تمحى على أرض الشام الكثير من أساطير التضليل والأكاذيب التي تم الترويج لها خلال أكثر من خمس سنوات مضت، وتظهر الحقائق التي لا يزال البعض يحاول تجاهلها. يوم السبت 2 يوليو 2016 نقلت وكالات الأنباء الدولية الخبر التالي: استمع مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" يومه السبت إلى المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الأمريكية هيلاري كلينتون في إطار التحقيق حول استخدامها بريدها الإلكتروني الشخصي حين كانت وزيرة للخارجية، وفق ما أفاد متحدث في بيان. وقال المتحدث نيك ميريل إن كلينتون "أدلت بشهادة طوعية حول التدبير المتصل برسائلها الإلكترونية الشخصية حين كانت وزيرة" للخارجية. وأوضح أنها "كانت مسرورة بالفرصة التي أتيحت لها لمساعدة وزارة العدل بهدف وصول هذا التحقيق إلى خواتيمه". وعملية تسريب رسائل كلينتون اثارت العديد من الجدل حيث تم نشر احداها التي جاء فيها أن إدارة أوباما قد دفعت، عن سابق تصميم، باتجاه نشوب الحرب في سوريا، لأن ذلك كان "أفضل وسيلة لمساعدة إسرائيل". وفي الرسالة التي نشرها موقع "ويكيليكس″، تؤكد وزيرة الخارجية السابقة هيلاري أن "أفضل طريقة لمساعدة إسرائيل" هي "استخدام القوة" في سوريا بهدف إسقاط نظام الحكم فيها. وبينت الرسالة أن السياسة الأمريكية كانت تهدف، منذ بداية الأزمة السورية، إلى إسقاط نظام الحكم في سوريا عن طريق العنف، وذلك لأن هذا المسعى ينسجم مع المصالح الإسرائيلية. وبحسب الرسالة التي نشرها الموقع، فإن "كلينتون" كتبت أيضا، أن هذا الحل هو أفضل شئ لتدمير عائلة "بشار الأسد"، مشددة على أن أفضل طريقة لمساعدة إسرائيل، هي استخدام القوة في سوريا للإطاحة بالحكومة. وتحدثت "كلينتون" في تلك الرسالة، عن المحادثات بين إيران والغرب في مايو 2012 بشأن برنامجها النووي، مؤكدة خطورة إيران على إسرائيل بسبب علاقاتها الإستراتيجية بالنظام في سوريا، وعبر حلفائها في لبنان كحزب الله والجهاد الإسلامي في فلسطين ممن تدربهم وتمولهم وتدعمهم. وربطت "كلينتون" بين برنامج القنبلة الذرية الإيرانيوسوريا، لاعتقادها أن هذا البرنامج، يهدد احتكار إسرائيل للأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط. مؤكدة أنه، حال امتلاك إيران سلاحا نوويا، ستتشجع سوريا ودولا عربية أخرى، من أعداء تل أبيب، مثل مصر والسعودية لامتلاكه. وقضية الخادم الخاص للرسائل الالكترونية والذي استخدم لغايات مهنية حين كانت كلينتون وزيرة للخارجية بين 2009 و2013 لا تزال ترخي بثقلها على حملة المرشحة الديموقراطية لانتخابات الثامن من نوفمبر. ويواظب خصومها على استغلال هذا الملف لشن حملات عليها. ويأخذ عليها هؤلاء انها عرضت الأمن القومي للخطر عبر الاحجام عن استخدام خوادم رسمية مؤمنة. ويؤكدون ايضا انها ارادت أن تخفي في شكل غير قانوني بعض الأمور عبر عدم استخدام بريد الكتروني رسمي. وسلمت كلينتون وزارة الخارجية في ديسمبر 2014 اكثر من ثلاثين الف رسالة الكترونية بعثت بها وتلقتها بين 2009 و2013 وتم كشفها مذذاك على دفعات. ويتركز اهتمام الشرطة الفدرالية على معلومات سرية وسرية جدا وردت في نحو 2087 رسالة مرت عبر هذا الخادم غير الحكومي الذي يستخدمه الزوجان كلينتون والموجود في منزلهما في شاباكا قرب نيويورك. الحقيقة الإسرائيلية في الربع الثاني من سنة 2016 سجل الملاحظون خروج مزيد من المسؤولين الكبار في الكيان الصهيوني عن نهج الضبابية فيما يخص الموقف الرسمي من الحرب على أرض الشام، البعض ربط هذا التطور بزيادة الإنزعاج