أصرت أحزاب من الأغلبية على أن الحكومة تشاورت مع الأحزاب قبل تحديد تاريخ الانتخابات التشريعية المقبلة، في الوقت الذي أكدت أحزاب من المعارضة أنها سمعت بهذا التاريخ عبر الصحف. وبين هؤلاء، قال رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران ل"الأيام"، إن هذا الموضوع سيوضع تحت مجهر المناقشات بين كل الأحزاب. فهل هي إشارة إلى إمكانية تغيير تاريخ الاستحقاق المقبل ؟ لم تمر سوى أيام قليلة على الإعلان عن تاريخ الانتخابات التشريعية المقبلة وتحديده في 7 أكتوبر، حتى بدأ الجدل بين الأحزاب السياسية، خصوصا من المعارضة، مؤكدة أنه تم خرق التقليد المتعامل به منذ سنوات، في التشاور مع كل الأحزاب حول تاريخ الانتخابات، موضحة أنه تم إخبارها إما عن طريق وزير الداخلية، محمد حصاد، أو عبر وسائل الإعلام والتصريحات الحكومية.
العماري : علمنا بموعد الانتخابات من الجرائد
إلياس العماري، الأمين العام الجديد لحزب "الأصالة والمعاصرة"، كان أول المصرحين حول تاريخ الانتخابات، مؤكدا أنه قرأ الخبر في إحدى الجرائد الوطنية وأنه لم يتم التشاور مع حزبه، بل تم إخباره بتاريخ الانتخابات من طرف وزير الداخلية، بعد مرور أسبوع على نشر التاريخ، قائلا في تصريح لأسبوعية "الأيام": "أنا أشك أن وزير الداخلية بدوره قرأ الخبر في الجريدة".
ونفى العماري، في ذات التصريح، أن يكون قد تم إخبار سلفه مصطفى البكوري بالأمر، مؤكدا أن الحزب لم يعرف بتاريخ الانتخابات سوى بعد نشره في وسائل الإعلام. وعن التدابير التي سيتخذها الحزب رفقة باقي الأحزاب، التي تؤكد عدم التشاور معها بخصوص التاريخ، أوضح الأمين العام للبام أنه "ليس من حق هذه الأحزاب الاعتراض سواء قانونيا أو دستوريا"، مشيرا إلى أن المكتب الفيدرالي للحزب سيجتمع لأخذ القرار.
كلام الأمين العام للجرار أكده الدكتور في العلوم السياسية عمر الشرقاوي، الذي أكد أن العادة جرت بأن يكون كل ما يتعلق بالانتخابات مثار تشاور بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية خصوصا الممثلة في البرلمان، وهذا العرف تم العمل به منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني، نافيا وجود أي مقتضى قانون يلزم الحكومة بالتشاور مع الأحزاب لتحديد الأجندة الانتخابية.
المالكي : لا نطمئن لهذه الانتخابات
بدوره أكد رئيس المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي، الحبيب المالكي، أنه لم يتم التشاور مع حزبه بخصوص تاريخ الانتخابات، وأنهم تلقوا الخبر عن طريق تصريح رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران خلال لقاء حزبي "يهمه"، مشيرا إلى أن التقليد الذي جرى في تحديد تاريخ الانتخابات هو التشاور مع الأحزاب الوطنية، إلا أن الأمر لم يكن كذلك في تحديد تاريخ الانتخابات التشريعية المقبلة، ولم يتم احترام هذه القاعدة، يقول المالكي في تصريح ل"الأيام".
وذكر الرجل الثاني في الاتحاد الاشتراكي أن مطلب الحزب كان دائما هو احترام دورية الانتخابات، لكن تقليد التشاور في التاريخ وتحديدا اليوم هو أيضا أمر مطلوب. وشدد المالكي على مطلب تغيير يوم الجمعة كيوم للاقتراع.
أما عن اعتزام الحزب التنسيق مع باقي أحزاب المعارضة التي تؤكد عدم إخبارها، فقد أكد المالكي أن "التاريخ المحدد أصبح أمرا واقعا"، معتبرا أن هناك "انفرادية في اتخاذ مجموعة من القرارات المهمة"، مشيرا إلى أن الحزب يدافع عن احترام دورية الانتخابات.
وذهب رئيس المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي إلى التشكيك في الانتخابات التشريعية المقبلة، قائلا: "نحن لا نطمئن للمسلسل الانتخابي الذي انطلق مع تحديد التاريخ بكيفية انفرادية".
