في نهاية شهر يونيو 2010 ذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أن السلطات القضائية الأمريكية اعتقلت رجل أعمال اسرائيلي، يدعى هانوك ميلر وشريكا أمريكيا له، ووجهت لهما في 24 يونيو 2010، تهمة التورط في بيع مئات الرشاشات من طراز «ايه كاي 47» إلى حكومة أرض الصومال. وبحسب التهم الأمريكية، فإن ميلر وشريكه، قاما بتنظيم نقل شحنات الأسلحة في طائرات إلى الصومال. وقد اعتقل الرجلان، في عملية قام بها جهاز الجمارك الأمريكية، وقدم خلالها عميل من الجهاز نفسه لميلر وشريكه، على انه وسيط في تنظيم شحنات الأسلحة، قبل إلقاء القبض عليهما. وأفادت «هآرتس» أن ميلر مهندس طيران خدم في القوات الجوية الاسرائيلية، ضمن وحدة تصميم الطيارات، قبل أن يترك المؤسسة العسكرية، ويعمل لفترة قصيرة لدى شركة «الصناعات الجوية الاسرائيلية». وأسس ميلر بعد ذلك، شركة «رادوم» للأنظمة الجوية، التي قامت بأعمال عديدة لحساب وزارة الدفاع الاسرائيلية. لكنه عاد وترك الشركة ليؤسس أخرى، تعمل حسب تصريحاته في مجالات المعدات العسكرية وخاصة منها أجهزة الرؤيا الليلية، والتجهيزات العالية التقنية. وبالرغم من أن لائحة الاتهام الأمريكية، لم تذكر إسم الشريك الأمريكي، إلا أن «هآرتس» أفادت بأنه العقيد السابق في الجيش الأمريكي جوزيف اوتول، الذي اعتقل خلال الثمانينيات بتهمة بيع أسلحة لإيران وذلك في نطاق عمليات التمويه الأمريكي على فضيحة إيران غيت التي تسلمت بموجبها إيران أسلحة أمريكية وإسرائيلية خلال حربها ضد العراق والتي استمرت ثمان سنوات. بمجرد تسرب تلك الأخبار سارعت وزارتا الدفاع والخارجية الاسرائيليتان لنفي تورطهما في قضية التهريب أو سماحهما لميلر بإجراء الصفقة، فيما كانت تقارير إعلامية قد أفادت قبل أسابيع بأن الحكومة الاسرائيلية تتجه نحو تعزيز علاقاتها مع حكومة أرض الصومال بهدف تقوية وجودها في منطقة القرن الأفريقي وتوثيق روابطها مع حركة الإنفصال في جنوب السودان وتعزيز نفوذها في دول منابع نهر النيل. شركات «الموساد» مصادر رصد ألمانية ذكرت أن هانوك ميلر ومنذ تركه رسميا الخدمة في الجيش الإسرائيلي، عمل لحساب «الموساد» وكل الشركات التي كونها انشئت بأموال المخابرات الإسرائيلية، وأضافت تلك المصادر أن شركات ميلر دخلت مرات قليلة في تضارب مصالح مع مؤسسات أسلحة أمريكية تعمل في نطاق السرية. المصادر الألمانية أضافت أن تل أبيب تمارس ضغوطا كبيرة على واشنطن لتقزيم القضية حتى لا تقود إلى فضح روابط أخرى تكشف عن مسلسل واسع لعمليات تدخل وتهريب سلاح إسرائيلية إلى دول عربية وأفريقية سواء لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية، أو خلق بؤر توتر وصدام سواء داخل البلد الواحد أو بين دول عدة. خبراء أوروبيون يتوقعون أن يتم طمس قضية شبكة ملير كما حدث قبل ذلك لعدة عمليات مماثلة. فيما تؤكد مصادر منها الفرنسية أن قضية هانوك ميلر ليست سوى جزء صغير جدا من جبل الجليد الضخم العائم الذي يشكل قصة لعبة الموساد وغيره من أجهزة الأمنية في تجارة الأسلحة وما يحيط بها من أهداف سياسية وإقتصادية. يوم 16 ديسمبر 2004 أفادت مصادر دبلوماسية واعلامية مطلعة في عمان وبيروت ان السلطات الأردنية ألقت القبض على شبكة إسرائيلية لتهريب الاسلحة إلى