عاد المحللون والمعلقون إلى الإختلاف مرة أخرى حول التطورات المستقبلية المحتملة للصراع متعدد الأطراف الدائر على أرض الشام منذ أكثر من خمس سنوات، البعض يقدر أن إتفاقية وقف الأعمال القتالية التي توصلت إليها كل من موسكووواشنطن والتي تستثني تنظيمي داعش والنصرة وأطراف أخرى ستصمد وأن الأطراف التي تقاتل من أجل إسقاط النظام السوري ستضطر في نهاية المطاف إلى القبول بتسوية سياسية لا تلبي غالبية مطالبها وأن موسكو ستثبت إنتصارها سياسيا وعسكريا وستقدم للبيت الأبيض وسائل وتفسيرات لحفظ ماء الوجه وعدم الظهور كالطرف المنهزم في الصراع الذي إنطلق لتنفيذ مشروع المحافظين الجدد حول الشرق الأوسط الجديد. محللون آخرون يرون أن إتفاق وقف الأعمال القتالية الذي شرع في تنفيذه إبتداء من ليلة الجمعة السبت 26 و 27 فبراير 2016 سينهار في نهاية المطاف لإستحالة توصل الأطراف التي تريد اسقاط دمشق إلى تحقيق مطالبها عبر مفاوضات جنيف أو غيرها وأن موسكو ستضطر إلى العودة عسكريا بثقل أكبر إلى الساحة وستغرق في مستنقع الحرب، وستتدخل دول أخرى وخاصة الولاياتالمتحدةوفرنسا وتركيا من أجل ترجيح كفة خصوم الحكومة السورية وزيادة خسائر موسكو، وفي النهاية أما سيتم التخلص من الحكومة السورية ومختلف أجهزتها السياسية والأمنية والإستخبارية والعسكرية، أو سيتم تقسيم سوريا وترك سلطة الرئيس الأسد تتقلص في منطقة ساحلية ضيقة مشرفة على البحر المتوسط. ما بين هذه التوقعات للمحللين هناك تفريعات مختلفة ولكنها لا تمس بالعناصر الرئيسية. متابعة التطورات على الساحة خاصة العسكرية تسمح بإستشراق عدد من المعطيات التي تختلف كثيرا عن عدد من التوقعات. التطورات العسكرية تفرض نفسها يوم 27 مارس 2016 جاء في تقارير بثتها وكالتا رويترز وفرانس برس: "الحق الجيش السوري بدعم روسي الاحد هزيمة ساحقة ب "داعش" عبر استعادة السيطرة على مدينة تدمر الاثرية وكل الأحياء السكنية بها ووعد بطرده من معاقله الرئيسية في سوريا. وهذا الانتصار هو الاكبر للجيش على التنظيم منذ بدء تدخل روسيا في الحرب. وبعد استعادة المدينة الاثرية التي يعود تاريخها الى اكثر من الفي عام، لم يبق امام الجيش الا طرد عناصر التنظيم من بلدة العليانية على بعد 60 كلم جنوبا لاستعادة البادية السورية بالكامل والتقدم نحو الحدود العراقية الخاضعة بالجزء الاكبر منها ل "داعش". وقال مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن لوكالة "فرانس برس" ان "قوات النظام استعادت السيطرة على تدمر" وان المعارك "التي استمرت نحو ثلاثة اسابيع اسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 400 من داعش"، مؤكدا "انها اكبر حصيلة يتكبدها في معركة واحدة منذ ظهوره" في اوج النزاع السوري في 2013. واضاف ان "ما لا يقل عن 180 عنصرا من الجيش والقوات المؤازرة قتلوا" في هذه المعارك ايضا. ونقل التلفزيون الرسمي صور الدمار داخل متحف تدمر الذي شهد معركة عنيفة، حيث بدت رؤوس تماثيل منقلبة على الارض التي غطاها الركام تحت فجوة كبرى في السقف. وافاد مصدر عسكري سوري ان "وحدات الهندسة في الجيش تعمل على تفكيك عشرات الالغام والعبوات الناسفة داخل المدينة الاثرية" التي تحتوي على كنوز دمر التنظيم المتطرف بعضها. واعلنت موسكو من جهتها ان المقاتلات الروسية قامت باربعين طلعة في منطقة تدمر في الساعات ال24 الاخيرة ووجهت ضربات الى 117 هدفا "ارهابيا". وقد بدأت القوات السورية مدعومة بالطيران الروسي وقوات خاصة روسية، في السابع من مارس 2016 هجومها لاستعادة تدمر من "داعش". وكان التنظيم قد سيطر منذ مايو 