الإسرائيلي والأمريكي من تطورات الحرب بعد التدخل العسكري الروسي الذي بدل موازين القوى في هذا الصراع. الجنرال عاموس يدلين، رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة "أمان" السابق، وحاليا رئيس مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي كان ربما الأكثر صراحة عندما قال في دراسةٍ نشرها أخيرا إن المصلحة الإستراتيجية الإسرائيلية تحتم إسقاط نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، لافتا إلى أن هذه الخطوة هي مصلحة إسرائيلية واضحة، لأنها تؤدي لإضعاف ألذ أعداء تل أبيب: حزب الله اللبناني وفصائل من المقاومة الفلسطينية أبقت على علاقات جيدة مع دمشق. مركز "باحث" للدراسات الفلسطينية، رأى في دراسة جديدة نشرها على موقعه الالكتروني أنه لا شك بأن المصلحة الإسرائيلية الإستراتيجية تستوجب القضاء على محور المقاومة والممانعة، المحور الذي يعتبر العقبة الحقيقية في وجه مخططاتها في المنطقة، لافتا إلى أن هذا ما قاله بشكل واضح وعلني الوزير الإسرائيلي بدون حقيبة، تساحي هانغبي، الذي ترأس حتى قبل فترة قصيرة لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، وهي أهم لجنة وأكثرها سرية في البرلمان الإسرائيلي. وتابع هنغبي، وهو من أقرب المقربين لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قائلا إن مصلحة إسرائيل الإستراتيجيّة تقضي بتغيير النظام في سوريا. وعلينا أن نبارك القوى التي تعمل بالنيابة عنا، أي عن إسرائيل، أي من أطلق عليه لقب الثوار السوريين، قال الوزير الإسرائيلي. وشدد على أن النظام السوري دعم التنظيمات الفلسطينية في حربها ال"إرهابية" ضد إسرائيل، وبالتالي فإن انهيار هذا العنصر الأساسي في محور المقاومة والممانعة، والذي يشكل تهديدا لإسرائيل، هو أحد الأهداف التي تنامت مع تطمينات من المعارضة السورية لتل أبيب. وبرأي الدراسة الإستراتيجية، فإن إسرائيل لم تنس أن سوريا، كحاضنة لمحور المقاومة والممانعة، هي السبب في تحويل المناطق المتاخمة لشمال الدولة العبرية إلى أكبر خطر استراتيجي في وجهها. وهذا ما جاء في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية على لسان إيلي فيدار، الذي كان ممثلا لإسرائيل في الدوحة، حيث قال إن إسرائيل لا يمكنها أن تبقى صامتة وألّا تفعل شيئا ضد القيادة السورية في دمشق، مشددا على أن أي شخص يحل مكان الرئيس السوري الأسد، سيكون أفضل لإسرائيل، ذلك أن الرئيس الأسد هو أسوأ زعيم عربي مر على إسرائيل، على حد تعبيره. وتابع أفيدار قائلا: في المدى القصير سيؤدي سقوط النظام السوري إلى وجع رأس أمني لا بأس به بالنسبة لنا، فالحدود مع سوريا، التي كانت هادئة لغير قليل من السنين، كفيلة بأن تسخن، وقد تحاول عصابات من المخربين المس بالجنود والمواطنين، مثلما يحصل في الحدود الجنوبية. ولكن في المدى البعيد يدور الحديث عن ربح صاف لإسرائيل. وشدد الدبلوماسي الإسرائيلي السابق على أنه بدون الأسد، محور الشر يفقد تواصله الإقليمي، ولن يتمكن ممثلو حزب الله من البقاء في الدولة السورية، والدعم التلقائي من سوريا للإرهاب سيتوقف، مؤقتا على الأقل. وبرأيه، سوريا لم تكن أبدا قوة كبرى شرق أوسطية كالسعودية أو مصر، ولكن من ناحية إسرائيل، فإنها كفيلة بأن تتبين كحجر الدومينو الأهم في الربيع العربي، بحسب ما ذكره في الصحيفة العبرية. ويمكن القول والفصل أيضا، أضافت الدراسة، إن الساسة الإسرائيليين يرون أربعة احتمالات لنهاية التراجيدية السورية: سقوط النظام الحالي بقيادة الأسد وقيام