اقليم دارفور غرب السودان. وأوضحت تفس المصادر أنه تم اعتقال شخصين يحملان جوازي سفر اسرائيليين وأن احدهما يعمل بصورة مباشرة مع داني ياتوم الإبن الأصغر لمدير جهاز الاستخبارات الإسرائيلى السابق وأحد مستشاري ايهود باراك، وانه ادلى بمعلومات مؤكدة تفيد بتورط شيمون ناور وهو صاحب شركة استيراد وتصدير إسرائيلية فى تهريب أسلحة إلى إقليم دارفور. وقالت المصادر، وفقا لصحيفتي «الشرق الاوسط» السعودية و»العرب اليوم» الاردنية، أن اعترافات المتهمين أرشدت إلى الرأس المدبر لعملية تهريب الأسلحة ويدعى أموس جولان، وهو يدير مصنعا للأسلحة فى تل أبيب وله مكتب استشاري يقوم بشكل غير مباشر بتسليح الحركات المسلحة المعارضة فى دول عربية ومنظمات خاصة وشركات الأمن. وأشارت الى أن المتهمين قد ساعدا بعض الأفراد من حركات التمرد في دارفور لتلقي التدريبات العسكرية في إسرائيل بصفة رسمية وأن أحد المتهمين أرشد بالفعل على اسماء الأماكن التي كان المتمردون يقابلونهما فيها داخل الأراضي السودانية والمناطق التى كانوا يتدربون فيها في اسرائيل. تهريب الأسلحة قبل كشف الأردن لجزء من شبكة التهريب بأشهر قليلة وفي 6 مايو 2004 كشفت مصادر استخباراتية أوروبية منها الألمانية والفرنسية للسعودية أن «الموساد» وراء تهريب الأسلحة والمتفجرات إلى السعودية لاستخدامها في أعمال إرهابية. وفي ذلك التاريخ نقلت صحيفة «الشرق الأوسط» عن مصادر صحافية في العاصمة اللبنانية ان جهاز المخابرات الاسرائيلي «الموساد» يقوم بتهريب الاسلحة والمتفجرات إلى داخل السعودية لاستخدامها من قبل جهات معينة في الداخل، وكشفت أن شخصا يتقمص دور رجل دين على علاقة وثيقة مع تنظيم «القاعدة» اجاز التعامل مع الاجانب من أجل استهداف الحكومة السعودية. ونقلت اسبوعية «المحرر العربي» اللبنانية عددها الاسبوعي الذي وزع خلال الأسبوع الأول من مايو 2004 عن مصادر استخباراتية اطلسية أن جماعات شمال افريقية تعمل في اوروبا وتعرف باتجاهها المتطرف والشديد التعصب هي التي لعبت دور الوسيط الذي رتب العلاقة بين تل ابيب وتلك الجهات السعودية. وختمت الصحيفة: لعل الجانب الاكثر حساسية في معلومات العواصم الاوروبية هو الحديث عن احتمال تورط أطراف عربية في التعاون مع اسرائيل ضد السعودية. بعد ذلك بثلاث سنوات اعترفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في 16 فبراير 2007 بأن من ضمن الصفقات العديدة التي أبرمتها تل أبيب والمتعلقة بتهريب السلاح إلى دول أفريقية واحدة مع «بلد مجاور للسودان يعتبر ساحة لحركات التمرد في دارفور» أي تشاد، من جانبه ذكر معهد أبحاث قضايا الدفاع والأمن في بروكسل في دراسة عن تهريب السلاح لإفريقيا أن دارفور أصبحت موردا لتجارة السلاح الإسرائيلية وأن «إسرائيل تغرق دارفور بالسلاح». خلال الثلث الأخير من شهر أغسطس 2009 نقلت كل من وكالة فرانس بريس ورويترز أخبارا مفادها أن السلطات الفلبينية احتجزت سفينة شحن وأفراد طاقمها بعدما عثروا بداخلها على صناديق بنادق هجومية إسرائيلية وأنواع أخرى من الأسلحة أثناء رسوها في ميناء ماريفيليس شمال غرب العاصمة مانيلا دون إخطار مسبق، محبطين محاولة كبيرة لتهريب أسلحة. وعثر مسؤولو الجمارك وخفر السواحل على متن السفينة المسجلة في بنما