2015 على المدينة المعروفة بآثارها ومعالمها التاريخية وادرجتها منظمة الاممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم "يونيسكو" على لائحتها للتراث العالمي. وفي وقت سابق يوم الاحد افاد مصدر عسكري ان مسلحي "داعش انسحبوا باتجاه السخنة والبعض باتجاه الرقة ودير الزور" معاقلهم في شمال وشرق سوريا. وارتكب "داعش" فظائع في المنطقة التي سيطر عليها ودمر آثارا مهمة في المدينة بينها معبدا با وبعل شمين بتفجيرهما. وفي سبتمبر 2015 دمر اضرحة برجية في المدينة قبل ان يهدم قوس النصر الذي يشكل رمز هذه المدينة التي يبلغ عمرها اكثر من الفي عام. لكن مدير عام الاثار والمتاحف السورية مأمون عبد الكريم اعلن الاحد ان غالبية التماثيل التي دمرها الجهاديون في تدمر قابلة للترميم وان هذه المدينة الاثرية "ستعود كما كانت". وقال عبد الكريم: "كنا نتوقع الأسوأ، لكن المشهد العام بخير". وجود أكثر فاعلية يوم الأربعاء 23 مارس اعلن قائد القوات الروسية في سوريا الجنرال الكسندر دفورنيكوف في مقابلة نشرها الموقع الالكتروني لصحيفة روسيسكايا غازيتا الرسمية "لا اريد ان اخفي ان وحدات من قواتنا الخاصة تنشط على الاراضي السورية". واضاف "تقوم بجمع معلومات لتحديد الاهداف التي يقصفها الطيران الروسي وارشاد الطائرات الى مواقع الاهداف في المناطق المعزولة والقيام بمهمات خاصة اخرى". واوضح الجنرال دفورنيكوف ان "المستشارين العسكريين يعملون في سوريا ويواصلون العمل فيها على كل المستويات بما في ذلك تقنيا" موضحا ان "هؤلاء الضباط يساعدون زملاءهم السوريين في التخطيط والقيام باعمال عسكرية ضد الارهابيين". واشار الى انه بفضل تدخلهم "تم تشكيل جهاز مستشارين عسكرين في مهلة وجيزة من القوات السورية". واكد انهم "انجزوا بنجاح المهمة وهي تدريب القوات النظامية والقوات الكردية بالاضافة الى فصائل وطنية اخرى". وتشكل خسارة تدمر الهزيمة الكبرى الثانية ل "داعش" في سوريا، بعد طرده من مدينة عين العرب "كوباني" في يناير 2015 في معركة قادتها فصائل مسلحة كردية. وقبل النزاع في سوريا الذي بدأ في 2011، كان اكثر من 150 الف سائح يزورون هذه الواحة الواقعة في البادية على بعد 210 كلم شمال شرقي دمشق. وياتي هذا الانجاز الميداني بعد نحو شهر على سريان هدنة في سوريا بين النظام وفصائل المعارضة، تلته جولة اولى من المفاوضات غير المباشرة في جنيف بين الاطراف برعاية الاممالمتحدة في سبيل حل سياسي لنزاع قتل حتى الان اكثر من 270 الف شخص وهجر الملايين. وتسعى الاممالمتحدة الى تنظيم جولة ثانية في 9 - 10 أبريل. وفور دخول الجيش السوري تدمر أكد الرئيس السوري بشار الأسد، أن تحرير تدمر، يعد "انجازا مهما ودليلا جديدا على نجاعة الاستراتيجية التي ينتهجها الجيش السوري وحلفاؤه في الحرب على الإرهاب، مقابل عدم جدية التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة" في ذلك. وأشار الأسد خلال استقباله وفدا فرنسيا يضم عددا من البرلمانيين والمثقفين والباحثين والإعلاميين، إلى أن "زيارات الوفود البرلمانية إلى سوريا واطلاعها على حقيقة الأوضاع في مختلف المناطق والمدن السورية، يمكن أن تساعدها على العمل بشكل فاعل لتصحيح السياسات الخاطئة والمفاهيم القاصرة التي تتبناها حكومات بعض الدول ومن بينها فرنسا، تجاه ما تشهده سوريا والتي لم تقتصر على توفير الغطاء للإرهابيين"، موضحا إلى أن فرنسا "عملت أيضا على فرض عقوبات اقتصادية جائرة أثرت سلبا على أساسيات الحياة بالنسبة للشعب السوري". يذكر أن الأسد كان قد صرح قبل إستقباله الوفد الفرنسي، أن لا رهان على