تمرد، خيانة، وانقلاب، هي عناوين عريضة رافقت الإعلان عن نتائج انتخاب رؤساء الجهات، بعد أن تشتت الأحزاب إلى قبائل، واختلط الحابل بالنابل، ليصوت بعض الناخبين الكبار ضد أحزابهم، فيما انقسم آخرون بين المعارضة والأغلبية، في خليط جعل التحالفات المعلنة عبارة عن فقاعة صابون انفجرت تحت ضغط المصالح المتباينة التي راهنت على حصاد نتائج في المدى القصير. من جديد وجدت الأحزاب السياسية المغربية نفسها في قلب فضيحة أسقطت عنها ما تبقى من ورقة التوت أمام الرأي العام، بعد أن أكدت بعض التحالفات التي خرجت من رحم انتخاب رؤساء الجهات هيمنة النفعية، وتغليب المصالح المرتبطة بالأشخاص، وكشفت بالملموس أن الأحزاب لم تصل مرحلة النضج التي تجعلها تنخرط في تحالف ينبني على الحد الأدنى من التوافق الأيديولوجي حسب الدكتور محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية، الذي أكد أن ما وقع هو امتداد لما أسفرت عنه نتائج انتخابات 2011، وقال إن الحديث عن وجود تحالف هو كلام في غير محله، وأنه من الأجدر توظيف كلمة محور عوضا عن ذلك. الغالي أشار إلى عدم وجود تحالفات «إستراتيجية مؤسسة»، يتوفر فيها الحد الأدنى من التوافق الإيديولوجي، وقال إن ما يطفو على الساحة هي تحالفات محكومة بالمنافع ما يفسر حالة المد والجزر التي تعيش عليها، والتي قد تمتد أعراضها الجانبية إلى الاستحقاقات المقبلة، في حالة عدم مبادرة الأحزاب إلى إصلاح العطب الموجود في طريقة تعاطيها مع التزكيات مع إعادة النظر في أنظمتها الأساسية وبرامجها. الغالي شدد على أن توصيف ما حدث بالتمرد والخيانة مبالغ فيه، وقال إن الأمر يتعلق بتمرين يجب أن لا نعطيه أكبر من حجمه، بحكم أن الأحزاب لم تؤسس لأرضية التحالف حتى تتحدث عن الخيانة، كمن يقع في المحظور ليبحث بعدها عمن يلقي عليه المسؤولية، وقال إن ردود الفعل التي أعقبت الإعلان عن نتائج انتخاب رؤساء الجهات غير موضوعية، وأن من يبني قرب الواد لا ينبغي أن يلوم الآخرين إذا جرفته الحملة. هذا التوصيف يؤكد أن حزب العدالة والتنمية سيبلع ما حدث بصمت لأن من مصلحته الحفاظ على استقرار الأغلبية، وهو ما يفسر لما لم يبذل قياديون في الأحرار مجهودا كبيرا إيجاد التبريرات لتصويتهم لصالح المعارضة، بعد أن ربط رشيد الطالبي العلمي ذلك التوجه بالحق الشخصي، واستحالة تصويت بعض الأعضاء ضد مرشحين من أقاربهم. وفي هذا السياق قال الغالي: «نعم التصويت حق شخصي بحكم القانون، لكن هناك أيضا الأخلاق والسياسة»، وأضاف أن الإشكال الكبير هو في الحزب الذي لم يدبر التزكيات حيث نجد أن البعض كان يتوفر على أربع تزكيات، ما يعيدنا إلى البرامج والأنظمة الأساسية للأحزاب لضمان الحد الأدنى للالتزام. وقال الغالي إنه من السابق لأوانه أن نحمل المنتخبين مسؤولية ما جرى، وأن المسؤولية تقع على عاتق الأحزاب السياسية، خاصة بعد أن تم وضع قيود على ترشيحات اللامنتمين، وأصبح الترشح للرئاسة مرهونا بتزكية الحزب، وتم القطع مع الترحال، بمعنى أن القانون منح كل شيء للأحزاب إلا أنها أخلفت الموعد، ولم تكن في المستوى، وعجزت عن إدارة مرشحيها في ظل غياب معايير واضحة، علما أن القانون التنظيمي للأحزاب يتحدث عن لجنة الأخلاقيات، ولجنة الترشيحات. ورغم الضجة التي أثارتها طريقة وطبيعة التحالفات بشكل خلق تكهنات متباينة حول طبيعة التحالف الذي سيقود الحكومة المقبلة، فإن الغالي قلل من تأثير ذلك على ما هو