مشروع قانون المالية 2025.. لقجع يتحدث عن إعفاء الأجور التي تقل عن 6000 درهم من الضريبة    المؤامرة الجزائرية الجديدة.. زعزعة استقرار موريتانيا ومالي لتحقيق الوصول إلى الأطلسي    رئيس الحكومة: الشروع في الإطلاق التدريجي للمنطقة الصناعية محمد السادس "طنجة تيك"    الصحافة الإسبانية تشيد بإبراهيم دياز بعد تسجيله هاتريك مع أسود الأطلس        بشكل مفجع.. وفاة طالب بين مدينتي العرائش والقصر الكبير تحت عجلات حافلة للنقل العمومي    حملات تحسيسية بالشمال بمخاطر تلويث الموارد المائية بمخلفات الزيتون.. وغرامات تنتظر المخالفين تصل ل50 مليونا        "برلمان الطفل" يحتفي بربع قرن من الالتزام المدني وتربية القادة الشباب    بعد 20 عاماً من الغياب.. لمريني يشرف على أول حصة تدريبية على رأس الإدارة الفنية لهلال الناظور    قيمة رساميل الاستغلال للمشاريع الصناعية المُصادق عليها بلغت 140 مليار درهم مابين ماي 2023 ونونبر 2024 (أخنوش)    أكادير تحتضن تخطيط "الأسد الإفريقي"    الأغلبية بالمستشارين تدافع عن حصيلة الحكومة في الصناعة.. توازن ومناعة        المدور: المغرب من الدول السباقة في مقاربة محاربة الفساد وحقوق الإنسان    وضع الناشط المناهض للتطبيع إسماعيل الغزاوي رهن تدابير الحراسة النظرية    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب"الأخضر"    أونشارتد: أحدث العروض التوضيحية المفقودة تراث عرض الكنز الصيد ديو في المزامنة    ليدي غاغا سحبت قبالة واحدة من أفضل عروض الوقت الحقيقي من أي وقت مضى    "اليونسكو" تدرس إدراج الحناء في قائمة التراث الثقافي غير المادي    انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في المغرب بعد بدء عملية الاستيراد    درك أزمور يحبط محاولة للهجرة السرية    حكيمي يبتغي اعتلاء العرش الإفريقي    لافروف يحذر الغرب من النووي الروسي    الأمطار تعود إلى الريف وسط انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    مقتل جندي إسرائيلي في معارك لبنان    جدول أعمال مجلس الحكومة المقبل    وزارة الصحة الروسية تطلق اختبارات سريرية لعلاج جديد لسرطان الدم    محاولة اغتيال وزير العدل الكندي السابق الداعم لإسرائيل    الذهب يلمع عند أعلى مستوى في أسبوع مع تراجع الدولار    مساء هذا الثلاثاء في برنامج "مدارات" : لمحات من السيرة الأدبية للكاتب والشاعر محمد الأشعري    الإعلام الإسباني يتغنى بتألق ابراهيم دياز رفقة المنتخب المغربي    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    العرائش.. نزاع حول قطعة أرضية بين سيدة وشقيقها ينتهي بجريمة قتل    من حزب إداري إلى حزب متغول    ولي العهد السعودي يهنئ الملك بمناسبة عيد الاستقلال    شبكة تسلط الضوء على ارتفاع أسعار الأدوية في المغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    حاتم عمور يصدر كليب «بسيكولوغ»        أربع جهات مغربية تفوز بجائزة "سانوفي" للبحث الطبي 2024    تسجيلات متداولة تضع اليوتيوبر "ولد الشينوية" في ورطة    في تأبين السينوغرافيا    الشاعرة الروائية الكندية آن مايكلز تظفر بجائزة "جيلر"    ما هي الطريقة الصحيحة لاستعمال "بخاخ الأنف" بنجاعة؟    فريق بحث علمي يربط "اضطراب التوحد" بتلوث الهواء    صحتك ناقشوها.. إضطراب النوم / الميلاتونين (فيديو)    إندرايف تغير مشهد النقل الذكي في المغرب: 30% من سائقيها كانوا يعملون بسيارات الأجرة    مجموعة ال20 تعلن وقوفها خلف قرار وقف إطلاق النار في غزة    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات فالنسيا بإسبانيا إلى 227 قتيلاً ومفقودين في عداد الغائبين    عرض الفليم المغربي "راضية" لمخرجته خولة بنعمر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    العسكريات يسيطرن على التشكيلة المثالية لدوري أبطال إفريقيا    نشرة إنذارية: زخات رعدية ورياح عاصفية في عدد من أقاليم المملكة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإستيطان .. والتطبيع - بقلم : د / لطفي زغلول – نابلس
نشر في عالم برس يوم 16 - 08 - 2009

شكل مشروع الإستيطان الإسرائيلي ما قبل قيام الدولة العبرية عام 1948، وما بعدها أحد أهم ثوابت السياسة الإسرائيلية ، بل أهمها على الإطلاق ، لأية حكومة إسرائيلية أيا كان لونها طيفها السياسي . وقد مر هذا المشروع بثلاث مراحل متوالية ، تكمل الواحدة الأخرى ، وتمهد لها .