على خمسة صناديق تحتوي على 50 بندقية هجومية من طراز الجليل الإسرائيلية وهي السلاح الأساسي الفردي في الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى عشرة صناديق أسلحة فارغة. وكانت وجهة السفينة الأخيرة حسب خريطة عثر عليها على متنها هي إقليم باتانغاز جنوبي مانيلا، وقد انطلقت السفينة من ميناء في تركيا عبر المتوسط ثم البحر الأحمر وبحر العرب وبحر عمان وإندونيسيا. مصادر روسية واعتمادا على معلومات رصد بالأقمار الصناعية ووسائل أخرى أبلغت دولا منها السودان ومصر واليمن والسعودية أن السفينة أنزلت شحنات قرب سواحل تلك الدول وأن سفنا صغيرة وقوارب سريعة أوصلت تلك الشحنات إلى الساحل. من جانبها ربطت اجهزة الاستخبارات الالمانية «بي إن دى» بين السفينة و»الموساد» الإسرائيلي. تهريب السلاح إلي افريقيا يسجل الملاحظون أن مع تكثف الحديث ولو لمدة قد لا تطول عن دور إسرائيل التخريبي في عدد من الأقطار العربية، نشرت قوات حرس الحدود السعودية يوم 17 يونيو 2010 جردا عن الكميات الكبيرة من الأسلحة التي ضبطتها. وذكرت المديرية العامة لحرس الحدود على لسان ناطقها الرسمي المقدم سالم السلمي عن حجم الأسلحة والذخيرة التي ضبطتها خلال خمسة أعوام، والتي وصلت إلى أكثر من 2600 سلاح و1.3 مليون قطعة ذخيرة و43 ألف مادة متفجرة، بعضها يمثل خطرا كبيرا مثل الصواريخ المضادة للدبابات والقنابل والبازوكا. في الثلث الأخير من سنة 2004 صدر في باريس كتاب بعنوان «تهريب السلاح إلي افريقيا» يكشف بالوقائع والتواريخ مدي التغلغل الاسرائيلي في القارة السمراء، وتوريطها لعدد من النظم السياسية فيها، في تجارة غير مشروعة سواء في السلاح أو المخدرات واستغلال تل أبيب علاقاتها الخاصة ببعض القادة لتجعل منهم شركاء ضالعين في انشطة اجرامية وإرهابية. ويشدد الكتاب علي أن ثمة معلومات وبحسب الشرطة البلجيكية تؤكد أن تنظيم «القاعدة» نجح في تنفيذ صفقات بنحو 200 مليون دولار مع شركات تعمل لحساب الموساد الإسرائيلي كما أن غالبية حركات التمرد في القارة السمراء ترتبط بصلات مباشرة بالموساد الاسرائيلي، ولا تخلو كثير من الدولة الأفريقية من مكاتب تعمل تحت تغطيات مختلفة انطلاقا من السياحة مرورا بتوفير وسائل الري وبيع البذور حتى شركات تسويق العطور، يعمل فيها ضباط سابقون في الجيش الاسرائيلي والأجهزة الأخرى بجوازات سفر غربية مهمتها عقد الصفقات. في دراسة كتبها العميد الإسرائيلي المتقاعد موشي فرجي وأعدها لمركز دراسات الشرق الوسط في جامعة تل أبيب بعنوان «إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان، نقطة البداية ومرحلة الانطلاق» وتم تسريبها لوسائل اعلام عدة سنة 2009 ولكن تم حذف فقرات كبيرة منها استطاعت أجهزة رصد عدة كشفها. مراحل التدخل الإسرائيلي في السودان يقول العميد فرجي إن الصراع الذي ظهر في جنوب السودان عام 55، وقادته حركة «الأنيانيا» بدا في أول أمره وكأنه حدث محلي، ولكنه استرعى في مرحلة لاحقة الاهتمام الإسرائيلي، لأن إسرائيل كانت تنظر إلى الصراع في جنوب السودان على أنه لا يتعلق بدولة من دول المواجهة معها، كما أن السودان لم يكن من وجهة نظر إسرائيل من الدول التي تتبنى مواقف متشددة منها. تل أبيب أعطت الأولوية لإضعاف القوى السياسية