قادم، في ظل ما أسماه هيمنة البراغماتية التي تقود للفوضى والارتجال، وتهافت الأمناء العامين للأحزاب على المناصب، رغم أن الأمين العام يتعين عليه التنافس على منصب رئيس الحكومة، أو التفرغ لخدمة حزبه، وقال الغالي: « للأسف حين نجد عكس ذلك، ونعاين أن التنافس للوصول إلى منصب الأمين العام دافعه الأساسي هو تعبيد الطريق للحصول على حقيبة وزارية، فإن ذلك يعطي رسالة سلبية للغاية لكافة المنتخبين والأعضاء». ورغم الصدمة التي أحدثتها طبيعة التحالفات، وما رافقها من نقاش حاد، وتراشق للاتهامات، فإن عدوى ما حدث تبقى مرشحة للانتشار والاستمرار في حال ما لم تبادر الأحزاب لتأسيس معايير واضحة فيما يتعلق بمنح التزكيات، على أساس التأطير والمصاحبة والتكوين، وهو أمر ضروري حسب الغالي بعد أن وجدنا منتخبين يتحدثون عن حصولهم على التزكية بطرق خاصة، ويعلنون تمويلهم للحملات الانتخابية، وبالتالي كيف يمكن للحزب التحكم في اتجاه تصويت هؤلاء. وربط الغالي الضجة التي أثيرت حول النتائج بلجوء بعض الأحزاب لتوظيف «البروباغندا» في قراءتها للنتائج، وهذا ما يفسر انقلاب بعض تصريحات زعماء الأحزاب لدعاية عوض أن تكون تواصلا، وهو ما جعل المواطن يتشبع بالدعاية التي تكون لها القدرة على التسرب والتأثير، وقال الغالي إنه يتعين في قراءة النتائج التمييز بين الأشخاص والأحزاب، وبالتالي تربية وعي مؤسساتي لدى المواطنين. كما أن التوقعات التي أشارت إلى إمكان حدوث شرخ كبير في التحالف الحكومي تصطدم بمعطى أساسي يتمثل في طبيعة هذا التحالف المبني على تبادل المنافع عوض التوافق الأيديولوجي، وبالتالي فإن هذا التماسك لن ينهار حسب الغالي إلا إذا مست مصلحة حزب معين أو أشخاص داخل هذا الحزب. هل يمهد تحالف «البيجيدي» و«البام» محليا لتحالف حكومي في سنة 2016 عادل نجدي ولئن كان حميد شباط، زعيم الاستقلاليين، قد أربك المشهد الحزبي بإعلانه ليلة انتخابات رئاسة الجهات، عن فك تحالفه مع حزب الأصالة والمعاصرة والدعوة إلى التصويت لحليفه السابق في الحكومة حزب العدالة والتنمية، فإن التحالف بين «البام» والحزب الإسلامي في العديد من المناطق كبركان والناظور وطانطان، يجعلنا أمام صورة اللامنطق السياسي في تحالفات الحزبين، ويدفعنا إلى طرح أكثر من علامة استفهام حول مستقبل هذا التحالف وإمكانية تحوله من تحالف محلي إلى تحالف وطني يقود التجربة الحكومية بعد محطة 2016. صحيح أن التحالف بين الحزبين الغريمين يعتبر عند الكثير من القيادات خطا أحمر، وهو ما عبر عنه بشكل جلي قبل أيام البرلماني المثير للجدل عبد العزيز أفتاتي، حينما اعتبر أن التحالف مع «البامجية» في الناظور وغيرها «خط أحمر وانتحار وخيانة»، إلا أن ذلك لن يمنع أن نرى خلال الأشهر القادمة تصريحات من قبيل ما عبره عنه حكيم بنشماس، رئيس المجلس الوطني لحزب «البام»، ذات دجنبر من سنة 2014، من اعتبار التحالف مع العدالة والتنمية» ليس بالحرام دائما وليس بالحلال دائما «. فهل يمكن أن تدفع نتائج النزال الانتخابي ل 4شتنبر وتحديات استحقاقات 2016، وقبلها توجهات الماسكين بخيوط السياسة في المملكة، قيادة الحزبين إلى إعادة نسج تحالفاتها في المستقبل والعمل بمنطق «في السياسة لا يوجد صديق دائم ولا عدو دائم»؟ بالنسبة لعمر الشرقاوي، الباحث في العلوم السياسية، فإنه من السابق لأوانه الحديث عن تحالف بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة بناء على بعض التحالفات الاستثنائية التي تمت في بعض المدن كتطوان أو الناظور أو بناء على قرار الأصالة والمعاصرة بالتصويت على مرشحي حزب «المصباح» في الرباط ، مشيرا إلى أنه بالنظر للسياق السياسي الحالي لم يحن الأوان بعد لتجريب وصفة التحالف التي تبقى واردة في المستقبل وذلك لمجموعة من الأسباب. ويأتي على رأس تلك الأسباب، يقول الشرقاوي في تصريحاته ل «المساء»، أن حزب العدالة والتنمية منذ سنة 2008 وهو يجعل من مواجهة حزب الأصالة والمعاصرة وصفة سياسية ناجحة لحشد التأييد واستمالة الناخبين وكسب النقاط السياسية، وخلال الحملة الانتخابية التي أطرها رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران شكل الهجوم على حزب البام مساحة واسعة من خطابه السياسي حيث لم يتوان الأمين العام للبيجيدي باتهام خصمه اللدود بأقصى الاتهامات (الاتجار في الغبرة، المافيوزية، التحكم، الفساد،….). وبرأي الباحث في العلوم السياسية، فإن قادة العدالة والتنمية لن يتخلوا عن حصان رابح في السباق السياسي، وهم سيواصلون مهاجمتهم للأصالة خصوصا بعد استحواذه على التحالفات ونجاحه في إرباك الأغلبية الحكومية وإفشاله لخطة «البيجيدي» في تحويل نصرها الانتخابي إلى رئاسات لجهات المملكة. ولئن كان بعض قادة الحزب الإسلامي يتركون الباب مواربا أمام أي تحالف مستقبلي مع غريمهم السياسي، كما نستشف ذلك من تصريحات عزيز رباح، وزير النقل والتجهيز، حينما قال في البرنامج التلفزيوني «ضيف الأولى» في أبريل الفائت، إن حزبه «لا يضع أي خطوط حمراء أمام مكونات الأغلبيات التي سينخرط فيها الحزب مستقبلا، إلا أن الشرقاوي يرى بأن التحالف بين «البام» و«البيجيدي» في ظل السياق الحالي يمكن أن تكون له تداعيات تنظيمية سلبية على البناء التنظيمي للحزب، فالكثير من مناضلي العدالة والتنمية يعادون الأصالة والمعاصرة ويعتبرون ذلك جزءا من العقيدة السياسية الصلبة للحزب، والانقلاب على هذا الموقف بشكل مفاجئ يمكن أن يثير ارتدادات قوية داخل البنية التنظيمية لحزب بنكيران، وقد يؤدي إلى حالة من الغضب الداخلي يمكن أن يمس بصلابة الحزب وانضباط أعضائه. وحسب المتحدث ذاته، فإن قادة العدالة والتنمية يدركون أن تغييرهم الجذري للموقف السياسي من الأصالة والمعاصرة وتحول العلاقة من صراع سياسي إلى تحالف قد يكون محفوفا بمخاطر تقليص الشرعية الشعبية، فجزء من الزبناء السياسيين للحزب أسسوا موقفهم الانتخابي لصالح العدالة والتنمية بوصفه أبدى شراسة كبيرة في مواجهة توجهات الهيمنة التي أبداها حزب الأصالة والمعاصرة منذ 2008 ، ولذلك فإن تغيير العدالة والتنمية لموقفها دون التمهيد السياسي لذلك من شأنه أن يضع جزءا من شرعية الحزب على المحك السياسي. ويذهب المحلل السياسي إلى أن النتائج التي تمخضت عنها انتخابات الجماعات والجهات والأقاليم والعمالات تبرز أننا أمام قطبين انتخابيين، وأننا بصدد تشكيل ثنائية قطبية، ولذلك سيكون من العسير تلاقي هذين الحزبين في ظل التسابق الانتخابي المحموم، متوقعا أن يقود أحدهما الحكومة المقبلة في حين سيقود الحزب الآخر المعارضة اللهم إذا ظهرت معطيات قوية وخارجة عن المألوف من شأنها أن تدفع في اتجاه قيام تحالف اضطراري. من جهة أخرى، يعتبر الشرقاوي أن حزب الأصالة والمعاصرة، وبالرغم من هيمنة المنطق البراغماتي عليه في الممارسة السياسية ولديه استعداد كبير لعقد أي تحالف، إلا أن قيام أي تحالف بينه وبين