حسب الطبيب الطيب حمضي، فإننا إذا توصلنا باللقاحات وتحكمنا في الوباء دون أن تنتشر السلالات الجديدة في المغرب، ولم تصبح هي السائدة، ولقّحنا أكبر عدد ممكن من المواطنين، سيمكننا آنذاك القول إننا حمينا المغرب، ويضيف الباحث في السياسات والنظم الصحية ورئيس النقابة الوطنية للطب العام أنه يمكن أن نأمل فتح بلادنا واقتصادنا في فصل الصيف، ولكن إذا لم تتخذ الإجراءات الصارمة فقد تكون الوضعية كارثية بسبب خطورة السلالات المتحورة لفيروس كورونا. كم سيبقى المغرب فعلا في حالة الطوارئ بعد أن تجاوزنا السنة بحسب التقديرات الطبية للوضعية الصحية في المغرب؟ إذا تكلمنا عن حالة الطوارئ الصحية، فهي وضعية قانونية تعطيها الدولة للسلطات الحكومية كسلطة استثنائية لتطبيق بعض الإجراءات مثل منع التجول، ومنع التنقل بين المدن، وإغلاق المحلات، فهذه أمور لا يمكن القيام بها في الظروف العادية. وهذه الوضعية القانونية ستستمر طويلا ولكن الحكومة تضع إجراءات التقييد، حسب استقرار الوضعية الصحية وبالتالي فجميع التقييدات يمكن أن تزول، ولكن حالة الطوارئ الصحية ستظل مستمرة لعدة أشهر إلى حدود منتصف السنة المقبلة وربما أكثر حتى لا نتفاجأ بشيء جديد. دون أن يعني ذلك أن هذه الإجراءات التقييدية: تقييد التحركات ومنع التجول وإغلاق المحلات ستبقى بالضرورة متلازمة مع إجراءات الطوارئ الصحية.
هل يمكن أن يأتي الصيف القادم مع تعميم اللقاح ببداية انفراج الأزمة بالمغرب؟ هذا هو الهدف بالضبط من تسريع وتيرة اللقاح، فمنذ شهر غشت الماضي والمغرب ينظم لقاءات وتعاقدات ويبرم اتفاقيات، حتى تمكنا في بداية سنة 2021 من بدء التلقيح ووصلنا لعدد مهم جدا من المواطنين الملقحين وعددهم 4 ملايين ونصف من المغاربة، خاصة في صفوف المنظومة الصحية ونساء ورجال التعليم والأمن والمسنين ومن لديهم أمراض مزمنة. هذا مهم جدا، لأنه يلزمنا العمل بتوازن. هناك فيروس يعيش معنا ومتحور جديد هو مع الأسف أكثر خطورة، وهناك سلالات أخرى برازيلية وجنوب إفريقية وأخرى موجودة في العالم سينتهي بها المطاف بالدخول إلى جميع البلدان. نحن نبحث عن توازن صعب: كيف يمكن أن نعيش حياة شبه طبيعية بعجلة اقتصاد تدور وعلاقات اجتماعية مفتوحة في حدودها الدنيا، ولكن في نفس الوقت نتجنب خطر السلالة القديمة والسلالات الجديدة التي هي أكثر خطورة وأسرع انتشارا، لذلك نحن نأمل أن نتوصل في الأيام القليلة المقبلة وحتى شهري ماي ويونيو ب 10 ملايين من لقاح «سينوفارم»، و1 مليون و600 ألف جرعة من «كوفاكس» منظمة الصحة العالمية، و»أسترازينيكا» التي ستأتي عن طريق معهد كوريا الجنوبية. هناك أيضا 1 مليون من لقاح «سبوتنيك» الروسي، وهناك لقاحات أخرى حيث تعاقد المغرب على 67 مليون جرعة.
هل يكفي اللقاح وحده للعودة إلى الحياة الطبيعية بالمملكة؟ إذا توصلنا باللقاحات وتحكمنا في الوباء، ولم تنتشر السلالات الجديدة في المغرب ولم تصبح هي السائدة، وفي نفس الوقت لقحنا أكبر عدد ممكن من المواطنين، بالخصوص من يعانون من الأمراض المزمنة والمواطنين من 40 سنة فما فوق، سيمكننا آنذاك أن نحمي المغرب. ويمكن أن نأمل في فتح بلادنا واقتصادنا في فصل الصيف إن شاء الله، طبعا مع الحفاظ على الإجراءات الاحترازية والاحتياطات، فلا يجب أن نكرر سلوكات الصيف الماضي، كالازدحام في الشواطئ والمقاهي والحفلات، فهذه الأشياء تدفع إلى الإغلاق التام وتشديد الإجراءات.