نظام بديل منه، يتشكل من عدة معارضات تتصارع على دولة مدمرة وأرض محروقة. الثاني، سقوط النظام مع استمرار الحرب من دون حكومة مركزية قوية، كما حدث في الصومال، أي دولة فاشلة. أما الاحتمال الثالث، بحسب الإسرائيليين، فيتمثل في لجوء الرئيس الأسد إلى الساحل، والإعلان عن إقامة دولة علوية مع استمرار القتال بين السوريين. والاحتمال الرابع والأخير هو بقاء الوضع على حاله، أي بقاء الرئيس الأسد واستمرار الحرب إلى فترةٍ زمنية طويلة جدا. ورأت الدراسة أن روسيا تدعم حرب النظام السوري ضد القوى المعارضة منذ بدء الصراع، عبر عمليات استخباراتية وتنصت واستطلاع وتشويش إلكتروني، ظهر مؤخرا من خلال الحملة العسكرية الجوية الكبرى التي بدأتها روسيا على امتداد الأراضي السورية، لافتة إلى أنّه ليس بهدف منع سقوط نظام الأسد، كما يروج الإعلام العربي والغربي، بل من ضمن إستراتيجية روسيا الشاملة، والتي تعتمد النفس الطويل والتخطيط الدقيق والنظرة الكلّية للتطورات والتحولات الإقليمية والدولية المتسارعة. وخلصت إلى أن الرؤية الروسية الإستراتيجية تشمل في الواقع مصر وتركيا وإيران، وأن الروس يعملون بجد لتوثيق مختلف أوجه التعاون مع أنظمة هذه الدول، في المجالات الاقتصادية والتجارية والعسكرية والأمنية، وتحديدا لمواجهة الإرهاب التكفيري الذي بات يهدد بتفكيك دول المنطقة، وهو ما تعمل روسيا على منعه، بحسب الدراسة. قلق على داعش جاء في تقرير صدر في بيت حانيا- القدس الشرقية ونشر يوم فاتح يوليو 2016 تحت عنوان لماذا إسرائيل قلقة على مصير "داعش" في سوريا؟: "يمكن وصف موقف إسرائيل من "داعش" بأنه ذو وجهين، فهي تفعل كل ما بوسعها كي لا ينتشر داخلها، وفي نفس الوقت لا ترغب في هزيمته واختفائه من سوريا. هذا الموقف صاغه مؤخرا رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، اللواء هيرتسي هاليفي بإشارته إلى أن الدولة العبرية تفضل هذا التنظيم على نظام الأسد، وأنها لا تريد أن يسوء وضع "داعش" في الحرب الدائرة هناك إلى درجة الهزيمة. وأشار المسؤول الأمني الإسرائيلي إلى أن الأشهر الثلاثة الماضية كانت الأكثر صعوبة بالنسبة لتنظيم "داعش" منذ تأسيسه وإعلان "خلافته"، لافتا إلى أن هزيمة هذا التنظيم من شأنها أن تضع إسرائيل في موقف صعب ب"انسحاب القوى العظمى من سوريا بإستثناء روسيا وترك إسرائيل منفردة أمام دمشق وحزب الله الذي يملك قدرات عسكرية جيدة"، مشددا على أن تل أبيب ستفعل كل ما بوسعها كي لا تجد نفسها في مثل هذا الوضع. هذا الموقف الإسرائيلي الرسمي من "داعش" يقترب بدرجة ما من موقف الولاياتالمتحدة، وهو يتطابق من حيث الجوهر مع مواقف عدد من الدول العربية وخاصة الخليجية. مثل هذه المفارقة تعكس الكثير من المتغيرات التي ظهرت بتدمير وتفكك العراق وليبيا واهتزاز مصر بشدة، واحتدام الصراع الطائفي في المنطقة من العراق إلى سوريا مرورا بالبحرين، وتربعه على قمة أولويات حكومات المنطقة، لكن ما يحدث بالنسبة لإسرائيل يمثل فرصة ذهبية تساعدها على التواري خلف حرائق "حروب داخلية" دامية بالمنطقة تزيحها في صمت من خانة العدو الأول. ومن جانب آخر، لا تخفي إسرائيل قلقها من تمدد داعش وانتشاره بين صفوف العرب داخلها، وكان رئيسها ريؤفين ريفلين قد حذر بداية عام 2016 من ذلك، مضيفا أن "داعش أصبح هنا بالفعل ولم يعد ذلك سرا. أنا لا أتحدث عن الأراضي المتاخمة لدولة إسرائيل بل عن داخلها". وكانت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قد قدرت مستهل عام 2016 عدد العرب الإسرائيليين الذين