العدالة والتنمية يمكن أن تكون له تداعيات على مبررات وجود هذا الحزب في الحياة السياسية. فقادة الجرار بنوا شرعيتهم على مواجهة المد الأصولي والعمل على توسيع رقعة الحداثة، فيما التحالف مع «البيجيدي» يمكن أن يشكل مراجعة غير علنية لعقيدة الحزب الذي قد يؤدي به هذا التحالف من مدافع عن الحداثة إلى مدافع عن تقوية أصولية الدولة والمجتمع. ويبقى من الأسباب الرئيسة التي تزيد من احتمال استبعاد أي تحالف بين الحزبين، وفق الباحث في العلوم السياسية، هيمنة اليسار على دواليب حزب «البام»، فجزء كبير من الخصومة بين «المصباح» و»الجرار» ليست سياسية أو وليدة وقائع حديثة، بل وإنما هي خصومة ترجع إلى الصراع التاريخي بين اليسار والإسلاميين خلال ثمانينيات وسبعينيات القرن الماضي، ويبدو أن هذه العلاقة المتشنجة لا زالت حاضرة وتقدم في حلة حزبية. لذلك، فإن التيار اليساري في الأصالة والمعاصرة لن يسمح بالارتماء في أحضان «البيجيدي» ونسيان التاريخ. تحالفات الجهات.. المواجهة التي تنذر بتفجير الأغلبية الحكومية مصباح: الحكومة قد تستمر كأقلية والدولة لن تسمح بانتخابات سابقة لأوانها المهدي السجاري تحالفات هجينة وتمرد على قرارات الأحزاب التي ينتمي إليها بعض المرشحين. هكذا كان المشهد في انتخابات رؤساء وأعضاء مكاتب الجهات، حتى إن بعض الأحزاب ذهبت إلى عقد اتفاقات سرية خارج منطق المعارضة والأغلبية، كما كشف عن ذلك حكيم بشماس، رئيس المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، تعليقا على تصويت الحركة والأحرار لفائدة إلياس العماري في جهة الحسيمة- طنجة. الخطوط الحمراء التي وضعت قبيل انطلاق العملية الانتخابية سرعان ما سقطت، وذهب قياديون حزبيون إلى ضرب قرارات مكونات الأغلبية عرض الحائط، ومنها تصويت منصف بلخياط لصالح مصطفى الباكوري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، في جهة الدارالبيضاء الكبرى. وفي مقابل ذلك، خرج حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، بمفاجأة لأحزاب المعارضة معلنا «انقلابا سياسيا» على نفسه، وهو يتوجه إلى المساندة النقدية لحكومة عبد الإله بنكيران. وفي كل هذه المحطات، بدا حزبا العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية ملتزمين بقرارات التحالف الحكومي، واحترما في مختلف مراحل الانتخابات الجهوية ما تقرر بشأن التصويت لصالح مرشحي الأغلبية، والانضباط لاتفاقاتها بشأن رئاسة الجهات. المواقف المفاجئة لبعض مكونات الأغلبية دفعت نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، الذي بقي وفيا لالتزامات الأغلبية، رغم أنه خرج خاوي الوفاض من معركة الجهات، إلى انتقاد الأحزاب التي لم تلتزم. وصرح بأن «هذه النتائج تعكس شيئا مغايرا لإرادة الناخبين، الذين منحوا الأغلبية لحزب العدالة والتنمية، في حين أن أغلبية الجهات كانت من نصيب الأصالة والمعاصرة، بسبب عدم التزام بعض الأحزاب والمنتخبين الجهويين بالقرارات المتعلقة بالتحالفات». ويرى محمد مصباح، الباحث في معهد «كارنيغي»، أن «نوعية النخب الحزبية التي أفرزتها الانتخابات الجهوية أقل من مستوى انتظارات المواطنين». وسجل أن «سلوك مستشاري أحزاب الأغلبية والمعارضة يوم التصويت على مكاتب الجهات يوضح أن جميع الأحزاب- باستثناء حزبي العدالة والتنمية ثم حزب التقدم والاشتراكية- لم تنضبط للالتزامات التي تربط بين مكونات الأغلبية أو المعارضة. وأوضح