ما طبيعة الموجة الثالثة المتحورة؟ وهل ينفع نفس اللقاح مع كافة السلالات؟ الموجة الثالثة تأتي بغض النظر عن العدد، إذ يمكن أن نشهد موجة رابعة وخامسة. بمعنى أننا ما دمنا لم نصل للمناعة الجماعية، سيتطور الفيروس على شكل موجات، وطبعا هذه الموجات يمكن أن تكون أخطر من سابقتها، حسب ما إذا كانت هناك طفرات وسلالات جديدة، وحسب درجات المناعة. بالنسبة لأوروبا، نحن نرى أن المتحور البريطاني هو السائد بها، ثم المتحور الجنوب إفريقي والمتحور البرازيلي. متحور فيروس كورونا مع الأسف هو الأشد وسرعة انتشاره تزيد بأكثر من 70 بالمائة، وخطورته وإماتته بأكثر من 60 بالمائة. إذن التقاء موجة ثالثة مع وجود متغير أكثر انتشارا وأكثر خطورة، أعطى هذه الموجة خاصية الشراسة والسرعة وشدة الفتك، وهنا سأعطي مثالا، إذا كان 10 آلاف إنسان يحملون فيروس السلالة القديمة، ففي نهاية الشهر ستكون لدينا 130 حالة من الوفيات، أما إذا كان نفس العدد من الأشخاص مصابين بالسلالة الجديدة (البريطانية مثلا) ففي نهاية الشهر ستكون لدينا زيادة من 10 إلى 11 مرة للوفيات والحالات الخطيرة، بمعنى 1100 إلى 1300 حالة وفاة، ويتضاعف عدد الحالات الجديدة 7 مرات. إذن هي موجة شرسة وأكثر خطورة بنسبة 60 بالمائة. سيكون الشباب أكثر عرضة لهذه الموجة، ليس لأن الفيروس يصيب الشباب أكثر، ولكن لأن المسنين تمتعوا باللقاح في عمومهم، إذن لن نرى المسنين في أقسام الإنعاش كما كنا نراهم من قبل. والأمر الثاني أن الشباب يعتقدون أنهم نادرا ما يموتون بسبب الفيروس وهذا صحيح، ولكن هذا كان ينطبق على السلالة القديمة، أما السلالة الجديدة فهي أكثر انتشارا ب 7 مرات، وبما أن الإصابات كثيرة جدا وأكثر خطورة فأقسام الإنعاش ستكون مليئة بالشباب ومعدل البقاء في أقسام الإنعاش سيكون أطول لأن الأعراض أخطر. مخلفات كوفيد 19 هي أصعب في الموجة الثالثة للمتحور البريطاني، موجة قوية، سريعة وشرسة. لهذا رأينا الدول الأوربية تتخذ قرارات سريعة وطويلة في الزمن، لأن قادتها لا يمكنهم أن يقفوا في وجه موجة ثالثة بقرارات «نص نص»، كفرنسا التي حاولت ألا تغلق المدارس والاقتصاد وأرادت ما أمكن ألا يكون الإجراء معمما على كامل التراب الفرنسي، ومع ذلك اضطرت وبعد تعقل أكبر لاتخاذ إجراءات صارمة. نحن في المغرب لم نصل إلى هذه الوضعية المقلقة والمعقدة مثلما يحدث في أوروبا ولهذا ما زالت لدينا فرصة للنجاة. لذا يجب علينا احترام الإجراءات الاحترازية وتقوية الإجراءات الترابية حتى نتجنب السيناريو السيء ونخرج من الأزمة في أقرب وقت ممكن، وإلا لا قدر الله لزمنا اتخاذ إجراءات مؤلمة طويلة الأمد.
