* رضوان مبشور صحيح أن التكهنات لا تصنف حزب "الاستقلال" مرشحا كبيرا للفوز بالانتخابات البرلمانية المقبلة، المزمع تنظيمها يوم 8 شتنبر المقبل، لكن المؤكد أن أقدم حزب في المملكة الشريفة يراهن على خلق المفاجأة، خاصة وأنه يخوض سباق التشريعيات بضغط أقل من منافسيه "العدالة والتنمية" و"التجمع الوطني للأحرار". وعلى غرار جميع الأحزاب السياسية، فعلى بعد أسابيع من الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية، يعرف حزب "الاستقلال" نقاشا حادا يبدأ من الصراع حول التزكيات ويتمتد ليسائل هوية الحزب وفلسفته، في ظل وجود أصوات داخله تعتقد أنه انزاح عن أفكار منظره التاريخي علال الفاسي، وأصبح بعيدا عن تربته الشعبية، خاصة في ظل خطته الجديدة التي تركز على تزكية الأعيان والغاضبين القادمين من أحزاب أخرى، وتجاهل مناضلي الحزب الأصليين. وهذه جولة في كواليس النقاش الحاد الذي يعرفه المقر التاريخي للحزب ب"باب الأحد"، حيث تختلف الرؤى والتوجهات ولا تعدم الاصطدامات، ويجد الأمين العام أن غالبية وقته يقضيه في تدبير الطموحات وضبط التوازنات، في انتظار حوار معه ليعلق على جميع الأسئلة التي يعرفها البيت الاستقلالي. كل صباح، يخرج نزار بركة من إقامته الفاخرة بسيارته الفارهة سوداء اللون، بعدما يكون قد اطمأن على هندامه وتصفيف شعره الأبيض الناعم، ليتجه صوب منطقة «باب الأحد» الشعبية بمدينة الرباط، ملتحقا بالمقر التاريخي لحزب الاستقلال. هذا المقر الذي كان شاهدا على العديد من الأحداث وكتبت فيه العديد من صفحات التاريخ المعاصر للمملكة الشريفة سواء في مواجهة الاستعمار أو في إطار التدافع السياسي ما بعد الاستقلال، بين الحزب والقصر، أو بين الأحزاب في ما بينها، وخرجت منه قرارات كبرى غيرت العديد من السياسات وتبنت أخرى. يركن نزار بركة سيارته ليصعد الدرج نحو مكتبه بالطابق الأول لمقر الحزب، ويدلف عبر الباب الضخم ليدخل مكتبه، الذي يعني بالنسبة إليه الشيء الكثير، فحزب «الاستقلال» هو جزء من إرث العائلة بالنسبة لنزار. فهذا الرجل المولود بمدينة الرباط سنة 1964، يتحدر من أسرة سياسية فاسية عريقة، فجده من أمه ليس سوى علال الفاسي، الزعيم التاريخي لحزب «الاستقلال»، ولذلك يمكن أن نفهم كيف أن نزار بركة استمات من أجل اقتلاع حميد شباط من على رأس الحزب، مسنودا من العائلة الكبيرة، بعدما فشل خاله عبد الواحد الفاسي في الحفاظ على «إرث» العائلة منهزما في انتخابات الأمانة العامة سنة 2013، أمام حميد شباط، وخسر الرهان بشكل مفاجئ بفارق 20 صوتا، وقبل شباط كان على رأس الحزب عباس الفاسي، صهر نزار بركة، والد زوجته وعرابه، فنزار إذن استمرار لسلالة علال الفاسي، منظر الحزب ومرجعيته. قبل أن يصل نزار بركة إلى مكتبه في الطابق الأول لمبنى باب الأحد، من اللازم أن يمر عبر الطابق الأرضي، حيث يوجد مكتب يجلس فيه حمدي ولد الرشيد، بلباسه الصحراوي التقليدي، هذا الرجل بالنسبة لمناضلي الحزب أكبر من عضو في اللجنة التنفيذية وأقل من أمين عام. هو الرجل الثاني في الحزب بالنسبة للبعض، لكنه الرجل الأول في نظر الكثيرين، فتأثيره كبير لتوازن كفتي «الميزان»، فهو الوحيد