يدخل حزب الاستقلال، اليوم السبت، تحديا جديدا يكاد يوازي التحدي الذي واجهه في المؤتمر السابع عشر شهر في أكتوبر الماضي، حيث سينتخب برلمان الحزب رئيسه الجديد بعد نهاية ولاية توفيق احجيرة الذي تولى تلك المهمة منذ نهاية 2012. السياق الذي تنعقد فيه أول دورة للمجلس الوطني لحزب الاستقلال يختلف تماما عن المؤتمر الوطني، حيث جرت مياه كثيرة تحت جسر حزب علال الفاسي، وتراجعت صورته وصداه في الحياة السياسية والإعلامية الوطنية، إذ بدا الحزب تائها في مشهد حزبي تغيرت كثير من تفاصيله وأولوياته، لا هو في الأغلبية ولا هو في المعارضة، علما أن الحملة التي أطرت مؤتمر "إعدام" شباط ومعه تيار الاختيار الثالث، الذي قاده الثلاثي بنحمزة والبقالي والكيحل، كانت كلها تركز على أن جهات تنتظر انتهاء المؤتمر بنتائج مسبقة لإدخال حزب الاستقلال إلى حكومة العثماني. خارج أجندة الدولة مر التعديل وبقي حزب الاستقلال حيث هو، بل تقول مصادر قيادية في الحزب إنه لم يعد ضمن أجندة الدولة، وأن التعامل معه لا يختلف عن التعامل المعروف مع الأحزاب الإدارية، مؤكدة أن القيادة الجديدة ساهمت في تثبيت هذه الصورة، بالنظر إلى تركيبتها وطبيعة أعضائها حديثي العهد بالحزب، وأن عددا منهم يجر إما ملفات قضائية ثقيلة (عبد اللطيف أبدوح، محمد سعود، فوزي بنعلال...) أو غارقا في الريع والتبعية المطلقة، بينما أسماء أخرى حملتها فقط الصدفة والصراع وحرب المواقع إلى مسؤولية شغلتها في السابق أسماء وازنة كالعربي المساري وعبد الكريم غلاب وعبد الحميد عواد ومولاي امحمد الخليفة ولطيفة بناني سميرس وفاطمة حصاد وسعد العلمي. هذه التحولات التي عرفها الحزب وأدخلته فترة فراغ قاتلة، يسعى حمدي ولد الرشيد، العراب الجديد للحزب، إلى استثمارها بأقصى ما يمكن، فبعد هيمنته شبه المطلقة على تركيبة اللجنة التنفيذية بعد تصفية شباط والقيادات الشابة، بتغطية واضحة وباستثمار واضح لظروف المواجهة، التي كان قد دخلها شباط ومن معه ضد الدولة العميقة عقب نتائج الانتخابات التشريعية لأكتوبر 2016، تولى شخصيا مسؤولية الجهات الصحراوية الثلاث، علما أن النظام الأساسي للحزب يتحدث عن مسؤول عن كل جهة، فيما تولى حليفه الرئيسي عبد الصمد قيوح، رفقة أخته زينب قيوح، مسؤولية جهتي سوس ودرعة تافيلالت. وهو ما يعني، وفق المصادر ذاتها، أن عائلتي ولد الرشيد وقيوح، حديثتي العهد بحزب الاستقلال، باتتا تسيطران على قرابة نصف الجهات في المغرب، بينما يتقاسم باقي أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب علال الفاسي مسؤولية باقي الجهات، بل تحول أعضاء اللجنة التنفيذية إلى القيام بوظائف المفتشين على المستوى الترابي، وهو ما خلف موجة سخط واسعة صامتة بين الاستقلاليين على امتداد التراب الوطني، بل إن كثيرين يعتزمون تقديم استقالاتهم من مسؤولياتهم المحلية والوطنية. "سرقة موصوفة" يقول أحد أعضاء المجلس الوطني للحزب، لم يرغب في الكشف عن هويته، في تصريح هسبريس، إن "ما يجري اليوم في الحزب هو سرقة موصوفة لإرث وطني عريق. صحيح أننا عملنا ضد استمرار شباط في الأمانة العامة، بالنظر إلى الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها، لكننا لم نفعل ذلك لكي يحكمه الأعيان حديثو العهد بالحزب". الرأي نفسه تكرر عند كثيرين التقتهم هسبريس، وهو ما يعكس حالة تذمر واسعة يشهدها الحزب من ممارسات حمدي ولد الرشيد وابنه الذي تولى مسؤولية التنظيم، هو الذي لم يتدرج في تنظيمات الحزب، وعاجز معرفيا عن استيعاب طبيعة التركيبة التنظيمية وخلفياتها الإيديولوجية والتاريخية. ويقول يقول مصدر آخر لهسبريس إن رغبة الهيمنة على تنظيمات الحزب وإلحاقها بولد الرشيد تتخذ طابعا فجا ومستفزا. وكمثال على ذلك يشير مصدرنا إلى ما عرفه اجتماع اللجنة المركزية للشبيبة الاستقلالية، حيث تم "انتخاب" لجنة تحضيرية للمؤتمر الوطني تتشكل من 42 عضوا، منهم 32 عضوا من العيون! أوقات عصيبة كثير من الاستقلاليين يتساءلون عن دور الأمين العام الجديد نزار بركة، الذي يبدو غائبا تماما عن المشهد، وبلا تأثير، تقريبا، فيما يجري داخل الحزب وباسمه. إذ أوضح مصدر من اللجنة التنفيذية للحزب أن الأمين العام يمر بأوقات عصيبة داخل