الحل السياسي مع هذه المعارضة. أمام الارهاب لا حل إلا بالمواجهة والنصر. والرهان الحقيقي هو على الحسم العسكري مع القوى الارهابية وتعزيز منطق المصالحات السورية. أما صياغات النظام وآلياته وشكله ومستقبله فهي شؤون يقررها السوريون وحدهم. واعتبر أن الانتصار على الارهاب سيمهّد الطريق أمام حل سياسي يُستفتى عليه الشعب السوري. وأضاف الأسد إننا نؤمن بالحل السياسي. ولكن هذا الحل يحتاج الى حوار مع من هو قادر على اتخاذ القرار. هذه المعارضة تدار من قطر وتركيا ولا مشروع سياسيا لها، وأطرافها مختلفون على كل شيء. لذلك فإن الحوار مع هؤلاء لن يجدي، ولا رهان كبيرا على الحل معهم. نحن اليوم نتحاور مع المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا الذي ينسق مع اسياد هؤلاء. التفاوض الفعلي يجري مع دي مستورا. وأكد أن «الحل الحقيقي هو في توحد الجهود في وجه الجماعات الارهابية وتعزيز منطق المصالحات. لا يمكن أن نتحاور مع الارهاب ولا حل الا بانهائه عسكريا، والدليل ان الحرب مع هؤلاء لا تزال مستمرة»، مشيراً الى أن هناك 62 الفاً كانوا فارّين من وجه العدالة قبل الأحداث وجدوا في الفصائل الارهابية ملاذا لهم «ونحاول استعادتهم عبر العفو العام". خطوط بوتين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هنأ نظيره السوري بشار الأسد باستعادة مدينة تدمر. وشددت الرئاسة الروسية على الدور المركزي لموسكو في هذا الانجاز الميداني. وقال الكرملين في بيان انه في اتصال هاتفي "بادر إليه الجانب الروسي"، هنأ بوتين "بشار الأسد بالخاتمة السعيدة للعملية الواسعة النطاق التي قامت بها القوات السورية بدعم من القوات الجوية الروسية والتي هدفت إلى تحرير مدينة تدمر". وأضاف البيان أن الرئيس السوري "أعرب عن امتنانه للدعم الفاعل الذي قدمته القوات الجوية الروسية". ونقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف ان الرئيس السوري "شدد على ان تقدما مثل تحرير تدمر ما كان ممكنا من دون دعم روسيا". وأفاد بيسكوف بأن بوتين أكد للأسد أنه بالرغم من سحب الجزء الرئيسي من العسكريين الروس من سوريا، فإن القوات المسلحة الروسية ستواصل دعم السلطات السورية في تحرير أراضي البلاد من المجموعات الإرهابية. وبعد تحرير المدينة امر بوتين "بتامين اكبر قدر من الدعم للجانب السوري لإزالة الألغام والمتفجرات من الأراضي المحررة بالنظر إلى أهميتها بالنسبة إلى التراث العالمي". وفي السياق نفسه، اجرى بوتين في وقت سابق الاحد اتصالا هاتفيا بالمديرة العامة لمنظمة "اليونيسكو" ايرينا بوكوفا. وتوافق بوتين وبوكوفا على أن "اليونيسكو وروسيا وسوريا يمكنها أن تتخذ قريبا كل الإجراءات الضرورية لتقييم الأضرار التي ألحقها الإرهابيون بتدمر ووضع خطة اعادة بناء لما يمكن إعادة بنائه"، على ما صرح بيسكوف. التقدم نحو الحدود العراقية خبراء عسكريون في موسكو وبرلين أشاروا أن تحرير تدمر يعد نصرا كبيرا للجيش السوري وحلفائه. وتتيح السيطرة على المدينة، الواقعة في عقدة مواصلات وسط بادية الشام، للجيش السوري التقدم شمالا باتجاه مدينة الرقة، أهم معاقل "داعش" في سوريا، كما يفتح الطريق أمام التقدم إلى دير الزور شمالا، وإلى الغوطة الشرقية لريف دمشق، وريفي السويداء ودرعا جنوبا. ويسهم هذا التطور المهم في عزل التواصل الجغرافي ل"داعش" مع أرياف حمص وحماة غربا، والحدود العراقية شرقا. ويضيق الخناق على التنظيم الإرهابي، ويقلص من مساحة سيطرته الجغرافية كثيرا. كما أن تحرير المدينة ينهي سيطرة "داعش" على عدد من حقول النفط والغاز المهمة في محيط