أهم النقاط لمواجهة مشاكل إمدادات اللقاحات، سيكون على جميع البلدان البحث عن حلول بديلة لمواجهة مخاطر الجائحة في انتظار المناعة الجماعية وطنيا وعالميا. في المغرب، لن يعفينا نجاح حملة التلقيح، وكون الساكنة شابة في عمومها، التي سهلت الحماية السريعة للفئات الهشة، من التفكير في مواجهة مخاطر استئناف الوباء، وتحدي السلالات الجديدة، وإنهاك الساكنة والاقتصاد.
من المفيد استكشاف حلول بديلة: تباعد الحقنات ب ثلاثة أشهر بدلاً من أربعة أسابيع، تطعيم الذين سبق لهم الاصابة بالفيروس بحقنة واحدة فقط ثلاثة أشهر بعد الإصابة، وخفض معدل تكاثر الفيروس بواسطة الاجراءات الحاجزية والترابية.
هذه البدائل ممكنة بفضل الدراسات التي أظهرت أن لقاح أسترازينيكا اوكسفورد فعال للغاية بدءا من الحقنة الأولى، وفعالية أكثر مع مباعدة بين الحقنتين ب 3 أشهر.
وقد أظهرت دراسات أخرى أيضا أن حقنة واحدة لدى الذين سبق لهم الاصابة بالفيروس تنتج كمية من الأجسام المضادة تصل إلى ما بين 10 و 45 مرة أكثر ممن لم يصابوا. ويجري حاليا البحث لتحقيق أمل حقنة واحدة من اللقاحات المبنية على تقنية الريبوزوم المرسال أو الفيروس الناقل.
كما أن التحكم في الوباء بفضل الاجراءات الحاجزية والتربية، يساعد التطعيم على تحقيق المناعة الجماعية بسرعة وبنسب تلقيح الساكنة أقل.
ستشهد عمليات التزود باللقاحات المضادة لفيروس كوفيد 19 عالميا تباطؤًا في الأسابيع المقبلة بسبب محدودية القدرة الإنتاجية العالمية والسباق المحموم نحو اللقاحات.
بالتأكيد، استطاع المغرب، بفضل التدخل الاستباقي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أن يبدأ حملته ضمن البلدان الأولى في العالم، وبعد أسابيع قليلة تمكن المغرب من حجز مكانه بين أفضل 10 دول في العالم التي قامت بتطعيم نسب مهمة من المواطنين. هذا النجاح هو أيضا ثمرة تنظيم لوجستي جيد، فضلا عن المشاركة المهمة والسريعة والمواطنة للشعب المغربي.
لكننا بالتأكيد سنواجه في الأسابيع المقبلة، مثل جميع البلدان الأخرى، تباطؤًا في سلاسل توريد اللقاحات.
في مواجهة مشاكل التزود هذه: ما هي المخاطر؟ ما هي الحلول البديلة للتغلب عليها؟
الإنجازات: حملة ناجحة، ساكنة شابة سهلت حماية سريعة للفئات الهشة.
ستتمكن حملة التطعيم في المغرب قريبًا من حماية المهنيين في الصفوف الأمامية والمسنين والمصابين بأمراض مزمنة بغض النظر عن السن. لكن هذا الهدف، الذي يروم تقليل الوفيات والحالات الخطيرة، لم يتحقق بالكامل بعد.
بالإضافة إلى ذلك، يتعين علينا في الأسابيع القادمة حماية جميع الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 50 سنة، والمهنيين في الأنشطة الأساسية أو الذين لديهم اتصالات واسعة مع الساكنة (النقل، التجارة، السياحة، والعاملين في الخطوط الأمامية من ذوي أقل من 45 سنة)، قبل تعميم التطعيم على جميع السكان البالغين - أو تقريبًا - لضمان المناعة الجماعية.
بفضل ديمغرافيتنا التي تتميز بشبابها، سيتم تحقيق أهداف حماية الفئات السكانية الهشة بسرعة أكبر في المغرب منها في الدول الغربية. على سبيل المثال، يمثل الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 سنة في المغرب 11.5٪ من إجمالي السكان، أو حوالي 4 ملايين شخص. في فرنسا، تمثل هذه الفئة العمرية 25٪، أو 17 مليون شخص، وبالتالي فهي أكبر بأربع مرات مما هي عندنا علما أن مجموع الساكنة الفرنسية هي أقل من الضعف لدى المغرب.