الذي كان قادرا على إزاحة حميد شباط من الأمانة العامة ومن النقابة، والقادر على مساعدة نزار بركة في تثبيت أقدامه على رأس الأمانة العامة، والمتعود دائما على ربح جميع معاركه مهما كانت قوة خصمه. في الأيام الأخيرة، يظهر أن نزار بركة أصبح أكثر توترا وقلقا وعلى كتفيه يحمل عبئا كبيرا، وبمجرد أن يدخل مكتبه يفتح أجندته ليرسم خطته التي سيعرضها أمام أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب بخصوص الانتخابات التشريعية والمحلية المقبلة، حيث أن حرب التزكيات تستنزف جهده بشكل كبير، فالأمر ليس بالسهل وتدبير التوازنات له كلفة نفسية يلزمها جهد خرافي وترضيات وتنازلات، كما أن العديد من الفروع تغلي وتحركات حميد شباط تزيد من همومه، وتقوي بعض المنسقين الجهويين ممن يفرضون مرشحيهم ضدا عن فلسفة اللجنة التي تم تشكيلها مؤخرا وتكليفها بدراسة الترشيحات ومنح التزكيات، مما قد يعصف بطموحاته. ناصية الحلم والاختيار الملغوم يبدو من الظاهر أن نزار بركة حاول جاهدا أن يعيد الحزب لسكته الصحيحة، بعدما انحرف عن مساره، ودخل في متاهات أبعد ما تكون عن متطلبات المرحلة، وتحول في لحظة من اللحظات إلى ملحقة لحزب «الأصالة والمعاصرة» في عهد الرجل القوي إلياس العماري. وحلم نزار اليوم أن يعيد الحزب إلى سابق عهده، وبالضبط إلى ما كان عليه في الماضي القريب، عندما تمكن تحت قيادة صهره عباس الفاسي سنة 2007 من الفوز بالانتخابات التشريعية وقيادة الحكومة، التي شغل فيها نزار منصب الوزير المنتدب لدى الوزير الأول، المكلف بالشؤون الاقتصادية والعامة. نزار بركة الذي انخرط في حزب الاستقلال سنة 1981، وبدأ مشواره المهني إطارا كبيرا في وزارة المالية، رئيسا لمصلحة التوقعات المالية، قبل أن يعين رئيسا لقسم السياسة الاقتصادية، ثم رئيسا لقسم التحليلات الماكرو – اقتصادية، ساعده طموحه ونسبه ومصاهرته في أن يتولى حقيبة وزير المالية بين سنتي 2012 و2013، وهو اليوم يعول على حسه التوافقي وهدوئه ليجنب الحزب الانفجار، لكن لا يبدو أن الجميع من داخل حزب «الاستقلال» يوافق نزار بركة المدعوم من اللجنة التنفيذية خطته. عضو بارز في الحزب يتحدث ل»الأيام»، بنوع من التحفظ على فلسفة الحزب بخصوص الانتخابات التشريعية والمحلية المقبلة، ويقول أن نزار بركة رفقة حمدي ولد الرشيد يراهنان على خطة لمجاراة أحزاب مثل «التجمع الوطني للأحرار» أو «الأصالة والمعاصرة»، خطوطها العريضة الاستعانة بالأعيان ورجال الأعمال في السباق نحو كرسي رئيس الحكومة في المشور السعيد، وهو ما فجر نقاشا داخليا اتسعت دائرته على مقربة من الانتخابات. بعض المناضلين الاستقلاليين يؤكدون ل»الأيام» وهم الذين قضوا عقودا من الزمن في النضال على أرض الميدان، أنهم أصبحوا يشعرون بأنهم تحولوا اليوم إلى مجرد أرقام تؤثث المشهد، وأحدهم يقول: «… يظهر أن الحزب انتقل إلى نظام القنانة، ف «مول الشكارة» مرحب به وتمنح له التزكيات، بينما نحن المناضلون الحقيقيون أريد لنا أن نتحول إلى «طبالة»، وأصبحنا نشعر أننا مجرد «منشدي أعراس» ومطربين في عرس «مول الشكارة» القادم لتوه من حزب آخر وقد منحت له التزكية بين عشية وضحاها، وأكثر