بنكيران : سأجتمع مع الأحزاب
رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، قال في تصريح مقتضب لأسبوعية "الأيام"، إنه يستعد لإجراء لقاء مع مختلف الأحزاب للتداول في الأمر، رافضا إعطاء أي تصريح قبل عقد هذا اللقاء. ويبدو انطلاقا من تصريح رئيس الحكومة أن موضوع موعد الانتخابات التشريعية سيوضع تحت مجهر المناقشات بين الأحزاب السياسية من جديد، فهل يمكن أن يتغير موعد الاستحقاق التشريعي المقبل ؟
تاريخ الانتخابات كان دائما مثار جدل بين الأحزاب السياسية، هذا ما يؤكده الدكتور الشرقاوي، قائلا في تصريح للأسبوعية: "نتذكر أن تاريخ الانتخابات الجماعية الماضية كان مثار جدل بين الأحزاب السياسية، التي اختلفت حتى حول يوم الاقتراع الذي كان يوم جمعة، إذ كانت المعارضة تفضل أن يكون يوم الاقتراع يوم عطلة في نهاية الأسبوع، فوجود هذه التفاصيل في النقاش حول تاريخ الانتخابات هو أمر عادي"، وتابع أنه من الطبيعي أن يثير تاريخ الانتخابات نقاشا سياسيا لأنه لا وجود لتاريخ مثالي ليتفق عليه الجميع.
وفي الوقت الذي تعتزم فيه الأحزاب المعترضة على التاريخ المحدد المطالبة بتغييره، يرى أستاذ العلوم السياسية أنه ما لم يأخذ تاريخ الانتخابات الصبغة الرسمية والقانونية عبر النشر في الجريدة الرسمية، فإن هناك مجالا للتراجع عنه، أما إذا تم نشره فسيكون في الأمر نوع من الإحراج للحكومة لتلغي مرسوما تم نشره في الجريدة الرسمية، إذ يمكن أن يكون في التراجع عن المرسوم مس بهيبة الاستحقاق، يقول الشرقاوي.
لكن اعتراض المعارضة على تاريخ الانتخابات التشريعية قد يسقطها في نوع من التناقض، يؤكد الأستاذ الباحث ل"الأيام"، فالمعارضة رفضت تاريخ انتخابات شتنبر الجماعية وقالت إن للموعد تأثيرا على نسبة المشاركة لأن الحملة الانتخابية ستكون في غشت، وهو شهر عطلة، وقد طالبت هذه الأحزاب بأن يتم إجراء الانتخابات في أكتوبر.
واعتبر الشرقاوي، في تصريحه ل"الأيام"، أن ما يثير الاهتمام هو اعتراض الداخلية في ذلك الوقت، موضحا أن العطلة لن تؤثر على الانتخابات لتراجع نفسها اليوم، مضيفا "يبدو بوضوح أن إجراء الانتخابات في شتنبر الماضي لم يكن موفقا وربما لم يصل إلى كل الأهداف، ومنها نسبة المشاركة".
بنعبد الله : تم التشاور معي
وإذا كانت بعض الأحزاب تؤكد عدم التشاور معها بخصوص الانتخابات، فإن أحزابا أخرى رأت عكس ذلك، ومن جهته أكد الأمين العام لحزب "التقدم والاشتراكية"، نبيل بن عبد الله، أنه تم التشاور معه حول تاريخ الانتخابات التشريعية المقبلة قبل تحديده والإعلان عنه. وأوضح بن عبد الله، في تصريح ل"الأيام"، أنه تم التشاور مع باقي الأحزاب، قائلا "حسب علمي تم إخبار كافة الأمناء العامين بتاريخ الانتخابات".
واعتبر الأمين العام الاشتراكي أنه من حق الأحزاب الراغبة في الاعتراض على هذا التاريخ أن تتخذ الإجراءات التي تبدو لها ملائمة، مضيفا أن إثارة النقاش والجدل حول هذا الأمر "يبقى دون جدوى ولا فائدة منه"، قبل أن يشير إلى أن لها الحق في ذلك، مشددا على أن ذاك هو التاريخ الأنسب لتزامن شهر شتنبر مع عيد الأضحى.
شباط : وزير الداخلية تشاور معي قبل تحديد التاريخ
الأحزاب التي تم التشاور معها، حسب أمنائها العامين، لم تكن أحزاب الأغلبية فقط بل من المعارضة أيضا، إذ كشف حميد شباط، الأمين العام لحزب "الاستقلال"، أنه تم التشاور مع حزبه حول تاريخ الانتخابات من طرف وزير الداخلية، وذلك قبل تحديد التاريخ والإعلان عنه.
