وراء التفاصيل التي حفلت بها حكاية حزب الاستقلال تختفي شياطين كثيرة منذ صعود حميد شباط للأمانة للعامة، مرورا بخروجه المثير من الحكومة، وصولا إلى الانقلاب الذي قاده على نفسه، بعد أن أعلن في ليلة واحدة رحيله من المعارضة، ومساندة حكومة لم يدخر جهدا في اتهامها لشهور طويلة بالكذب على المغاربة، ليصبح الحزب بعد كل ما وقع ملزما بدفع فاتورة باهظة، كثمن لسلسلة مترابطة من الأخطاء السياسية القاتلة. عدد من المتتبعين يؤكدون جزما أن ما رشح من معلومات حول حقيقة ما حدث في تلك الليلة الغامضة لا يكشف كل الحقيقة، وأن هناك أسرارا وضعت في علبة سوداء بمفتاحين، أحدهما يملكه حميد شباط باعتباره لاعبا أساسيا في ما وقع، والمفتاح الثاني تائه في تشعبات الدولة التي أصبحت ترى في هذا الأخير شخصا غير مرغوب فيه، وهو ما يفسر الخروج غير المسبوق لوزير الداخلية محمد حصاد، الذي كشف عن «جريمة سياسية» وجهت أصابع الاتهام فيها لشباط، وكان عنوانها ابتزاز الدولة. ورغم أن مصادر مطلعة كشفت أن ما حدث انطلق بعد لقاء جمع بين شباط وقياديين في «البام»، فإن الأستاذ عبد المالك احزرير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، يؤكد أن التفاصيل التي تساعد في استجلاء ما حيك في الكواليس لم تظهر، وسيظل جزء كبير منها طي الكتمان، وأن المسلسل انطلق قبل الانتخابات بمدة طويلة وقبل الربيع العربي. وقال احزرير إن ما حرك شباط للقيام بخطوته «الكاميكازية» هو علمه بالخيانة التي تعرض لها من المعارضة، وتحديدا من حزب الأصالة والمعاصرة الذي لجأ إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، وترك شباط دون دعم في ما يتعلق بالجهة، علما أنه كان يراهن على رد الجميل بعد خروجه من الحكومة، ودخوله في مواجهات مفتوحة مع رئيس الحكومة. وقال احزرير إن شباط كان يراهن على دق أبواب المخزن من أجل مساعدته في البقاء لكنه أخطأ الرهان، وهو ما يجعله يقدم على قرار شكل انتحارا سياسيا، بعد أن تحكمت فيه ردود الفعل والانفعالات. هذا الأمر ربطه احزرير ب»شخصنة» حزب الاستقلال، واختزاله في شخص شباط، الذي اتخذ القرار ليلا بحضور خمسة أعضاء من المكتب التنفيذي، قبل إبلاغه للباقين بالهاتف، الأمر الذي يعطي صورة واضحة عن سيكولوجية شباط التي تخلط بين المصلحة الشخصية والحزبية، وهو ما يفسر أيضا الأخطاء الكارثية التي ارتكبت انطلاقا من قرار الخروج من الحكومة. حاليا الحزب لايزال يعيش تحت وقع هزات ارتدادية خلفها الزلزال الذي أحدثه شباط بفعل قرار حرص عدد من صقور الحزب على ترك مسافة منه، وعبروا بشكل صريح عن عدم رضاهم عما وقع، وهو ما سيعبد الطريق للأمين العام كي يغادر الحزب من النافذة، بعد أن دخل لمنصب الأمين العام من نافذة أخرى، حيث انفض من حوله عدد ممن ساندوه في مرحلة سابقة، ليجد نفسه محاطا بنخب من الدرجة الثانية داخل الحزب، حسب احزرير الذي أشار إلى أن شباط ومنذ حصوله على المنصب ارتكب سلسلة من الأخطاء الكارثية وأحدث عدة ثقوب في سفينة الحزب بفعل حسابات خاطئة. ولعل من حسنات ما حدث مساعدة عدد من المتتبعين على فهم بعض الأسرار الصغيرة التي رافقت خروجه من حكومة