التي كانت تعارض إنفصال السودان عن مصر خاصة بعد اعلن في أول يناير 1956 عن إنفصال السودان. بعد أشهر قليلة صفق قادة تل أبيب لإختياراتهم فالسودان لم يقدم دعما حقيقيا للرئيس جمال عبد الناصر في مواقفه المختلفة من إسرائيل، خاصة في حملة قاديش وخلال العدوان الثلاثي 1956 على مصر أو خلال حرب عام ألف وتسعمئة وسبعة وستين. وتقول الدراسة إن السودان لم يتخذ موقفا عدائيا من التغلغل الإسرائيلي في القارة الأفريقية وخاصة عندما كانت اسرائيل تحاول تعميق علاقاتها مع الإمبراطور هيلاسيلاسي في إثيوبيا ثم مع كينيا وأوغندا. غير أن الأمور تبدلت بعد حرب 1967 حسب التقرير، حيث فتحت الخرطوم مطاراتها وقواعدها العسكرية للطيران المصري وشكلت عمقا إستراتيجيا عملاتيا للقوات المصرية. في نفس الفترة الممتدة من بعد نصف عقد الخمسينات وحتى ما بعد حرب الستة أيام، حدث تطور مهم في المؤسستين الاستخبارية والعسكرية الإسرائيليتين بشأن السودان، ليس بسبب مواقف سابقة بل بسبب ما يمكن أن يشكله السودان من خطر على الأمن الإسرائيلي مستقبلا، باعتباره عمقا حقيقيا لمصر التي هي في نظر إسرائيل أكبر خطر يتهددها، ورأت إسرائيل أن الخطر الذي يشكله السودان بالنسبة لإسرائيل يشبه إلى حد كبير الخطر الذي يشكله العراق، وبالتالي يجب أن يكون التعامل مع السودان بالمستوى نفسه الذي يكون فيه التعامل مع العراق، ويجب أن يرتكز ذلك على استغلال التباين العرقي والطائفي والمذهبي الذي هو في نهاية الأمر الضمان الوحيد لكي يصبح السودان عاجزا عن القيام بأي عمل كبير ضد إسرائيل أو تقديم الدعم ضدها ولدولة في حجم مصر. وبالتالي فقد رأت إسرائيل توسيع استراتيجيتها المخصصة للقرن الأفريقي بحيث يدخل إلى صميمها الموقف من جنوب السودان. ويقول فرجي إن هذه الإستراتيجية صاغها بن غوريون وأوري لورياني وبالتالي فقد شرعت إسرائيل بالتحرك لدعم كل الحركات الانفصالية التي تهدد الحكومة المركزية في الشمال. وجاء هذا الموقف من إسرائيل بعد أن اعترفت الدراسة أن إسرائيل حاولت أن تتغلغل في صفوف الزعامات في شمال السودان ولكنها فشلت في أن تحقق نجاحا يذكر. وقالت الدراسة إن إسرائيل جعلت من إثيوبيا مرتكزا لها، وقد تولى الاتصالات مع متمردي جنوب السودان دافيد كمحي المدير السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وذكرت الدراسة إن الدعم الإسرائيلي هو الذي مكن حركة التمرد من الاستيلاء على مدن رئيسية في جنوب السودان، وكانت إسرائيل تمد المتمردين بالسلاح كما كانت تقوم بتقديم الاستشارات والتدريب من خلال خبرائها المقيمين في إثيوبيا. واستخدمت الحكومة الإسرائيلية سياسة جديدة أطلقت عليها اسم «شد الأطراف» استهدفت توتير العلاقات بين الحكومة السودانية والدول المجاورة حتى لا تتمكن الحكومة السودانية من تنفيذ سياساتها خاصة الأمنية الداخلية بالتعاون مع هذه الدول. خمس مراحل الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه السودان مرت بخمس مراحل، وقد تأرجحت في البداية بين إيجاد خط رجعة لمساندة الإنفصال في جنوب السودان حين كانت تل أبيب تركز على ترسيخ توجه الإنفصال بين شمال وادي النيل وجنوبه، وبين استخدام حركة الإنفصال في الجنوب كأداة للضغط على الخرطوم لتمتنع عن التحالف مع القاهرة