كرم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عشرات الحركيين وهم جزائريون حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي ثم تخلت عنهم فرنسا في ظروف مأساوية، مواصلا مبادرته المتصلة بالذاكرة التاريخية بهدف تضميد الجراح التي خلفتها حرب تحرير الجزائر (1954-1962). ورقى ماكرون بموجب مرسوم ن شر في الجريدة الرسمية الجمعة، ستة حركيين سابقين ومؤسسة جمعية لهم إلى درجة جوقة الشرف برتبة فارس، وهي أعلى رتبة تكريم تمنحها الدولة الفرنسية. وفي الإجمال ر قي 37 شخصا سواء إلى رتبة فارس أو درجة الاستحقاق الوطني برتبة ضابط وغالبيتهم يمثلون جمعيات أو هيئات. ويأتي التكريم قبل بضعة أيام على اليوم الوطني للحركيين المصادف في 25 شتنبر. وليست المرة الأولى التي ي كرم فيها حركيون فقد شهدت فرنسا مبادرات مماثلة في 2011 و2014 لكنها المرة الأولى التي ي كرم فيها هذا العدد الكبير، وفق وزارة الجيوش. ومصير الحركيين من المسائل العديدة المؤلمة للحرب الجزائرية التي خلفت جروحا عميقة في المجتمع الفرنسي ولا تزال تنوء بثقلها على الذاكرة الجماعية إلى الوقت الحاضر. حارب الحركيون في صفوف القوات الفرنسية ضد المقاتلين من أجل تحرير الجزائر في حرب غير متكافئة اتسمت بالوحشية وشهدت تفجيرات وعمليات تعذيب وخطف. خدم 150 ألف حركي في صفوف القوات الفرنسية لكنهم بعد انتهاء الحرب جردوا من أسلحتهم وت رك القسم الأكبر منهم في الجزائر في مواجهة مصيرهم. وتمكن نحو 60 ألفا منهم من الوصول إلى فرنسا ضمن موجة تدفق اللاجئين الفرنسيين (الذين تطلق عليهم تسمية الأرجل السوداء – بيي نوار)، أما الباقون فتعرضوا لعمليات انتقام دامية على أيدي الوطنيين الذين عاملوهم كخونة. و ضع من وصلوا إلى فرنسا في معسكرات في جنوب البلاد وعانوا صعوبة الاندماج في حين بدأت فرنسا تستقبل أعدادا كبيرة من المهاجرين الجزائريين لأسباب اقتصادية. ويبدو ماكرون المولود بعد الحرب، مصمما على كسر المحظورات المتصلة بهذا الإرث التاريخي. فالاسبوع الماضي، قام بمبادرة رمزية غير معهودة عبر الاعتذار من أرملة موريس اودان الشيوعي الذي ناضل الى جانب الجزائريين المطالبين بالاستقلال ومات تحت التعذيب بعد أن خطفه الجيش الفرنسي في 1957. والثلاثاء، وبمناسبة اليوم الوطني لتكريم الحركيين، ستعرض وزيرة الدولة لدى وزارة الجيوش جونوفياف داريوسيك في قصر ليزانفاليد العسكري العريق سلسلة تدابير لصالح الحركيين تتعلق بالاعتراف بالمصير الذي واجهوه وبتاريخهم. ويفترض أن تشمل الخطة كذلك شقا ماليا من أربعين مليون يورو على أربع سنوات لمساعدة الحركيين من الجيل الثاني الذين لا يزالون يواجهون صعوبات اجتماعية وفي الاندماج. ولكنه مبلغ غير كاف في نظر قسم من الحركيين وأبنائهم. وقال بوعزة قاسمي رئيس اللجنة الوطنية للاتصال لدى الحركيين “بالطبع يسعدنا التكريم ويشرفنا. بات الحركيون اليوم في آخر حياتهم، كان ينبغي أن ي منحوا وسام جوقة الشرف عندما انتهت الحرب (…) معركتنا، لنكن صريحين، هي (ن أجل) اعتراف حقيقي وانتصاف حقيقي. الأوسمة لن تزيل معاناة الحركيين”. وقالت الم كر مة فاطمة بسنسي لانكو التي كتبت العديد من الكتب عن الموضوع “تم تكريمي لكن فكري يتجه نحو كل عائلات الحركيين الذين عانوا أولا في الجزائر ثم في فرنسا. أنا أهدي وسام الشرف إلى جد ي اللذين قاتلا في الحرب العالمية الأولى وحازا على ميدالية عسكرية واختفى أحدهما في ظروف مأساوية في 1962”. وتندرج المبادرة الفرنسية في إطار علاقات ثنائية كثيفة ومعقدة مع الجزائر نظرا لثقل التاريخ والهجرات، وهي علاقات شهدت تقاربا وتباعدا بمرور الوقت. وأخيرا سحبت الجزائر كل الشرطيين الجزائريين الذين كانوا يتواجدون أمام المقار الدبلوماسية الفرنسية ردا على إلغاء باريس وضع شرطيين أمام مقر السفير الجزائري في فرنسا.