر فيسبوك وتويتر من أكثر الصفحات نشاطا منذ بدء الانقلاب. تنشر باستمرار بيانات وردود فعل وقرارات متعلقة بالتحركات الرافضة للانقلاب. وتتابع لجنة أطباء السودان المركزية في صفحتيها على فيسبوك وتويتر تطورات أوضاع المتظاهرين من المصابين والقتلى. وتنشر صفحة تجمع المهنيين السودانيين صورا ومقاطع فيديو لتعبيرات الغضب في الشارع من إغلاق للطرقات وتركيز للمتاريس وإشعال للإطارات المطاطية بالإضافة إلى المسيرات والهتافات المناهضة للانقلاب. ونشر تجمع المهنيين صباحا بيانا جدد فيه دعوته إلى "المقاومة السلمية للانقلاب" باستخدام ما وصفه ب"أدوات المقاومة السلمية المجربة في الإضراب السياسي العام والعصيان المدني الشامل والمفتوح". ورفضا للانقلاب، أعلن معرض الخرطوم الدولي للكتاب، الذي انطلقت دورته السادسة عشر يوم الجمعة 22 الماضي، عن تعليق جميع فعالياته. وقال مدير المعرض، حاتم إلياس، إن إيقاف فعاليات هذه الدورة "يعود إلى الظرف السياسي الماثل وتطورات الانقلاب العسكري واعتقال رئيس الوزراء ووزير الثقافة والإعلام، و أعضاء الحكومة الانتقالية". وقال إلياس إن "الانقلابات العسكرية خصم طبيعي للمعرفة والثقافة ولا يمكن أن يقام المعرض في هذا الظرف الاستثنائي". أصداء الشارع السوداني بدأت خدمة الانترنت تعود جزئيا وتدريجيا في السودان حسب ما يقول سودانيون عبر تويتر وفيسبوك. ورغم قطع خدمات الإنترنت والاتصالات في السودان مع بداية الانقلاب إلا أن دفق الصور ومقاطع الفيديو لم يتوقف. يتداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات صوروها أو نقلوها لما يحدث في شوارع الخرطوم وعطبرة وغيرها من المناطق من تحركات تعبر عن رفض الانقلاب. وكان أكثر مقاطع الفيديو تداولا يصور اعتداء من عناصر يرتدون زيا عسكريا على مواطنين، ومنهم نساء، بالضرب والعصي في أحد الشوارع. واستخدم مغردون الفيديو كداعم لرفضهم الانقلاب وك"دليل" على ما قالوا إنه سيكون "أسلوب التعامل المعتمد مع المواطنين" لو نجح الانقلاب وأنه "عينة من حكم العسكر". ومنذ بداية الانقلاب صباح الاثنين يتداول الرافضون للانقلاب ثلاثة وسوم هي #لاللانقلاب_العسكري #العصيان_المدني_العام و #الردة_مستحيلة . منهم من يرفضه مبدئيا رفضا ل"حكم العسكر" ومنهم من يتأتى رفضه من الوضع السوداني بخصوصياته ومن تجاربهم السابقة. كان الرفض هو رد الفعل الغالب والمسيطر في الشارع وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن هذا لا ينفي وجود من يرى أن الحل العسكري هو الحل الأمثل للوضع في السودان. ومنهم من يعتبر المظاهرات التي يشهدها السودان منذ أيام قبل الانقلاب دليلا على عدم الرضا عن حكم المجلس الانتقالي وبالتالي يعتبر الانقلاب نوعا من الاستجابة لنبض الشارع السوداني. لكن المتظاهرين والرافضين للانقلاب يقولون إن التظاهر ضد المجلس لم يكن في أي وقت يطالب بحكم عسكري ولا يمكن أن يكون مبررا للانقلاب. ماذا يعني الانقلاب لنساء السودان؟ في كثير من مقاطع الفيديو المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة تلك التي يردد فيها المتظاهرون شعارات رافضة للانقلاب، تتعالى أصوات النساء بحدة. تردد بعض النساء في شوارع السودان شعارات رفض الانقلاب العسكري بقوة وبحرقة تدل على خصوصية هذا الحدث بالنسبة إليهن، وكأنهن يخشين أكثر مما يخشاه عموم الرافضين للانقلاب. شاركت السودانيات في ثورة ديسمبر، التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير، وكان حضورهن قويا وفاعلا وعرفن في العالم بلقب "الكنداكات" تشبيها لهن بالملكات في تاريخ حضارتهن. وحققن من هذه المشاركة مكاسب ليس من السهل الرجوع إلى ما قبلها كما لم يكن من السهل الحصول عليها. سألت بي بي سي الناشطة النسوية والسياسية والفاعلة في المجتمع المدني ناهد جبرالله عن ما تخشاه نساء السودان حتى يرفضن الانقلاب العسكري بهذه الحدة فقالت إنهن يخشين "الردة". قالت جبر الله إن "الثورة بكل معانيها من حرية وعدالة وسلام تنعكس مباشرة على نضال النساء من أجل حقوقهن". وأضافت أن "هذا انقلاب على الثورة وبالتالي على نضال النساء وما كسبنه من الثورة"، ووصفته بالخطر المحدق على النساء في جميع المجالات الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية. واستدلت جبر الله بمقاطع الفيديو التي تظهر اعتداء عسكريين على النساء وقالت إن "طرح الداعمين للانقلاب يتضح فيه التوجه للانقلاب على الحريات الاجتماعية ومشاركة النساء". خوف ناهد جبر الله، وكثير من النساء السودانيات من الانقلاب، على مكتسبات المرأة السودانية قد يصور للبعض أن النساء في السودان حققن ما يردنه وما يطمحن إليه، وكأن الوضع كان مثاليا في الفترة التي سبقت الانقلاب تحت حكم المجلس السيادي الذي كان مشتركا بين المدنيين والعسكريين. سألناها عن حقيقة هذا الأمر فقالت "إن النساء في السودان لم ينتزعن كل ما يردنه ولم يحصلن حتى على نسبة الحد الأدنى لتمثيل النساء، وإن نضال نساء السودان متواصل للوصول إلى أهدافهن" لكنها ترى أن الانقلاب العسكري يعني غياب الديمقراطية وبالتالي غياب أطر وظروف تحقيق هذه الأهداف. وأكدت جبرالله أن "الحراك النسوي في السودان سيواصل الضغط نحو تحقيق مطالبه لكن ذلك يستوجب أن تكون آليات التحول الديمقراطي موجودة ومفعلة". أما عن الخطوات القادمة في رفض الانقلاب فقالت ناهد جبرالله إن "النساء في السودان ستواصل التحرك على كل الجهات سواء في إطار التنيظم النسوي أو السياسي العام داخل الأحزاب والفعاليات الناشطة سياسيا بالإضافة إلى التحركات الاجتماعية الشعبية".