في معركتها ضد تل أبيب. وفي مرحلة لاحقة إنتقلت إلى المشاركة الفعالة في الحرب الهادفة إلى تمزيق السودان إلى عدة دويلات. المرحلة الأولى بدأت في عقد الخمسينيات حيث كانت إسرائيل تلعب على وتر تقديم معونات إنسانية للنازحين عبر الحدود السودانية إلى إثيوبيا، وكانت إسرائيل تحاول من خلال تقديم مساعداتها في هذه المرحلة تعزير الاختلافات القبلية والعرقية وتوسيع شقة التنافر بين الشمال والجنوب ودعم كل الاتجاهات الانفصالية، وقد أوفدت العقيد باروخ بار وعدد من أفراد الاستخبارات الإسرائيلية للعمل من خلال أراضي أوغندا لدعم هذا الهدف. وفي المرحلة الثانية التي بدأت خلال عقد الستينيات شرعت تل أبيب في دعم قوات الأنيانيا وتدريبها، وخلال هذه المرحلة تبلورت رؤية إسرائيل التي ترى أن شغل السودان في مثل هذا الواقع لن يترك له أي مجال لدعم مصر في أي عمل مشترك ضد إسرائيل، وتقول الدراسة إن هذه السياسة وجدت قبولا من بعض العناصر في جنوب السودان وذلك ما شجع إسرائيل على أن تبعث بعناصرها إلى الجنوب مباشرة للعمل تحت ستار تقديم الدعم الإنساني. وتقول الدراسة إن إسرائيل قدمت دعما من الأسلحة الروسية في عام 1962 لدعم حركة التمرد في الجنوب وأن تلك الأسلحة كانت من التي غنمتها من مصر في حرب عام 1956 بالإضافة إلى الرشاش الإسرائيلي عوزي. وبدأت المرحلة الثالثة في منتصف الستينيات واستمرت حتى مرحلة السبعينيات وخلالها قامت إسرائيل بتقديم أسلحة إلى متمردي الجنوب من خلال وسيط يسمى جابي شقيق وهي أسلحة غنمتها إسرائيل خلال حرب عام 1967. وتقول الدراسة الإسرائيلية إنه خلال هذه المرحلة تم إحضار مجموعات من المتمردين الجنوبيين إلى إسرائيل لتلقي التدريب وكان من بينهم العقيد جوزيف لاقو الذي مكث في إسرائيل ستة أشهر. وأسست إسرائيل خلال هذه المرحلة مدرسة خاصة لتدريب المشاة تخرج الأطر العسكرية التي تقود حركة التمرد. وقد شاركت خبرات إسرائيلية بالفعل في بعض المعارك التي جرت في جنوب السودان. وتقول الدراسة إن مرحلة السبعينيات كانت نقطة تحول أساسية حيث قام حاييم ماساتي رجل المخابرات الإسرائيلي بالتنسيق من خلال سفارة إسرائيل في أوغندا مع قادة حركة الإنيانيا. وعندما أصبحت حركة التمرد على وشك الانتهاء في عام 1969 بدأت إسرائيل تفكر في مخطط جديد يؤدي إلى حركة تمرد دموي شاملة تنتظم فيها منطقة الجنوب بأسرها. وركزت إسرائيل خلال هذه المرحلة على ما سمته الوشائج التاريخية بين الشعب اليهودي والشعوب الأفريقية منذ عهد الملك سليمان، كما ربطت إسرائيل بين ما اعتبرته شبها بين الحركة الصهيونية وحركات الجماعات الأفريقية الزنجية، وقد تأثر التغلغل الإسرائيلي سلبا بالمصالحة بين المتمردين والحكومة السودانية في عام 1972. وأما المرحلة الرابعة فقد استمرت طوال عقد الثمانينيات وعادت إسرائيل إلى المشهد السوداني من جديد بعد إخفاق اتفاقات أديس أبابا وظهور حركة تمرد جديدة بقيادة العقيد جون قرنق، وقد وجدت إسرائيل دعما غير مسبوق من إثيوبيا كما أن حركة التمرد اكتسبت زخما جديدا بعد ظهور النفط في جنوب السودان والتوتر الذي ظهر في العلاقات العربية بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد، وكانت اتفاقات إسرائيل مع منغستو هايلي مريم تنص على إرسال