مصباح في هذا السياق أن «أحزاب الأغلبية والمعارضة صوتت لمرشحين في المعسكر الآخر، بل وصلت أحيانا إلى التصويت ضد مرشح حزبهم كما حصل في جهة تادلة أزيلال، وهو ما يعكس أزمة عميقة لدى النخب الحزبية». ورغم «عملية التحرير النسبية للعملية الانتخابية مقارنة مع الاستحقاقات السابقة»، اعتبر الخبير السياسي الباحث في معهد «كارنيغي» أن «عملية الضبط والتحكم في الناخبين الكبار لا زالت مستمرة». وأضاف في هذا السياق: «عمليا رغم تجريم ظاهرة الترحال السياسي، إلا أن تمظهراتها لاتزال مستمرة فتصويت مرشح من الأغلبية على مرشح من المعارضة أو تصويت مرشح ضد مرشح حزبه هو نوع من الترحال السياسي بدون تغيير الحزب». كل هذه المعطيات التي جعلت من بعض المستشارين والقيادات الحزبية تحمل مظلة أحزاب لا تلتزم بمقرراتها في واقع الأمر، أضحى ينذر بمفاجآت مثيرة لمستقبل التحالفات الحزبية، وعلى رأسها التحالف الذي يجمع مكونات أحزاب الأغلبية. هنا يرى مصباح أن ما وقع على مستوى الجهات «ستكون له انعكاسات مهمة على التحالف الحكومي، وعلى حزب التجمع الوطني للأحرار نفسه». وسجل أن «تصويت مرشحي حزب الأحرار على حزب الأصالة والمعاصرة في عدة جهات أدى إلى فقدان الثقة بينه وبين حزب العدالة والتنمية، وتعززت لدى الحزب الإسلامي شكوك أكثر أن هناك رغبة في سرقة فرحة انتصاره يوم 4 شتنبر». واعتبر المتحدث ذاته أن «حزب العدالة والتنمية كان مستشعرا بأن حزب الأحرار يشتغل بتواز مع حزب الأصالة والمعاصرة وينسق معه في السر قبل الانتخابات، ولكن التصويت العلني لمرشحي الأحرار على البام سيؤدي إلى تعزيز هذه القناعة». في هذا الخضم بدأ بعض المراقبين يطرحون سيناريوهات مستقبل التحالف الحكومي. هذا التوجه يعززه موقف قياديي الحزب الأعضاء في الأمانة العامة ل«المصباح» الذين لوحوا بالذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها، واتهم بعضهم حزب التجمع الوطني للأحرار بممارسة «الابتزاز»، إثر ما وقع في تطوان وجهتي طنجةوالدارالبيضاء. ويزداد سيناريو إمكانية خلخلة التحالف الحكومي بالنظر إلى الموقف الأخير لحزب الاستقلال، الذي ينتظر أن يأخذ صبغة رسمية بعد تأييده داخل المجلس الوطني للحزب، من خلال إقرار المساندة النقدية للحكومة، مع ما يمكن أن يؤسس له هذا الموقف من إمكانية دخول «الميزان» إلى الحكومة، وخروج «الحمامة» إلى المعارضة، أو اشتغال فريق بنكيران كحكومة أقلية بمساندة الاستقلال. ويرى الباحث في معهد «كارنيغي» أنه إذا تفكك تحالف الأغلبية فإن حزب العدالة أمامه ثلاثة خيارات، الأول هو استبدال حزب التجمع الوطني للأحرار بحزب آخر، ومن المرجح أن يعوض بحزب الاستقلال. أما الخيار الثاني يتمثل في استمرار الحكومة واشتغالها كحكومة أقلية، أما الخيار الثالث فهو «الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها». بيد أن هذا السيناريو الأخير استبعده محمد مصباح، على اعتبار أن «الدولة لن تسمح بتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، لأن هذا الأمر ربما يعطي انطباعا بأن البلد غير مستقر سياسيا، ولأن هناك توجه في الدولة يدعو إلى إتمام الحكومة ولايتها كاملة». هل يخطب شباط ود بنكيران عبر المساندة النقدية؟ أحزرير: قرار شباط جاء طمعا في الحقائب الوزارية لسنة 2016 خديجة عليموسى منذ وصول حميد شباط إلى الأمانة العامة لحزب الاستقلال وهو يحدث عددا من التغييرات ويخلق المفاجأة تلو الأخرى، ابتداء من خروجه من الحكومة، مرورا بقلب الطاولة على أحزاب المعارضة وطلب ود حزب العدالة والتنمية، وانتهاء بتعبيره عن وضعه استقالته بين يدي المجلس الوطني في انتظار الحسم فيها. وأظهر الموقف الأخير لشباط، والقاضي باقتراح المساندة النقدية للحكومة، والذي سيرفع للجنة التنفيذية وبعدها للمجلس الوطني خلال شهر أكتوبر للبت فيه، (أظهر) التذبذب الحاصل في موقف الحزب الذي غير مواقفه بسرعة فائقة، وهو ما أربك تصويت مستشاريه في الجهات، إذ في الوقت الذي تم فيه التصويت لصالح مرشح الأغلبية في الرباط، صوتوا لصالح مرشح المعارضة في كل من الدارالبيضاءوطنجة. التصريحات الإعلامية لقادة حزب «الميزان» تظل متباينة ومختلفة في ظل غياب قرار نهائي ورسمي، لكن في حالة إذا اتخذ الحزب خيار المساندة النقدية، هل ستكون لذلك آثار على الأغلبية الحكومية؟ في هذا الصدد، يرى عبد المالك أحزرير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، أن قرار حزب الاستقلال المبدئي يوضح بجلاء استشعار الأمين العام لحزب الاستقلال أن هناك شيئا ما لا يسير على ما يرام، خاصة مع المقايضات التي جرت بين حزب الأصالة والمعاصرة وحزب التجمع الوطني للأحرار، وما سمي «خيانة» هذا الأخير لحزب العدالة والتنمية وللأغلبية الحكومية، كلها أسباب دفعت شباط إلى طرح نفسه بديلا في حالة إذا كان هناك مخطط لضرب حكومة عبد الإله بنكيران عبر انسحاب حزب «الحمامة»، هذا الأخير الذي لم يحترم التزامات الحكومة، يوضح أستاذ العلوم السياسية، في تصريح ل«المساء»، لذلك فإنه بإمكانه أن يشارك في الإطاحة بالحكومة إذا ما تطلب الأمر ذلك. ومن بين الأسباب التي تجعل حزب «الميزان» يغير مواقفه هو أنه لم يجن من «انجرافه مع «البام» سوى خيبة الأمل وكان الخاسر الأكبر، ولم يتموقع كما كان منتظرا فخسر بذلك رمزية حزبه التاريخية فجر عليه غضب قيادته». ويعتقد أستاذ العلوم السياسية أن السيناريو الذي يمكن أن يتخذه شباط سيكون إما «خوفا أو طمعا»، أي أنه سيخشى استمرار التحالف مع «البام» حيث سيحصد النتائج نفسها خلال الانتخابات التشريعية الممكنة قياسا على ما حدث في انتخابات رؤساء الجهات والجماعات المحلية، الني كان المستفيد الأول فيها هو حزب «البام» أو «طمعا في رصد ملامح المرحلة المقبلة وذلك ليضمن وجوده بها في حالة إذا كان حزب «البيجيدي» هو الذي سيقودها، وهذا ما سيضمن له الحصول على حقائب وزارية كبرى». وبهذا سيكون سيناريو التحالف مع «البيجيدي» كحل للحزب بعد الصفعة القوية التي تلقاها خلال الانتخابات المحلية، وحتى لا يموت، خاصة في ظل انتقادات داخلية حملت شباط مسؤولية ما وقع وعدم لعبه دور المعارضة كما يجب، فعوض انتقاداته للحكومة كما كان حزب الاستقلال يفعل خلال الستينيات، يقول أحزرير، حيث كان ينتقد السياسة العمومية والإصلاح السياسي والثروة الوطنية والتعليم، وغيرها من المواضيع التي كانت تعطي لحزب «الميزان» قيمة مضافة، فإن الأمين العام الحالي لحزب الاستقلال اختزل الحكومة في شخص عبد الإله بنكيران وأخذ يوجه له عددا من الاتهامات ومنها «الانتماء لداعش»، وهذا شكل ضربة قوية لحزب الاستقلال، لكون هذه التهم لا تشجع على الاستثمار بالمغرب، وأصبح خطاب شباط رمزا لحضيض السياسة. ولعل من بين الأخطاء القاتلة لشباط منذ وصوله إلى رئاسة حزب الميزان هو خروجه من الحكومة، بعدما فشل في ضمان مناصب وزارية لمقربيه