من ذلك ف «مول الشكارة» عندما يحصل على التزكية يحصل معها على المناضلين». العديد من الاستقلاليين، وهم ينتقدون طريقة منح التزكيات، يستحضرون واقعة الوزير السابق محمد عبو، الذي غادر حزب «التجمع الوطني للأحرار»، وقام عبد الواحد الأنصاري، منسق الحزب في جهة فاس مكناس، باستقطابه وعرضه على نزار بركة الذي رحب به، وقرر منحه التزكية للترشح في دائرته الانتخابية التي تعود أن يفوز فيها بالانتخابات بسهولة، وهي دائرة تاونات، وفي مقابل ذلك فرض على عضو اللجنة التنفيذية للاستقلال عبد الإله البوزيدي الذي كان من المقرر أن يترشح في تاونات، أن يترشح هذه المرة في الرباط، غير أن ما لم يتوقعه نزار بركة هو أن يرفض محمد عبو مؤخرا الرد على اتصالاته، وأن يدير ظهره، وسط حديث عن عودته مجددا لحزب «الأحرار» بعد مصالحته مع أخنوش، وهو من قدم له استقالته ثلاث مرات. وهكذا يجد اليوم نزار بركة نفسه في حرج شديد، بعدما ضحى بعضو لجنته التنفيذية عبد الإله البوزيدي وجاء بمحمد عبو، الذي ظل يرفض منذ جلوسه قبل شهور مع عبد الواحد الأنصاري ونزار بركة أن تنشر له صور معهما أو أن يحضر نشاطا رسميا لحزب «الاستقلال»، خاصة وأن تقديم عبو للاستقلاليين وعدا للالتحاق بهم، روجت له اللجنة التنفيذية بكونه أكبر اختراق قام به الحزب في صفوف واحد من أبرز وجوه حزب «الأحرار». غير أن كل ما يخشاه الاستقلاليون اليوم أن يكون الوزير التجمعي السابق محمد عبو، الذي يعتبر والده من كبار مؤسسي «الأحرار» على عهد أيام أحمد عصمان، قد استغل ورقة التحاقه بالاستقلال من أجل إعادة التموقع بشكل أكبر وسط حزب «الحمامة». قياديون يتساءلون: هل غير الحزب جلده؟ بعيون العديد من الاستقلاليين فحزبهم، الذي ظل يملك ماكينة انتخابية قوية جدا، يتجه اليوم لتغيير جلده. وبحسبهم، فالمبادئ التي بني عليها الحزب وأفكار علال الفاسي حلقت بعيدا، ولم يبق من حزب علال الفاسي سوى «المبنى» التاريخي بباب الأحد في الوقت الذي غاب فيه «المعنى». وبحسبهم دائما، فحزب «الاستقلال» أصبح اليوم ذا خطاب هجين ومزدوج، فهو لم يعد حزبا شعبيا كما هو الحال مثلا بالنسبة لحزب «العدالة والتنمية» ولا هو حزب توجه بالكل نحو استقطاب الأطر المخزنية والأعيان على غرار الأحزاب التي توصف ب«الإدارية»، فالحزب يعتقد أنه ما يزال منغرسا في التربة المجتمعية لكنه في مقابل ذلك يريد أن يكون مرضيا عليه، وهكذا أصبح له مشكل هوية. لكن -حسب قياديين آخرين- فالحزب ظل على مر تاريخه يغير قبل كل انتخابات تشكيلته في الأقاليم ويستعين بالأعيان، على غرار الغالبية الساحقة للأحزاب، حتى في عهد الراحل امحمد بوستة وبعده عباس الفاسي، وهي الاستراتيجية التي تقوت بشكل أكبر مع بسط حمدي ولد الرشيد هيمنته على الجهات الصحراوية الثلاث، حيث بسطها عن طريق الأعيان، قبل أن يقنع اليوم نزار بركة بخطته هاته وضرورة تعميمها في جميع جهات المملكة ال 12، فالسياسة في نهاية المطاف لا تعني الترضيات وجبر الخواطر فقط، ولكن تعني كذلك الوصول إلى ربح أكبر المقاعد البرلمانية والسعي إلى رئاسة الحكومة. غير أن هذه الأطروحة تتسع دائرتها يوما بعد يوم داخل الحزب على مقربة من