جزء من الأسلحة المتفق عليها بين أثيوبيا وإسرائيل إلى حركة تمرد جنوب السودان، ومنها صفقة دبابات. وساعدت الأقمار الإصطناعية التجسسية الإسرائيلية الجيش الشعبي في تحقيق إنتصارات عن طريق تقديم معلومات تتعلق بانتشار القوات الحكومية في منطقة المواجهات. واستمرت المساندة في المرحلة الخامسة خلال مرحلة التسعينيات بتقديم دعم أكثر تطورا وإن تأثرت المساعدات الإسرائيلية بمناخ المصالحة بين السودان وإثيوبيا. وقد تعثرت حركة التمرد نتيجة انقسامها إلى ثلاثة فصائل، كما أن سقوط نظام منغستو في أديس أبابا أثر سلبا على الدعم الإسرائيلي، ولكن التطورات في القرن الأفريقي وخاصة الفوضى في الصومال والتدخل العسكري الأمريكي المباشر في مقديشيو بعد إسقاط نظام سياد بري عام 1991 سهلت فتح مجال جديد للتغلغل الإسرائيلي في المنطقة. التخلص من قرنق وتقول الدراسة إن حركة التمرد طلبت في عام 1992 أربعة ملايين طلقة لمدافع رشاشة وخمسة ملايين دولار من أجل استرداد قاعدتي كبويتا وتوريت لأجل تعزيز موقف الحركة التفاوضي في مباحثات التسوية مع الخرطوم، وبعد حدوث الانقسام بين قرنق ورياك مشار ولام أكول حاولت إسرائيل تعزيز علاقاتها حسب التقرير مع جناح رياك مشار بعد أن ظهرت اتجاهات وحدوية عند قرنق وتخليه عن فكرة المطالبة بدولة مستقلة. وتركز الدراسة على أن الدعم الإسرائيلي هدف إلى إحباط الدعم العربي للحكومة السودانية وعرقلة العمل في قناة جونقلي والتحذير من خطط هجرة الفلاحين المصريين إلى جنوب السودان والتركيز على أن يكون الجنوب دولة مستقلة بهوية أفريقية، وأرسلت إسرائيل الخبير الاقتصادي البروفسور إيليا هولونفسكي من أجل تقدير الثروة النفطية الجنوبية ونصح الجنوبيين بالانتفاع بهذه الثروة، وأرادت القيادة الإسرائيلية إقامة علاقة مبكرة مع القادة الجنوبيين أسوة بعلاقاتها مع «زعماء» من الأكراد الإنفصاليين في العراق بحسب ما ذكره التقرير. ويرى التقرير الإسرائيلي ان اتفاقات ماشاكوس الموقعة بين الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان في سنة 2002 لم تكن حلا للخلافات بين الشمال والجنوب بقدر ما وضعت الأساس العملي والشرعي لانفصال جنوب السودان عن شماله وذلك من خلال قبول حكومة الشمال مبدأ تقرير المصير ومطالب أخرى تقدم بها جون قرنق. غير أن التقرير يعترف بأن حركة قرنق لا تمثل إلا 20 في المائة من الجنوبيين، ويحذر من إبتعاد قرنق عن فكرة الانفصال. هنا يجب الإشارة إلى أن جون قرنق نائب الرئيس السوداني والزعيم المتمرد الجنوبي السابق، قتل في 30 يوليو 2005 في تحطم مروحية الرئاسة الأوغندية التي كانت تقله اثناء عودتها من اوغندا في منطقة كيديبو الجبلية الواقعة على الحدود، وفسر الحادث في أوغندا على أنه ناتج عن ضعف الرؤيا في المنطقة الجبلية. غير أن العديد من المراقبين أشاروا إلى أن الطائرة أقلعت من مطار يرابط فيه عشرات الخبراء العسكريين الإسرائيليين الذين يقومون بصيانة طائرات أوغندا. وكان قرنق قد أدى يمين توليه منصب نائب رئيس السودان قبل ثلاثة أسابيع فقط من مقتله، كما وقع على اتفاق ينهي 21 عاما من الحرب الأهلية في السودان في يناير 2004، وأدلى بتصريحات عن حرصه على استمرار وحد السودان. الكثير قيل عن سبب مقتل قرنق غير أن غالبية