بينما سيسمح لنا هذا الوضع الديموغرافي بتحقيق الأهداف الأساسية لحماية الفئات الهشة بسرعة إلى حد ما، لا تزال هناك مخاطر أخرى يتعين إدارتها:
خطر تعقد الوضع الوبائي بسبب موجة جديدة تضرب حاليا جيراننا الأوروبيين وقد أجبرتهم على تشديد الإجراءات بما في ذلك الحجر الصحي.
خطر التدهور السريع والعام للوضع الوبائي بسبب السلالات الجديدة. تم اكتشاف المتحور البريطاني ببلادنا، والسلالات الاخرى قد يتم اكتشافها قريبًا بدورها. المتحور البريطاني ينتشر بشكل أسرع بنسبة تصل إلى 70٪، ووفقًا لآخر الدراسات، فهو أكثر خطورة بنسبة 60٪ من السلالة الكلاسيكية.
احساس الساكنة بالإنهاك وكدا الاقتصاد بعد أكثر من عام من الإجراءات التقييدية، رغم ضرورتها، والتطلع المشروع نحو العودة إلى الحياة الطبيعية في الأسابيع أو الأشهر القادمة.
الحلول البديلة: تباعد الحقنات لمدة 3 أشهر، تلقيح المصابين سابقا بحقنة واحدة بعد ثلاثة أشهر من الإصابة، وخفض معدل التكاثر.
لا يدخر المغرب أي جهد لضمان إمداد منتظم باللقاحات من مورديه الرئيسيين أسترازينيكا وسينوفارم. تم إصدار ترخيص للقاح الروسي سبوتنيك والتعاقد على طلبية أولية منه بأكثر من مليون حقنة. سيحصل المغرب أيضًا على حصة تبلغ حوالي مليون ونصف حقنة من لقاح أسترا زينيكا-أكسفورد من خلال مبادرة كوفاكس التي تقودها منظمة الصحة العالمية.
التباعد بين حقنتين من لقاح أسترازينيكا - أكسفورد: لقاح عالي الفعالية ابتداء من الحقنة الأولى، فعالية أكبر مع فترة تباعد 3 أشهر.
ينبغي النظر قريبًا في إمكانية تباعد حقنتين من لقاح أسترازينيكا - أكسفورد بمقدار 12 أسبوعًا بدلاً من مدة الاربع اسابيع الموصى بها حاليًا، من أجل تطعيم وحماية المزيد من الأشخاص.
عدة دراسات منها دراستان كبيرتان، واحدة إسكتلندية نُشرت في 22 فبراير والأخرى بريطانية نُشرت في فاتح مارس، تم إجراؤها في ظل ظروف التطعيم الواقعية على لقاحي أسترازينيكا وفايز أظهرت ما يلي: لقاحات أسترازينيكا وفايزر تقلل بشكل كبير من الأشكال الحادة وخطر الاستشفاء بعد 4 أسابيع من الحقنة الأولى بمعدل نجاعة 94٪ أسترازينيكا و 85٪ لشركة فايزر. نجد هذه الفعالية نفسها تقريبًا لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 70 سنة بخفض خطر الدخول للمستشفى بنسبة 81 ٪ (دراسة اسكتلندية).
أظهر هذان اللقاحان فعالية عالية لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 70 عامًا ، مما قلل من الأشكال الشديدة وخطر الاستشفاء بعد الحقنة الأولى ب 80.4٪ (أسترازينيكا) و 71.4٪ (فايزر). وفعالية ضد الاصابة المرضية بشكل عام بنسبة 61٪ -73٪ أسترازينيكا و57-61٪ للقاح فايزر (دراسة بريطانية).
أظهرت دراسات أخرى أن فعالية لقاح أكسفورد مع نظام حقنتين متباعدتين لمدة 12 أسبوعًا وصلت 81٪ مقارنة مع فعالية 55٪ فقط لنظام تباعد بفترة 4 أسابيع، مع إنتاج مضاعف حجم الأجسام المضادة. أشارت هذه الدراسات نفسها أن حقنة واحدة من هذا اللقاح لها فعالية عامة خلال الأشهر الثلاثة التالية تصل 76٪ بدءا من 22 يومًا بعد الحقنة الأولى، و67٪ ضد الاصابات بدون أعراض أي منع نقل الفيروس.