المرحلة الأولى ، إبتدأت في القرن التاسع عشر ، وتحديدا في العام 1872 ، يوم أقيمت أول مستوطنة يحمل اسمها دلالة ذات مغزى كبير . إنها مستوطنة " بتاح تكفا " ، وبالعربية مفتاح الأمل ، وقد أطلق المستوطنون عليها آنذاك " أم المستوطنات " .
المرحلة الثانية ، وقد ابتدأت غداة قيام الدولة العبرية في يوم الخامس عشر من أيار / مايو 1948 . وقد اتصفت بعمليات تدمير واسعة للبلدات والقرى الفلسطينية التي أقيم على أنقاضها أشكال متنوعة من المستوطنات " الكيبوتسات والموشافات والناحلات " .
إلا أن أكثر المراحل ازدهارا في تنفيذ المشروع الإستيطاني ، كانت المرحلة الثالثة التي ابتدأت غداة احتلال كامل التراب الفلسطيني في العام 1967 ، والتي مضى عليها حتى الآن أربعة عقود ونيف ، وتحديدا ثلاثة وأربعون عاما ، أسفرت ببساطة متناهية عن تغيير واضح المعالم في خارطة الضفة الفلسطينية جغرافيا وديموغرافيا .
وبلغة الأرقام والإحصائيات إقامة 440 نقطة استيطانية ، وأكثر من 100 ما يسمى بؤرا استيطانية عشوائية بالإضافة إلى منطقة صناعية ، على مساحات شاسعة من الأرض الفلسطينية مزودة بشبكة شبكة من الطرق الإلتفافية التابعة لهذه المستوطنات . واسرائيل بطبيعة الحال ترفض رفضا باتا أن تجمد عمليات الإستيطان ، وترفض كل الضغوطات عليها بهذا الصدد لعلمها أنها ليست جادة كما يبدو للبعض .
تقودنا هذه المقدمة إلى ما يدور هذه الأيام من أحاديث عن تجميد للإستيطان لمدة ستة أشهر مقابل اعتراف الأنظمة العربية بإسرائيل وتطبيع علاقاتها معها . تقود هذه الأفكار وتسوق لها الولايات المتحدة الأميركية .
في خطابه الأخير في جامعة القاهرة والموجه إلى العالم الإسلامي ، طالب الرئيس الأميركي باراك أوباما العرب والمسلمين أن يبنوا جسورا للثقة مع إسرائيل . إلا أن وزيرة خارجيته هيلاري كلنتون كانت أكثر وضوحا من رئيسها ، فطالب الأنظمة العربية أن تهيء شعوبها للتطبيع مع إسرائيل بحجة أن التطبيع هو الذي سينهي الإحتلال . وقد أكمل جورج ميتشيل هذا السيناريو بإيقاف حديثه عن الإستيطان ، واستبدله بالدعوة إلى التطبيع .
وفي الكونجرس طالب أعضاء جمهوريون وديموقراطيين الرئيس أوباما أن يضغط على الأنظمة العربية لاتخاذ خطوات حقيقية نحو التطبيع . وتتمثل هذه الخطوات بإنهاء مقاطعة الجامعة العربية ، والإلتقاء بمسؤولين إسرائيليين ، وفتح الأجواء العربية أمام الطيران المدني الإسرائيلي ، ومنح الإسرائيليين تأشيرات دخول إلى الأقطار العربية ، ودعوة الإسرائيليين للمشاركة في المؤتمرات الأكاديمية والإقتصادية والرياضية والثقافية وغيرها .
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان : وهل بقي هناك أنظمة عربية لم تطبع علاقاتها مع إسرائيل ؟ . والجواب كلا وألف كلا . لكن المقصود من هذه الدعوة المزيد من سحب ما تبقى من أوراق القضية أو بمعنى أدق تصفيتها ، دون أن يكون هناك إنهاء للإحتلال الإسرائيلي الجاثم على صدور الفلسطينيين والكاتم أنفاسهم ، أو حل مشرف عادل لقضيتهم .
إن الفلسطينيين لا تنطلي عليهم مثل هذه الدوات المشبوهة . إن القضية لا تتعلق بتجميد الإستيطان فحسب . إنها تجميد يرافقه تفكيك لكل أشكال الإستيطان المقام على الأراضي الفلسطينية المغتصبة . والأمر لا يقف عند هذه الحدود ، فالإستيطان جزء لا يتجزا من إفرازات القضية الفلسطينية .
