أكد الدكتور عبد الرحيم المنار سليمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أكدال بالرباط، أن التصريحات المتبادلة بين رموز حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة، التي حملت اتهامات وانتقادات لاذعة للطرفين معا هي عبارة عن «ويكيليكس» شفوي على الطريقة المغربية، مكن الرأي العام الوطني من الاطلاع على عدد من خفايا بعض الملفات التي عادة ما تحاط بجدار سميك من التعتيم، مبرزا أن خطورة الأمر تكمن في أنها تمس توازنات الدولة وملفات أساسية تحكم استقرار النسق السياسي المغربي. وأوضح سليمي في حواره مع «المساء» أن تلك الانتقادات المتبادلة تجد تفسيرها في ثلاثة محاور أساسية تبدأ بالصراع بين المشروعية التاريخية التي يمثلها حزب الاستقلال والمشروعية «الحديثة»، التي يتبناها حزب «الجرار»، متمثلة في تقرير الخمسينية وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وتنتهي بالتموقع المختلف للحزبين معا على الساحة السياسية، إذ يقود أحدهما الحكومة فيما يلعب الطرف الثاني دور المعارضة، بالإضافة إلى تداعيات الخلافات العميقة بين رموزها في بعض الجهات حول قضايا مهمة كان آخرها ما جرى في مدينة العيون. التصويت ضد ميزانية وزارة النقل والتجهيز والتصريحات النارية المتبادلة وتحميل مسؤولية أحداث العيون لأخطاء مسؤولين ب «البام» هي أكبر معالم الصراع الدائر بين الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال.. ما هي خلفيات هذا الصراع؟ الصراع بين حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة له ثلاثة مداخل للتفسير على الأقل : التفسير الأول مرتبط بالنمط الجيلي للتنظيمين الحزبيين، بمعنى أنه صراع بين الجيل القديم والجيل الجديد من المؤسسات الحزبية في المغرب، وهنا يبدو الصراع طبيعيا لكونه مرتكزا على «قتال» بين المشروعيات، الأولى بناها حزب الاستقلال على فكرة الوطنية ومرحلة ما قبل الاستقلال، والثانية يحاول حزب الأصالة والمعاصرة بناءها انطلاقا من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وتقرير الخمسينية، وبذلك يبدو أن الأمر يتعلق بصراع بين مسافتين زمنيتين من المشروعية تصل إلى أزيد من نصف قرن بكل دلالاتها التاريخية والجيلية والتواصلية. التفسير الثاني مرتبط بموقع الحزبين في الهندسة السياسية بين حزب يقود الحكومة وحزب يمارس المعارضة، إن كان هذا الصراع لا يصل إلى مداه رغم التصويت ضد ميزانية وزارة النقل، لأن أقطابا حزبية قريبة من حزب الأصالة والمعاصرة والمتمثلة أساسا في التجمع الوطني للأحرار موجودة في الحكومة وتحد «معنويا» من درجة الرجات السياسية التي يقودها حزب الأصالة والمعاصرة داخل البرلمان. - وماذا عن المدخل الثالث لتفسير ما يجري، والذي قلت إنه مرتبط بتداعيات خلافات عميقة بين رموز الحزبين في مناطق جهوية؟ حقيقة، التفسير الثالث نجده في الصراع في بعض المواقع الجهوية بين الأصالة والمعاصرة والاستقلال المتمثلة في جهة فاس، إضافة إلى اعتقاد يؤسس له حزب الاستقلال له درجة من الخطورة يتمثل في كون ممثلي الإدارة الترابية (حالة والي العيون السابق) يقودون صراعا ضد أعيان حزب الاستقلال. هذا النوع من الصراعات له مخاطره لأن سقف تطلعات نخب الصحراء في الحزبين يمكن أن يجعل من التنظيمين معا (الاستقلال والأصالة والمعاصرة) غير قادرين على لجم الصراع في الصحراء، وهو ما يمكن أن ينعكس على توازنات الدولة نفسها أمام إمكانية تأثير الصراع على تدبير ملف الصحراء، فالصراع في الصحراء يتطور ليصبح صراعا بين النخب من الحزبين. وأعتقد أن مخاطر الصراع في المواقع الجهوية ليست محسوبة المخاطر إلى حد الآن بين الحزبين من مدخل توازنات الدولة وإظهار درجة قوتها أو ضعفها في التدخل . - هل من علاقة لهذا الصراع في هذا التوقيت بالضبط بانتخابات 2012 التشريعية، حيث يحاول كل طرف تحقيق مكاسب سياسية وتسجيل نقاط على الطرف الآخر؟ رغم أن البعض يبدو أمامه المشهد الحزبي ثابتا إذا ما استثنينا صراع الاستقلال والأصالة والمعاصرة، لكن صورة العمق الحزبي تبين أنه «يتمايل» أو «يرقص» سياسيا على الضربات المتبادلة بين الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، بمعنى أنه يعيش حالة نفسية من الانتظار قبل النعراج مع أحد الحزبين في اتجاه انتخابات 2012. ويبدو أن بعض الأحزاب سيطول انتظارها، مادام إيقاع الصراع بين الاستقلال والأصالة والمعاصرة لازال في بدايته، ومن المتوقع أن يتغير إيقاعه خلال منتصف سنة 2011 . - هل الصراع يتلخص في التناقضات بين الحزبين معا أم هي مشكلة المشهد السياسي برمته الذي يتسم بضبابية التحالفات والمواقع، أم هي مشكلة «البام» مع الأحزاب المنافسة، حيث سبق له الدخول في مناوشات مماثلة مع العدالة والتنمية؟ أعتقد أن حزب الأصالة والمعاصرة ينتقل تدريجيا من مسألة الصراع حول إرساء التوازنات داخل الدولة مع الفاعل الحزبي الإسلامي المتمثل في العدالة والتنمية إلى محاولة بناء مشروعية جديدة مضادة لمشروعية الوطنية والتاريخ التي يوظفها حزب الاستقلال، ويبدو أن الصراع الأول (مع العدالة والتنمية) بدأت حدته تضعف، لأنه يصعب على حزب الأصالة والمعاصرة الاشتغال على جبهتين من الصراع في آن واحد (جبهة الاستقلال وجبهة العدالة والتنمية). فالتمرين السياسي الجديد الذي يشتغل عليه الأصالة والمعاصرة حاليا مختلف عن تمرين ما قبل انتخابات 2009، الذي خاضه الحزب مع العدالة والتنمية، وبالتالي فالتمرين الجديد قبل 2012 يخوضه حزب الأصالة والمعاصرة ضد حزب الاستقلال، وكل التقاربات والتنسيقات للمكونات الحزبية الأخرى تتوقف على نتائج هذه التمارين التصارعية السياسية بين الاستقلال والأصالة والمعاصرة . - هل مثل هذه الصراعات وتبادل التصريحات عبر وسائل الإعلام مسألة «صحية» سياسيا، أم هي دليل على «سوريالية» النسق الحزبي والسياسي في البلاد كما تصرح قيادات الأحزاب من حين لآخر؟ رغم أن البعض ينتقد ظاهرة تبادل الاتهامات عبر وسائل الإعلام، ولكنها في الواقع هي تعبير عن «ويكيليكس شفوي» مغربي، فالفاعل السياسي، سواء المتمثل في حزب الاستقلال أو الأصالة والمعاصرة، ينقل من خلال تصريحات قيادييه معلومات لم يكن يعرفها الرأي العام، وهي ظاهرة جيدة، حيث لاحظنا في التصريحات المرتبطة بأحداث العيون من طرف قيادة الحزبين طبيعة العلاقة بين المنتخبين وممثلي الإدارة الترابية والطريقة التي تنتج بها المشاكل وتحل، لكن أخطر ما في هذه التصريحات هو الطريقة التي تتصارع بها النخب المحلية والإدارة الترابية بوعي أو بدون وعي في قضايا مرتبطة بتوازنات الدولة.