المدينة، ويبعد تهديداته المباشرة لجزء مهم من المطارات والقواعد العسكرية للجيش السوري في ريفي حمص الشرقي والشمالي الشرقي. ويرى مراقبون أن تحرير تدمر يضع الولاياتالمتحدة وحلفاءها في التحالف الدولي في موقف محرج. فمن جهة، يكشف عدم نجاعة غارات التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة في محاربة "داعش" بالرغم من الإعلان عن آلاف الطلعات والغارات على مواقع التنظيم في سوريا منذ نحو سنة ونصف السنة. ومن جهة أخرى، فهو يضعها أمام مسؤوليتها في إثبات حقيقة نيتها في محاربة "داعش" بجدية وسرعة. وأخيرا، فإن تحقيق نتائج سريعة عبر التنسيق بين القوات السورية والجانب الروسي يوضح أن الغارات الجوية وحدها لن تكون مؤثرة في حال غياب تنسيق مع قوى على الأرض، ما يضع واشنطن أمام خيارات، ربما لم تكن ترغب فيها. ومنها زيادة التنسيق مع القوات السورية، التي أصبح بمقدورها الآن التقدم نحو مراكز التنظيم فيما يسمى بشبه الجزيرة السورية. مصادر رصد في برلين ذكرت أن جهودا كبيرة بذلت من طرف قوى معادية لدمشق لمنع سقوط تدمر حيث عبر مئات المقاتلين الحدود التركية مع العراق خلال الأسابيع الماضية ومنها توجهوا بمعدات عسكرية جديدة وأجهزة إتصال وتشويش من أحدث الأنواع إلى جبهة تدمر ولكن ذلك لم ينفع في منع تقدم الجيش السوري بدعم روسي تضمن تعطيل الأجهزة الحديثة التي حصل عليها مقاتلو داعش. ترجمة سياسية جاء في تعليق لموقع رأي اليوم من لندن: الانجاز العسكري الذي حققه الجيش العربي السوري وحلفاؤه سيترجم سياسيا من حيث تعزيز موقف النظام التفاوضي، ومكانته الاقليمية والدولية، لانه سيظهر بمظهر القوة الرئيسية التي تقاوم الحركات "الجهادية" المصنفة على قائمة الارهاب العالمية، والحاق هزائم بها. مضافا الى ذلك، سيأتي اخراج قوات "الدولة الاسلامية" من تدمر بعد معارك دموية ادت الى مقتل 400 من مقاتليها، مقابل 180 من الجنود السوريين وحلفائهم، ردا مباشرا على اتهامات المعارضة السورية التي كانت تؤكد في ادبياتها ان النظام السوري هو الذي اسس هذه "الدولة" ودعمها، وانها تقاتل لمصلحته وتحقيق اهدافه. استعادة القوات السورية لمدينة تدمر يسلط الاضواء على امرين اساسيين: الاول التدخل العسكري الروسي ما زال مستمرا، ويحقق اهدافه من حيث تقوية الجيش السوري وقيادته، وتصليب بقاء الرئيس بشار الاسد في قمة الحكم، والثاني: ان التفاهمات الامريكية الروسية حول وقف العمليات العسكرية التي ما زالت صامدة على الارض، كانت تهدف الى اعطاء الاولوية، وتركيز الجهود للقضاء على "الدولة الاسلامية" وخطرها، ثم بعد ذلك يتم التفرغ للمفاوضات السياسية لرسم خريطة "سورية الجديدة". لا شك ان الرئيس السوري بشار الاسد الذي واجه الكثير من الضغوط والنكسات العسكرية طوال السنوات الخمس الماضية سيجد نفسه في موقف تفاوضي قوي، ليس في مواجهة المعارضة السورية المدعومة من واشنطن والرياض، وانما في مواجهة التحالف الستيني الدولي الذي كان يطالب برحيله عن الحكم، وتوقع ان تكون ايامه معدودة في بداية الازمة. ومن راقب الابتسامة العريضة التي كانت مرسومة على وجهة اثناء استقباله وفدا برلمانيا فرنسيا في دمشق يدرك جيدا حجم الارتياح الذي يعيشه حاليا الرئيس السوري من جراء هذا الانجاز العسكري الكبير الذي قد يشكل عنصر تحول رئيسيا في مسيرة الازمة السورية. وفد الحكومة السورية الذي سيتوجه الى جنيف في غضون ايام للمشاركة في الجولة الثانية المباشرة من المفاوضات سيكون في موقف اقوى، مما يجعله يتصلب اكثر في التمسك بخطوطه الحمر، وابرزها واهمها، وان "مقام" الرئيس الاسد ليس مطروحا على جدول الاعمال، وما يعزز هذا الرأي ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعلن بعد لقائه جون كيري وزير الخارجية الامريكي قبل ثلاثة ايام ان واشنطن اقتنعت بعدم الحديث عن مستقبل الاسد، وهذا قبل استعادة تدمر فكيف سيكون عليه الوضع بعدها؟ واشنطن ترضخ لشروط موسكو كتب الصحفي والمحلل عبد الباري عطوان يوم 26 مارس: ثلاثة تطورات رئيسية يمكن رصدها على صعيد المشهد السوري عززت موقف الرئيس السوري بشار الاسد وموقعه في قمة السلطة، واضعفت خصومه في المعارضة السورية في الوقت نفسه، وهي تطورات ستكون عاملا مؤثرا في رسم خريطة المستقبل السوري سياسيا وعسكريا: الاول: تفجيرات بروكسل التي ابرزت قوة وخطر "الدولة الاسلامية" من حيث نجاحها في نقل الحرب الى عواصم الدول الاوروبية، واثبات قدرتها على اختراق القلاع الامنية الصلبة المكلفة بحماية المطارات ومحطات القطارات، وتجنيد خلايا محلية انتحارية، لتنفيذ هذه التفجيرات، وتأكيد وجهة النظر السورية الروسية المشتركة بضرورة اعطاء الاولوية لمحاربة الارهاب، والتسريع في ايجاد حلول سياسية للازمة السورية. الثاني: بدء حملة الربيع العسكرية في كل من سوريا والعراق، ونجاح قوات الجيش العربي السوري النظامية في استعادة مدينة تدمر وقلعتها الاثرية. الثالث: عدم وجود أي نص في وثيقة المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا التي تضمنت 12 نقطة حول مستقبل الرئيس السوري، والتأكيد على علمانية الدولة السورية، ووحدة اراضيها وسيادتها، وهذا يعني انه لن يكون هناك أي دور في مستقبلها، اي الدولة السورية، للجماعات والحركات الإسلامية المعتدلة او المتشددة. وما يؤكد هذه الخلاصة، اعلان سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي في تصريح صحافي نقلته وكالة انترفاكس الرسمية "ان الولاياتالمتحدة تفهمت موقف موسكو بأنه ينبغي عدم مناقشة مستقبل الرئيس الاسد في الوقت الراهن". هذا التأكيد جاء بعد اجتماع مطول استمر اربع ساعات في الكرملين حضره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف من ناحية، وجون كيري وزير الخارجية الامريكي والوفد المرافق له من الناحية الاخرى. وما يمكن استخلاصه من هذا الاعلان الروسي والظروف المحيطة به، ان ما اعلنه وليد المعلم وزير الخارجية السوري في مؤتمره الصحافي الذي عقده قبل بدء مفاوضات جنيف بيومين من ان "مقام" الرئيس الاسد خط احمر لا يمكن، بل غير مسموح، المس به لانه ملك للشعب السوري هو الذي تحقق، بل تأكد، في ختام الجولة الاولى من محادثات جنيف في الوقت الراهن على اقل تقدير. تفجيرات بروكسل، وندم الرئيس باراك اوباما على تدخل بلاده العسكري في ليبيا، واتهامه الصريح لأطراف عربية بنشر التطرف والارهاب في مقابلته مع مجلة "اتلانتيك" كلها مؤشرات تصب في مصلحة بقاء الرئيس الاسد في المستقبل المنظور، وباتفاق وجهات نظر الدولتين العظميين على وجه الخصوص. اذا تأملنا مسيرة مفاوضات مجموعة فيينا للتوصل الى حل سياسي في سوريا نجد انها تتضمن تراجعات تدريجية عن كل ما جرى التوافق عليه حول المرحلة الانتقالية لمصلحة تعزيز وجود النظام السوري والتسليم بمعظم شروطه ومطالبه، فهيئة الحكم الانتقالي، تحولت الى "هيئة حكم سياسي"، وصلاحياتها تآكلت عندما أصبح الحديث السائد عن حكومة موسعة من السلطة والمعارضة ثلثها من النساء، ولا نص على رحيل الاسد سواء، في بداية هذه الهيئة او في نهايتها. ولا نعرف من اين سيأتي وفد الهيئة العليا للمفاوضات القادم من الرياض الى جنيف، على عشر نساء مثلا او حتى خمسة، وجميع اعضاء وفده