بنكيران بعد الرهان على اكتساح «البام» للجماعات والجهات، والتخطيط للمضي قدما بتنسيق متين نحو انتخابات 2016 ، على أساس أن تكون حصة الأسد لحزب الميزان بعد «البام»، لكن الحسابات تبين أنها كانت مفرطة في عدم الواقعية السياسية ليجد شباط نفسه متجاوزا بعد انتخابات 4 شتنبر، مع التحالفات التي نسجها «البام» بكل هدوء مع الأحرار والحركة الشعبية، ليتضح أنه الرابح الأكبر من لعبة المعارضة التي خسر فيها شباط كثيرا، بعد توظيفه لجرعات زائدة من الشعبوية التي كان الضحية الوحيد لها. ولأن التاريخ أحيانا يأبى أن يعيد نفسه، فإن شباط كان يظن، قبل حراك 20 فبراير، أن السلطة ستكون في يد الأصالة والمعاصرة، لأنه جرت العادة أن تسلم لكل وافد جديد، تماما كما وقع مع حزب التجمع الوطني للأحرار حين ولادته، ومع الاتحاد الدستوري، لكن 20 فبراير خلطت جميع الأوراق، ووجد شباط نفسه مجبرا على تغيير الاتجاه حسب احزرير ليدخل في حكومة انسحب منها لاحقا بمبررات لم تقنع أحدا، قبل أن يتحول إلى «جوكير» محروق بعد فشله في إضعاف بنكيران شعبيا في لعبة انخرط فيها أيضا ادريس لشكر. وحسب احزرير، فإن الوضع الحالي الذي يمر منه الحزب أصبح يتطلب تدخل الحكماء للبدء في المصالحة ورد الاعتبار، بحكم أن الجيل الثالث داخل الحزب غير قادر على إنجاز هذه المهمة، وقد يقع تهافت يزيد من تعقيد الوضع، في حين أصبح مصير شباط، حسب احزرير، شبه محسوم بعد الخروج غير المسبوق لوزير الداخلية وتوجيهه تهمة الابتزاز لرجل أصبحت بعض الجهات داخل الدولة غير راضية عن سلوكاته وخطاباته. وقال احزرير إن المخزن لا يقطع الألسنة والرؤوس، إلا أنه يتجاهل من لا يرضى عنهم، ويعبد طريق النسيان أمامهم كما كتب واتربوري في كتاب «أمير المؤمنين .. الملكية والنخبة السياسية المغربية». ورغم أن الابتزاز جريمة يتعين تحريك المتابعة في حق مرتكبها فإن احزرير أشار إلى أن السلوك السياسي في المغرب لم يصل بعد إلى هذا المستوى، وقال إن خروج حصاد يعد رسالة صريحة لا تحتمل الكثير من التأويلات مفادها بداية نهاية شباط بعد تراكمات كثيرة أزعجت جهات في الدولة. وربط احزرير حكاية حزب الاستقلال بالمؤتمر الذي صعد بشباط للأمانة العامة، بعد سعي جهات لمعاقبة الحزب وتوظيفه من خلال تمكين شخص لا يتمتع بالكفاءة اللازمة لقيادة حزب من حجم حزب الاستقلال، وقال «هناك أياد خفية أرادت أن يصل الحزب إلى ما هو عليه»، و»لا نفهم السبب في ذلك علما أن حزب الاستقلال ظل على الدوام حزبا متعاونا ومخزنيا».
إلى أي حد يمكن أن يصل الصراع بين استقلال شباط والداخلية؟ عادل نجدي أدخلت اتهامات محمد حصاد، وزير الداخلية، لحميد شباط، أمين عام حزب الاستقلال، خلال المجلس الحكومي المنعقد الأسبوع ما قبل الماضي، ب«ابتزاز» الدولة، (أدخلت) علاقات الحزب و«أم الوزرات»، إلى مرحلة التشنج والتوتر المرشحة للمزيد من التصعيد خلال الأيام المقبلة. ويبدو أن الصراع بين الأمين العام لحزب علال الفاسي ووزير الداخلية في حكومة عبد الإله بنكيران، مقبل على المزيد من التصعيد في ظل المؤشرات السياسية المسجلة خلال الأسبوع الماضي، إذ لجأت قيادة حزب الاستقلال إلى