الانتخابات، فهناك من يشبه اتجاه الحزب للاستعانة بالأعيان في الانتخابات المقبلة بالدخول في مغامرة محفوفة المخاطر، ويقول أحد أعضاء اللجنة التنفيذية ل «الأيام» أنه «… بهذه الخطة يبدو أن قيادة الحزب فعلت مثل ما فعله طارق ابن زياد حين أحرق كل المراكب، ودخلت في مغامرة باستعانتها بالأعيان، فالمناضلون لن يشفعوا لهم إلا إذا فاز الحزب برئاسة الحكومة، حينها فقط يمكن أن يضمن السيد بركة لنفسه ولاية ثانية على رأس الحزب، أما خسارته للانتخابات بالاستعانة بأعيان من خارج الحزب فستعني كذلك خسارته لمناضلي حزبه الحقيقيين، وحينها سيجد صعوبة في إقناع مناضلي الحزب بالاستمرار على رأسه لولاية ثانية». استقلاليون يتمنون هزيمة حزبهم! ونحن ننجز هذا الملف تواصلنا مع عدد كبير من الاستقلاليين، وكان القاسم المشترك بينهم أنهم يتحدثون بعفوية وطلاقة، بين من يرى أن الحزب في عهد أمينه العام الحالي عاد إلى سكته الصحيحة، ويرى أن «الاستقلال» أصبح اليوم قادرا على مقارعة الأحزاب الكبرى على رئاسة الحكومة، وهو في كل الأحوال من بين الأحزاب المرشحة، خاصة وأن حزبهم سيدخل الانتخابات بضغط أقل، في ظل توجه كل الأنظار لحزبي «العدالة والتنمية» و»التجمع الوطني للأحرار»، حينها يمكن ل «الاستقلال» أن يخلق ما يمكن أن نسميه ب «المفاجأة»، ويقلب كل الموازين. فكل شيء وارد ! غير أن ما لم نتوقعه ونحن نجري هذا التحقيق أن يتواصل معنا استقلاليون من الصف الأول، وبعضهم شغل مناصب هامة في قمة هرم الحزب، ليؤكدوا لنا أنهم يتمنون هزيمة حزب «الاستقلال» في الانتخابات المقبلة، وهذا في الحقيقة إحساس غريب لم نكن نتوقعه، لكن له ما يبرره، في رأيهم. فتوجه الحزب – حسبهم – بشكل مطلق نحو تزكية الأعيان في الانتخابات المقبلة والتخلي عن المناضلين، هو انزياح عن فلسفة الحزب، وهزيمته في الانتخابات هي انتصار لأفكار علال الفاسي، وانتصار لمرجعية الحزب المتجذرة في التربة الشعبية والقريبة من صوت الطبقات المستضعفة. واحد من الأطر الكبرى للحزب ينتقد بدوره فلسفة منح التزكيات ويقول: «… من المعلوم أن حزب الاستقلال هو أكثر الأحزاب المغربية التي تعج بالأطر، نسبة حاملي الشهادات العليا في صفوفنا كبيرة جدا، لكن عندما نتنافس كأطر على التزكيات، عادة ما يتم منحها للأعيان ممن لا شهادة لديهم، وهذا يشعرنا أنك إذا كنت تحمل شهادة عليا في الحزب فكأن لديك نقطة موجبة للرسوب. هذا الشعور يخالجنا، ونشعر نحن الأطر أنه يتم الاحتفاظ بنا لنباع في سوق النخاسة الانتخابية للأعيان الوافدين من أحزاب أخرى». وحسب هذا الشخص نفسه ف»من الواضح أن قيادة الحزب أصبحت مقتنعة اليوم أن مناضل الحزب لا يفوز في الانتخابات وأن مطرب الحي لا يطرب». في البحث عن المنظِّر والكاريزما النقاش الداخلي اليوم داخل «الاستقلال» أن هذا الحزب لم تعد فيه شخصيات كاريزمية كما كانت في السابق، فبالنظر إلى لائحة أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب لا نجد فيها أسماء قوية كما كان في السابق، على غرار امحمد بوستة أو امحمد الخليفة، أو عبد الكريم غلاب أو حتى أصواتا مثل الراحل محمد الوفا. وربما هذا الأمر لا ينطبق فقط على