عبر تعديل حكومي، تلاها توجيه مدفعيته نحو بنكيران وانخراطه مع المعارضة إلى أبعد الحدود رغم تحذير المقربين منه من عواقب ذلك، سيما اعتبار التحالف مع «البيجيدي» على مستوى الانتخابات المحلية خطا أحمر. وعموما، فإن خرجات شباط وقيادييه تظل رسالة موجهة إلى عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، مفادها أنهم جاهزون للعودة إلى الحكومة في حالة إذا انقطع حبل الود مع حزب الأحرار، وأن المساندة النقدية مجرد بداية في انتظار استحقاقات 2016، غير أن السؤال المطروح هو هل يمكن لحزب العدالة والتنمية أن يتحالف مع حزب «الميزان» وحميد شباط على رأسه، حتى وإن كان الحزبان متقاربين في المرجعية، خاصة أن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية صرح أكثر من مرة أن مشكلته ليست مع حزب الاستقلال الذي يكن له كامل الاحترام، بل مع شخص واحد اسمه «شباط». بوغالم: البيجيدي قدم تنازلات مجانية وفوز البام بخمس جهات أمر غير طبيعي قال إن البيجيدي تنازل لتبديد هواجس القصر وأكد أن الانتخابات شهدت عودة التحكم حاوره – محمد أحداد يرى عباس بوغالم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، أن الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة عرفت عودة التحكم لاسيما في حسم طبيعة التحالفات، موضحا في هذا السياق أن تفريط حزب العدالة والتنمية في ثقة الناخبين في الكثير من المناطق سيؤدي إلى ردة فعل من طرف الناخبين في الانتخابات المقبلة. وأبرز بوغالم أن البام لا يستحق أن ينال خمس جهات في انتخابات المجالس الجهوية بالنظر إلى عدد المقاعد التي حصل عليها، مفسرا هذا التقدم «بتصدع حدث داخل أحزاب الأغلبية»، وعودة التحكم إلى القرار السياسي – رغم أن الانتخابات الجماعية والجهوية أسفرت عن فوز العدالة والتنمية في غالبية المدن الكبرى بالمغرب، إلا أنه استطاع أن يحصل فقط على رئاسة جهتين بالمغرب، ماهي قراءتك الأولية للانتخابات الجهوية؟ أرى أنه ليس هناك احترام للنتائج النهائية التي أسفرت عنها الانتخابات الجماعية والجهوية، فالمنطق يقول إن العدالة والتنمية كان عليه أن يحوز أكثر من جهتين حسب عدد الأصوات التي حصل عليها، لكن يبدو من القراءة الأولى أن ثمة عودة إلى أساليب التحكم القديمة فيما يخص تشكيل المجالس الجهوية وبالتالي تغييب إرادة الناخبين الحقيقية. ما لا يفهمه كثيرون أن عودة التحكم حتى وإن لم تكن بنفس الحدة، ستفضي إلى مضاعفات سلبية على ثقة الناخبين في العملية الانتخابية من جهة وفي الأحزاب السياسية من جهة أخرى، بصيغة أخرى سيؤدي ذلك، لا محال، إلى تكريس العزوف. أما فيما يهم طبيعة التحالفات، فيظهر جليا أن التحالفات المحلية في انتخابات رؤساء الجماعات أو رؤساء المجالس الجهوية تجاوزت التحكم المركزي فيها. – هل يمكن القول إن حزب العدالة والتنمية، الذي اكتسح غالبية المدن ذات الكثافة السكانية الكبيرة، لم يعرف إدارة تحالفاته الانتخابية؟ بطبيعة الحال، أنا لا أفهم على سبيل المثال كيف أن حزب العدالة والتنمية يجمد عضوية أعضائه بالناظور بعد تحالفهم مع حزب الأصالة والمعاصرة بينما يتحالف معه في منطقة قريبة جدا. هذه التحالفات التي أفرزتها الانتخابات الجماعية والجهوية تضعنا أمام ضبابية كبيرة جدا، لاسيما في ظل تمرد الأمانات المحلية والجهوية على القرار المركزي للأحزاب السياسية، مما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن التحكم في القرار الجهوي لا يزال مطروحا بحدة. – كيف تقرأ فوز العدالة والتنمية فقط بجهتين في الانتخابات الجهوية، وهل ترى أن فوز الأصالة والمعاصرة بخمس جهات يعد أمرا عاديا؟ لا أرى الأمر عاديا، إذ ينبغي في اعتقادي أن تعطى الأولوية لحزب العدالة والتنمية لأنه حصل على أكبر عدد من الأعضاء في الكثير من الجهات. وقد وظفت الكثير من الأساليب للالتفاف على إرادة الناخبين. بطبيعة الحال، يمكن القول إن حزب العدالة والتنمية لا يعرف إدارة تحالفاته، وما أخشاه حقا أن تكون هناك ردة فعل في الانتخابات المقبلة ضد الحزب، لأنه ليس من الطبيعي أن يمنح لك الناخب ثقته ثم تفرط فيها بكل سهولة لصالح حزب منافس. قد نفهم أن العدالة والتنمية لا يريد أن يستفرد بالكثير من الجهات كي لا يخلق هواجس لدى الكثير من الجهات منها المؤسسة الملكية وبعض الجهات الخارجية، لكن لا يمكن أن نفهم أبدا كيف أن الحزب قدم تنازلات مجانية في الكثير من المناطق. – تقصد أنه بإمكان هذه التنازلات التي قدمها الحزب في الانتخابات الجهوية والجماعية أن تؤثر عليه في الانتخابات التشريعية المقبلة؟ فوز العدالة والتنمية بالانتخابات يعني شيئا واحدا هو أن المواطنين يثقون فيه ويرون فيه الحزب الأصلح لتسيير شؤونهم، بيد أن هذه الثقة لا يمكن أن تظل إلى ما لا نهاية. معنى ذلك أن بعض التنازلات التي قدمها البيجيدي تزرع الشك في المواطنين الذين صوتوا عليه. لا أجد أي معنى سياسي وأخلاقي أن تفوز بغالبية الأصوات ثم تشرك حزبا في التسيير أخل بالتزامات الأغلبية. لهذا بالتحديد قلت سلفا إن التحالفات المحلية، برزت بأنها أكثر متانة من التحالفات المركزية. – بينت التحالفات التي عقدتها أحزاب الأغلبية والمعارضة على حد سواء أن تحالفاتها هشة وأن كل الاجتماعات التي سبقت موعد الانتخابات الجهوية والجماعية لن تكون ذات فائدة، فالأغلبية تصوت على المعارضة والمعارضة تصوت على الأغلبية وفي بعض الحالات نلفي تحالفات شاذة جدا إذا ما قارناها بالجدل القائم في المشهد السياسي.. نحن الآن أمام تصدع كبير داخل أحزاب الأغلبية وأحزاب المعارضة يمكن أن نرى تمظهراته واضحة للعيان، حيث إن العلاقة بين البيجيدي والأحرار ليست على ما يرام ولا زلنا ننتظر تداعيات تصويت الأحرار ضد البيجيدي في انتخابات الجهات، وداخل المعارضة، لم يفهم أحد إعلان شباط للمساندة النقدية لحكومة عبد الإله بنكيران وإعلان الطلاق مع المعارضة خاصة حزب الأصالة والمعاصرة. إذن يبدو أنه يجب مراجعة هذا التقاطب القائم لإفراز تحالفات أكثر وضوحا على المستوى الإيديولوجي والسياسي، وأتصور أن هذا التحالف بدأت معالمه تظهر منذ الآن. فقط يجب أن يعاد ترتيب المشهد كي لا نخلق نوعا من التعويم لدى المواطن الذي لن يرى في العملية الانتخابية أي جدوى إذا كان يصوت لحزب ثم يجد صوته في مكان آخر. – قلت إن معالم تقاطب إيديولوجي معقول تلوح في الأفق، ما هي معالم هذا التقاطب؟ إذا تمت مراجعة التقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع واقتنعت الأحزاب السياسية بضرورة البحث عن تحالفات جديدة، من الأكيد أن تفرز تحالفات جديدة بمعايير فيها الحد الأدنى من التجانس، وأرى أن إعلان حزب الاستقلال الانضمام إلى المساندة النقدية للحكومة فيها قدر من التجانس السياسي، أما إذا بقيت الأمور كما هي الآن، فسيفسح المجال للقرار الجهوي والمحلي الذي غالبا ما يرتبط بالتحكم والتأثير.