انضموا للقتال في صفوف تنظيم "داعش" بنحو 50 شخصا، كما انتشرت في الانترنت أشرطة دعائية باللغة العبرية لجذب المزيد من الإسرائيليين العرب. وفي هذا السياق، تسعى السلطات الإسرائيلية إلى تجريد اثنين من المواطنين العرب من الجنسية الإسرائيلية وتصريح الإقامة الدائمة باعتبارهما يشكلان تهديدا للأمن الإسرائيلي نظرا لمحاولتهما الانضمام إلى داعش. تأمل إسرائيل في أن يواصل "داعش" عمله التدميري في سوريا، وأن لا تنتهي الحرب هناك بهزيمته كي تنعم بمزيد من الأمن والأمان. إلا أن الاستراتيجيات الأمنية تتطلب قدرا كبيرا من المرونة والتحايل كي تنقلب المفاهيم ويتغير موقع الجبهات ويحترق ما تبقى فيما يعرف بالجبهة الشرقية. إستعادة زمام المبادرة الموقف الأمريكي من الحرب الدائرة على أرض الشام يعرف حالة ضعف متصاعدة منذ التدخل العسكري الروسي نهاية شهر سبتمبر 2015 ولكن إدارة البيت الأبيض تحاول تجاوز على هذه الوضعية والإستدارة لإستعادة زمام المبادرة والمضي قدما في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وضعه المحافظون الجدد والقاضي بإعادة رسم حدود دول المنطقة وإقامة ما بين 54 و 56 دولة على أسس دينية وطائفية ومناطقية مما يضمن أمن الكيان الصهيوني ويسمح للقوى الإستعمارية الغربية بالتحكم في ثروات المنطقة وإقامة طوق حصار حول روسيا من هذه المنطقة المجاورة لها من الجنوب. غير أن هذه الجهود الأمريكية تتعثر لأن ساسة واشنطن خاصة يعيشون بعيد عن الواقع. وتماما كما حدث في حرب الأمريكية في الفيتنام خلال ستينيات وسبعينات القرن الماضي كان الساسة في واشنطن يعيشون في وهم، حيث أكدوا أكثر من مرة وعلى مدى سنوات أن هانوي وقوات التحرير الفيتنامية لا يمكن أن تكسب الحرب وأنها أي الولاياتالمتحدة ستخرج منتصرة وأنه يجب إستغلال الخلافات التي صنعوا جزء كبيرا منها بين هانوي وموسكو وبكين لكسر شوكة الجيش الفيتنامي الشمالي وحلفائه من الفيت كونغ. من هذا المنطلق يجب النظر إلى ما جاء في تقرير "ساسة بوست" الأمريكية الذي نشرت بعض تفاصيله يوم 2 يوليو 2016، يقول التقرير: "منذ تدخلها العسكري في سوريا، في سبتمبر 2015، استطاعت روسيا ترسيخ قدمها، كلاعب عسكري أساسي في الحرب السورية، وإعادة تثبيت حكم النظام الأسدي، ملقنة المعارضة وداعميها درسا عن الدمار الذي يمكن أن تلحقه روسيا بالجماعات المتمردة. في مقابلات أجريت مع دبلوماسيين روس، ثوار وجهاديون سوريون، وصحفيون ومؤيدين للنظام، أكد الجميع أن العامل الحاسم في الحرب السورية هو التدخل الروسي لصالح النظام، والذي مكنه من تحقيق أهم انتصاراته على أرض المعركة. أنهك الدعم الجوي الروسي قوات المعارضة وخصوم النظام، ومكن الأخير من تحقيق انتصارات درامية، منها انتزاع مدينة «تدمر» من أيدي الدولة الإسلامية، ووقف إطلاق النار لاحقا، واستئناف المفاوضات غير المباشرة من مركز قوة. وقد اعترف مسئول بجماعة "أحرار الشام" المعارضة، في محادثة عن طريق أحد تطبيقات المراسلة، بأن استمرار القصف الجوي السوري خطر داهم، خاصة بحدة مماثلة لتلك التي قصفت بها القوات الروسية سوريا، في بداية العام. "مستوى الدمار الذي سيلحق سيكون غير معقول". المخاطرة بحرب نووية أصوات في وزارة الخارجية الأمريكية، طبقا لبرقية مسربة ترجع إلى بداية شهر يونيو 2016، دعت إلى رفع مستوى التدخل العسكري في سوريا، واستهداف النظام السوري لإجباره على الالتزام بوقف إطلاق النار، والجلوس على مائدة المفاوضات. ومع أن الموقعين على البرقية قالوا إنهم مدركون لخطر تدهور العلاقات