الاستعانة في صراعها مع حصاد بتنظيمات الحزب لإصدار بلاغات نارية أرفقتها بحملة صحافية شرسة ضد حصاد على صفحات جريدة «العلم»، لسان الحزب. ولئن كانت اللجنة التنفيذية لحزب شباط قد بدت غير معنية بالدخول في مواجهة مباشرة مع وزارة الداخلية ومن ورائها مؤسسات الدولة، باكتفائها بمطالبة المسؤول الحكومي بتوضيح طبيعة اتهاماته لعمدة فاس الأسبق دون إعلان تضامنها معه، فإن اللافت هو الخروج القوي لشبيبة الحزب، التي طالبت بعد تأكيد تضامنها مع شباط، بإبعاد حصاد عن الوزارة، و»الكف عن محاولة التحكم في الأحزاب السياسية والمس باستقلالية قراراتها». وهو المسار نفسه الذي ذهبت فيه الكتابة الدائمة للالتحاد العام للشغالين بالمغرب، الذراع النقابي للحزب، حين عبرت عن مساندتها اللامشروطة للأمين العام في ما يتعرض له من «اتهامات مجانية هدفها النيل من الأشخاص والمؤسسات لكسر شوكة حزب الاستقلال». على امتداد الأيام الماضية، بدا لافتا أن الاستقلاليين حسموا أمرهم في الذهاب في صراعهم مع حصاد إلى منتهاه، من خلال المرور إلى مرحلة الهجوم المضاد في انتظار أي تحرك من الطرف الآخر، وذلك من خلال النبش في ما وصفته جريدة الحزب بسجل حصاد عندما كان واليا أو قبله أو عندما أصبح وزيرا، مستغلين التزامه إلى حد الساعة الصمت بعد تفجيره قنبلة «ابتزاز» الدولة. وإذا كان واضحا أن حزب الاستقلال يشن، منذ أيام، حملة سياسية وإعلامية ضد وزير الداخلية، فإن السؤال الذي يطرحه الكثير من المتتبعين للمشهد السياسي المغربي هو: إلى أي حد يمكن أن يصل الصراع بين استقلال شباط ووزارة الداخلية؟ «الاستقلال حزب وطني وليس حزبا سياسيا، ولم يكن يوما ضد الدولة أو في يسار المغرب. لن نقبل المواجهة مع الدولة ولا إقحام استقرارها في إطار مزايدات سياسوية»، بهذه العبارات الدالة كان رد قيادي بارز في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، رفض الكشف عن هويته، حينما سألته «المساء» عن مستقبل الصراع بين حزبه ووزير الداخلية. قبل أن يضيف: «كل من أراد أن يجعل الحزب في مواجهة الدولة، لن يجد له مكانا بين الاستقلاليين»، لافتا إلى أن حكماء الحزب قادرون على دفن خلافات القيادة الحالية مع وزارة الداخلية والدولة. وإذا كانت لغة القيادي الاستقلالي واضحة وعنوانها الرئيس لن نسمح بالمغامرة بعلاقات الحزب مع الدولة، فإن عبد الرحيم منار السلمي، أستاذ العلوم السياسية ورئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، يرى أن معطيات الصراع لا تقف عند شباط كشخص في صراعه مع حصاد، وإنما هو صراع بين شخص يقود مؤسسة حزبية مع شخص يمثل مؤسسة من مؤسسات الدولة. وبالنسبة إلى المحلل السياسي، فإننا أمام صراع خطير وسابقة في المشهد السياسي المغربي، إذ هي المرة الأولى في تاريخ المغرب الحديث التي يخرج فيها وزير الداخلية بتصريحات خطيرة يتهم فيها زعيم حزب سياسي ب»ابتزاز» الدولة، مشيرا في تصريحاته ل»المساء» إلى أن هذا النوع من الصراع لا يحتاج إلى وساطات أو إنهائه بشكل من الأشكال أو السكوت عنه، وإنما إلى الحسم عبر اللجوء إلى القضاء، لأن من شأن عدم الحسم فيه على هذا النحو فتح الباب