حزب «الاستقلال» بقدر ما يمكن أن نلاحظه في جميع الأحزاب بدون استثناء. فهو قاعدة عامة، في ظل ابتعاد النخب عن السياسية، غير أن حزب الاستقلال كان مختلفا وظل إلى عهد قريب يضم في صفوفه أسماء كاريزمية مثل التي ذكرنا. النقاش الداخلي يذهب في اتجاه أن هذا الحزب، الذي يوصف بكونه أعرق حزب في المملكة الشريفة، لم يعد له مُنظر، يشتغل على ترسيخ العقيدة الاستقلالية وسط المناضلين والأجيال الصاعدة، ولم يعد يحتضن النقاش الفكري، الذي تم مؤخرا تحويله من الحزب إلى «مؤسسة علال الفاسي»، التي أصبحت بلغة اليوم تؤدي وظيفة منبرية لتأثيت المشهد واللعب على الذكريات، في الوقت الذي أصبح فيه الحزب ملعبا للصراع حول التزكيات وتدبير الطموحات. حميد شباط .. حجرة في حذاء نزار بركة على مقربة من الانتخابات، يبدو أن صراعا من نوع خاص يلوح في الأفق، بعدما أصدرت اللجنة التنفيذية للحزب قرارا يقضي بحل جميع فروع وهياكل الحزب في العاصمة العلمية. هذا القرار ليس له أي تفسير سوى ثني حميد شباط عن الترشح مجددا، وضدا في رغبته الأكيدة في أن يعود إلى عمودية فاس، بعدما ظل في الأسابيع الأخيرة يتجول بين دروب المدينة القديمة لفاس لاختبار شعبيته، ونشر صوره وهو يعانق الفقراء والمستضعفين، ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي ليراها من يهمهم الأمر. لكن من يعرف شباط جيدا، يعرف أنه لن يرضى بهذه الصفعة السياسية التي تلقاها من القيادة، فهو نفسه سبق وأن صرح قبل أيام قليلة أن لا مشكلة له مع نزار بركة وأنه يحترم الأمين العام. وبما أن مشكلة شباط ليست مع الأمين العام، فمع من هي إذن بالواضح؟ بلغة المباشر وحتى لا نطيل في شرح الواضحات، فشباط يعتبر أن مشكله الحقيقي داخل الحزب هو مع حمدي ولد الرشيد، الذي يشكل بالنسبة إليه عقدة حقيقة، رغم أن الاستقلاليين ضلوا يرددون في الشهور الأخيرة أن حمدي ولد الرشيد هو نفسه من تدخل لدى بعض الجهات العليا حتى يتمكن شباط من الدخول إلى المغرب من منفاه الألماني، لكن الرجلين لن ينسيا بالتأكيد حرب الصحون التي دارت بين أنصارهما في المؤتمر السابق سنة 2017، في حفل عشاء تراشقوا فيه بالكراسي وما وجدوه من صحون فوق موائد العشاء، قبل ساعات من إعلان نزار بركة أمينا عاما، بدعم معلن وغير خفي من «الإمبراطور» حمدي ولد الرشيد. حمدي ولد الرشيد الذي يعتبره البعض المتحكم الفعلي في أمور الحزب، يعرف أن حميد شباط لديه خطة للعودة بقوة إلى الواجهة والثأر لنفسه، بالسيطرة مجددا على الحزب والعودة بشكل أقوى في المؤتمر القادم، بداية بالسعي نحو العودة لعمودية فاس وتحكمه في تزكيات الانتخابات البرلمانية والجماعية والجهوية والمهنية بالمدينة، مستفيدا من شبكة المصالح التي بناها في فاس على مدى عقدين من الزمن. المثير في قصة حميد شباط مع حزب «الاستقلال» أنه عقد مؤخرا صفقة مع عبد المجيد الفاسي، ابن الوزير الأول الأسبق عباس الفاسي، تقضي بتزكيته وكيلا للائحة الحزب للانتخابات البرلمانية المقبلة في دائرة فاس الشمالية، وهو الذي صعد إلى البرلمان، في انتخابات 2016، عن لائحة الشباب. وكانت خطة شباط أن يترشح هو نفسه للانتخابات الجماعية في مقاطعة