الأمريكية الروسية، فإنهم وفقا للتقرير لم يفكروا بما فيه الكفاية في رد الفعل الروسي إزاء مثل هذا التصعيد، الذي قد يصل إلى حرب نووية عالمية شاملة. الولاياتالمتحدة تتبع سياسة تقضي بتفادي نشوب النزاع مع روسيا. وفقا لمتحدث عسكري بإسم التحالف الأمريكي، فهناك تفاهم بين وزارتي الدفاع الأمريكية والروسية لضمان سلامة القوات الجوية المنفذة للعمليات في سوريا. تقتصر عمليات الولايات المتّحدة على شرقي سوريا، وتبتعد عن الغرب الذي يتواجد فيه النظام السوري بشكلٍ أساسي. وقد احترم الجيش الروسي هذا، ولم يتعرض للقوات الأمريكية. جدير بالذكر أن روسيا أنزلت أنظمتها الدفاعية الجوية المتطورة، "إس 400"، على الساحل السوري في ديسمبر من عام 2015، ويمكنها في حالة المواجهة مع القوات الجوية الأمريكية استعمالها لإسقاط الطائرات، وحتى صواريخ "كروز". عامل آخر، يوضحه "كريس كوزاك"، الباحث والمحلل السياسي بمعهد دراسات الحرب بالولايات المتّحدة. وفقا ل"كوزاك"، غياب التدخل العسكري الأمريكي يهدد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، لكن المسئولين الأمريكيين ليسوا على استعداد للمخاطرة بمواجهة عسكرية شاملة مع روسيا من أجل سوريا، حتى مع وجود احتمالات أخف وطأة. دبلوماسيون غربيون تحدث معهم واضعوا التقرير، وفضلوا إبقاء هوياتهم سرا، قالوا إن نظراءهم الروسيين يسعون في اتجاه إيجاد حل سياسي للأزمة، حتى وإن كانوا رافضين للشروط الغربية، أو يرون الأمر بشكل مختلف. يفهم الروس جيدا أهمية السعي إلى استقرار سوريا، ويؤكد ذلك "نيكولاي كوزانوف"، الباحث غير المقيم بمركز «كارنيغي» بموسكو. قال "كوزانوف" إن روسيا تسعى إلى منع تحول سوريا إلى ليبيا أخرى قريبة من الحدود الروسية، "فليبيا"، على حد وصف وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف"، "ثقب أسود" يصدر الاقتتال إلى جيرانه. يقول كذلك: إن روسيا تؤمن باستحالة أن يستعيد نظام الأسد سيطرته على كل أنحاء سوريا بوسائل عسكرية، وبالتالي تدفع روسيا في اتجاه المفاوضات، لكن روسيا ترغب في بناء سوريا ما بعد الصراع على أساس من المؤسسات الحكومية القائمة بالفعل، وهو ما دفعها إلى التدخل العسكري لإضعاف المعارضة، وتقوية موقف النظام على مائدة المفاوضات. لكن يبدو أن روسيا منفصلة استراتيجيا عن التحالف بين نظام الأسد، وحزب الله. أكثر من مرة، أكد الأسد سعيه للانتصار العسكري الشامل في سوريا. "فيتالي تشوركين"، مبعوث الأمم المتّحدة الروسي، قال عن أحد التصريحات التي أطلقها الأسد في فبراير 2016، أنها لا تنسجم مع المجهودات الدبلوماسية التي تبذلها روسيا، مذكرا الأسد بالمساهمة الدبلوماسية والعسكرية الكبيرة التي تقدمها روسيا من أجل الوصول إلى حل سياسي، لكن الأسد لم يتراجع عن موقفه، واستمرّ في تصريحاته، آخرها كان في خطابه أمام البرلمان السوري في 7 يونيو، إذ وعد بتحرير كل شبر من سوريا من قوى الإرهاب. نظريا، اعتماد النظام الأسدي العسكرية على روسيا تعطي الأخيرة أفضلية على النظام، يمكنها استغلالها لوقف الانتهاكات، والدفع بالنظام إلى تسهيل العملية الدبلوماسية، لكن "كوزانوف" يرى أن تلك الأفضلية عمليا محدودة للغاية، خاصة من الجانب "السيكولوجي". مصادر دبلوماسية تؤكد أن روسيا على قناعة تامة بأن الأسد لا يمكن الاستغناء عنه، وأن رحيل نظامه سيتسبب في انهيار الدولة السورية ومؤسساتها التي تريد روسيا الحفاظ عليها، وهو ما يستغله الأسد ضد روسيا. أحد هذه المصادر قال إنه لا يظن أن النظام "حليف سهل" على الإطلاق. مواجهة