أمام سوابق أخرى. ويذهب السليمي إلى أن «الصراع الخطير بين شباط ووزير الداخلية إذا لم يحسم عبر سلك المسار القضائي سيضعف مؤسسات الدولة ويمس بهيبتها»، معتبرا أنه أمام اتهامات وزير الداخلية للأمين عام حزب الاستقلال ب»ابتزاز» الدولة يتعين على عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، بصفته الممثل القانوني للحكومة، أخذ زمام المبادرة باللجوء إلى المساطر القضائية، حيث ستكون الفرصة مواتية لإدلاء كل طرف بحججه. وحسب رأي المتحدث ذاته، فإن الالتفاف على تلك الاتهامات والتزام الصمت بشأنها، سيفتح الباب أمام تمرد النخب، خاصة تلك التي تعيش مرحلة انتقالية تهددها بفقدان مناصبها ونفوذها، على الدولة خلال الاستحقاقات الانتخابية القادمة، لافتا إلى أن أي سكوت بشأن اتهامات شباط بابتزاز الدولة سيضعفها بل وسيفتح المجال أمام مقايضة النخب لها. ويؤكد رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات أنه أمام سعي حزب الاستقلال وتنظيماته لتوفير الحماية لقيادته عن طريق بعض المناورات وتعويم النقاش وإعلان التضامن وادعاء أن الحزب مستهدف، يبقى الخيار الأصلح لمعالجة ذلك الصراع الذي انفجر بعد اتهامات حصاد لشباط بابتزاز الدولة، هو المعالجة في إطار مؤسسات الدولة. وإلى أن تنجلي الحقائق حول اتهامات حصاد لشباط بابتزاز الدولة، يبدو أن الدولة وهيبتها، بحسب السليمي، أمام امتحان صعب خاصة أن الأمر يتعلق بوزارة ليست كباقي الوزارات، وزارة لها تاريخ وكانت حاضرة في الإشراف على العملية الانتخابية ل 4 شتنبر». فهل تمتلك الدولة القدرة على مواجهة هذا الامتحان؟
هل يطيح المجلس الوطني لحزب الميزان بأمينه العام؟ لكريني: نتائج حزب الاستقلال لا تستدعي استقالة شباط خديجة عليموسى يترقب عدد من المتتبعين انعقاد المجلس الوطني لحزب الاستقلال خلال الشهر المقبل وما سيعرفه من قرارات حاسمة لحزب كان مثار اهتمام ومواكبة منذ وصول أمينه العام المثير للجدل حميد شباط، الذي أخرج الحزب من الحكومة وبعدها اتجه لفك الارتباط مع أحزاب المعارضة. حميد شباط، الذي سبق أن هدد بتقديم استقالته في حالة عدم تصدر حزبه نتائج الانتخابات الجماعية والمحلية، وجد نفسه ملزما بأن يفعل ذلك حتى لا تطارده مطالب الرأي العام وبعض قواعد حزبه، فصرح بأنه سيعرض استقالته على أنظار المجلس الوطني الذي سيلتئم منتصف شهر أكتوبر المقبل، غير أن السؤال المطروح هو هل سيقبل «برلمان» حزب الميزان استقالة أمينه العام؟ أم سيكون مصيرها الرفض وبذلك يكون شباط ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول أنه سيظهر بمظهر الموفي بوعوده، وثانيها أنه سيظل على رأس الحزب رغم أنف المطالبين برحيله ومنهم تيار بلا هوادة. وفي هذا السياق يرى إدريس لكريني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، أنه لا يتوقع قبول استقالة شباط من قبل المجلس الوطني وذلك لعدة اعتبارات، أبرزها أن النتيجة التي حصل عليها حزب الاستقلال ليست سيئة، بل وضعته في مرتبة ثانية من حيث عدد المقاعد، مقارنة مع ما حصلت عليه أحزاب معارضة أخرى مثل حزب الاتحاد الاشتراكي، لذلك فإن حزب الميزان