الأخبار أظهرت أن عملية سقوط الطائرة التي كانت تقله لم تكن عادية. بعض الأوساط حاولت نسب مسؤولية عملية الإسقاط إلى أطراف عربية ولكن الأسطورة لم تدم طويلا. في حين لمحت مجلة دير شبيغل الألمانية ذكرت في حينها ونقلا عن أوساط رصد عليا، أن المستفيد الأكبر من مقتل قرنق هم هؤلاء الذين لا يريدون استمرار وحدة أراضي السودان وأن من ضمنهم الأطراف التي ترغب في تدمير العمق الإستراتيجي لمصر والتلاعب بورقة مياه النيل. الماس والنفط تقارير شركات غربية من استراليا وألمانيا وفرنسا، ذكرت في نهاية القرن الماضي أن أراضي إقليم دارفور ومناطق في شمال شرق السودان تختزن كميات ضخمة من الماس وقد تكون الأغنى أفريقيا، إضافة إلى النفط والذهب. في حين تقدر الإحصائيات الغربية حاليا الاحتياطي النفطي في السودان بحوالي مليار ومائتي مليون برميل معظمها من الجنوب والغرب، وخاصة بإقليم دارفور الذي يطفو على بحيرة من البترول. كما أثبتت الدراسات وجود أكبر مخزون يورانيوم في العالم كله بإقليم دارفور، ويتميز خام اليورانيوم الموجود في السودان بأنه من النوع العالي التركيز والنقاوة. وتزخر الأراضي السودانية بثروة هائلة من المعادن، حيث توجد بها كميات كبيرة من الذهب والنحاس والكروم والرخام والغرانيت. يوم الاثنين 14 يونيو 2010 كشفت صحيفة نيويورك تايمز ان علماء جيولوجيا امريكيين اكتشفوا في أفغانستان كميات هائلة من المعادن بينها النحاس والليثيوم تقدر قيمتها ب 2000 مليار دولار. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في الادارة الأمريكية أن هذه الثروات التي تضم ايضا كميات من الحديد والذهب والنيوبيوم والكوبالت كافية لتجعل من هذا البلد الذي دمرته الحروب أحد اوائل المصدرين العالميين للمعادن. السودان قد يكون الوجهة الأكثر إلحاحا في عملية التدخل الإسرائيلية في أفريقيا لدوافع أستراتيجية، ولكن لتوضيح الصورة أكثر وكشف البعد الاستعماري والسعي للإستحواذ على الثروات، يمكن مراجعة تقارير أممية دخلت عالم النسيان بعد أن حدث أن فضحت تلاعبات تل أبيب. «الماس الدموي» في سبتمبر 2009 كشف تقرير لخبراء دوليين قدم الى مجلس الامن الدولي فضيحة اسرائيلية جديدة من خلال ضلوعها فيما يسمى تجارة «الماس الدموي» في دول افريقية ومنها سيراليون وساحل العاج. ويطلق تعبير الماس الدموي علي الماس الذي استوردته اسرائيل وغيرها من دول افريقية مقابل شحنات من الاسلحة استخدمت في الحروب الاهلية هناك. أثر فشل محاولات طمس التقرير ومنع نشره، نفت إسرائيل في أكتوبر 2009 الاتهامات وقال المراقب على تجارة الماس يعقوب مردخاي انها اتهامات كاذبة. في تلك الأيام وبدون الإشارة من قريب أو بعيد إلى إسرائيل ونقلا عن هيئة الإذاعة البريطانية «ذكرت مصادر في مجلس الأمن الدولي إن المجلس على وشك اتخاذ قرار بفرض حظر دولي على توريد الأسلحة وتجارة الماس الخام القادم من سيراليون وأضافت أن من شأن قرار الحظر أن يمنع الجبهة الثورية المتحدة، وهي الجهة المتمردة على الحكومة، من بيع الماس للحصول على المال اللازم لتمويل شراء السلاح». مثال آخر عن اللعبة الإسرائيلية في الحرب ضد خصومها. في شهر أغسطس 2009 ذكرت صحيفة «جلوبس» الإسرائيلية المتخصصة في الشئون الاقتصادية، أن «الدول المشاركة