لن تنتهي روسيا ليست على وفاقٍ مع القوى الغربية كذلك، إذ ترى أن المعارضة المسلحة متشابكة مع الجماعات الجهادية وهي غير قابلة للإصلاح، وهي تريد قتل "هؤلاء الإرهابيين الذين يكرهوننا ويكرهونهم"، وفقا لدبلوماسي آخر. وإن استمر تعثر المفاوضات، ربما تلجأ روسيا إلى تصعيد عسكري آخر، في مقامرة خطرة قد تدفع بالمعارضة إلى تقديم التنازلات، أو تقضي على العملية السياسية تماما، كما قضت هجمات بداية عام 2016 على جولة المفاوضات التي كان من المقرر انعقادها في جنيف. لكن من غير الواضح كيف يمكن لروسيا حل الأزمة السورية في حال القضاء على المفاوضات، ومع الوضع في الاعتبار أن الانتصار العسكري مستحيل لأي طرف على الآخر. ومع غياب طريق واضح، ربما تستمر روسيا في تغذية النزاع للأبد، أو تلجأ إلى التصعيد العسكري. والبعض في سوريا ينتظر انهيار التدخل الروسي بفعل التناقضات الاستراتيجية إلي تقوّض أساساته. "أبو خطاب المقدسي" مسئول إعلامي بتنظيم "جبهة النُصرة"، قال إن الصبر هو الوسيلة التي تتكيف بها جبهة النصرة والثوار السوريين مع القصف الجوي الروسي". إنفصال عن الواقع تقرير "ساسة بوست" يعكس التفكير الذي يسود لدى جزء كبير من هؤلاء الذين يضعون في واشنطن خطوط التحرك الأمريكي. مصادر رصد في برلين تشير إلى أن هناك إنفصالا عن الواقع في البيت الأبيض والخارجية الأمريكية وبعض دوائر الإستخبارات والبنتاغون يذكر بتجربة الولاياتالمتحدة في حرب الفيتنام حيث يتم تكرار نفس الإستنتاجات الخاطئة. الكرملين في تدخله العسكري إلى جانب دمشق لا ينفق الكثير ولا يخسر تقريبا جنودا أو معدات، وهو يملك عناصر قوة معضدة تتمثل في قوات الجيش السوري على الأرض التي صمدت لأكثر من خمس سنوات في مواجهة هجمة متعدد الأطراف وخيب كل التوقعات التي كانت تصدر من مراكز البحث والإستخبارات الغربية التي أكدت أنه سيهزم قبل نهاية سنة 2011، كما أن اللعب على القول أن النزاع طائفي بين شيعة وسنة تم دحضها عمليا لأن غالبية الجيش السوري وقياداته من السنة. وتضيف مصادر الرصد الألمانية أن التدخل العسكري الروسي أبعد كذلك التهديد الذي كان ماثلا في هجوم عسكري أمريكي أو تركي أو غيره لتسهيل إسقاط حكومة دمشق. زيادة على ذلك تعتبر موسكو المعركة في بلاد الشام أساسية سواء من أجل حماية أراضيها والجمهوريات الآسيوية التي كانت جزء من الإتحاد السوفيتي قبل إنهياره، بالإضافة أن كسب المعركة سيشل المخططات الأمريكية في الشرق الأوسط الكبير ويسمح للكرملين بإستعادة نفوذه في المنطقة المركز بالنسبة للعالم كما يساعد في جعل أوروبا تحت قيادة إتحادها في إعادة النظر في علاقاتها مع واشنطن والبحث في بناء علاقات جيدة مع روسيا. مصير منطقة الشرق الأوسط يوم الخميس 30 يونيو 2016 أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن العسكريين الروس المشاركين في العملية العسكرية بسوريا، بذلوا كل ما بوسعهم من أجل التصدي للإرهاب ومنع تدخل عسكري خارجي في شؤون الدولة السورية. وقال بوتين في كلمة ألقاها أمام اجتماع سفراء روسيا لدى الدول الأجنبية والمندوبين الدائمين الروس في الخارج: "أريد أن أشكر مجددا عسكريينا الذين بذلوا كل ما بوسعهم من أجل التصدي للإرهابيين، والحيلولة دون تدخل خارجي عسكري غير شرعي في شؤون سوريا، والحفاظ على كيان الدولة السورية". وأعرب الرئيس الروسي عن قناعته بأن حسم المعركة ضد تنظيم "داعش" الإرهابي سيتم على الأرض السورية. وأكد أن مصير منطقة الشرق الأوسط يتوقف إلى حد كبير على ما يحدث في سوريا. وأوضح