قال بيل غيتس إننا سنتعايش مع كوفيد 19 حتى عام 2022، هل يصدق نفس الأمر على المغرب؟ فيما يخص فيروس كوفيد 19 الأصلي أو المتحور، فسنتعايش معه حتى نحصل على المناعة الجماعية، وحتى حين نصل إلى المناعة الجماعية فهذا لا يعني أن الفيروس سيختفي، ولكنه سيبقى بشكل محدود، وليس كوباء. حين تكون المناعة جماعية لا تكون لديه نفس القوة لكي ينتقل من شخص لآخر ويصيب العائلة بكاملها أو المدرسة أو المعمل أو غير ذلك. لأن 80 بالمائة من الناس ستكون لديهم مناعة وبالتالي يكونون حاجزا ضد انتقال الفيروس. من أين تأتي هذه المناعة؟ من الأشخاص الذين سبق أن أصيبوا بالفيروس من قبل، وللأسف ليس هناك دليل بأن المناعة بعد المرض تستمر طويلا، أو حتى عن طريق اللقاحات، والتي لا نعرف أيضا المدة التي تحمي خلالها الملقح: هل هي سنة أو سنتان أو ثلاث سنوات أو أكثر. الخبراء يقولون إن لقاح كوفيد ربما ستكون له فعالية لعدة سنوات بالنسبة للشباب، أما المسنين والذين لديهم أمراض مزمنة أو مناعة ضعيفة فربما ستكون مدة الحماية سنة أو سنتين، وبالتالي يجب التلقيح من جديد. لا نعرف سلوك الفيروس وهل يمكن أن ينتهي أو يختفي، ففي بعض الأحيان تظهر بعض السلالات والطفرات التي تعمل ضد الفيروس نفسه، فينتشر أكثر لكنه يكون أقل خطورة ولا يؤذي، وفي هذه الحالة تكون هذه الطفرات صالحة للإنسان فينتهي الوباء. في جميع الأحوال، فإن 70 دولة في العالم لن تتمكن من إنهاء التلقيح في 2021 ولن تلقح حتى 2022، ومن المحتمل أن اللقاحات لن تصل إلى الناس حتى النصف الأول من سنة 2022. إذن فقبل هذا التاريخ يجب أن نبالغ في الحماية حتى لو علمنا أننا سنحصل على المناعة الجماعية في المغرب أو فرنسا أو أمريكا، لكن ما دامت هناك دول بها فيروس منتشر، فمن الممكن أن تقع فيها طفرات وسلالات جديدة، قد لا تنفع معها المناعة الجماعية التي أخذناها عن طريق اللقاح أو عن طريق المرض، إذ يمكن لهذه السلالات أن تعيد الوباء من الصفر، لذلك نقول لا حماية للإنسانية إلا بالحصول على المناعة الجماعية في العالم كله. نحن في المغرب قد نكون أكملنا عملية التلقيح في 2021 وتحكمنا في الوباء، ولكننا سنبقى حذرين كي لا تأتينا سلالة جديدة وخطيرة لا قدر الله من الدول الأخرى التي لم تلقح بعد. إذن إلى 2022 من المؤكد أننا يجب أن نأخذ احتياطنا مع الفيروس إلى حين حدوث مناعة جماعية في العالم ككل.
كل الجوائح السابقة التي عرفها العالم تحكم فيها بمعرفة مصدرها، اليوم يبدو أننا لا نعرف المصدر الأصلي لفيروس كورونا؟ لا، لم نتحكم في الجوائح السابقة لأننا عرفنا سببها، إيبولا مثلا تحكمنا فيها بعدما اتخذت إجراءات قوية، وتمت محاصرة الفيروس في الدول الإفريقية التي انتشر فيها، وتم إجراء بحث علمي والتوصل إلى أدوية ولقاحات. السارس الأول الذي ظهر في آسيا سنة 2003 اختفى، بعدما تم التحكم فقط في الحالات، أما الفيروس فقد اختفى لوحده، والسارس والثاني كان في دول الشرق الأوسط وكان مصدره الجمال، لم يختف ولكن توقف انتشار الوباء. الفيروس ما زال موجودا في الحيوانات ولكن الوباء انتهى لأن الفيروس أوقف دورته واستطاع الإنسان أن يتغلب عليه. إذن نحن لم نقض على الأوبئة السابقة لأننا اكتشفنا مصدرها، ولكن لأننا تحكمنا في الفيروس أو لأن الفيروس اختفى من تلقاء ذاته، أو لأن الفيروس كان يأتي بأعراض قوية (كإيبولا مثلا) فكنا نتعرف على المريض مباشرة، وليس مثل كورونا. معرفتنا بأصل مصدر الفيروس حتى الآن تنقسم إلى نقاشات ثلاثة: إما أنه جاء طبيعيا مثل كل الفيروسات وانتقل عن طريق الخفاش إلى حيوان آخر وهذا الحيوان غير معروف لحد الساعة وما زالت الأبحاث تجري بشأنه، ثم انتقل للإنسان. والنظرية الثانية أنه خرج من المختبر (وليس مصنوعا فيه) وهذه النظرية كان يدافع عنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وهناك نظرية ثالثة وهي نظرية المؤامرة التي تقول إن الفيروس تم صنعه صنعا من طرف الإنسان في إطار حرب بيولوجية. العلماء نفوا هذا طبعا بعد دراسات وأبحاث، وقالوا إنه فيروس طبيعي فالفيروسات التي يتم فيها أي تدخل للإنسان يعرفها الخبراء بسهولة. إذن نحن أمام فيروس طبيعي، ولكن هل انتقل خطأ عبر عامل في المختبر أو انتقل من خفاش لحيوان آخر ثم انتقل للإنسان؟ هذه أسئلة مهمة بالنسبة للبحث العلمي حتى نعرف في المستقبل كيف نتجنب الأوبئة.