في التحالف الدولي الذي يحارب في أفغانستان هي التي تشتري الأسلحة الضرورية لقواتها العاملة هناك، تماما مثلما فعلت هذه الدول التي شاركت قواتها وما زالت في الحرب على العراق». صحيفة «باك أوبزيرفر» الصادرة في إسلام أباد، كشفت في نفس الوقت أن «الحكومة الأفغانية عقدت بالفعل صفقة لشراء مجموعة كبيرة من مركبات «صوفا» المصفحة وأعتدة عسكرية أخرى لم تحدد قيمتها لكنها تقدر بعشرات ملايين الدولارات من إسرائيل». وتابعت أن «القوات الأفغانية بحاجة ماسة للمركبات الإسرائيلية المصفحة نتيجة زيادة استخدام قوات طالبان لأسلحة فتاكة من نوع قذائف «آر بي جي 7» القادرة على اختراق المدرعات والألغام التي تزرع على جنبات الطرق والتي ثبت أن الآليات العسكرية وناقلات الجنود والدبابات وغيرها من السيارت العادية ليست قادرة على الصمود أمامها وأوقعت في العراق وأفغانستان أعدادا كبيرة من القتلى والجرحى في صفوف الجيشين والقوات الدولية الموجودة في البلدين على حد سواء». وكتبت أنه «رغم عدم وجود علاقات ديبلوماسية بين أفغانستان وإسرائيل، زار مسئولون عسكريون إسرائيليون أخيرا كابل وأجروا فيها محادثات مع المسئولين الأفغان تناولت الاحتياجات العسكرية للجيش الأفغاني، وبعد بضعة أيام قام 3 مسئولين أفغان في المقابل بزيارة شبيهة إلى إسرائيل تم خلالها الاتفاق على حجم الصفقة وشروطها». أفريقيا قد تكون مغامرات الموساد الإسرائيلي ونظيراته الغربية وحروبه السرية ضد خصومها وخاصة فيما يتعلق بمنطقتنا العربية وجوارها الأفريقي مصدر فخر للمستوطنين على أرض فلسطين وكذلك لهؤلاء الغربيين المتشبعين بأفكار المحافظين الجدد، غير أن الحكم على مسار أي صراع هو بشكل نهايته. يوم الأحد 9 مايو 2010 كشفت مصادر صحفية إسرائيلية النقاب عن أن الدولة العبرية كانت ولفترات طويلة المصدر الرئيس للسلاح الخاص بالفصائل المسلحة النيجيرية، وأوضحت صحيفة «هآرتس» في نسختها الإلكترونية أن بعضا من السفراء الإسرائيليين السابقين في الدول الأفريقية لعبوا أدوارا هامة في عملية تصدير السلاح الإسرائيلي إلى نيجيريا وغيرها من الدول الأفريقية. وأضافت الصحيفة الاسرائيلية أن الدول الأفريقية عموما «تفضل السلاح الإسرائيلي نظرا لكفاءته ومرونة إسرائيل في التعامل المالي حول هذا السلاح، حيث لا تشترط الحصول على المال مقابل هذا السلاح ولكنها تستعيض عنه في كثير من الأحيان بمنح الشركات الإسرائيلية حقوقا للتنقيب عن الثروات الطبيعية في هذه الدول». بفضل التحكم الإسرائيلي في الماس الأفريقي وتمركز كبار التجار اليهود الأوروبيين في الدولة الصهيونية وانتعاش صناعة صقل وتصنيع الماس، تحولت إسرائيل إلي أسم عالمي في تجارة الماس، ووفقا لموقع وزارة الخارجية الإسرائيلية علي الانترنت وصل مجموع الصادرات من الألماس الإسرائيلي عام 2006 إلي 13 مليار دولار، وكانت الولايات المتحدة أكبر مستورديها ب 63 في المائة، تلتها هونغ كونغ ب 14 في المائة فسويسرا ب 11 في المائة. وتقوم إسرائيل حاليا بإنتاج معظم الماس الصغير المصقول والمستخدم في ترصيع الجواهر في العالم، كما أنها مسئولة عن صقل 40 في المائة من الماس من جميع الأشكال والأحجام، ما يجعلها أهم مركز عالمي لصقل الألماس من حيث الإنتاج والتسويق على حد سواء.