الى مفاوضات جنيف من الرجال باستثناء سيدة واحدة، وكبير مفاوضيه محمد علوش يتزعم تنظيم "جيش الاسلام" المتشدد ويرفض العلمانية ويعتبرها كفرا. باختصار شديد نقول ان الجانبين الروسي والامريكي اتفقا على انهما بحاجة ماسة الى الجيش السوري النظامي للمشاركة في الحرب للقضاء على التنظيمات الجهادية الاسلامية المتشددة، و"الدولة الاسلامية" و"جبهة النصرة" على وجه الخصوص، وتقدمه المفاجيء نحو تدمر، ومعاركه الطاحنة في دير الزور هي بداية تنفيذ الاتفاقات السرية في هذا الخصوص. هذه هي الحقيقة التي يجب ان تسلم بها المعارضة السورية التي بدأ حلفاؤها يتخلون عنها تدريجيا، ابتداء من تركيا التي وصلت التفجيرات الارهابية الى عاصمتها السياسية والاقتصادية، ودمرت صناعتها السياحية التي تدر 36 مليار دولار على خزينتها سنويا، ومرورا بقطر التي اختارت البقاء في الظل، وتخلت عن دورها القيادي في بداية الازمة السورية، وانتهاء بالمملكة العربية السعودية التي تعيش صدمة اتهامات اوباما لها بدعم الارهاب، وتبرئة ايران، خصمها الاستراتيجي منه، ومطالبتها بسلام بارد معه، ورفضه الانجرار الى خوض حروبها. الحفاظ على ماء الوجه في تأكيد على أن البيت الأبيض يتكبد مع مرور الأيام مزيدا من الفشل والتعثر في سوريا ويرضخ لطلبات موسكو، كما يقول العديد سواء من المحللين أو خصوم الرئيس الأمريكي، يحاول مساعدو الرئيس أوباما تقديم صورة مختلفة، وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إمتدح الدور الروسي في سوريا وإيران. وفي مقابلة مع برنامج "فيس ذا نيشن" على شبكة "سي بي اس" الأمريكية يوم 26 مارس، رد كيري على الانتقادات القائلة إن روسيا انتصرت وحصلت على قواعد في سوريا بسبب السياسة الأمريكية، قائلا "إن هذا أمر سخيف وهراء، لأن الروس كان لديهم موقع قدم في سوريا منذ سنوات وقد بنوا الدفاعات الجوية السورية، ولدى أمريكا تسهيلات في قاعدة إنجرليك التركية وقاعدتان في البحرينوقطر ولا تريد قاعدة في سوريا، ولا يوجد أي تهديد من وجود قاعدة روسية في سوريا". وأضاف أنه "من مصلحة الولاياتالمتحدة إذا استطاعت روسيا أن تحقق الاستقرار عبر عملية سلمية تنهي الحرب في سوريا التي تهدد أوروبا والأردن ولبنان وإسرائيل". وقال "إن روسيا ساعدت في التوصل للاتفاقية النووية مع إيران، وفي التخلص من الأسلحة الكيميائية في سوريا، وتساعد في وقف الأعمال العدائية في سوريا. وإذا ساعدت في تحقيق عملية الانتقال السياسي في سوريا فهذا كله يفيد الولاياتالمتحدة استراتيجيا". وحول مصير الأسد، قال إنه لا يستطيع القول متى سيذهب الأسد، ولكن إذا لم يتنح ويسمح بالفترة الانتقالية، فلن يكون هناك سلام في سوريا. وأضاف كيري: الروس ليسوا متزوجين من الأسد وهم يعتقدون أن الشعب السوري يجب أن يقرر عبر العملية السلمية مصير الأسد. محللون أشاروا أن واشنطن تقبل الآن ما تطالب به دمشق في أن الشعب السوري وعبر الإستفتاء سيقرر مصير الرئيس الأسد. الوضع في ليبيا سيبدو نزهة في بادرة لدعم إدارة البيت الأبيض في جهودها للحفاظ على ماء الوجه في المرحلة الحالية من الصراع، دعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخوروفا، إلى عدم تناسي حقيقة أن الرئيس السوري بشار الأسد كان صديقا للغرب قبل أن يكون صديقا لروسيا. وقالت زاخاروفا للصحفيين، يوم الأحد 27 مارس: "ليس الأسد من نقوم بدعمه.. لا تنسوا أنه لم يكن أفضل صديق لنا، وإنما صديقا للغرب.. ونحن ندعم الحفاظ على الحكومة الشرعية والسلطة، لإدراكنا أنه إذا رحل الرئيس، ستتبعه الحكومة، وستنهار السلطة التنفيذية