القيادة، وأنه ما زال يتحمل تجاوزات حمدي ومن معه بصبر، رغم تجاوز حدود اللياقة في التعامل معه كأمين عام. ويؤكد المصدر ذاته أن ولد الرشيد يريد تسيير الحزب كأمين عام فعلي، بينما يبقى نزار مجرد أمين عام على الأوراق. ويضيف المصدر ذاته أن ولد الرشيد خاطب بركة في أحد اجتماعات اللجنة التنفيذية قائلا: "أنت مجرد عضو في اللجنة التنفيذية ولا تتميز عنا بشيء ولا يحق لك الحديث دون الاستشارة معنا"، بل إن مشروع تعديلات أدخلت على النظام الداخلي للحزب يجيز عقد اجتماع للجنة التنفيذية للحزب بدون حضور الأمين العام. واعتبر المصدر عينه، أن ولد الرشيد جرب منطق "الأغلبية" في اللجنة التنفيذية في الأيام الأخيرة من حياة شباط قبل المؤتمر الوطني السابع عشر، واستغل السياق والدعم العلني والخفي الذي كان يتلقاه، وهو مستمر في ذلك الأسلوب لأن الجهات التي كانت تتابع الموضوع في ذلك الوقت أصبحت اليوم مهتمة بأشياء أخرى أكثر أهمية، لهذا فهو يريد استثمار عدم الاهتمام بالحزب للهيمنة على مفاصله كلها. ترشيح مكاوي وفي هذا الإطار أشارت مصادر هسبريس إلى أن ولد الرشيد يدعم ترشيح رحال المكاوي لرئاسة المجلس الوطني للحزب، مشيرة إلى أن "مكاوي كان مجرد مساعد لياسمينة بادو عندما تولت مسؤولية وزارة الأسرة والتضامن في حكومة إدريس جطو، حيث اقترحه عليها زوجها علي الفاسي الفهري، الذي كان مستخدما عنده في المكتب الوطني للماء، قبل أن يتسلق المسؤوليات الإدارية والحزبية في غفلة من الجميع حتى أضحى اليوم مرشحا لحمدي ولد الرشيد لرئاسة المجلس الوطني بعدما قضى الولاية السابقة في اللجنة التنفيذية لا يفارق حميد شباط"، بتعبير المصادر ذاتها. في السياق ذاته، ترى مصادر أخرى مطلعة على ظروف المؤتمر السابع عشر لحزب الاستقلال إلى أن حمدي ولد الرشيد استثمر جيدا أجواء عدم الثقة، التي كانت تؤطر العلاقة بين شباط والاختيار الثالث ومجموعة "بلا هوادة"، إضافة إلى أسماء لم تكن محسوبة على هذه الأطراف مثل رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب نورالدين مضيان. ويتفق الجميع داخل حزب علال الفاسي على أن هذه الأطراف رغم اختلافاتها، فإنها تمثل الأغلبية المطلقة داخل الحزب، وتمثل فضلا عن ذلك مجموع قيمه ورصيده التاريخي، مع اختلافات تتسع وتضيق في تقدير الموقف السياسي من اللحظة التي تعرفها البلاد. حمدي ولد الرشيد، تقول مصادر هسبريس، وظف بدهائه الاختلاف بين تلك التيارات ليبسط سيطرته على الحزب، علما أنه رفقة عائلة قيوح لا يمثلون سوى أقل من ثلث أعضاء المجلس الوطني للحزب، ويراهن على استمرار تلك التناقضات لإتمام السيطرة على ما تبقى من مواقع ومسؤوليات حتى يكون المفاوض الأساسي باسم حزب الاستقلال عند أي تعديل حكومي أو تشكيل حكومة جديدة. توازن مضيان لكن الرياح لا تطاوع دائما سفن ولد الرشيد، تضيف المصادر ذاتها، "فقد انفجرت الخلافات التي ظلت صامتة عند إصرار حمدي على وضع أحد المقربين منه، هو رحال المكاوي، في رئاسة المجلس الوطني كي يحكم سيطرته على أعلى سلطة في الحزب بعد المؤتمر الوطني بعد أن استطاع تحجيم دور الأمانة العامة للحزب، وتحويلها إلى مجرد مهمة قطاعية كغيرها من المهام التي يتم توزيعها داخل قيادة الحزب". نورالدين مضيان القادم من الريف، والذي تدرج في صفوف حزب الاستقلال، والذي يحظى بتقدير كبير وسط الاستقلاليين وفق مصادر هسبريس، أعلن ترشحه لرئاسة المجلس الوطني، خالطا بذلك كل الأوراق في جهة ولد الرشيد وقيوح. إذ حافظ مضيان على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف باستثناء شباط، وبوسعه إحداث توازن مع تيار الأعيان حديثي العهد بالحزب. المصادر ذاتها اعتبرت ترشيح مضيان بأنه "يمثل عودة الروح إلى الوعي الاستقلالي، مضيفة أن ذلك الترشيح أعطى شحنة إيجابية لعدد من الاستقلاليات والاستقلاليين، الذين سيطر عليهم اليأس من إمكانية عودة "حزب علال" إلى مشيته الأصلية، وأن يكون في خدمة قواعده التقليدية بدل أن يكون في خدمة مصالح عائلية وطموحات شخصية". وأضافت أن ترشيح مضيان أنقذ دورة المجلس الوطني من حالات غياب كثيرة. لهذا من المرتقب أن تسجل دورة اليوم السبت حضورا قياسيا بحجم التحدي المفروض على حزب الاستقلال.