من المرتقب أن يعقد المجلس الوطني لحزب التجمع الوطني للأحرار مجلسه الوطني شهر نونبر القادم، وهو اللقاء الذي يتطلع أعضاء الحزب لأن يحسم في الصراع الدائر بين الأمين العام مصطفى المنصوري و«الحركة التصحيحية» التي يقودها صلاح الدين مزوار وهو التيار الرئيسي المعارض للمنصوري. جاء ذلك بعد وصول العلاقة بين الطرفين إلى الباب المسدود وتوجيه انتقادات لاذعة للمنصوري بشأن أسلوبه في تدبير أمور الحزب. ويتهم المعارضون أمينهم العام بتغييب هياكل الحزب ومؤسساته الداخلية والانفراد بالقرارات المصيرية التي ترهن مواقف التجمع. وكشف مزوار، في حوار سابق مع «المساء» أسال مدادا كثيرا أن معالم الأزمة التي يعيشها الحزب بسبب قرارات ومواقف الأمين العام برزت «في النزيف الذي يعيشه الحزب، والذي برز بقوة في الأشهر الأخيرة، والذي يتوقع أن يستمر خلال الدخول السياسي الجاري»، إلى جانب عدم الالتزام بالخط السياسي في اختيار التحالفات التي أعقبت انتخابات 12 يونيو الجماعية، و«عدم الحضور الفعال على مستوى القضايا السياسية التي أثيرت في الشهور الأخيرة بالمغرب». واعتبر مزوار أن معالم هذه الأزمة نتيجة طبيعية لغياب النقاش الداخلي وتغييب دور هياكل الحزب إلى جانب عدم وضوح التصور بشأن التأطير على المستوى المحلي والجهوي. المنصوري من جهته، رفض رغم اتصالات متعددة مع صحف وطنية منها «المساء» الرد علنا على انتقادات مزوار اللاذعة، وأكد بالمقابل أنه سيعمل على معالجة المشاكل المطروحة على مستوى المؤسسات الداخلية التي يتهم بتغييبها. موازاة مع ذلك، تواردت الأنباء عن تحركات لشقيق المنصوري الذي يشغل منصبا ساميا في الدولة لإنقاذ أخيه من «الانقلاب الأبيض» الذي يدبر له، وهو ما أثار انتقادات حادة من طرف المناوئين للأمين العام. بينما شدد مؤيدو رئيس مجلس النواب على أن «عيبه الوحيد يكمن في طبيعته المسالمة التي تجعله غير راغب في فتح مواجهات ساخنة مع معارضيه، وتفضيل أسلوب الحوار عبر الدواليب الداخلية للحزب لحل كل المشاكل العالقة». غير أن أستاذ العلوم السياسية بمدينة مراكش محمد الغالي أوضح في اتصال مع «المساء» بأن الخروج الإعلامي لمعارضي المنصوري هو مؤشر على ضعف فعالية الهياكل الداخلية للحزب، واصفا الانتقادات الموجهة علنا إلى المنصوري بأنها «شكل احتجاجي الهدف منه إشراك الرأي العام للضغط على الأمين العام للحزب بغرض الاستجابة إلى مطالب المعارضة». وذكر الغالي أن ما يجري داخل حزب «الحمامة» يعكس الصورة الحقيقية لواقع التدبير الداخلي عند الأحزاب الوطنية التي تطالب دوما باحترام القوانين طالما تعلق الأمر بمصالحها الخاصة. وأبرز ذلك بقوله «المفترض أن تحرص الأحزاب على احترام بنود قانون الأحزاب إلى جانب قوانينها الداخلية، وبروز مشاكل من هذا النوع إلى السطح يؤكد أن الخلل ما يزال قائما رغم وجود القوانين المنظمة، وهذا ما يثير علامات استفهام كثيرة». في غضون ذلك، أشارت آراء بعض المحللين بأصابع الاتهام إلى فؤاد عالي الهمة بالتورط فيما يجري من تفاعلات داخل حزب الحمامة، بالنظر إلى أن المنصوري لم يكن بالضرورة على نغمة الانسجام نفسها مع الأصالة والمعاصرة، كما اتضح ذلك مثلا من خلال رفضه الاندماج معه في حزبه الجديد كما كان يرغب مزوار ورفاقه الذين كانوا أعضاء داخل حركة لكل الديمقراطيين التي أسسها الهمة. يضاف إلى ذلك التصريح الذي نسب إلى رئيس مجلس النواب، والذي يتهم فيه «أطرافا بمحاولة الرجوع بالمغرب إلى سنوات الرصاص»، والذي رأى المحللون أن حزب الأصالة والمعاصرة هو المقصود به مما دفع هذا الأخير إلى إصدار بيان مضاد. ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل ستزداد الأوضاع حدة مع إصدار المنصوري بيانا ينتقد فيه ربط اسم الحزب بقضية نائبه البرلماني السابق محمد جوهري المتهم بالاتجار في المخدرات، واتهم «أطرافا معينة» بالسعي إلى الإساءة إلى سمعة التجمع. واغتنم معارضو المنصوري إصدار البيان لتجديد الانتقادات الموجهة إليه حيث أكدوا أن الأمين العام لم يستشرهم في البيان الصادر، الذي رأوا أنه يربك مواقف الحزب ويبعثر أوراقه. وحول مدى وجود أياد لقيادات الأصالة والمعاصرة في أزمة التجمع الوطني للأحرار، ذكر الغالي أن كل المؤشرات تؤيد ما ذهب إليه المتتبعون للملف بهذا الشأن، ومنها استقطاب حزب الهمة لعناصر فعالة من حزب «الحمامة»، والصراع الذي تفجر في عدد من التحالفات في بعض المدن منها مراكش والرباط، بالإضافة إلى رفض المنصوري الانصهار مع الهمة في حزبه الوليد. وقد برز الخلاف بشكل أوضح حينما فك الهمة ارتباط فريقه البرلماني مع فريق المنصوري، وأعلن خروجه إلى المعارضة حتى دون إخبار حلفائه. وينتظر أن تشهد اللقاءات الداخلية للتجمع الوطني للأحرار سخونة غير عادية، ومنها لقاء المكتب التنفيذي للحزب الذي لم يعقد منذ انتخابات 12 يونيو التي احتل فيها حزب المنصوري المرتبة الثالثة بعد الأصالة والمعاصرة والاستقلال، وفاز ب 4112 مقعدا (14.8 في المائة).