المرينيين بفاس. وإذا علمنا أن عبد المجيد الفاسي تجمعه علاقة قرابة مع نزار بركة، فالأخير متزوج من الأخت الكبرى لعبد المجيد الفاسي، فحينها يمكن أن نفهم أن الصراع الحقيقي لشباط ليس مع نزار بركة، ولكن صراعه الحقيقي داخل الحزب مع حمدي ولد الرشيد، الذي نزل بكل ثقله من أجل قص أجنحة شباط حتى لا يغرد خارج السرب، فتيار ولد الرشيد يرفض أي تقوية لشباط عبر منحه التصرف في التزكيات على مستوى مدينة فاس، فأي تقوية لشباط اليوم تعني أنه قد يشكل خطرا كبيرا على تيار ولد الرشيد، المتحكم الحقيقي في الحزب وهياكله. أما بخصوص نزار بركة فهو – حسب الكثيرين من المقربين منه – لا يرغب في أن يدفع بحميد شباط لمغادرة الحزب والترشح للانتخابات الجماعية المقبلة في لائحة مستقلة أو الانضمام لحزب «الحركة الشعبية» كما يتم الترويج له، لكن يريده كماكينة انتخابية بدون مخالب، ولا يريده أن يقتطع لنفسه إمارة في مدينة فاس يتحكم فيها بعيدا عن توجهات قيادة الحزب، وتكون إمارته منطلقا لانقلاب يعده ضد القيادة الحالية لينتقم لإخراجه من الباب الضيق في المؤتمر السابق. أمين عام «ملوك» الجهات معارضو السياسة الجديدة للحزب يقولون إن «الاستقلال» أصبح في الفترة الأخيرة مثل الأندلس في عهد ملوك الطوائف، فهناك مجموعة من الإمارات ومناطق النفوذ لا يتحكم فيها الأمين العام، الذي أصبح مسيطرا فقط على المبنى التاريخي للحزب بالرباط، في الوقت الذي وضع على رأس مجموعة من المناطق والجهات في المملكة أعيان ونافذون، أصبحوا ينازعون نزار بركة نفسه في صلاحياته المركزية على المستوى الجهوي، مثل ما أراد فعله حميد شباط مؤخرا عندما بدأ يستقطب الحلفاء ويوزع عليهم التزكيات شفويا في مدينة فاس، قبل أن تقرر اللجنة التنفيذية حل جميع هياكل الحزب بالمدينة، لقص أجنحة شباط العائد بقوة إلى الواجهة. إضافة إلى ذلك، فالأقاليم الجنوبية الثلاث أصبحت إمارة يسيطر عليها النافذ حمدي ولد الرشيد، الذي أوكلت له المهام الترابية والقطاعية لثلاث جهات: كلميم واد نون، العيون الساقية الحمراء، والداخلة وادي الذهب. في الوقت الذي يسيطر على جهة طنجةتطوانالحسيمة كل من نور الدين مضيان، المكلف بالمهام الترابية والقطاعية لإقليم الحسيمة، بينما يسيطر عضو اللجنة التنفيذية محمد سعود على باقي تراب الجهة، ويتولى مهام التنسيق في أقاليم شفشاون، الفحص أنجرة، العرائش، تطوان، الفنيدق، بينما أوكلت مهمة التنسيق في عمالة طنجة ووزان لعبد الجبار الراشدي. أما جهة سوس فقد أصبحت إمارة تاريخية لعائلة قيوح، فعبد الصمد قيوح الذي يمنى النفس أن يصبح يوما ما رئيسا لإحدى غرفتي البرلمان، يسيطر بقوة على الجهة، وهو الذي يستمد قوته من والده علي قيوح، واحد من أبرز وجوه حزب الاستقلال، والذي راكم ثروة هائلة من استثماراته في تصدير المنتجات الفلاحية خارج المغرب. أما جهة الدار البيضاءسطات، فهي إمارة لفؤاد القادري الذي يسيطر على جميع مفاصلها، بينما يسيطر رحال المكاوي على جهة بني ملالخنيفرة، وعمر احجيرة على جهة الشرق، وعبد الواحد الأنصاري على جهة فاس مكناس، وعبد اللطيف أبدوح على جهة مراكش آسفي، وزينب قيوح على جهة درعة تافيلالت.