ليست هناك ضمانة لحد اليوم بكون هذه الحماية تمتد بنفس القوة لما بعد 12 أسبوعًا، ومن هنا الحاجة - حتى يثبت العكس - للحقنة الثانية.
في ضوء هذه البيانات، على البلدان اللجوء للمباعدة بين حقنتين من لقاح أسترازينيكا بمقدار 12 أسبوعًا مع تأكدنا من وجود فعالية حماية مماثلة لنظام الاربعة أسابيع، إن لم تكن أقوى، خلال هذه الأشهر الثلاثة، دون أي نقص في الحماية ضد الحالات الخطرة، وخطر الاستشفاء، أو الوفاة، بالإضافة إلى تغطية أوسع للتطعيم ضد تفشي الفيروس، وبالتالي تقليل خطر ظهور الطفرات.
من شأن هذا التوجه أن يساعد في تطعيم وحماية المزيد من السكان، في فترات أقصر، من خلال اعادة توزيع الحقنات التي تم توفيرها لاستخدامها للتطعيم على نطاق أوسع.
حقنة واحدة، من 3 إلى 6 أشهر بعد الإصابة للأشخاص المصابين سابقا.
تؤكد الدراسات كل يوم أكثر أن الأشخاص الذين أصيبوا سابقا بفيروس كوفيد 19 ينتجون، بعد الحقنة الأولى، كميات من الأجسام المضادة من 10 إلى 45 مرة أكثر من الأشخاص الذين لم يصابوا بالفيروس بعد تلقيهم الحقنة الاولى. هذه الاخيرة تقوم بدور تقوية للمناعة التي انتجتها الاصابة المرضية السابقة. بينما لا تعطي الحقنة الثانية لديهم أي فرق تقريبًا في إفراز مزيد من الأجسام المضادة.
سيكون من الممكن، مع تراكم الدراسات التي تؤكد هذه الاستنتاجات، تلقيح الأشخاص الذين أصيبوا سابقا ب وفيد 19 بعد 3 أو 6 أشهر من الإصابة بحقنة واحدة فقط (في هذه الأثناء، سيتم استخدام "حقناتهم" لتطعيم أشخاص آخرين من ذوي أولوية). هناك استثناءات. وعلى العموم لن يكون صعبا تدارك الأمر، إذا ما تبين أن الحقنة الثانية لديهم ضرورية، في زمن تكون اللقاحات أقل شحا.
البحث عن إمكانية حقنة واحدة من لقاح الريبوزوم المرسال ولقاحات الناقلات الفيروسية.
تحاول الأبحاث حاليًا معرفة ما إذا كان بإمكاننا الاكتفاء بحقنة واحدة من اللقاحات المضادة للفيروس (لقاح الريبوزوم المرسال ولقاحات الناقلات الفيروسية) على نفس نموذج لقاح جونسون اند جونسون. لذا فإن تباعد الحقنات يمكن أن يكون مفيدًا، في انتظار أخبار جيدة في هذا الاتجاه.
دراسات تدعم تباعد الحقنات: أظهرت دراسة من جامعة ستانفورد في تورنتو أن استراتيجية التطعيم المرنة من حيث تباعد الحقن تساعد في تقليل الإصابات بالفيروس بنسبة 23-29٪ مقارنة مع الاستراتيجيات الثابتة.
حملات التلقيح في ظل وباء تحت السيطرة ا تحقق مناعة جماعية بسرعة.
أوضحت دراسات النمذجة أنه كلما انخفض معدل تكاثر الفيروس Rt (وبالتالي الوباء الذي يتم التحكم فيه من خلال التدابير المتخذة)، يمكن الوصول للمناعة الجماعية بسرعة أكبر وبنسبة تغطية أقل للتطعيم: كلما احترمنا الإجراءات الحاجزية والترابية، كلما قللنا من سرعة انتشار الوباء، كلما قلت حاجتنا لتطعيم المزيد من الناس لتحقيق مناعة جماعية واستعادة الحياة الطبيعية، مع الاستمرار بعد ذلك في تطعيم بقية السكان لتعزيز مناعتنا الفردية والجماعية.
د. الطيب حمضي. طبيب، باحث في السياسات والنظم الصحية.