وفسر شباط، في تصريح لأسبوعية "الأيام"، تحديد تاريخ الانتخابات في أكتوبر بتزامن شهر شتنبر مع عيد الأضحى وموسم الحج، مذكرا بأن الانتخابات التشريعية لسنة 2011 كانت في الخامس والعشرين من شهر نونبر. وقال شباط إن حزبه بدأ في التحضير للانتخابات المقبلة، مباشرة بعد الانتهاء من الانتخابات الجماعية، وذلك عبر لقاء الكفاءات عبر مختلف الجهات لتحضير البرنامج واختيار المرشحين وعقد اللقاءات على مستوى مختلف الأقاليم.
ليست هناك أي مؤاخذات قانونية أو دستورية على موعد الانتخابات الذي صادقت عليه الحكومة في مجلسها الأخير مادام أنها تحترم الولاية المنصوص عليها دستوريا، يؤكد الدكتور في العلوم السياسية، عمر الشرقاوي، إلا أن الموعد المحدد ليس مثاليا وقد يؤثر على السير العادي لبعض المقتضيات الدستورية، خصوصا تلك المتعلقة بإعداد والمصادقة على القانون المالي لسنة 2017 الذي سيتم الشروع في إعداده ابتداء من شهر يونيو المقبل وفق ما ينص عليه القانون التنظيمي للمالية.
وإذا كان البعض لا يرى تأثيرا لهذا التاريخ على إعداد القانون المالي نظر لاستمرارية المؤسسات، يعتقد الشرقاوي أن الأمر وإن كان مشروعا من الناحية القانونية فإنه لا يستقيم من ناحية الملاءمة السياسية.
ويوضح الشرقاوي ذلك في كون إجراء الانتخابات في 7 أكتوبر سيجعل من المستحيل أن تضع الحكومة المنتخبة بصماتها السياسية والبرنامجية على القانون المالي الذي سيلزمها طيلة سنتها الأولى.
واعتبر المتحدث ل"الأيام" أن تكفل الحكومة المنتهية ولايتها بإعداد القانون المالي لسنة 2017 يدخل ضمن المجال الزمني للحكومة اللاحقة، يتعارض مع منطوق الفصل 62 من الدستور الذي حدد الولاية التشريعية التي تنبثق عنها الولاية الحكومية في خمس سنوات، ولذلك فإن تكفل حكومة بنكيران بإعداد مشروع القانون المالي لحكومة 2016 يعد بمثابة زيادة سنة في ولايتها، مما يعتبر تدخلا سافرا في خيارات الحكومة القادمة وتراميا على جزء من زمنها السياسي.
لهذه الأسباب، يقول الدكتور، ينبغي أن تنأى حكومة بنكيران عن التقرير في مشروع القانون المالي لسنة 2017، ولضمان سير المؤسسات ما عليها سوى تحضير المعطيات المالية وترك الحكومة القادمة تتخذ القرار ولو تطلب الأمر تأخير المصادقة إلى ما بعد دجنبر والاكتفاء بإصدار مراسيم تتضمن اعتمادات مالية لضمان سير المؤسسات، كما ينص على ذلك الفصل 75 من الدستور.
أما الزاوية الثانية فهي الدخول البرلماني، إذ أن الملك سيفتتح السنة التشريعية ببرلمان جديد لكن بحضور حكومة منتهية الولاية، فجلسة الافتتاح لها أجل دستوري لا يمكن تغييره، وهو الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، أي 14 من نفس الشهر، في حين أن موعد الاقتراع هو السابع من الشهر ذاته، وأسبوع واحد غير كاف لتشكيل حكومة جديدة، لذا سنكون أمام صورة نوعا ما سريالية، يقول الشرقاوي، إذ سيكون الافتتاح مع حكومة منتخبة في 2011 ومنتهية الصلاحية، وبرلمان منتخب في 2016، يستمعون إلى خطاب أساسي في الحياة التشريعية.
ويرى المتحدث أن الخطاب الملكي في افتتاح السنة التشريعية هو عبارة عن مجموعة من التوجيهات التي يقدمها الملك للحكومة والبرلمان، وهي التي تكون لها الأولوية في السنة التشريعية، قبل أن يشير إلى أن الأمر ليس معارضا للقوانين ولا للدستور، لكن للأمر علاقة بالملاءمة السياسية.