ما زال يحافظ على ريادته، يقول لكريني، الذي يعتبر أيضا من بين دواعي عدم قبول استقالة شباط هو الخوف من الشرخ الذي يمكن أن تحدثه داخل الحزب والذي قد يؤدي إلى إثارة نقاش حاد بصدد خيار التموقعات واستيعاب المتغيرات الجديدة خاصة تلك المتعلقة بالمساندة النقدية في الحكومة». أستاذ العلوم السياسية يكاد يجزم من وجهة نظر أكاديمية أن قياديي الحزب لن يقبلوا استقالة شباط، لكونه جاءت به صناديق الاقتراع وأن المؤتمر الأخير شكل قطيعة مع المؤتمرات السابقة التي كان التوافق والتزكية هي الأصل في اختيار الأمناء العامين، لكل هذه الأسباب فإنه ينبغي منح الأمين العام الجديد المدة الكافية من أجل تقييم تجربته والمتمثلة في إتمام ولايته، أما ما دون ذلك فإنه يدخل في خانة «المبالغة» وفق أستاذ العلوم السياسية. عدم قبول استقالة شباط لا تعني أنه الأفضل أو الأكفأ، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، لأن الانتخابات وصناديق الاقتراع لا تفرز بالضرورة الزعيم المناسب، غير أن ذلك يتطلب احترما لقواعد اللعبة لكون الأمين العام لحزب الاستقلال لم يسقط ولم ينزل من السماء، بغض النظر عن هفواته وعدم احترافيته في رسم معالم مسار الحزب، ومنها قرار الخروج من الحكومة، وكذا سقوطه في خطاب وتصريحات كان من الأفضل تجنبها خصوصا تلك الموجهة للحكومة ورئيسها عبد الإله بنكيران. أسلوب الاستقالة الذي لجأ إليه الأمين العام لحزب الميزان، يعتبره لكريني، يعكس نوعا من الانضباط للمؤسسات الحزبية في تدبير الخلافات الداخلية، ويشكل أعراف غير مسبوقة لأنها تأتي بناء على عدم رضا القواعد الحزبية على النتائج المحصلة في الانتخابات، وهو الشيء ذاته الموجود في عدد من التجارب المقارنة بأوربا، إذ تلجأ القيادات الحزبية إلى الاستقالة بعدما تجد نفسها ارتكبت أخطاء وساهمت في تراجع الحزب، وهو سلوك ديمقراطي يعكس تحمل المسؤولية وهذا ما زال غائبا في كثير من الممارسات داخل الأحزاب السياسية، وفق رأي لكريني. قبول استقالة شباط مستبعدة إلى حد ما، بالنظر إلى تشكيلة المجلس الوطني الذي يضم عددا من مناصري سياسة حميد شباط، والذين سيدفعون في اتجاه رفضها بمبرر الحفاظ على وحدة الحزب، سيما أن هناك استحقاقات 2016 التي تعتبر محطة مهمة بالنسبة للحزب، رغم أن تيار بلا هوادة للدفاع عن قيم حزب الاستقلال ينتظر رحيل حميد شباط بهدوء، لأنه يعتبر استمراره على رأس الحزب تعني «إبادته في قيمه وثوابته ومبادئه التي يقدرها الشعب المغربي، والقوى الوطنية الحية الحقيقية».
المصلوحي: قيادة الاستقلال استوعبت الدرس و«البام» أعطى الأولوية للأحرار في هذا الحوار يتحدث عبد الرحيم المصلوحي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس في الرباط، عن أبرز الأسئلة المطروحة على المجلس الوطني لحزب الاستقلال، بعد التراجع الذي عرفه في الانتخابات الجماعية والجهوية. ويرى رئيس الجمعية المغربية للعلوم السياسية أن هناك أصواتا تطالب بعودة أعضاء تيار بلاهوادة إلى حظيرة الاستقلال، مشيرا إلى أن المستجدات الأخيرة كشفت أن بعض الوجوه القيادية لديها ولاء للإدارة أكثر من ولائها للحزب. حاوره – المهدي السجاري – ما هي قراءتك لنتائج الانتخابات الجماعية والجهوية، والرجة التي خلفتها داخل حزب الاستقلال؟ النتائج المحصل عليها في الانتخابات الأخيرة يمكن وصفها في المجمل بالجيدة، مع مجموعة من التحفظات. أولا، لقد استطاع الحزب أن يحافظ على المرتبة الثانية، التي آلت إليه في الاستحقاقات الجماعية السابقة، وهو ما يؤكد أن البنية التنظيمية والعمل الميداني لأطر الحزب قويا. كما أن هذه النتائج تبقى جيدة بالنظر إلى عدد المقاعد المحصل عليها، وأيضا رئاسات الجماعات والجهات خاصة في الأقاليم الصحراوية. بيد أن الطريقة التي تعامل بها الناخب الوطني مع الحزب تميل إلى السلبية، بدليل أن الاستقلال لم يستطع أن يحافظ على معاقله الانتخابية إلا في القرى وبعض المدن المتوسطة، وهو ما يمكن اعتباره خسارة رمزية. هذه الخسارة شملت المعقل الرئيسي لحزب الاستقلال في العشرية الأخيرة بمدينة فاس، حيث آلت الأغلبية هذه المرة إلى حزب العدالة والتنمية. – أين تكمن الاختلالات التي جعلت «الميزان» يفقد أبرز معاقله؟ أعتقد أن حزب الاستقلال كتنظيم سياسي في حالة جيدة، لكن هناك مشكل على مستوى القيادة التي ينبغي أن تراجع نفسها في ما يتعلق بطريقتها في المعارضة والتعاطي السياسي مع وسائل الإعلام وبعض الملفات الوطنية الشائكة التي كانت تسيس أحيانا أكثر مما ينبغي، وأيضا طريقة تدبير الشأن العام وكيفية انتقاء الأطر المرشحة لتولي المناصب في بعض الجماعات. أعتقد أن منطق النقد الذاتي الذي أسس له الراحل علال الفاسي يفرض نفسه اليوم أكثر من أي وقت مضى، ويبدو أن القيادة الاستقلالية استوعبت هذا الدرس وهي بصدد مراجعة مواقفها. فالمجلس الوطني الذي ينتظر أن ينعقد في أكتوبر المقبل سيكون محطة حاسمة في إعادة توجيه سياسة الحزب في علاقته بالمحيط السياسي، خاصة مع الأغلبية والمعارضة. – ما الذي جعل الحزب يخرج «خاسرا» من تحالفه مع أحزاب المعارضة؟ الحزب لم يستفد من التحالفات التي عقدها مع بعض الأحزاب، خاصة الأصالة والمعاصرة الذي أعطى الأولوية للأحزاب الإدارية، وعلى رأسها التجمع الوطني للأحرار، بدل توثيق التحالف مع أحزاب الحركة الوطنية أو الكتلة الديمقراطية، خاصة الاستقلال والاتحاد الاشتراكي. «البام» لم يخضع استراتيجيته في الانتخابات والتحالفات لمنطق المعارضة، بل غلب منطق المصلحة الحزبية وظهر هذا جليا في التحالفات التي عقدها مع أحزاب أخرى، خاصة مع التجمع، لحيازة رئاسة جماعات وجهات. ومن جهة أخرى، فالمعارضة ككيان سياسي كانت تعاني مجموعة من المشاكل، إذ كادت الوحدة التنظيمية للاستقلال أن تنهار في السنوات القليلة الماضية، خاصة بعد المؤتمر ال13. وعلاوة على ذلك، فتيار بلا هوادة استقطب أطرا لها مشروعيتها ومصداقيتها على مستوى المسار السياسي والتاريخي للحزب، في حين أن القيادة لم تستطع رغم الجهود التي بذلتها، أن تجذب وتقنع هذه الأطر بالعودة إلى حظيرة الحزب. أضف إلى ذلك نمط القيادة في التدبير، إذ واظبت على عقد اجتماعات هيئات الحزب بشكل منتظم وأعادت هيكلة مجموعة من المنظمات الموازية، خاصة الروابط. بيد أن دور هذه الهيئات في القرار الداخلي للحزب يبقى هزيلا لأن أعضاء اللجنة التنفيذية والأمين العام، رغم حرصهم على التواصل الدائم مع هذه الهيئات الموازية، فليس هناك أثر كبير لها في مسلسل صناعة القرار الذي تنفرد به القيادة. كما أن الاتحاد الاشتراكي يمر بأضعف مرحلة في تاريخه، وبالتالي لم يستفد الاستقلال من تحالفه مع هذا الحزب. – هل هذه الأوضاع ستدفع في اتجاه تقوية تيار بلاهوادة وخلق حركة تصحيحية قوية؟ هناك أصوات داخل الحزب تطالب تيار لاهوادة بالعودة إلى حظيرة «الاستقلال»، لأن العمل السياسي الهادف يكون دائما ضمن المشروعية المؤسساتية. هذا التيار كان له نفوذ وتجذر في المجلس الوطني، وحاز في المؤتمر ال13 حوالي 50 في المائة من أعضاء المجلس. غير أنه كان بإمكان هذا التيار أن يستثمر ثقله السياسي والعددي، بدل تأسيس جمعية سياسية. صحيح أن أعضاء لا هوادة لم يخرجوا من الحزب، وبعضهم انخرط في العمل السياسي والمشروعية المؤسساتية، لكن صوتهم بقي خافتا. وبالتالي من المنتظر أن تقع هناك مصالحة استقلالية صريحة تكسب الحزب زخما سياسيا جديدا، لكنها لن تنجح إلا إذا آمن أعضاء لا هوادة بالمشروعية المؤسساتية من جهة وقامت قيادة الحزب بنقد ذاتي صريح، مع إعادة الاعتبار لبعض القيادات التاريخية التي يرجع مسلسل تهميشها إلى فترة ما قبل حميد شباط، ومنها أعضاء مجلس الرئاسة وبعض الوجوه التاريخية كالأستاذ امحمد خليفة وحميد عواد. – ما هي أبرز المراجعات التي ينتظر أن يخرج بها المجلس الوطني؟ حزب الاستقلال ليس حزبا إداريا، بل خرج من رحم المجتمع ويجب أن يظل كذلك. ومن ثم فنهجه في المعارضة وداخل الحكومة يجب أن يستحضر طبيعته البنيوية، وعندما تقتضي المصلحة الظرفية أن يشتغل الحزب على بعض الأجندات الدخيلة على برنامجه ومشروعه السياسي فهذا خطأ كبير. الخروج من الحكومة كان متسرعا، وكان بإمكان حزب الاستقلال أن يستفيد من بقائه مع المحافظة على خصوصيته كحزب له نهج ومرجعية خاصة. صحيح أن الكيفية التي عارض بها الحكومة الحالية في جل أبعادها تبين مدى غيرة الحزب على المصلحة الوطنية، غير أن تواصله السياسي والإعلامي أوقعه في أخطاء احتسبت بشكل دقيق أثناء تصويت الناخب الوطني الذي أصبح يعي بشكل أكبر ويميز بين الخطابات السياسية. اليوم، على الحزب أن يستجمع قواه السياسية من خلال إعادة تبليغ النداء إلى من يهمه الأمر في تيار بلاهوادة، ورد الاعتبار للقيادات التاريخية والانفتاح الواسع على أطر الحزب. اليوم، هناك توجس من بعض القياديين الذين لديهم ولاء للإدارة أكثر من ولائهم للحزب ومسارهم النضالي يبقى ضعيفا، خاصة أنهم فشلوا في كسب الرهان الانتخابي، في حين أن هناك قيادات تاريخية لها ثقلها السياسية ووجب رد الاعتبار إليها. وبشكل عام، لا يمكن تصور مستقبل سياسي للحزب خارج الكتلة الوطنية، التي يمكن أن يقودها في ظل الضعف التنظيمي للاتحاد الاشتراكي، بل ويمكن أن تتحول إلى كتلة تاريخية بانضمام حزب العدالة والتنمية. هذا الأمر سيفرز تقاطبا سياسيا وإيديولوجيا واضحا بين الأحزاب المنبثقة من رحم المجتمع المغربي وهي الاستقلال والاتحاد والتقدم والعدالة والتنمية، وقطب الأحزاب الأخرى التي لديها مسار سياسي آخر.