أن سوريا وجدت نفسها في وسط المعركة ضد الإرهاب، وأردف قائلا: "يمكننا أن نقول بلا مبالغة إن منطقة الشرق الأوسط ليست الوحيدة التي مستقبلها مرهون بمصير هذا البلد. وفي الأرض السورية، يتم حسم المعركة ضد تنظيم "داعش" الذي تجمع تحت راياته إرهابيون ومتطرفون من جميع الألوان يوحدهم سعيهم المشترك لتوسيع نطاق سيطرتهم لتشمل العالم الإسلامي برمته". واستطرد: "يكمن هدفهم في تعزيز مواقعهم في ليبيا واليمن وأفغانستان ودول آسيا الوسطى، قرب حدودنا. ولذلك قررنا في الخريف الماضي، الاستجابة لطلب القيادة السورية بشأن مساعدتها في محاربة العدوان الإرهابي". وأكد أن سبب تنامي الإرهاب والتطرف يكمن في السياسة المتهورة والخاطئة لأمريكا لاستخدام "القوة الخشنة"، بما في ذلك التدخلات العسكرية في العراق وليبيا. وذكر بأن الإرهابيين يستغلون انهيار مؤسسات الدولة، ونتائج التجارب الخاطئة ل "تصدير الديمقراطية" إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنجاح لتوسيع مناطق سيطرتهم. واستطرد الرئيس الروسي قائلا: "الأوضاع في العالم مازلت بعيدة عن الاستقرار، وهي تغدو أقل قابلية للتنبؤ". وأشار الرئيس الروسي إلى حصول تغيرات جذرية في جميع مجالات العلاقات الدولية ، مع تنامي المنافسة على مناطق النفوذ والموارد الطبيعية. وأضاف أن البعض يحاول التخلي عن أي قواعد في هذه المنافسة. وعرج بوتين على محاولة واشنطن فرض إرادتها على العالم واعتبر أن أنشطة حلف شمال الأطلسي تستهدف زعزعة التكافؤ العسكري الذي تشكل في العالم على مدى العقود الماضية. وأوضح بوتين قائلا: "يتظاهر الناتو اليوم بتوجهاته المناهضة لروسيا عمدا، وهو لا يكتفي بالبحث عن تبريرات لشرعيته ونفعية وجوده فحسب، بل ويتخذ خطوات عملية تحمل طابع المواجهة تجاهنا". وأكد أن روسيا تراقب كل هذه النزعات عن كثب، وهي تعرف الطريق للرد عليها بشكل مناسب، وستعمل على تقديم مثل هذا الرد في المستقبل. وشدد قائلا: "إننا لا ننوي الانجرار وراء الحمى العسكرية، التي يحاولون دفعنا نحوها كما يبدو، كما يحاولون استفزازنا لجرنا إلى سباق تسلح باهظ الثمن وعديم الآفاق، ليجعلونا نفرط في القدرات والموارد الضرورية لإحراز أهم المهمات المتعلقة بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية". وأكد الرئيس أن روسيا لن تكون ضعيفة، بل ستبقى قادرة على الدفاع عن نفسها وضمان أمنها القومي وأمن مواطنيها. وجدد دعوة موسكو إلى ضمان الأمن الموحد وغير القابل للتجزئة في العالم من أجل الحيلولة دون تطور الأحداث وقف سيناريوهات غير قابلة للسيطرة. تهديد مباشر لروسيا أصرت موسكو منذ بدء عمليتها العسكرية في سوريا، على تأكيد أولوياتها بمحاربة الإرهاب والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية. الرؤية الروسية ارتكزت على نقطتين: الأولى تتمثل في أن تمدد الإرهاب سيطاول جميع الدول، وستكون حصة روسيا كبيرة نسبيا نظرا لوجود آلاف المقاتلين في صفوف الجماعات الناشطة على الأرض السورية من دول الاتحاد الروسي والإتحاد السوفيتي سابقا، وتتمثل الثانية في أن التدخل العسكري الخارجي على غرار ما حصل في ليبيا والعراق، سيؤدي إلى تدمير هياكل الدولة الحكومية والإدارية، وسيخلق فوضى تخلخل توازن الشرق الأوسط. زيادة على نجاحات الجيش السوري المدعوم من طرف القوات الروسية يمضي الكرملين في تفكيك التحالفات التي أقامها البيت الأبيض لإسقاط النظام السوري. تطبيع العلاقات بين الكرملين وحكومة تركيا يسير في هذا الإتجاه، وقد صدرت تصريحات تركية كثيرة بهذا