من المعروف أن حميد شباط٬ الأمين العام لحزب الاستقلال٬ ظاهرة "انتخابية" وليست "سياسية"٬ ويعزز خروجه التدريجي من المشهد عقب هزيمته في الرهان البلدي والجهوي لاستحقاق شتنبر الماضي وحرمان نجليه من الترشح لولايتين قادمتين من نهايته السياسية. ويشكل الوضع السياسي والقانوني الأخير "إعداما انتخابيا". ويبدو أن التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة لم يمنع شباط من خسارة موقعه بفاس٬ ولم يمنعه قربه من حزب العدالة والتنمية وقيادة الرميد لوزارة العدل من إنقاذ نجليه الممنوعين من الانتخابات لدورتين٬ يكون فيها أخرى في خارطة حسابات المرحلة٬ انتهت في مركز الثقل الجديد للحزب في الصحراء٬ حيث أبعد الاستقلالي الأب قد أصبح مجرد ذكرى٬ لكن هزيمة شباط ومحاكمة صقره الإعلامي٬ مدير جريدة "العلم"٬ رسمت حدودا "ينجا الخطاط" من رئاسة جهة الداخلة٬ بسبب إقامته شبه الدائمة في موريتانيا٬ وبوثيقة قديمة٬ تسائل إدارة المملكة وتضع اعتبارات أخرى ل"اتفاقية مدريد" التي شرعت للرباط إدارة الإقليم. قد يكون إبعاد حزب الاستقلال من رئاسة جهة الداخلة رسالة إقليمية٬ لأن الحزب يؤمن بالمغرب التاريخي الذي يشمل موريتانيا نفسها٬ وتندوف التي تحتضن لاجئين صحراويين تقودهم البوليساريو. والمحسوب في هذه الرقعة٬ نفي مصطفى الخلفي وجود أزمة مع موريتانيا كي لا يجر ما حدث لرئاسة جهة الداخلة الوضع إلى المساءلة٬ فالمغرب يرفض "التأثير الموريتاني" التاريخي على جزء من الصحراء٬ جراء تصعيد نواكشوط في "ملف الكويرة"٬ لكنه يضرب في العمق "العودة الناعمة" لموريتانيا في قيادة البوليساريو وقيادة الأراضي التي دخلها المغرب في 1979. تأكيد شراسة الحسابات الحزبية وإعداد الداخلية بيد من حديد لخارطة ما بعد تشريعيات ٬2016 حين منعت ولا يخلو نفي أي انعكاس "إقليمي" لما يجري في مدينة الداخلة أو على صعيد العلاقات مع موريتانيا من تجمعات واجتماعات لوزراء مع قواعدهم الحزبية. حزب الاستقلال يفقد رأسماله الرمزي دفعة واحدة في هزيمته بمدينة فاس٬ فقد حزب الاستقلال "مهده" وجزًء كبيرا من رمزيته٬ لأنه أضاع من حيث لا يدري المكسب الاستراتيجي لتواجده في قلب الجغرافيا المغربية (فاس)٬ عاصمة المطالبة بالاستقلال الذي حمل الحزب اسمها. ويضيع سياسته في الصحراء "الغربية" التي راهن فيها أن تكون مقابلا لمطالبته المباشرة بالصحراء "الشرقية" علنا ودون مواربة٬ وجددت أطراف حرب اقتسام النفوذ بين العيونوالداخلة وصلت حد المصادمة قبيل حادثة "أكديم إزيك"٬ وحمل فيها حمدي ولد الرشيد راية الوحدة التي يضمنها حزب الاستقلال لضم الداخلة إلى العيون٬ وانتهاء بالمخيمات في كلماته المثيرة في البرلمان حول مغربية تندوف. في حزب الاستقلال وحدة الصحراء الغربية تحت قيادة رمزية للملك الإسباني قبل ٬1975 والملك المغربي وتضمن حسابات "البونس" السابقة٬ التي دفعت الشكاف إلى القول بعمالة ولد الرشيد الإسبانية٬ والمتفاعلة بعد هذا التاريخ. وتعارض أطراف تقرير المصير عبر حزب الاستقلال أو اللعب من تحت الطاولة مع قيادات من أصول أو إقامات موريتانية في أراضي ٬1979 وتجد أن الخارطة الجديدة للنزاع تبدأ من الداخلة لتسليمها لقيادة المجاورين للمغرب٬ فتمثيل "ركيبات الشرق" في الداخلة إجابة بحد ذاتها٬ لكن اللعبة أعقد٬ ولديها خلفيات العائدين٬ وليس بالضرورة ل "ركيبات الساحل" القريبة من موريتانيا٬ إن كانت العيون لركيبات الساحل أخرى. ومن المهم القول٬ أن حزب الاستقلال يدخل الانتخابات البرلمانية من دون بنياته الرمزية في فاس والصحراء "الغربية"٬ ومن دون مهده التاريخي ومطالبه الوطنية التي تشكل بصمة علال الفاسي والرعيل الوطني الأول٬ وتسود هزيمة متفاعلة للوعي الاستقلالي بطريقة غير مسبوقة في رهانات الدولة الجديدة المستبعدة لخيار المواجهة مع الجزائر أو للمطالب التاريخية تجاه الصحراء الشرقية٬ ويجب التمييز بين إقصاء حزب الاستقلال وإقصاء شباط . حزب الأصالة والمعاصرة في الصحراء لن يقبل التحالفات التي عقدها مع حزب الاستقلال قبل إجراء الانتخابات البلدية والجهوية٬ وبعد تراجع شباط عنها لن يهضم حزب الاستقلال في الجنوب (أو الصحراء) تقاسم الكعكة السابق للانتخابات البلدية والجهوية التي سطرها تحالف الأصالة والمعاصرة والاستقلاليين في منطقة ترهن قرارها بخارطة القبائل٬ وحدث ما كان متوقعا قبل أسابيع من الانتخابات البرلمانية للسابع من أكتوبر. في الندوة الصحافية الأخيرة للحزب٬ تخوف الجميع من نقل المعركة إلى حدود جديدة يرسمها حزب الأصالة والمعاصرة في الصحراء٬ لأن تنزيل الجهوية ورش موكول لهذه الجهة٬ ولا يفرط حزب الاستقلال في المكان الصحيح٬ لأن قدرته على المناورة كبير إن تقاسم أو أدار مرحلة ما قبل الحكم الذاتي٬ الممهدة لإطلاق الحل الذي قال عنه الملك أنه "الممكن والنهائي لقضية الصحراء". لم يعد التصعيد جزء من السياسة الرسمية٬ وحزب الاستقلال الذي غطى جزًء كبيرا من هذا التصعيد في الصحراء الغربية فرض إيقاعا لا يطابق وزارة الداخلية بالضرورة٬ ويدفع محمد حصاد ببند عدم انسجامه مع القيادة الحالية لحزب الاستقلال لتبرير بعض الإجراءات ضد الحزب. ليس حزب الاستقلال جزًء من التصعيد فقط٬ بل أطر الصفقات السياسية والحزبية داخل الصحراء٬ ومنها تتحرك قوته الآن٬ وإذا فقد شباط تأثيره في هذا الإقليم مات سياسيا.