والجيش، وبالتالي فإن الوضع في ليبيا سيبدو نزهة بالمقارنة مع ما سيؤول إليه الوضع في سوريا"، حسب وكالة "نوفوستي". وتعليقا على المزاعم بأن روسيا أدخلت قواتها الجوية إلى سوريا من أجل دعم الأسد، قالت الناطقة باسم الدبلوماسية الروسية: "هذا الكلام كان يمكن أن يقال، لو أن روسيا أدخلت قواتها مثلا، لدعم جهة معينة في المواجهة في سوريا، في العام 2011 أو2012. إننا لا نؤيد هذا الطرف أو ذاك، في المواجهة الأهلية". وشددت على أن روسيا تنتهج سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لافتة إلى أن إطلاق موسكو العملية الجوية في سوريا جاء بهدف تفادي انهيارها عن طريق الحفاظ على السلطة الشرعية هناك. وأضافت: "بدأت روسيا عملية القوات الفضائية الجوية، كعملية قصيرة الأجل، وتم تحديد الأهداف بدقة، وهي مكافحة الإرهاب، لاسيما على خلفية فشل جهود التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة، على مدى عام. عملية القوات الجوية الفضائية الروسية، جرت بشفافية لا مثيل لها". الخطة البديلة يسجل ملاحظون أن هناك في واشنطن تنازعا بين تيارين بشأن السياسة المتبعة في سوريا، تيار يدرك أنه في المرحلة الحالية لا يجب التصدي بشدة للتطورات الإيجابية لحكومة دمشق ومسايرة الأحداث على أمل ظهور تطورات أفضل للمصالح الغربية، وتيار لا يقبل التخلي عن المشروع الأمريكي الأصلي للتخلص من نظام دمشق وإستكمال مسيرة إعادة رسم خرائط دول المنطقة. شبكة "سي إن إن" الأمريكية ذكرت يوم 26 مارس 2016 أن إدارة الرئيس باراك أوباما تجري هذه الأيام مناقشات بشأن "الخطة البديلة" في سوريا تحسبا لانهيار وقف إطلاق النار هناك. وأفادت بأن الخطة البديلة المذكورة قد تشمل إمكانية إرسال قوات خاصة إضافية، إضافة إلى إنشاء مناطق حظر جوي في سوريا. وبحسب الشبكة فإن القوات الخاصة الإضافية يمكن أن تستخدمها واشنطن لزيادة عدد عمليات مكافحة الإرهاب، وكذلك لتدريب مسلحين من المعارضة السورية "المعتدلة" وتقديم الاستشارات دعما لها. هذا وتقتضي "الخطة البديلة" تزويد هؤلاء بمزيد من الأسلحة، إلى جانب نية الإدارة الأمريكية إشراك "دول أخرى" ولم تذكرها المحطة لتوريد أسلحة ومساعدات أخرى للمعارضة المسلحة. ونقلت "سي إن إن" عن مسؤول في إدارة أوباما قوله إن واشنطن لا تزال تدرس إمكانية إنشاء "مناطق حظر جوي ومناطق آمنة للاجئين والنازحين" في سوريا، وإن كان البيت الأبيض ما زال يرى هذا المشروع "مكلفا جدا". وبحسب المحطة فإن "الخطة البديلة" تعد في الوقت الحالي "فكرة عامة أكثر منها تسلسل خطوات محددة، وليس هناك شيء متفق عليه". وأكد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الثلاثاء 23 فبراير، أن بلاده تدرس خيارات تتضمن "خطة بديلة" في حال لم يصمد وقف إطلاق النار في سوريا، وإذا لم تشهد البلاد مرحلة انتقالية قريبا. ورد عليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يوم الجمعة 26 فبراير بالقول أنه لا توجد أي خطة بديلة، وأنه لن تظهر أي خطط أخرى من هذا القبيل مستقبلا. أدوار تركيا وغوغل بينما تتغير الأوضاع العسكرية على ساحة بلاد الشام يسجل أن هناك مزيج من التصريحات والمعطيات التي يتم الكشف عنها وتظهر بعض خفايا الصراع. خلال الأيام الأخيرة من شهر مارس نشرت وسائل إعلام بريطانية تسريبات عن لقاء جمع زعيما عربيا مع أعضاء في الكونغرس الأمريكي، ذكر خلاله أن تسلل الإرهابيين إلى أوروبا جزء من السياسة التركية. وبحسب كل من صحيفة "الغارديان" وموقع "ميدل إيست أي" البريطانيين، فإن اللقاء تم في يناير 2016 وشارك فيه عدد من أعضاء