الشأن خاصة وان الرئيس أردوغان تيقن أن هناك خططا لتقسيم بلاده. رئيس وزراء تركيا الجديد يلدريم صرح في نهاية شهر يونيو 2016 أنه يجب وقف الحرب العبثية على أرض الشام. وأضاف في تصريحات حول سياسة حكومته "انه يعي حقائق الوضع المضطرب الذي يحيط بتركيا، وان حكومته ستعمل على زيادة عدد الاصدقاء وتقليص الاعداء"، في عودة كلية الى سياسة خلفه اوغلو، ولكن دون ان يسميه، لكن النقطة الأهم في الخطاب التي توقف عندها المراقبون داخل تركيا وخارجها، قوله "ان اخواننا يقتلون منذ خمس سنوات في حرب عبثية في سوريا" مشيرا الى ضرورة "وقف هذه الحرب"، دون ان يتطرق مطلقا الى شرط اسقاط النظام السوري. وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أكد أن بلاده ستواصل سياسة تقريب المواقف مع موسكو حول الملف السوري. وقال في مقابلة مع قناة "إن تي في" التركية، أن "بذل الجهود من أجل تقريب مواقفنا، استمر حتى في فترة اختلاف الآراء إزاء المسألة السورية. وسنتمسك بالنهج ذاته". وأضاف: "قلنا دوما أن على روسياوإيران اداء دور هام في البحث عن حل مستقر في سوريا ومن الضروري انخراطهما في هذه العملية". وفي السياق، أعلن السفير الروسي في دمشق، ألكسندر كينشاك، أن قرار موسكو تطبيع العلاقات مع تركيا قد ينعكس إيجابا على تسوية الأزمة السورية، وعلى جهود مكافحة الإرهاب. كذلك، رأى كينشاك في مقابلة مع صحيفة «إزفيستيا» الروسية أن "الهيئة العليا للمفاوضات" التي تمثل المعارضة السورية حسب التوصيف الأمريكي غير مستعدة لخوض حوار بناء مع الحكومة، على الرغم من التقدم الذي حصل على مستوى إيصال المساعدات الإنسانية، والتزام الطرف الحكومي باتفاق وقف الأعمال القتالية. وأشار إلى أن المحادثات لا يمكن أن تستمر اذا استمرت مطالبة "الهيئة" برحيل الرئيس السوري، موضحا أن المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لم يحدد موعد الجولة المقبلة بعد، ولا يرى ضرورة في استئناف المحادثات ما دامت الأطراف المعنية غير مستعدة لحوار بناء وجدي. وأضاف أن "ممثلي القيادة السورية يبدون استعدادهم للتعاون مع روسيا وتنسيق مواقفهم معها في اطار التسوية السياسية... طبعا يتخلل هذا أحيانا اختلاف في وجهات النظر وهذه مسألة طبيعية". ونفى السفير استهداف القوات الجوية الروسية لمواقع "المعارضة المعتدلة"، مؤكدا التزام بلاده "تنفيذ كافة التزاماتها"، ومشيرا إلى أن القوات الروسية تستهدف المجموعات المسلحة التي تتشارك مع "جبهة النصرة" التي لا يشملها اتفاق الهدنة. وقال كينشاك: "طلبنا من شركائنا تزويدنا بإحداثيات مواقع مجموعات المعارضة التي يدعمونها، غير أنهم تجاهلوا طلبنا"، موضحا أن الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا رفضوا إدراج "جيش الإسلام" و"أحرار الشام" في قائمة التنظيمات الإرهابية، بحجة عدم كفاية الأدلة، غير أن السبب الحقيقي هو "الكيل بمكيالين ومحاولة تقسيم المعارضة إلى جيدة وسيئة ومعتدلة وغير معتدلة". ولفت إلى أن روسيا "تدعم كافة القوى التي تحارب داعش ومن ضمنها الأكراد"، منوّها إلى أن "إحدى الصحف السورية ذكرت بأن هجوم الأكراد من الشمال باتجاه الرقة والقوات الحكومية من الغرب باتجاه المدينة نفسها، يجري بالتنسيق بينهما، ما أجبر داعش على توزيع مسلحيه على جبهتين". وتابع قائلا: "البعض اعتبر هذا منافسة بين الحكومة والأكراد. ليس هناك ما يستوجب اعتبار هذا التنسيق منافسة، لأن المسألة لا تكمن في من يدخل المدينة أولاً، بل في أهمية تحريرها". عمر نجيب [email protected]