والتطبيع بكل الأحوال يكون نتيجة ، ولا يعقل أن يكون سابقا إيجاد حل مشرف للقضية الفلسطينية . هناك استحقاقات أخرى تمثل ثوابت لا يمكن لأي فلسطيني أن يتنازل عنها ، بدءا بإزالة الإحتلال ، وتحرير كافة الأسرى من سجونهم ومعتقلاتهم ، مرورا بإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على برها وبحرها وأجوائها ومعابرها البرية والبحرية وعاصمتها القدس ، وأخيرا وليس آخرا تطبيق حق العودة بحذافيره ، ووفقا لما نص عليه قرار الشرعية الدولية الصادر عن الأمم المتحدة وهو القرار 194 .
وعودة إلى موضوع الإعتراف والتطبيع . إن الفلسطينيين لا يتصورون أن يكون هناك اعتراف بالكيان الصهيوني قبل الإستحقاقات الآنفة الذكر ، وهي الحد الأدنى من مطالبهم . إن الدعوة للإعتراف والتطبيع ما هي إلا مؤامرة هدفها إنهاء القضية وتصفيتها . والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل فلسطيني : ما هو الضمان أن لا يكون في الأمر خديعة ، وهذا ما يشتمه الفلسطينيون فعلا ؟ .
إن الفلسطينيين يأملون من أشقائهم العرب والمسلمين أن لا تنطلي عليهم هذه المؤامرة الخطيرة ، وأن لا يهرولوا لها . والفلسطينيون ما زالوا يذكرون كيف كانت القضية الفلسطينية تحتل أولى أولويات أجنداتهم السياسية . إلا أنها ومع الأيام أخذت تتراجع حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من إهمال وتخل عنها . وفي حقيقة الأمر لقد قلبت الأنظمة العربية ظهر المجن لهذه القضية ، وترك أصحابها يواجهون مصائرهم وحدهم .
إن الفلسطينيين يذكرون أشقاءهم بنكبتهم ، وبمرارات الإحتلال التي يعانونها ، وما فعله جدار الفصل العنصري بهم . إنهم يذكرونهم بمئات المستوطنات التي افترست أفضل أراضيهم ، ويذكرونهم بما تفعله قطعان المستوطنين من قلع وحرق واعتداءات سافرة عليهم . ويذكرونهم بالحواجز والإجتياحات والإقتحامات المستدامة والإغتيالات والإعتقالات التي تمارسها قوات الإحتلال . عسى هذه الذكرى تنفعهم .
إن الحال ما زالت على ما هي عليه ، بل أسوأ مما يتخيلون ويتصورون . لم يتغير أي شيء على الإطلاق ، بل زادت الأمور سوءا ، وتدهورت الأحوال المعيشية والصحية والتربوية والإجتماعية والنفسية جراء الحصارات التي تفرضها قوات الإحتلال . فهل هذا هو السلام الذي يبشرون به ؟ . وهل هذه الأحوال المزرية تستحق أن يكافأ عليها بالإعتراف والتطبيع ؟ . وهل محو ذكر النكبة الفلسطينية من القاموس الإسرائيلي ، وشطب كل الأسماء العربية بغية تهويدها يمكن أن يكون بادرة حسن نوايا من قبل المحتل ؟ .
إن الولايات المتحدة الأميركية بطرحها هذا تتجاهل الشعب الفلسطيني ، وتلتف على قضيته بكل مكر ودهاء ، إلا أنهما مكشوفان للعيان . وما أشبه الليلة بالبارحة . ما أشبه عهد الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش الإبن بعهد الرئيس الحالي باراك أوباما ، والفارق أن بوش لعبها على المكشوف يوم أعطى وعده لشارون إبان توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية بإلغاء حق العودة ، والإبقاء على الكتل الإستيطانية الكبرى في يد إسرائيل .
في حين أن اوباما يلف ويدور ويناور للوصول إلى ذات الهدف .
فلسطينيا ، لقد خبر الشعب الفلسطيني طوال سني نكبته الكثير الكثير من وسائل الترهيب والترغيب والتحديات والمؤامرات والأساليب الملتوية للتنازل عن منظومة حقوقه التاريخية ، إلا أنه ظل ثابتا ومتمسكا بها ، وهو لايملك إلا هذا الخيار مهما بلغت تضحياته بالنفس والنفيس .
عربيا وإسلاميا ، إن الفلسطينيين يأملون أن يحافظ أشقاؤهم العرب والمسلمون على ما تبقى من أوراق قضيتهم . وهم يرجون من الله جل جلاله أن لا يفرطوا بها . إن فلسطين جغرافيا مقدسة . وإن القدس وقد أوشك تهويدها أن ينتهي تستصرخ ضمائرهم باسم الأقصى المبارك والصخرة المشرفة . إن القدس والأقصى من العقيدة السمحة التي يشترك فيها العرب والمسلمون ، وهي من تاريخهم المجيد . وعسى الذكرى تنفع المؤمنين . وإن غدا لناظره قريب .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.