الكونغرس، بمن فيهم السيناتور الجمهوري جون ماكين. وذكرت "الغارديان" أن المسؤول العربي قال: "الحقيقة أن تدفق الإرهابيين إلى أوروبا هو جزء من السياسة التركية، فهو من ناحية صفعة، ومن الناحية الأخرى محاولة للخروج من الورطة". وأشار بهذا الخصوص إلى أن أنقرة تحاول استغلال أزمة اللاجئين ودخول الإرهابيين إلى أوروبا من أجل تحقيق مصالحها. يوم 26 مارس أفشى موقع ويكيليكس رسائل إلكترونية تبادلتها وزارة الخارجية الأمريكية مع موظفي شركة غوغل الأمريكية، تدل على أن الأخيرة تعاونت مع واشنطن للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد. وتكشف التسريبات التي نشرها ويكيليكس أن جاريد كوهين، رئيس قسم "أفكار غوغل" وأحد الموظفين السابقين في وزارة الخارجية الأمريكية، كتب في عام 2012 إلى مسؤولين في مكتب هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية آنذاك، رسالة أخبرهم فيها بأن شركته غوغل تعمل على إطلاق أداة من شأنها أن تتعقب بشكل علني الانشقاقات في سوريا والأقسام التي ينتمي إليها المسؤولون في دمشق داخل هيكلية النظام، الأمر الذي نعتبره خطوة مهمة لتشجيع المزيد على الانشقاق وزيادة الثقة لدى المعارضة". واقترح كوهين تقديم هذه الأداة إلى وسائل الإعلام لإعطائها التغطية المطلوبة لنشرها على أكبر صعيد ممكن، مضيفا "في ظل صعوبة إيصال المعلومات إلى الداخل السوري الآن، سنقوم بالتعاون مع قناة الجزيرة التي ستكون المالك الأول لهذه الأداة التي قمنا ببنائها، وتقوم بدورها بتتبع البيانات والتحقق منها، وبثها مجدداً إلى سوريا". الإستخبارات الإسرائيلية في نفس اليوم تقريبا صرح رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيليّ، الجنرال هرتسي هليفي، إن الدولة العبرية تخوض حربا الكترونية شرسة وفي هذا السياق، لا بد من التذكير، بأن الوحدة 8200 التي تعمل تحت إمرته، تعتبر من أكثر الوحدات تطورا من الناحية التقنية والتكنولوجية ولها نشاطات واسعة في حروب الإنترنيت والشبكات، وقد انضم إليها الآلاف من العقول الإسرائيلية منذ إنشائها نظرا لشهرتها الواسعة، حيث تعمل على ضمان التفوق النوعي لإسرائيل من خلال عمليات دفاعية أو هجومية في الفضاء الإلكتروني. وبحسب موقع "ديفينس نيوز" الإسرائيلي فإن تل أبيب قامت منذ العام 2003 بتجنيد آلاف الشباب في هذه الوحدة مما أثار الجدل حينها حول الأسباب التي تستدعي استقطاب كل هذه الأعداد وطبيعة المهام التي ستوكل إليهم، لكن الأمر ظل مبهما وتعرضت الصحف العبرية لضغوطات لوقف النبش بالموضوع. لكن مع نهاية عام 2015 بدأت المعلومات تتسرب بأن من تم تجنيدهم شكلوا أكبر جيش الكتروني لنشر الفكر الصهيوني والتوغل في أعماق العالم العربي لتسميم بناه الثقافية والفكرية وضرب قيمه الأخلاقية والإنسانية والعقائدية، وقد أتاح له فضاء مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات والمواقع الالكترونية ميدانا مفتوحا للتحرك بحريّة كاملة. وبحسب المعلومات التي تم تسريبها، فإنّ فرقا من هذه الوحدة هي التي تتولّى تدريب جيوش الكترونية لمعارضات العديد من الدول والتي قادت ال"ثورات العربية" في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، في الوقت الذي يعمل الآلاف منهم بهدوء على بث الفتن وترويج الإشاعات واستهداف الناشطين والمثقفين وتأجيج فتن مذهبية دينية. هذا إلى جانب تلميع صور الجماعات المتطرفة، وأعمال استخبارية وتجسسية مختلفة، بكلمات أخرى، فإن جل اهتمام الوحدة في هذه الأيام هو كي الوعي العربي بما يتناسب مع مصالح إسرائيل. عمر نجيب [email protected]